أمن دولي ـ عوامل تصعيد العنف في الشرق الأوسط، حرب غزة

بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (2)

تصاعدت المخاوف من أن حرب غزة قد تمتد إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط، وذلك بعد تسريع وتيرة الهجمات والتصعيد في قطاع غزة، فمنذ اندلاع الحرب شهدت المناطق الحدودية لإسرائيل تصعيدا عسكريا متزايدا لا سيما “حزب الله” والبنى التحتية العسكرية التابعة له قرب الحدود.

تسريع وتيرة الهجمات والتصعيد إقليميا

تختلف التقديرات بشأن توسع حرب غزة إقليميا فعلى سبيل المثال هناك هجمات متبادلة بين حزب الله وإسرائيل على الحدود، ما يجعل هناك مسافة بعينها لا تتجاوزها أسلحة أي من الطرفين لعدم توسيع حدة الصراع، وهو ما يبدو أن الجانبين ينفذانه بدقة. وفي العراق، الوضع مختلف حيث القوات والمواقع الأميركية التي تستهدفها الجماعات الفصائل المسلحة، البعض منها موالية لإيران، تكون في حراسة أمنية عراقية، وبالتالي لا يمكن حدوث اشتباك مباشر بسهولة، ما يجعل الأمر مقتصر على مسيرات أو قذائف، ما يعني أن المعركة تخضع لحسابات أيضا. أما الجبهة اليمنية فإنها الأبعد، ولا تجد إسرائيل أو الولايات المتحدة صعوبة في رصد وإسقاط الصواريخ أو المسيرات الحوثية، ما جعل الجماعة تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر في السابع من ديسمبر 2023. الاتحاد الأوروبي ـ كيفية التعامل مع تداعيات حرب غزة؟

تنامي حدة الصراع بين إسرائيل وحزب الله

زادت بشكل ملحوظ وتيرة الصراع عبر الحدود بين إسرائيل وحزب الله اللبناني منذ اندلاع حرب غزة. وتنامت التحذيرات الأمريكية، مرارا وتكرارا في 29 ديسمبر 2023، من أن خطر التصعيد مرتفع للغاية ومن شأنه أن يؤدي إلى حرب تنجر إليها أطراف إقليمية أخرى. فكرت حكومة “بنيامين نتنياهو” في شن هجوم واسع النطاق على حزب الله في لبنان بهدف تقويض قدراته القتالية قبل أن يفتح جبهة ثانية. غير أن تقديرات استخباراتية أفادت أن الحزب سيتعافى فورا من أي هجمات إسرائيلية ويطلق صواريخه على أهداف استراتيجية داخل إسرائيل.

تشير التقديرات في الخامس من فبراير 2024 إلى أن حزب الله نفذ قرابة (700) ضربة ضد الأهداف الإسرائيلية شملت (48) موقعا ونقطة عسكرية إسرائيلية واستهداف (17) مستوطنة على الحدود بينهما. بينما نفذت إسرائيل أكثر من (50) ضربة ضد أهداف حزب الله في سوريا و(3400) هدف في لبنان و تدمير (150) خلية تابعة لحزب الله في لبنان، هذه التوترات تشير بوضوح إلى عدم الاستقرار الإقليمي الذي ضاعفته الحرب على غزة (10) مرات

تدفق شحنات أسلحة إلى مجموعات مرتبطة بإيران

واصلت إسرائيل في 19 نوفمبر 2024 قصف أهداف ومطارات في سوريا. منذ بدء حرب غزة، وتتعرض قواعد أميركية في سوريا والعراق بشكل شبه يومي لهجمات بمسيرات وقذائف وحتى صواريخ بالستية قصيرة المدى. أطلقت جماعات من داخل سوريا صواريخ على إسرائيل وهضبة الجولان ووصل عدد الهجمات إلى مايقرب من (20) هجوما. ويقول الباحث “آرون لوند ” في الشأن السوري في مركز “سنتشوري انترناشونال” إن “معظم الهجمات الإسرائيلية تهدف على الأرجح إلى تعطيل وصول شحنات أسلحة إيرانية إلى حزب الله والمجموعات الموالية لطهران داخل سوريا، وكذلك إلى إضعاف هذه الشبكات المرتبطة بإيران بشكل عام”.

