المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا
إعداد وحدة الدراسات والتقارير
ملف: أزمة أوكرانيا ـ تصعيد التسلح والرهان على الدور الأوروبي لوقف الحرب
1ـ أزمة أوكرانيا ـ هل مازال الرهان على الدور الأوروبي لوقف الحرب؟
منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في 24 فبراير 2022، حرصت بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا على تبني التهدئة في قراراتهما بشأن الدعم المقدم لأوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، بشكل يضمن التوازن داخل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو خاصة مع تصاعد تسليح الغرب للقوات الأوكرانية. وبتحركات برلين وباريس نحو أوكرانيا مؤخراً، ظهرت مخاوف من تغيير سياسات الدولتين ما قد يتسبب في انفلات الأوضاع بين روسيا والناتو بشكل أكبر وممتد خارج حدود أوكرانيا.
مواقف ألمانيا وفرنسا
رغم تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن إجراءات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي ستتطلب عقودا، إلا أنه حرص قبل القمة الأوروبية الأخيرة على إظهار دعمه لتوصية المفوضية الأوروبية لترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد.
لذا كان أول قادة أوروبا الذين أعلنوا تأييدهم منح أوكرانيا صفة مرشح لعضوية التكتل خلال القمة الأوروبية التي انطلقت تحت الرئاسة الفرنسية يومي 23 و24 يونيو 2022، وقال ماكرون إن ” القرار يبعث برسالة واضحة لروسيا ويؤكد على اتساق ووحدة أوروبا مع الإجراءات التي قامت بها منذ اليوم الأول للصراع بالدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا”.
وفي الوقت نفسه لم يتخلٍ ماكرون عن توازنه عندما تحدث عن نظيره الروسي فلاديمير بوتين. ورغم أنه أشار في 3 يونيو 2022 إلى ارتكاب بوتين خطأ سياسيا بشن الحرب، إلا أنه طالب بعدم إذلال روسيا حتى تصبح هناك فرصة لإيجاد مخرج عبر القنوات الدبلوماسية عند توقف القتال. وشدد على استمرار إرسال أسلحة للجيش الأوكراني، مفسراً سبب تأخير إرسال ” مدافع قيصر” لأوكرانيا لتجديد المخازن وتعزيز استقلال الصناعة العسكرية الأوروبية. أزمة أوكرانيا ـ الصدمة الثالثة، تعزيز قوة الناتو واستنزاف اقتصاديات أوروبا
وفي القمة الأوروبية نفسها، أظهر المستشار الألماني أولاف شولتس دعمه الواضح لمنح أوكرانيا صفة مرشح بالتكتل، مُطالباً جميع الأعضاء بالتصويت لصالح كييف. وخلال بيان الحكومة الألمانية في 22 يونيو 2022 حث شولتس جميع جيران أوكرانيا الأوروبيين على مساندتها بالتسليح وتطبيق العقوبات على روسيا، مؤكدا أن بلاده سترسل الأسلحة في وقتها للقوات الأوكرانية، لتعلن ألمانيا في 28 يونيو 2022 تزويد كييف بثلاثة مدافع “هاوتزر 2000″ أخرى.
وقدمت برلين وعوداً لكييف بالدعم في مرحلة ما بعد الحرب باعتبارها مهمة ثقيلة تتطلب مزيداً من الأموال. وخلال ختام قمة مجموعة الدول السبع في 28 يونيو 2022 التي استضافتها ألمانيا، توافق شولتس وماكرون على التصدي لروسيا والوقوف بجانب الأوكرانيين، وتعهدت الدول السبع على تقديم 29.5 مليار دولار لسد احتياجات الأوكرانيين الأساسية بجانب تنظيم مؤتمر ” مانحين لإعادة إعمار أوكرانيا”.
