المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
إعداد : جاسم محمد ـ باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات ـ بون
تواجه المانيا الى جانب دول اوروبا والعالم “كارثة” فيروس كورونا المستجد، ورغم ماتبذله هذه الحكومات من جهود، فان الاجراءات التي اعتمدتها المانيا ودول أوروبا، والغرب كانت متاخرة وكذلك ضعيفة. الان هناك جهود حثيثة في محاربة، كورونا، ربما تظهر نتائجها افضل بالحد من الاصابات والوفيات في الاسابيع المقبلة، هذا لو تحدثنا عن الحالة الألمانية.
أظهرت إحصاءات لمعهد روبرت كوخ الألماني للأمراض المعدية يوم 30 مارس 2020 أن عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا في البلاد ارتفع إلى 57298 كما زاد عدد الوفيات إلى 455. وأوضحت الإحصاءات أن عدد الإصابات زاد بواقع 4751 مقارنة مع اليوم السابق بينما ارتفع عدد الوفيات 66.
لم تنجح رسالة المستشارة الالمانية ميركل بطمئنة المواطن الالماني، بسبب تفشي فيروس كورونا في المانيا والعالم، الى حد ان يكون اكبر بكثير من قدرة الحكومات الاوروبية. كلمة ميركل منتصف مارس الجاري 2020، التي ذكرت فيها بان اكثر من 60% من الشعب الالماني سوف يصابون بفيروس كورونا، تتناقض مع كلمتها الاخيرة.
المواطن في المانيا وكذلك في دول اوروبا، يشعر بالهلع، بسب عجز قدرة المختبرات من ايجاد لقاح ولو مؤقت للحد من ارتفاع الاصابات، ماعدا ذلك طلب الحكومة الالمانية من المصابين اعتماد الحجر الذاتي والبقاء في بيوتهم، افضل من مراجعة المراكز الصحية، كون ذلك يمثل”ضغط” على تلك المؤسسسات من وجهة نظر الحكومة، افقد المواطن بقدرات الحكومة بتوفير الرعاية الطبية اللازمة.
الحكومة الالمانية من جانبها تعمل مابوسعها، هناك تحسن بطيء في الاجراءات التي اتخذتها الحكومة، ربما هي غير صارمة، لكن ممكن ان تكون اكثر شدة مستقبلا. لم تاتي نتائج في الوقت الحاضر لكن ممكن خلال العشرة ايام القادمة او اسبوعين تظهر نتائج افضل.
اتخذت المانيا جملة اجراءات لتقليل كارثة وباء كورونا وهي:
ـ مشاركة الجيش الالماني : إن مشاركة الجيش، كانت خطوة ايجابية استثمرتها المانيا بطريقة مختلفة وغير تقليدية، اي عدم عسكرة الشارع، بل بعزيز الدعم اللوجستي الى المؤسسات الطبية مثل نقل المصابين وبناء المستشفيات الميدانية وربما الفحص السريع، الى جانب مشاركة الاطباء من داخل الجيش. وأن كل طلب مساعدة من الهيئات المدنية يتم تحويله والبت فيه عن طريق مراكز القيادة المحلية إلى قيادة المهام الإقليمية للجيش في العاصمة برلين.
ـ اعلان التعبئة: أستدعت المانيا المتقاعدين من الاطباء والممرضين، وكذلك زجت بطلبة الطب والتمريض بالعمل، الى جانب دعوة احتياط الجيش الذي يصل تعداده الى 70 الف شخص، التقارير كشفت عن تكليف( 15 الف ) جندي في الاعمال اللوجستية لدعم المؤسسات الصحية.
ـ إغلاق الحدود البرية : أغلقت الحدود البرية مع الدول الأوروبية المجاورة، من بينها فرنسا وسويسرا وبولندا وجمهورية التشيك والدنمارك، ولم يُسمح بعبور إلا الشاحنات التي تنقل السلع والمواد الأساسية إلى جانب المواطنين الألمان أو الأشخاص المقيمين الدائمين في البلاد.
ـ ضخ الأموال : كانت المانيا سباقة، في وضع خطة طواري عاجلة لمواجهة تداعيات كورونا الاقتصادية، بوضع “ترليون يورو” لتعويض الشركات وفاقدي العمل، ودعم المؤسسات الطبية والتحليللات في المختبرات لمواجهة كورونا او البحث عن لقاح من خلال معهد”كوخ” للابحاث والتحليلات المختبرية الطبية.