أعلنت جماعات من داخل العراق، استهداف قاعدة “كونيكو” الأمريكية في سوريا، كما هاجمت هدفا عسكريا في الجولان بالطيران المسيّرة. استهدفت مدينة “إيلاتط الإسرائيلية. وحذرت تلك الجماعات الولايات المتحدة من أنها ستزيد عدد العمليات في سوريا والعراق، ردا على مواصلة واشنطن تقديم المساعدة العسكرية للجيش الإسرائيلي. أعلن “باتريك رايدر” الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية أن عدد الهجمات التي تعرضت لها القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا بلغ (130) هجوما منذ 17 أكتوبر 2023، مبينا أن القواعد العسكرية الأمريكية في العراق تعرضت لـ(53)هجوما، بينما تعرضت القواعد في سوريا لـ(77) هجوما.

حذر “مارتن غريفيث” مسؤول الإغاثة بالأمم المتحدة، من أن احتمال امتداد تداعيات الحرب من قطاع غزة إلى مصر أصبح حقيقة ماثلة أمام أعيننا في رفح”، وذلك في وقت يتكدس فيه نحو مليون فلسطيني في المدينة الحدودية، أغلبهم من النازحين في 15 فبراير 2024. أمن دولي ـ تداعيات حرب غزة وأوكرانيا على أمن أوروبا والشرق الأوسط

استمرار الهجمات في البحر الأحمر

أكدت القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” في 14 فبراير 2024 أنها قصفت صاروخ “كروز” بمناطق سيطرة الحوثيين باليمن،كان معدا لضرب سفن بالبحر الأحمر، وشنت الولايات المتحدة وبريطانيا ما مجموعه (6)غارات، قبل هذا الهجوم، على مناطق الحوثيين باليمن. أفادت جماعة “الحوثي” استهداف (34) سفينة استهدفت منها (14) سفينة أمريكية و(3) سفن بريطانية و(17) سفينة إسرائيلية منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023.

حذرت عدة حكومات دول غربية أبرزها الولايات المتحدة وبلجيكا وكندا والدنمارك وألمانيا وإيطاليا وهولندا والمملكة المتحدة من استمرار الهجمات في مياه البحر الأحمر وسط مطالبات بتجنب تصعيد الصراع، خاصة مع وجود قوات متعددة في المنطقة، مما يجعل الخطر أشد، وامكانيات إندلاع صراع وتوسعه أكبر، لا سيما أن الحوثيين محفزين بما يجري في غزّة بالإضافة إلى إرسال إيران لسفينة حربية ومدمرة إلى المنطقة لدعم الحوثيين.

تستهدف هجمات الحوثيين سفن الشحن المتجهة إلى إسرائيل وحدها ستكون لها عواقب على نطاق عالمي إذا انتهت إلى منع الملاحة في هذا المحور الحيوي، مما يجبر الولايات المتحدة على اتخاذ شكل من أشكال التوازن الجيوسياسي. وتظهر الصعوبة التي تواجهها الولايات المتحدة في إنشاء تحالف بحري يهدف إلى منع هذه الهجمات مدى العقبات القائمة.

مواصلة إسرائيل حربها في غزة

تستمر إسرائيل في التركيز على معاركها المباشرة في غزة والبحث عن مصير نحو (130) رهينة لايزالون محتجزين في القطاع. لكن من الواضح أنه حتى بعد انتهاء الحرب، فإن تأثير هذه الحرب سوف يظل محسوسا لسنوات عديدة عسكريا. وتعهد القادة العسكريون والسياسيون في إسرائيل بمواصلة الحرب، في عام 2024، رغم إعلان تخفيف حدة الصراع. وعلى الرغم من الضغوط الدولية المتزايدة لإنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية فإن نتانياهو وغيره من كبار القادة يتعهدون بمواصلة الهجمات.يقول الأدميرال “جيمس ستافريديس” المتقاعد والقائد السابق لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، “إن فرص نشوب حرب إقليمية في الشرق الأوسط ترتفع من 15% إلى 30 %”. مكافحة الإرهاب ـ حرب غزة وانعكاساتها على أمن فرنسا؟