ولم يغفل المستشار الألماني الإشارة إلى أهمية بقاء الحوار مفتوحا مع روسيا، محذرا من إلغاء قانون تأسيس مجلس الناتو – روسيا الصادر في عام 1997 نظرا لأن القانون يؤكد على انتهاك روسيا لسيادة الدول المستقلة الآن.
زيارة مشتركة إلى كييف
توجه قادة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ورومانيا إلى كييف في 16 يونيو 2022 في زيارة هي الأولى للقادة الأربعة منذ بدء الحرب. وحملت هذه الخطوة دلالات تتعلق بالتوقيت والمحادثات مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وجاءت الزيارة رداً على الانتقادات التي وجهت لبرلين وباريس وروما في تغليب مصالحهم السياسية وعلاقتهم مع موسكو على حساب مساعدة أوكرانيا، وسبقت الزيارة قمة الاتحاد الأوروبي كرسالة تضامنية من قادة أوروبا الذين شددوا على أن أوكرانيا تنتمي للعائلة الأوروبية، وربما ساهمت الزيارة في إقناع باقي دول التكتل للإجماع على قرار ترشيح أوكرانيا.
وحملت رسالة للأوكرانيين بشأن استمرار الدعم العسكري، عبر تعهد شولتس بتدريب القوات الأوكرانية على “دبابات غيبارد” والأسلحة المضادة للطائرات ومدافع “هاوتزر 2000“، ومناقشته خطط تنظيم الدفاع على مسافات أطول في المعارك.
ولم تخلو مباحثات القادة الأربعة مع زيلينسكي من التأكيد على ضرورة العودة للمحادثات مع روسيا، فالزيارة سبقتها وتلتها تلميحات من باريس وبرلين بشأن إحياء المفاوضات من جديد ووقف الحرب.
اتصالات هاتفية مع بوتين
منذ اشتعال الحرب لم ينقطع تواصل شولتس وماكرون مع بوتين إلا بعد مذبحة بلدة ” بوتشا” الأوكرانية التي اتُهمت فيها روسيا بارتكاب جرائم حرب، وفي 3 مايو 2022 عاد الحوار مرة أخرى بين ماكرون وبوتين لبحث تهدئة الأوضاع، وكانت أول مكالمة هاتفية بعد قطيعة 6 أسابيع بين شولتس وبوتين في 13 مايو 2022 وتم الاتفاق خلال المحادثة على استمرار النقاش بينهما.
وبمبادرة من شولتس وماكرون دارت محادثة مشتركة مع بوتين عن الوضع الإنساني للمدنيين في 28 مايو 2022، وأسفرت المناقشة عن رغبة موسكو في استئناف المفاوضات لحل النزاع وإنهاء الحصار المفروض على موانئ أوكرانيا.
وعقب زيارة كييف شدد شولتس على أهمية استمرار المحادثات مع بوتين وألا تملي روسيا شروط في التفاوض، وقال في 18 يونيو 2022 “من الضروري التحدث مع بوتين.. سأواصل هذا الأمر وكذلك ماكرون”. أزمة أوكرانيا ـ الطاقة تضع العلاقات الروسية الألمانية على المحك
واستهدفت ألمانيا وفرنسا من هذا التصريح توضيح موقفهما من الأزمة، والتأكيد على أن زيارة أوكرانيا كانت بهدف خلق صيغة تفاهم بين زيلينكسي وبوتين ومحاولة لتقريب وجهات النظر، ولا تعني معاداة روسيا أو التخلي عن السياسة الدبلوماسية في إنهاء الصراع.
قراءة مستقبلية في دور فرنسا وألمانيا لوقف الحرب في أوكرانيا
تلعب برلين وباريس دور الوسيط في الأزمة الروسية – الأوكرانية منذ عام 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، ونجحت الدولتان في عقد القمة الأولى بين بوتين والرئيس الأوكراني وقتها – بيترو يوروشنكو في مقاطعة ” نورماندي” الفرنسية لتهدئة التصعيد.
وأصبحت نتائج نورماندي هي بداية التفاوض بين طرفي الصراع ما نتج عنها اتفاقيات ” مينسك 1 ” و” مينسك 2″ لتسوية الوضع في دونباس، وبقيادة أوروبية وقُعت اتفاقية مينسك في بيلاروسيا في 11- 12 فبراير 2015، لسحب الأسلحة وإعلان هدنة مع إجراء إصلاحات دستورية في شرق أوكرانيا.
واليوم تسعى ألمانيا وفرنسا إلى احتواء الحرب عبر إحياء ” مخرجات نورماندي” من جديد وبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين كييف وموسكو. وفي 8 يونيو 2022 أطلع شولتس زيلينكسي على المحادثات التي جمعته مع ماكرون وبوتين للتوصل لحل وسط في النقاط الخلافية بين الطرفين، الأمر الذي يؤكد على تمسك فرنسا وألمانيا بالتفاوض باعتباره الوسيلة الأمثل لحل النزاع رغم الانتقادات الموجهة لسياستهما.
**
2 ـ أزمة أوكرانيا ـ مخاطر تصعيد التسلح النووي والتقليدي
غيرت الحرب الأوكرانية من الحسابات الاستراتيجية لبعض الدول ودفعتها لمراجعة سياساتها الدفاعية المتعلقة بتعزيز التسلح من جديد، حتى أن بعض الدول المحايدة مثل النمسا اتجهت لزيادة مخصصات شؤون الدفاع ما يشير إلى ارتفاع حدة سباق التسلح التقليدي بين روسيا والغرب، الأمر الذي يفتح الباب أمام الخطر الأكبر الخاص بالتسلح النووي رغم المعاهدات الدولية المبرمة بين موسكو وواشنطن بشأن الحد من انتشار الأسلحة النووية تجنبا لاندلاع أي حرب.
زيادة الانفاق العسكري دولياً
مع تصاعد وتيرة المعارك بأوكرانيا ارتفع حجم الإنفاق الدفاعي، وتعد ألمانيا نموذجا لهذا التغيير بإعلان المستشار الألماني أولاف شولتس في 28 يونيو 2022، أن بلاده ستمتلك أكبر جيش أوروبي تقليدي في حلف الناتو بفضل الاستثمارات الضخمة التي تم إقرارها.
وبهدف تعزيز قدراتها العسكرية وتنفيذا لالتزامها في الناتو بتخصيص 2% من الناتج المحلي لموازناتها الدفاعية، توافقت الأحزاب الألمانية في 30 مايو 2022 على إنشاء صندوق استثنائي بقيمة 100 مليار دولار ويصبح الإنفاق على الدفاع ما بين 70 إلى 80 مليار يورو سنويا. وتعد الخطوة بداية لتعويض السنوات الماضية التي تراجع فيه تسليح الوحدات العسكرية الألمانية. ملف: أزمة أوكرانيا – تأثيرها على مستقبل علاقات أوروبا الخارجية
ورفعت فرنسا شعار ” يجب أن نكون أقوى بكثير” بعد دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتأسيس قاعدة صناعية وتكنولوجية للدفاع الأوروبي والفرنسي، معتبرا الحرب فرصة لإعادة بناء شراكات ممنهجة في الصناعات العسكرية الأوروبية والفرنسية. وطلب في 13 يونيو 2022 بإعادة تقييم لقانون البرمجة العسكرية في ظل السياق الجيوسياسي، مشيرا إلى أن بلاده دخلت اقتصاد الحرب.
وفي 30 يونيو 2022 شددت الحكومة البريطانية على خطتها في التسلح بالاستثمار على المدى الطويل في القتال الجوي والتكيف مع التغييرات العالمية، معلنة زيادة إنفاقها الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي بحول عام 2030.
