جاري التحميل ...
بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات والتقارير “27”
تتزايد الحاجة يوما تلو الآخر، إلى إجراء إصلاح هيكلي كامل في بنيةأنظمة الأمم المتحدة بما فيها تشكيل مجلس الأمن وآلية عمله وقوانينه، وهي مطالب قد تكررت بشكل مستمر مؤخراً على لسان القادة الأوروبيين وغيرهم. ذلك لأن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يتحمل المسؤولية الأساسية عن صون السلام والأمن الدوليين. ويرى بعض الخبراء أن البنية الحالية لمجلس الأمن والذي تشكل في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لا تعكس الواقع الجيوسياسي اليوم، ونتيجة لهذا فقد أصبحت شرعية وفعالية وتمثيل مجلس الأمن موضع نقاش مستمر. خاصة مع تصاعد التوترات العالمية واستمرار الحرب في أوكرانيا واحتمالات توسيع نطاق الحرب في غزة على نحو إقليمي أكبر وأخطر، وعجز النظام الدولي وفي مقدمته مجلس الأمن الدولي عن وضع حدود أو إقرار حلول.
وبدلا من إصلاح النظام الدولي المنفتح والقائم على القواعد حتى يتمكن من تحقيق المنافع المتبادلة الموعودة بشكل أفضل، يتحرك المجتمع الدولي حاليا في الاتجاه المعاكس، وعلى هذا فإن الشركاء عبر الأطلسي والدول ذات التفكير المماثل يواجهون عملية توازن صعبة، ويتعين عليهم أن يستثمروا في الدفاع والردع في حين يقومون بشكل انتقائي بتقييد السعي إلى تحقيق المنافع المتبادلة للدول ذات التفكير المماثل سياسيا. ومع ذلك، لا ينبغي لهذا أن يؤدي إلى حلقة مفرغة، حيث تجتاح المخاوف من المكافآت غير المتساوية المزيد من القضايا، ويقتصر التعاون الإيجابي على عدد أقل من الدول.
ما هو مجلس الأمن وما أهميته؟
مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة واختصارًا مجلس الأمن، والمعروف إعلاميًا بـ مجلس الأمن الدولي، هو أحد الأجهزة الرئيسية الـ6 للأمم المتحدة، ومقره في مدينة نيويورك. ويعدّ المسؤول عن حفظ السلام والأمن الدوليين طبقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كما يقوم بالتوصية بقبول أعضاء جدد في الأمم المتحدة في الجمعية العامة والموافقة على أي تغييرات في ميثاق الأمم المتحدة. ولمجلس الأمن سلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء لذا تُعدّ قراراته مُلزمة للدول الأعضاء (بحسب المادة الرابعة من الميثاق)، وتشمل سُلطاته عمليات حفظ السلام ، وفرض عقوبات دولية ، والسماح بعمل عسكري. مجلس الأمن الدولي هو الهيئة الوحيدة في الأمم المتحدة المخوَّلة إصدار قراراتٍ ملزمة للدول الأعضاء.
ما دوافع الإصلاح؟
يدعو المنتقدون إلى إعادة تشغيل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من خلال الإصلاحات الهيكلية، ويرى البعض أن مجلس الأمن يعزز أوجه عدم المساواة القائمة في النظام الدولي. على سبيل المثال، لا يمثل أي من أعضائها الدائمين البلدان المنخفضة أو المتوسطة الدخل، ولا يعكسون جميع مناطق العالم (يغيب بشكل ملحوظ، على سبيل المثال، أي أعضاء دائمين من أفريقيا، أو أمريكا الوسطى والجنوبية، أو الشرق الأوسط). والأكثر من ذلك أن مجلس الأمن كثيراً ما يصاب بالشلل بسبب الانقسام بين الكتل، فقد استخدمت روسيا والصين، على سبيل المثال، حق النقض (الفيتو) لوقف عدة محاولات من جانب المجلس لإصدار قرارات في سوريا وأوكرانيا، كما يمكن القول إن المنظمة حققت نجاحاً محدوداً في إحباط الحروب والأزمات الإنسانية أو الاستجابة لها، مما يشير إلى أن التغيير قد يكون ضرورياً لتمكين حلول أكثر فعالية.أمن دولي ـ محكمة العدل الأوروبية ـ الجدل حول وضع حماس على قائمة التطرف
بعد ما يقرب من 8 عقود من إنشائه، يحتفظ مجلس الأمن بنفس الأعضاء الخمسة الدائمين وهم (الصين، وفرنسا، وروسيا (بعد تفكك الاتحاد السوفييتي)، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة) ولكن منذ عام 1945، برز لاعبون رئيسيون مثل الهند والبرازيل، ناهيك عن اليابان وألمانيا. حتى مع تضاعف إجمالي عضوية الأمم المتحدة أربع مرات تقريبًا (من 51 إلى 193 دولة عضوًا). ثم بفضل إنهاء الاستعمار وتفكك الدول المتعددة الأعراق، فقد توسع تكوين المجلس مرة واحدة فقط، في عام 1965، عندما أدى إضافة أربعة مقاعد منتخبة إلى نمو المجلس. من أحد عشر إلى 15 عضوا.
وما زال آخرون يصرون على أن الإصلاح أمر محفوف بالمخاطر وأن الوضع الراهن هو ببساطة الخيار الأفضل، ويتساءلون إذا تم تغيير العضوية أو توسيعها، فما هي الدول التي ينبغي ترقيتها إلى أعضاء دائمين جدد، ووفقاً لأي معايير؟ وبالنسبة لأولئك الذين يعارضون إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لا يوجد بديل مقبول فاختيار أي أعضاء دائمين جدد سوف يكون أمراً بالغ الصعوبة على المستوى السياسي، الأمر الذي يجعل التوصل إلى توافق في الآراء أمراً مستحيلاً. علاوة على ذلك، فإن إضافة المزيد من الأعضاء يمكن أن يجعل المجلس أشبه بالجمعية العامة، الهيئة التمثيلية الوحيدة للأمم المتحدة، وقد تكون هذه الخطوة أكثر إنصافا، ولكنها قد تخاطر أيضا ببناء بيروقراطية أخرى غير فعالة لا تتمتع بالقدر الكافي من الذكاء لاتخاذ القرارات وتفتقر إلى المصداقية، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تقليص نفوذها.
لماذا هناك حاجة مُلحة لإصلاح مجلس الأمن؟
كان عدم نجاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في التحرك بشأن الحرب الروسية الأوكرانية سبباً في تحرك المطالب العالمية التي ظلت مشتعلة منذ فترة طويلة بإصلاح الهيئة الرائدة في العالم المعنية بالسلام والأمن الدوليين. وقد أشعل الرئيس الأمريكي جو بايدن هذه المطالب في خطابه الذي ألقاه في سبتمبر 2022 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد التأكيد على دعم الولايات المتحدة طويل الأمد لـ “زيادة عدد الممثلين الدائمين وغير الدائمين”، أضاف بايدن تطورًا جديدًا: فالولايات المتحدة تؤيد الآن ليس فقط “المقاعد الدائمة لتلك الدول التي دعمناها منذ فترة طويلة” – أي واليابان وألمانيا والهند ــ ولكن أيضاً “المقاعد الدائمة لبلدان في أفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي”. وقد أطلق إعلان بايدن المفاجئ أحدث موجة من الدبلوماسية المتعددة الأطراف بشأن التحدي الدائم والمستعصي على الحل المتمثل في إصلاح مجلس الأمن.
وقد أصبح المجلس في نظر نسبة متزايدة من حكومات العالم ومواطنيه، عاجزاً وغير عادل، إذ تهيمن عليه قوى غير مسؤولة وغير تمثيلية تميل إلى إساءة استخدام مناصبها بدلاً من حماية السلام. ويؤكد المنتقدون أن استعادة فعالية المجلس وشرعيته تتطلب تحديث تركيبته التي عفا عليها الزمن وقواعد صنع القرار غير العادلة لكي تعكس بشكل أفضل التحولات المستمرة في القوة العالمية والمراكز الناشئة للسلطة الأخلاقية. ولكن من المؤسف أن أعضاء الأمم المتحدة منقسمون حول شكل أي إصلاح، وخاصة ما إذا كان ينبغي له أن يركز على تعزيز قدرة المجلس أو تمثيله.أمن دولي ـ مؤشر مؤتمر ميونخ للأمن لعام 2024 ـ مصادر التهديدات والمنهجية
مطالب أوروبية لإصلاح مجلس الأمن
قال السيد نيكولا دي ريفيير، ممثل فرنسا الدائم لدى الأمم المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 نوفمبر 2023 إنه “في سياق دولي مضطرب، تظل مسؤوليتنا هي تهيئة الظروف للسلام، خدمة للأهداف التي تسعى إلى تحقيقها الأمم المتحدة، ولهذا السبب نحتاج إلى إصلاح مجلس الأمن، كما تتيح لنا قمة المستقبل المقرر عقدها في سبتمبر 2024 فرصة للعمل على تحقيق هذا الهدف”. وقال دينيس فرانسيس رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في حديثه في المناقشة السنوية للجمعية العامة لتقييم المنتدى الرئيسي للأمم المتحدة للسلام والأمن، في 16 نوفمبر2023، إنه بدون إصلاح هيكلي، فإن أداء المجلس وشرعيته سيستمر حتما في المعاناة، وقال “إن العنف والحرب ما زالا ينتشران في مناطق في جميع أنحاء العالم، في حين تبدو الأمم المتحدة مشلولة بسبب الانقسامات في مجلس الأمن إلى حد كبير”.
