بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI ـ وحدة الدراسات والتقارير “27”
أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، 27 فبراير 2024، بشأن احتمال لإرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا لمواجهة روسيا حالة جدل دولي واسعة. وترفض الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إرسال أي قوات للمواجهة المباشرة في روسيا منذ بداية الأزمة في فبراير 2022. وقد تعهدت روسيا من جهتها بالرد بشكل مباشر على تواجد أي قوات أوروبية في أوكرانيا في ضوء ما صرح به ماكرون، ما أثار تخوفات من احتمالات حدوث مواجهة مباشرة بين الغرب وروسيا. الأمر الذي سيخلف تداعيات سياسية واقتصادية خطرة على المستوى الدولي.
كيف ردت روسيا؟
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، 27 فبراير 2024، إن إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا “لا يمكن استبعاده”. وذلك بعد استضافته مؤتمراً في باريس بشأن دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. حيث ناقش الزعماء الأوروبيون إمكانية إرسال قوات لمساندة الجيش الأوكراني. ودفعت تعليقاته عدداً كبيراً من الدول الغربية الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى القول إنها ليس لديها مثل هذه الخطط. في حين حذر الكرملين من أن الصراع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة سيكون لا مفر منه إذا أرسل الأعضاء الأوروبيون في الناتو قوات للقتال في أوكرانيا. وحذر حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، 29 فبراير 2024، من أن أي قوات يرسلها إلى أوكرانيا ستواجه نفس نهاية جيش نابليون بونابرت الكبير الذي انتهى غزوه لروسيا عام 1812 بالموت والهزيمة.
حذر رئيس مجلس النواب الروسي ماكرون من إرسال قوات إلى أوكرانيا، قائلا إنها ستواجه نفس مصير جيش نابليون. أدلى رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين، وهو عضو في الدائرة الداخلية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بهذه التصريحات في منشور على تيليجرام. حذر الكرملين حلفاء كييف الأوروبيين من أن إرسال قوات للقتال في أوكرانيا سيؤدي إلى “حتمية” الحرب بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
ويقول الكرملين إن ماكرون يثير التدخل الفرنسي في أوكرانيا. وانتقد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون بشأن عدم استبعاد إرسال قوات إلى أوكرانيا، لكنه قال إن وزارة الخارجية الفرنسية تراجعت منذ ذلك الحين عن هذا الاقتراح. وقال ديمتري بيسكوف، السكرتير الصحفي لفلاديمير بوتين، للصحفيين إن: “ماكرون يواصل تصعيد تورط فرنسا المباشر في الحرب في أوكرانيا، وهو ما لا يتوافق بأي حال من الأحوال مع مصالح الشعب الفرنسي”. قال جهاز المخابرات الروسي SVR في 19 مارس 2024 إن فرنسا تخطط لإرسال 2000 جندي وأنهم سيكونون “أهدافاً مشروعة” إذا “جاءوا إلى “عالم روسيا”.ملف أمن دولي ـ ما احتمالية انخراط الناتو بحرب ضد روسيا؟
هل تصعد روسيا من قدراتها العسكرية في حرب أوكرانيا؟
تُظهر روسيا بالفعل تصعيدًا في قدراتها العسكرية في حرب أوكرانيا. عززت روسيا بشكل كبير وجودها العسكري في أوكرانيا منذ بدء الحرب. تشير التقديرات إلى أن روسيا لديها الآن ما بين 150 و 200 ألف جندي في أوكرانيا، وهو ما يمثل زيادة كبيرة عن 100 ألف جندي كانوا متواجدين في بداية الحرب. بدأت روسيا باستخدام أسلحة أكثر قوة في حرب أوكرانيا، بما في ذلك الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والقنابل الفراغية. كما زادت روسيا من استخدام المدفعية والطائرات بدون طيار في القصف على المدن الأوكرانية.