أضاف “ستافريديس” إن اتساع رقعة الحرب أمر “لا يزال منخفضا نسبيا، لكنه أعلى من ذي قبل بشكل غير مريح”.ويصر المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون واللبنانيون، على أن مختلف الأطراف لا تريد أن تصبح الحرب في غزة صراعا أوسع نطاقا، يجتاح الشرق الأوسط. وتزايدت حدّة التوترات الإقليمية مع اغتيالقيادات من حركة حماس، في غارة جوية نُسبت إلى إسرائيل، دون أن تقر. وتعهد حزب الله الموالي لإيران، بأن مقتل تلك القيادات “لن يمر دون رد”.

“صراع الظل” البحري المستمر بين إسرائيل وإيران

وصلت المدمرة الحربية “ألبرز” البحر الأحمر، وتعمل السفن الحربية الإيرانية في المنطقة لتأمين الممرات التجارية ومواجهة القراصنة ومهمات أخرى” في الأول من يناير 2024. في المقابل شنت الولايات المتحدة هجوما إلكترونيا على سفينة عسكرية إيرانية في البحر الأحمر وخليج عدن كانت تجمع معلومات استخباراتية عن سفن الشحن، على ضوء التوتر المتصاعد في البحر الأحمر. إن الهجوم الإلكتروني كجزء من رد الحكومة على هجوم بطائرة مسيرة نفذته فصائل بالعراق، واستبدلت إيران سفينة التجسس في البحر الأحمر بعد تعرضها لهجوم، بينما تراقب الولايات المتحدة تحركات السفن الإيرانية في الشرق الأوسط، وسط تصاعد التوتر الإقليمي و”صراع الظل” البحري المستمر بين إسرائيل وإيران.

تقييم وقراءة مستقبلية

– يتزايد احتمال نشوب صراع أوسع في أعقاب الهجمات المتبادلة في الجماعات في العراق ولبنان وإيران وسوريا وهو السيناريو الذي يريد أن تتجنبه الحكومات على المستوى الإقليمي والدولي.

– يعد التصعيد بين إسرائيل وإي جماعات أخري لاسيما حزب الله سيأتي بمخاطر على الجانبين، حيث أنه يضم عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين ، ليكون خصما أكثر قوة من حماس ذات التسليح الخفيف نسبيا.

أبدت المزيد من الدول العربية تضامنها مع مواطي غزة يبدو أن حرب غزة قد حقق شيئا واحد وهو إعادة القضية الفلسطينينة إلى الأجندة الإقليمية والدولية.

– تخشى العديد من احكومات على المستوى الأقليمي والدولي أن يؤدي المزيد من التصعيد في غزة أو الضفة الغربية إلى عملية نزوح أكبر، ويؤدي ذلك إلى أزمة هجرة جديدة.

– يمكن القول أن تل أبيب لاتريد التورّط في صراع مباشر مع طهران واكتفت بهجمات متبادلة مع حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وجماعات أخرى في سوريا والعراق، لكنها لم تظهر أي رغبة في محاربة إيران بشكل مباشر.

– بات متوقعا أن يؤدي التصعيد مع أطراف إقليمية أخرى، إلى تورط الإدارة الأمريكية لكبح نفوذ موسكو وبكين المتصاعد بشكل أعمق في الشرق الأوسط.

رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=92951

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI

الهوامش

Attacks Heighten Fears of a Wider War for the Middle East and U.S.
http://tinyurl.com/2kytd44z

Fears are rising of a widened Middle East war and US troops are in the firing line
http://tinyurl.com/u5tj4w84

بين إسرائيل ووكلاء إيران.. تصاعد حدة التوترات ينذر بـ”إشعال جبهة ثانية”
http://tinyurl.com/47dfh5rv

الولايات المتحدة تشن هجوما إلكترونيا على ما يشتبه بأنها سفينة تجسس إيرانية
http://tinyurl.com/yvz8wcj7