ورغم زيادة الإنفاق الأمريكي على البحث العسكري بنسبة 24% خلال الفترة ما بين 2012 إلى 2021، انخفض تمويل مشتريات الأسلحة بنسبة 6.4%، النقطة التي دفعت الكونغرس الأمريكي في 15 يوليو 2022 للمصادقة على مشروع ميزانية الدفاع لعام 2023 بقيمة 840 مليار دولار.
وربما كانت بداية سباق التسلح في عام 2021، بعد أن وصل إجمالي الإنفاق العسكري للعالم 2.113 تريليون دولار وهي النسبة الأكبر في التاريخ، ووصل الإنفاق الروسي 4.1% من الناتج المحلي ليصبح العام الثالث على التوالي في نمو التسلح الروسي.
مخاطر التراجع عن المعاهدات الدولية الخاصة بالتسلح النووي
رغم المراحل التي تجاوزها العالم لنزع الأسلحة النووية تدخله الحرب الأوكرانية في سباق التسلح النووي، الأمر الذي وضع الكثيرين من الروس والأوروبيين في حالة تأهب لاندلاع حرب نووية.
وكشفت استطلاعات رأي ارتفاع نسبة الألمان المؤيدين لبقاء القنابل النووية الأمريكية في بلدهم إلى 52% خلال عام 2022 بدلا من 14% خلال عام 2021، وتشير النسبة إلى استبدال فكرة بقاء ألمانيا خالية من النووي بنظرية تطوير الترسانة النووية، وستشهد ” قاعدة بوشل” الجوية الألمانية تحديث للأسلحة النووية بها بحلول عام 2023، وتمثل القاعدة أهمية لواشنطن لذا تنفق نحو 10 مليارات دولار لتجديد قنابلها النووية وفي المقابل تحدث ألمانيا الطائرة “إف -35” الحاملة للقنابل.
ولم تتوقف روسيا عن التلويح بورقة النووي في ظل استمرار الغرب في تسليح أوكرانيا، وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 25 يونيو 2022، إن بلاده ستسلم بيلاروسيا صواريخ تكتيكية طراز “إسكندر-إم” قادرة على حمل صواريخ نووية مع تحديث أسطول سلاح الجو البيلاروسي بشكل يسمح لطائراته من طراز ” سو-25″ حمل أسلحة نووية خلال الأشهر المقبلة.
وتلحق الصين بالغرب وروسيا في منافسة التسلح النووي تحسبا لاستهداف أنظمة دفاعها الصاروخية، لذا تعمل على تسليح جيشها بأحدث الأسلحة النووية وبناء 300 منصة حديثة لإطلاق الصواريخ.
ومع اقتراب انتهاء معاهدة ” نيو ستارت” الخاصة بالحد من الأسلحة النووية بحلول عام 2026، تزداد المخاوف من تخلي موسكو وواشنطن عن معاهدات التسلح النووي، ما يفسر التحول الذي طرأ على العلاقة بين البلدين بعد الحرب. والتزمت الدولتان لحد كبير باتفاقيات السلاح النووي منذ ستينيات القرن الماضي التي نصت على الاستخدام المدني للطاقة النووية ومنع التجارب النووية في الفضاء والغلاف الجوي وتحت البحار، مع وضع حد أقصى لقاذفات الصواريخ والطائرات الحربية والصواريخ بعيدة المدى وتقليل الترسانتين الأمريكية والروسية.
قراءة مستقبلية في الأمن الدولي في ظل التسابق النووي
أصبح التهديد سلاحا في يد روسيا وحلف الناتو مع اشتداد المعارك، وهددت روسيا بنشر أسلحة نووية في بحر البلطيق في حال تصعيد الناتو بضم فنلندا والسويد له أو تهديد أمنها في هذه المنطقة، وعلى الجانب الآخر شدد الناتو من تغيير سياسة الردع والدفاع للحلف، محذرا موسكو من استخدام أسلحة نووية في الحرب.