وقالت أنتجي ليندرتسي، السفيرة والممثلة الدائمة لألمانيا، متحدثة باسم مجموعة الأربعة (البرازيل وألمانيا والهند واليابان، والتي تطمح جميعها إلى أن تصبح أعضاء دائمين) في 16 نوفمبر 2023 إن التكوين الحالي للمجلس يعني أنه لا يمكن أن تكون فعالة كما يجب أن تكون، لمواجهة التحديات المعاصرة. ورغم أن مسألة التمثيل العادل كانت مدرجة على جدول أعمال الجمعية منذ عام 1979، فإن الدعوات إلى الإصلاح تزايدت وسط اتساع نطاق الصراع في جميع أنحاء العالم، وفي المناقشة السنوية الرفيعة المستوى التي جرت في سبتمبر 2023. كان إصلاح المجلس بمثابة امتناع شائع عن المنصة، بما في ذلك توسيع عضويته. وكانت الأزمات الأخيرة وعجز مجلس الأمن عن الاتفاق على موقف موحد مثل ما حدث بشأن الحرب الروسية فبراير 2022، والأزمة الإسرائيلية الفلسطينية المستمرة، سبباً في تسليط الضوء بشكل أكبر على هذه الضرورة الملحة.أمن دولي ـ حرب غزة، الدعم الأوروبي لإسرائيل في الدفاع والأمن
الإصلاحات المقترحة
بات من الضروري أن يدرك أصحاب السلطة التقليديون في مجلس الأمن أنه لكي يخطو هذا الجهاز الرئيسي التابع للأمم المتحدة إلى المستقبل. يجب أن تستجيب عملية المفاوضات الحكومية الدولية الجارية (IGN) بشكل هادف للمطالب الرئيسية لمجموعة (L69) من البلدان، وهي المجموعة التي تشمل دولًا من أفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ودول جزر المحيط الهادئ وآسيا. مع التأكيد على أهمية تعزيز دور البلدان النامية، إلى جانب حضورها، في المجلس، وهو ما يرتبط بضمان التمثيل الجغرافي العادل، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمناطق الممثلة تمثيلا ناقصا وغير الممثلة. ومن المفترض أن يتم تناول إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من خلال القضايا الخمس التالية: الفئات المتعلقة بالعضوية؛ حق النقض الذي يتمتع به الأعضاء الخمسة الدائمون؛ التمثيل الإقليمي؛ ما الذي يولده مجلس الأمن الموسع بسبب الحجم، وليس أقله فيما يتعلق بأساليب عمله؛ و العلاقة بين مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة.
تقييم وقراءة مستقبلية
باتت عملية الإصلاح الهيكلي والاستراتيجي داخل مجلس الامن عملية لا غنى عنها في ضوء التوترات والتطورات المتسارعة التي يشهدها العالم وعدم قدرة المجلس على القيام بدوره المنوط به لحفظ الأمن والسلم الدوليين .
خلقت الصراعات المتواترة في العالم نوع من الهشاشة وانعدام الفائدة للعديد من المنظمات الدولية في القلب منها مجلس الأمن الدولي، خاصة في حالة انعدام الأمن والسلام الدولي وعدم قدرة المجتمع الدولي عن دوره المنوط العمل به لحفظ الأمن والاستقرار، خاصة في ضوء عدم استجابة بعض الدول لقرارات مجلس الأمن.
لقد أصبح واضحاً الآن فيما يتعلق بالحروب التي تبدو مستعصية على الحل في غزة وأوكرانيا، والتي تخلف آثاراً ترددية أوسع نطاقاً، ليس فقط على المستوى الإقليمي بل وأيضاً على المستوى الدولي، أن فاتورة التنفيذ البطيء لإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد حان موعدها ومن الواجب التحرك بشكل سريع لتقليل مستوى الخسائر المحتملة.
لقد أصبحت الحاجة إلى إصلاح المؤسسات الدولية خاصة مجلس الأمن اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، ومن الضروري إيجاد مساحة للتفاهمات والاتفاقات المشتركة حول آلية وخطوات الإصلاح بين الدول الأعضاء ذات السلطة داخل المجلس قبل فوات الأوان.
يجب على مجلس الأمن المضي قدمًا والتكيف مع الحقائق الجديدة لتمكين الأمم المتحدة من الاستجابة بشكل حاسم وبقدر أكبر من المساءلة والشفافية للتحديات الراهنة، مع العلم أنه بدون الإصلاح الهيكلي، سيستمر مجلس الأمن وشرعيته في المعاناة حتما، وكذلك أهمية الأمم المتحدة نفسها.
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=92947
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI
هوامش
UN Security Council Reform
Remarks by Ambassador Linda Thomas-Greenfield at the UN General Assembly Debate on UN Security Council Reform
UN Security Council Reform: What the World Thinks
We need to reform the Security Council [fr]
Security Council reform a must, to end ‘paralysis’