ـ أستخدام نظام GPS : الجدل بشأن استخدام تقنية الهاتف للمحمول للوصول إلى المصابين طرح موضوعا جوهرياً مثل حماية البيانات .. المفوض الفيدرالي للخصوصية أولريش كيلبر ، قال يوم 27 مارس 2020 إنه في أزمة مثل كورونا لا معنى للحديث عن حق حماية البيانات، وأنه يجب الكشف عن بيانات الهاتف الخلوي للشخص المصاب. التقديرات تقول بان المانيا على الاغلب توافق على اعتماد نظام التتبع عبر الهاتف الذكي، اليوم هناك اولوية لمواجهة كورونا اكثر من اعتماد الخصوصية للافراد.
ـ الرعاية الصحية : تعتبر الرعاية الصحية في المانيا متقدمة مقارنة في دول اوروبا، يحصل المواطن على الرعاية والفحوصات الوقائية، قبل وباء كورونا، وهذا يعني انه يتمتع بصحة افضل.
ـ مراكز الطواريء وأسرة الانعاش : الحكومة الالمانية تمتلك مراكز طواريء اوسع في دول اوروبا منها الانعاش تصل الى اكثر من 20 الف مركز، بينما باقي دول اوروبا معدل ماتملكه خمسة الالاف مركزا .
ـ توفير قدرات مختبرية : إن توفير قدرات مختبرية ومعدات حماية طبية مثل الأقنعة والمعاطف بالإضافة إلى دعم الأطقم الطبية المتخصصة”
ـ نقاط دعم لوجستي : الجيش الالماني عمل اربع نقاط دعم لوجستي على عموم المانيا لنقل المصابين ودعم الجهود في محاربة كورونا.
ألمانيا تستقبل مرضى من ايطاليا وفرنسا لغرض العلاجأ
استقبلت ألمانيا مصابين بفيروس كورونا من كل من إيطاليا وفرنسا لعلاجهم في مشافيها “. هذه الخطوة وان جاءت متاخرة لكنها تبعث رسالة تعاضد من المانيا الى ايطاليا وفرنسا. نجح سلاح الطيران الالماني بنقل بضعة من المصابين في ايطاليا وفرنسا لغرض معالجتهم في مستشفياتها.
وهنا يجدر الاشارة الى نموذج دولة الإمارات في محاربة كورونا والتعاضد داخل دول مجلس التعاون الخليجي، فقد أظهر أنموذج مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تعاضدا بين اعضائه خلال ازمة كورونا،وساهمت بنقل مصابين مواطنين خليجيين من الصين واعادتهم الى دولة الامارات وتقديم الرعاية الصحية.
هل تنجح ميركل بادارة أزمة كورنا ؟
نجحت ألمانيا وبقيادة ميركل بأدارت أزمات أوروبية سابقة ، منها الأزمة المالية عام 2008، أزمة اليونان، أزمة اللاجئين 2015، أزمة بريكست، فهل نجحت في مواجهة فيروس كورونا؟
إن المستشارة ميركل عام 2020 هي غير ميركل عام 2008 ،الان خسرت الكثير من شعبيتها، وضعفت كثيرا وهذا ايضا انعكس على الحكومة الالمانية الحالية، الائتلاف الحاكم، والذ يعتبر ائتلافا هشا، خطر كورونا، جاء مفاجأة او ربما لم تكن هناك تحضيرات. خطر كورونا متعدد، اوسع من ازمة 2008 الاقتصادية، لتنعكس على ثقافات شعوب اوروبا ومستقبلها.
نجت ألمانيا نسبياً في محاربة كورونا التي عصفت بإيطاليا وفرنسا وإسبانيا لكن هذا لايعني ان تنفرد بقيادة أوروبا ما بعد كورونا ابدا. فالمانيا لايمكن ابدا ان تلعب دور القيادة ، دوليا او اوروبيا، وربما هذا يتعلق بعدم وجود رغبة عند الطبقة السياسية، لذلك التقديرات تقول ان المانيا، لايمكن ان تقود اوروبا بدون فرنسا لتمثل المحور الاوروبي الفرنسي.
يبدو ان أزمة فيروس كورنا، من شأنها ان تضع المستشارة الالمانية على المحك في ادارة الازمة، الاستطلاعات الاخيرة تشيراكثر من 50% من الشعب الالماني يرى ان الاجراءات التي تتخذها الحكومة هي في الاتجاه الصحيح. من المتوقع ان تكون هناك نتائج ايجابية في الحد من الاصابات والوفيات في المانيا في غضون الاسبوعين القادمين، اي بعد ان تظهر نتائج الاجراءات الاخيرة التي اتخذتها الحكومة الالمانية. وان صح ذلك ، فمن المتوقع ان يرفع سقف شعبية ميركل من جديد.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=68114
نشر في رؤية
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات