اليمين المتطرف في أوروبا ـ أسباب ودلالات الصعود

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا  وهولندا

بون ـ  إعداد وحدة الدراسات والتقارير “3” 

اليمين المتطرف في أوروبا ـ أسباب ودلالات الصعود

شهدت أوروبا خلال السنوات الخمس الماضية، صعود اليمين المتطرف في أوروبا على مستوى الأحزاب السياسية، البرلمانات والبرلمان الأوروبي بالتوازي مع تمدد اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية في أوروبا، وهذا ما يمكن أعتباره “جرس إنذار” ومؤشر خطير على تراجع الأحزاب التقليدية الكبيرة في أوروبا. انتخبت بولندا حكومة يمينية متطرفة، ثم شهد العام التالي خروج المملكة المتحدة من الكتلة في عام 2016. وتبع ذلك انتخاب حكومات يمينية متطرفة في النمسا وإيطاليا، وأعادت المجر انتخاب حزب “فيكتور أوربان” في عام 2018. بعد ذلك، أعادت بولندا انتخاب نفس حكومتها في عام 2019. ساهم في ذلك المخاوف بشأن تكاليف المعيشة وأزمة الطاقة والحرب في أوكرانيا والهجرة والإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب، وذلك يفسر ظاهرة صعود اليمين المتطرف في أوروبا.

الهوية

يعتمد خطاب اليمين المتطرف على عامل “الهوية”، تكمن المشكلة أن الناخبين الأوروبيين ينجذبون إلى لغة تعطي الأولوية للهوية الوطنية في 7 ديسمبر 2022 . تعد مطالبة بولندا بالتعويضات خلال الحرب العالمية الثانية مصدراً لجذب الأصوات القومية للبولنديين. علاوة على ذلك، فإن الأحزاب التي تروق للهوية الأوروبية آخذة في الارتفاع في جميع أنحاء أوروبا، ويعتبر نجاح “الديمقراطيين السويديين” في السويد و”فراتيلي دي إيطاليا” في إيطاليا أحدث الأمثلة على هذه الظاهرة. محاربة التطرف ـ تفكيك خطاب اليمين المتطرف

يٌعد فوز “ميلوني” دليل آخر بعد الأداء الجيد لليمين المتطرف في كل من فرنسا والمجر والسويد على صعود قادة اليمين المتطرف في أوروبا التي تعصف بها الهجرة والمشاكل الاقتصادية وتدور في شقها الشرقي حرب مدمرة. يعتبر تولي “ميلوني” رئاسة الوزراء في إيطاليا في سبتمبر 2022 حدثا فاصلاً، نظراً لتصاعد الخطاب المناهض للمهاجرين ما يمثل لحظة تاريخية مقلقة في السياسة الأوروبية.

أزمة المناخ

تنكٌر االجماعات اليمينية المتطرفة بشكل أساسي ظاهرة تغير المناخ، لكنها في المقابل ترى إمكانية الاستفادة من المخاوف الناجمة عن هذه الظاهرة خاصة في ظل ظواهر الطقس التي تعصف بالعالم مثل الفيضانات ومواسم الجفاف طويلة الأمد. دعا جناح الشباب في حزب ” البديل من أجل ألمانيا ” اليميني في 26 مايو 2022 إلى تبني قضية تغير المناخ كأداة لجذب عناصر جديدة رغم إنكار الحزب لظاهرة التغير المناخي .اليمين المتطرف داخل وكالات الأمن و الدفاع الألمانية، حجم المخاطر والمعالجات

الهجرة

تراجع تأييد الألمان للحق في اللجوء في بلادهم حيث يرى (39%) في ألمانيا الحق في اللجوء في شكله الحالي جيداً، يذكر أن هذه النسبة كانت تبلغ (52%) في عام 2017. وفي المقابل ذكر (49%) ممن شملهم الاستطلاع أنه لا بد من تقييد الحق في اللجوء في ألمانيا، فيما كانت تبلغ نسبة من يرون ذلك (39%) فقط في عام 2017. يرى (20%) فقط ممن شملهم الاستطلاع من المواطنين الألمان أن بلادهم قادرة حالياً على استقبال مزيد من اللاجئين، وفي المقابل رأى (59%) ممن شملهم الاستطلاع أن ذلك أمر غير ممكن في 23 مارس 2023.