لقد حوّلت روسيا تركيزها العسكري مؤخرًا إلى منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، حيث تسعى للسيطرة على منطقتي لوهانسك ودونيتسك. شنّت روسيا هجمات مكثفة على هذه المناطق، مستخدمةً قوتها العسكرية الجوية والبحرية والبرية بشكل مكثف. تُواصل روسيا تطوير أسلحة جديدة ونشرها في ساحة المعركة في أوكرانيا. على سبيل المثال، نشرت روسيا مؤخرًا صاروخًا فرط صوتي جديد يُطلق عليه اسم “كينزال”. ألمحت روسيا إلى أنها قد تكون على استعداد لاستخدام الأسلحة النووية في حرب أوكرانيا، مما أثار قلق المجتمع الدولي بشكل كبير.أمن دولي ـ ما احتمال المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا؟
ما احتمالات استخدام روسيا للسلاح النووي التكتيكي في أوكرانيا؟
يبقى احتمال استخدام سلاح نووي تكتيكي من جانب روسيا قائماً، خاصة إذا شعرت أن وجودها مهدد بشكل خطير، فقد تكون أكثر عرضة لاستخدام الأسلحة النووية. ويرتبط هذا الخيار أيضا باستمرار أو تكثيف الدعك العسكري الغربي لأوكرانيا أو تدخل دول الغرب في الحرب بشكل مباشر. إذا زادت الدول الغربية من دعمها العسكري لأوكرانيا أو تدخلت مباشرة في الحرب، فقد تُصبح روسيا أكثر عرضة لاستخدام الأسلحة النووية. يعتمد قرار استخدام الأسلحة النووية على النوايا والحسابات الداخلية للقيادة الروسية، وهو أمر يصعب التكهن به.
بشكل عام، يُعدّ استخدام روسيا للسلاح النووي التكتيكي في أوكرانيا احتمالًا خطيرًا. وقد أوضحت الدول الغربية أن أي استخدام للأسلحة النووية من قبل روسيا سيواجه ردًا صارمًا وعواقب وخيمة. تمتلك روسيا ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية التكتيكية. وهي صواريخ وقذائف أصغر حجمًا وأقل قوة من الأسلحة النووية الاستراتيجية. وتهدف الأسلحة النووية التكتيكية إلى استخدامها في ساحة المعركة لتحقيق أهداف عسكرية محددة. ومع ذلك، حتى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية سيكون له عواقب كارثية، مما قد يتسبب في مقتل مئات الآلاف من الأشخاص، وتدمير واسع النطاق للبنية التحتية.أمن دولي ـ ماحقيقة وجود جنود الناتو في أوكرانيا؟
هل تصعد روسيا تهديداتها بتوسيع رقعة الحرب؟
تُظهر روسيا بالفعل بعض المؤشرات على أنها قد تُوسّع رقعة الحرب . وذلك من خلال عدة مؤشرات منها: اتهمت روسيا ليتوانيا بمنع عبور البضائع إلى كالينينغراد، وهي منطقة روسية معزولة تقع بين بولندا وليتوانيا. حذّرت روسيا من أنها قد تتخذ إجراءات مضادة، مما أثار قلق حلف الناتو والدول الغربية. كذلك أعربت روسيا عن قلقها بشأن الوضع في مالدوفا، وهي دولة مجاورة لأوكرانيا.
ترتبط روسيا بعلاقات تاريخية مع منطقة ترانسنيستريا داخل مالدوفا، مما أثار مخاوف من أن روسيا قد تسعى إلى التدخل في مالدوفا. كذلك زادت روسيا من نشاطها العسكري في بحر البلطيق، مما أدى إلى تصعيد التوتر مع الدول الأعضاء في حلف الناتو مثل بولندا وإستونيا ولاتفيا. يعتمد مسار الحرب على العديد من العوامل، بما في ذلك، مقاومة القوات الأوكرانية.
هل يحق لروسيا أن توجه ضربات إلى فرنسا؟
إذا أصبحت فرنسا منخرطة في الحرب المباشرة فإن روسيا يحق لها من الناحية النظرية، توجيه ضربات إليها. تحظر القوانين الدولية استخدام القوة العسكرية ضد دولة أخرى دون مبرر قانوني. ينص ميثاق الأمم المتحدة على أنه يجب على الدول حل النزاعات سلميًا وتجنب استخدام القوة العسكرية. تتمتع فرنسا وروسيا بعلاقات دبلوماسية رسمية، والهجوم على فرنسا سيكون انتهاكًا صارخًا لهذه العلاقات. أي هجوم على فرنسا من قبل روسيا سيؤدي إلى تصعيد كبير للحرب وقد يُشعل حربًا عالمية. ستتخذ الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأعضاء في حلف الناتو، إجراءات قوية ضد روسيا إذا هاجمت فرنسا. لا يوجد أي مبرر قانوني أو أخلاقي لروسيا لمهاجمة فرنسا، في الوقت الراهن.
وأي هجوم من هذا القبيل سيكون له عواقب وخيمة على روسيا والعالم بأسره. فرنسا عضو في حلف الناتو، وهو تحالف عسكري دفاعي. وذلك يعني أن أي هجوم على فرنسا سيُعتبر هجومًا على جميع الدول الأعضاء في حلف الناتو، والمرجح أن يتسبب في رد عسكري قوي من قبل الحلف. بالإضافة إلى ذلك، تُمتلك فرنسا ترسانة نووية قوية، والمرجح أن تُستخدم هذه الترسانة للدفاع عن النفس في حال تعرضها لهجوم.
هل يحصل ذلك على الواقع الميداني؟
تشير غالبية التقديرات إلى أن الصراع لن يتوسع إلى هذا الحد لكن سقف التهديدات الروسية سوف يكون أكبر ضمن مبدأ الردع والردع المضاد. ترفض الدول الأوروبية والولايات المتحدة المقترح تماماً، ما يعني أن احتمال تنفيذه أمر بعيد. شدد المستشار الألماني أولاف شولتز 28 فبراير 2024 أنه لن يتم إرسال “أي جندي” إلى أوكرانيا سواء من الدول الأوروبية أو من الحلف الأطلسي. وأوضح أن “ما تم الاتفاق عليه منذ البداية ينطبق أيضا على المستقبل، وهو أنه لن تكون هناك قوات على الأراضي الأوكرانية مرسلة من الدول الأوروبية أو دول الناتو”. قال البيت الأبيض 28 فبراير 2024 إن الولايات المتحدة لن ترسل قوات للقتال في أوكرانيا.
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون “الرئيس بايدن كان واضحاً بشأن هذا الأمر وهو أن الولايات المتحدة لن ترسل قوات للقتال في أوكرانيا”. واستبعد الحلف الأطلسي نفسه إرسال أي قوات إلى ساحة المعركة. وقال مسؤول في الحلف 28 فبراير 2024 إن “الناتو والحلفاء يقدمون مساعدة عسكرية غير مسبوقة لأوكرانيا. قمنا بذلك منذ العام 2014 وانتقلنا إلى وتيرة أعلى بعد الحرب. لكن ليس هناك أي خطط لنشر قوات قتالية تابعة لحلف شمال الأطلسي على الأرض في أوكرانيا”.
تقييم وقراءة مستقبلية
تلميح إيمانويل ماكرون إلى احتمال نشر قوات غربية في أوكرانيا هو أحدث خطوة في المواجهة المتصاعدة بين موسكو وباريس. لكن من الواضح أن المقترح غير متفق عليه، وأن الدول الأوروبية والولايات المتحدة لا ترغب في تصعيد الصراع مع روسيا أو ازلاق الأزمة إلى مواجهة عسكرية مباشرة بينهما.
يدرك الحلفاء الغربيون وروسيا خطورة انزلاق الحرب إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين وما سيترتب عليه من تداعيات غاية في الخطورة على الأمن والسياسة والاقتصاد العالمي، في وقت يعاني فيه العالم أزمات متعاقبة ومركبة، لذلك يحاول كل طرف ضبط النفس والبعد تماما عن أية مسارات للتصعيد من شأنها جر الطرفين إلى حرب جديدة.
تسعى الدول الأوروبية للإبقاء على المساعدات العسكري والاقتصادية المقدمة لكييف، وما تزال ترهن عليها رغم فشل الهجوم المضاد، وتأمل دول التحالف الغربي في تحقيق نصر لأوكرانيا أو عدم انتصار روسيا بحد أدنى، وربما يختلف واقع الحرب عن تلك الطموحات حيث تشير غالبية التقديرات للتفوق الروسي في الحرب.
قد تتضاءل قدرة الولايات المتحدة على السيطرة على التصعيد المستقبلي . يجب على صناع القرار في الولايات المتحدة وحلفائها التخطيط للرد على التصعيد الروسي مع السعي للحفاظ على قنوات الاتصال الدبلوماسية والعسكرية مع روسيا التي يمكن أن توقف دوامة التصعيد. لذلك الحفاظ على تماسك حلف الناتو أمر بالغ الأهمية لمواصلة الدعم لأوكرانيا وردع التصعيد الروسي.
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=93410
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI
هوامش
Putin allies tell Macron: Any French troops you send to Ukraine will suffer fate of Napoleon’s army
Russia to Macron: Don’t be Napoleon
Kremlin says Macron is raising French involvement in Ukraine
Russia Warns Of Direct Conflict With NATO If Troops From Alliance Members Fight In Ukraine
رفض أمريكي وأوروبي لمقترح ماكرون إرسال قوات إلى أوكرانيا