قٌوبلت سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها المستشارة الألمانية السابقة “أنغيلا ميركل” مع اللاجئين السوريين عام 2015 بانتقادات من خارج ألمانيا وداخلها – بل ومن داخل حزبها المحافظ، الحزب المسيحي الديمقراطي. أدت تلك السياسة في 14 سبتمبر 2022 مع مرور الوقت إلى صعود حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي المعارض للهجرة، الذي أصبح بعد ذلك بعامين ثالث أكبر حزب في البرلمان الاتحادي الألماني “البوندستاغ”. ويرى البعض أنها أسهمت أيضا في تزايد شعبية حركة “وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب”، المعروفة اختصارا بحركة “بيغيدا”.

تٌعد إيطاليا واحدة من الدول التي تدفع بشدة نحو صرامة أكبر في المراقبة، وشددت من إجراءاتها ضد الهجرة، وضغطت بشدة على المنظمات الإنسانية التي تنقذ المهاجرين في البحر ومنعت عددا من سفنها من الرسو على سواحلها، كذلك المجر وبولندا التي تتبنى مواقف مناهضة لسياسات اللجوء والهجرة.

التحولات في أنماط التصويت والدعم المالي

ساهم في صعود بعض الأحزاب اليمينية في أوروبا التحولات في أنماط التصويت بين أولئك الذين اعتادوا أن ينتسبوا تقليدياً إلى الوسط السياسي- أحزاب يسارية ، لكنها أصبحت غير راضية بشكل متزايد عن برنامجها السياسي. يقول “كاس مود” الباحث في شأن اليمين المتطرف إن “صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، وكذا تبني أطر اليمين المتطرف من الأحزاب الأخرى، أمر مهم”، وربما زاد هذا من مخاطر زعزعة استقرار أوروبا أكثر من الفوز في مجموعة من النسب في استطلاعات الرأي”.

تقدم دول خارجية الدعم المالي للعديد من الأحزاب الشعبوية اليمينية وتستخدمها كأحصنة طروادة داخل الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، حصلت “مارين لوبان” على قروض كبيرة لحملتها الانتخابية، وهذا بدوره أدى بها إلى تعديل وجهات نظرها بشأن التدخلات أزمة أوكرانيا.

الأزمات الاجتماعية

حذر رئيس حكومة ولاية بافاريا الألمانية “ماركوس زودر” من تزايد قوة التيار المتطرف في ظل أزمة الطاقة، وناشد الأحزاب الديمقراطية المزيد من الاتحاد، وتقدم حزب “الحرية” في استطلاعات الرأي واكتسب حزب الحرية “FPÖ” زخماً مع تزايد المخاوف بشأن تكلفة المعيشة على المواطنين بالإضافة إلى الهجرة” أصبح الحزب الأكثر شعبية في النمسا. يبدو أن الأزمات السياسية والاجتماعية في أوروبا كالأزمة الناجمة عن تعديل نظام التقاعد في فرنسا تتيح لليمين المتطرف تحقيق تقدم ملحوظ تمهيداً للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 2027.

كشف استطلاع للرأي أن زعيمة اليمين المتطرف “مارين لوبن “التي وصلت إلى الدورة الثانية في الانتخابات الرئاسية السابقة، ستحقق نتائجَ أفضل بكثير إذا جرى اقتراع جديد. وأن (58%) من الفرنسيين يعتبرون” لوبن” قريبة من اهتمامات الفرنسيين، بزيادة قدرها نقطتين خلال عام واحد و”متمسكة بالقيم الديمقراطية” (57 %) و”تتمتع بالأهلية” (52%) و”قادرة على إصلاح البلد” (51 %). ورأى (47%) من الذين استطلعت آراؤهم أن “مارين لوبن” تتمتع بصفات رئيسة للجمهورية” في 6 أبريل 2023.

أزمة أوكرانيا

أدت أزمة أوكرانيا إلى ظهور النزعات المؤيدة لليمين المتطرف ويؤكد “كارل ديفوس” من جامعة غينت: “هذه الأزمات الوجودية تترك أثراً مزعزعاً للاستقرار، وتقود إلى الخوف”، و”الخوف هو أرضية تفرخ اليمين المتطرف، وعادة ما يميل الناس لترجمة الخوف إلى غضب وسلوك عنصري”.

رصدت دراسة ألمانية في 10 نوفمبر 2022 انقساما مماثلا في المجتمع فيما يتعلق بردود الفعل على أزمة أوكرانيا. وحسب الدراسة فإن المستفيد الأول من أجواء الأزمة، هو حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي. وهذه ليست المرة الأولى، ففي عام 2015 أصبح حزباً شعبياً قومياً بسبب رفضه للهجرة، وجاء في الدراسة “الاستياء ضد المهاجرات والمهاجرين ساعد الحزب مثلما ساعده خطابه العنيف”.

التطرف الإسلاموي

هاجم شخص مسلح بساطور كنيستين في مدينة الجزيرة الخضراء جنوبي إسبانيا ما أدى لمقتل شخص وإصابة آخرين بينهم كاهن، في اعتداء رجحت السلطات أنه “إرهابيا”. دعا حزب “فوكس” اليميني المتطرف الحكومة إلى طرد المهاجرين من وعدم استقبال عدد جديد اللاجئين شن رئيس الحزب “سانتياغو أباسكال” هجوماً لاذعاً على المهاجرين وما سماه بـ”الإسلاموية” التي قال “إنه لا يمكن السماح لها بالوجود في إسبانيا”، منتقداً منح الإعانات للمهاجرين غير الشرعيين، في وقت يعاني المواطنون الإسبان تصرفاتهم” في 29 يناير 2023.

تزامن صعود تيار اليمين المتطرف في أوروبا، مع تصاعد العداء للمسلمين، أو ما بات يعرف بـ”الإسلاموفوبيا”، وهي ظاهرة فكرية تستند إلى تنميط للمسلمين المهاجرين، وتروج لفكرة أنهم غير مندمجين في مجتمعاتهم، وأنهم يشكلون بؤراً للإرهاب. على سبيل المثال، ثار جدل حول موقف اليمين الأوروبي المتطرف من الإسلام والمسلمين في أبريل 2022 مع نشر السياسي اليميني الهولندي المتطرف، “خيرت فيلدرز” زعيم حزب الحريات اليميني، مقطع فيديو على حسابه على “تويتر” عنون له بعبارة “لا للإسلام لا لرمضان.. حرية، لا للإسلام “. أمن أوروبا … إعادة تقييم مخاطر اليمين المتطرف

المعالجات

ينبغي على الأحزاب المعتدلة في أوروبا تعزيز التعاون لإعادة النظر في الأزمات والقضايا كسياسات الهجرة واللجوء وذلك بشكل فعال من خلال التحكم بفعالية في طلبات اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي. والوصول إلى اتفاق سياسي على مستوى الاتحاد الأوروبي بشأن تحديد سقف لأسعار الطاقة في محاولة لمعالجة ارتفاع أسعار الطاقة والمعيشة. كذلك استهداف الاتحاد الأوروبي لخطابات الكراهية والمعلومات المضللة لليمين المتطرف الموجودة على شبكة الإنترنت.

تقييم وقراءة مستقبلية

– تتحرك أوروبا بشكل ملحوظ نحو اليمين المتطرف كما يتضح من نجاحاتها الانتخابية في إيطاليا وفرنسا والسويد ودول أوروبية أخرى. هذا التحول نحو اليمين المتطرف في السياسة الأوروبية تم تسهيله بشكل أكبر من خلال تبني الأطر والمواقف اليمينية المتطرفة من قبل الأحزاب السياسية الأخرى من اليسار إلى اليمين.

– لعبت “موجة الهجرة” إلى أوروبا وأزمة الطاقة وارتفاع تكاليف المعيشة دوراً حاسماً في صعود اليمين المتطرف فضلاً عن حشد اليمين المتطرف الكثير من الناخبين على نطاق واسع مستغلاً الإسلاموفوبيا وعدم التوافق الثقافي والمجتمعي

– إن صعود اليمين المتطرف للأحزاب اليمينية المتطرفة في المشهد السياسي: داخل الحكومات أو المعارضة،  يؤدي إلى خلق تحديات كبيرة للديمقراطيات في أوروبا.  أصبح لدى اليمين المتطرف في أوروبا القدرة على التأثير على وحدة وتماسك الاتحاد الأوروبي وصنع سياسات متشددة تؤثرعلى عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالأزمات والقضايا الدولية.

– بات متوقعاً أن يشهد اليمين المتطرف ارتفاعاً في معدلات التضخم ومخاوف عامة بشأن انعدام أمن الطاقة لتصبح فرصة للأحزاب اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء أوروبا لتحقيق مكاسب سياسية. ومن المحتمل أن تكون هناك تحالفات يمينية تشمل أحزاب اليمين المتطرف على المستوى المحلي والأوروبي تهدد أسس الاتحاد الأوروبي.

رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=88113

*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

الهوامش

Energy crisis and inflation help push Austrians towards far right
https://on.ft.com/41GTFwA

How the far-right got out of the doghouse
https://politi.co/3VHEmC1

The Observer view on the dangerous rise of the far right in Europe
https://bit.ly/3GVtpqj

ANALYSIS – The rise of the far-right in Europe: The Polish case
https://bit.ly/3L9mMn0

Why the far right is on the rise in Europe
https://bit.ly/41l2pbU

Understanding Europe’s shift to the right
https://politi.co/3V2Kl4l