وبإصدار بوتين قرارا بوضع قوات بلاده النووية في حالة استعداد، وإطلاق الولايات المتحدة اختبارات صواريخ أسرع من الصوت، وارتفاع نفقات تحديت الترسانة النووية بالعالم لـ 9% خلال عام 2021، تتسع المنافسة النووية إلى دول أقل تسليحا ما ينذر بخطر قادم لا محالة، حيث بلغت ميزانية الولايات المتحدة 44.2 مليار دولار، وانفقت الصين 11.7 مليار دولار، وبلغت ميزانية روسيا 8.6 مليار دولار، وانفقت بريطانيا 6.8 مليار دولار، وخصصت فرنسا 5.9 مليار دولار.
ويصبح العالم أمام سيناريو محفوف بالمخاطر لاحتدام السباق في التسلح التقليدي والنووي وانتشار أسلحة نوعية روسية وغربية على الأراضي الأوكرانية، ما يجعل احتمالات التصعيد واردة بين الناتو وموسكو وتحول الوضع من مجرد عملية عسكرية روسية إلى حرب شاملة بينهما، لذا يصعب أن تعود الأجواء بين الغرب وروسيا إلى ما كانت عليه قبل 24 فبراير 2022.
**
3ـ أزمة أوكرانيا ـ حرب استنزاف
مع اقتراب دخول الحرب الأوكرانية شهرها السادس، يحمل المشهد الراهن معطيات حرب طويلة الأمد وتخالف هذه المعطيات جميع التوقعات السابقة بشأن اتجاه أطراف الصراع للتهدئة. وكشف سباق الغرب المحتدم في تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا عن نوايا مد فترة الحرب، لاسيما وأن بعض السياسيين الغربيين يرون أن تحويل الحرب إلى معارك استنزاف يصب في صالحهم لإنهاك روسيا عسكريا واقتصاديا، دون الانتباه إلى أن تداعيات الحرب الطويلة لن تقف عند الروس فقط بل تمتد إلى الأوكرانيين في المقام الأول ومن ثم الأوروبيين، فالحرب إذا اتسعت حدودها خارج أوكرانيا ستصبح دول أوروبية مجاورة محطة جديدة للنزاع.
تهدف واشنطن إلى إطالة الحرب في أوكرانيا من أجل استنزاف روسيا وكذلك أوروبا.. كيف؟
منذ اللحظة الأولى للحرب، تبنت الولايات المتحدة سياسة التصعيد في دعم أوكرانيا بتقديم الأسلحة، ولم يكن الهدف الأساسي من تقديم مساعدات نوعية للقوات الأوكرانية هو أن تكسب الحرب فحسب، بل ذهبت أهداف واشنطن إلى أبعد من ذلك بأن تتحول الحرب إلى حرب استنزاف لروسيا وأوروبا.
وعمدت واشنطن إلى ترويج هذا السيناريو عبر تصريحات المسؤولين، وحذرت أفريل هينز، مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية في 10 مايو 2022 من استعداد روسيا لحرب طويلة في أوكرانيا، مؤكدة على أن الانتصارات في شرق أوكرانيا لا تعني انتهاء الصراع. وبررت تقديمها أكبر حزمة مساعدات عسكرية لكييف بحوالي مليار دولار لتجهيز القوات الأوكرانية لأطول صراع.
واتجهت أغلب تصريحات الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إلى تأكيد نفس السيناريو، وقال في 30 مايو 2022 إن المعلومات الاستخباراتية حول أوكرانيا أكدت استمرار الحرب فترة طويلة. وشدد في 19 يونيو 2022 على أهمية تزويد أوكرانيا بالأسلحة والاستعداد لامتداد المعارك لوقت طويل.
واتفق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مع موقف الناتو والولايات المتحدة، بتأكيده على ضرورة الاستعدادات لتحمل حرب طويلة الأمد في أوكرانيا.
إمدادات الأسلحة التقليدية والمتطورة
تعد الولايات المتحدة الداعم الأول لأوكرانيا عسكريا، بإرسالها صواريخ “جافلين” مضادة للدبابات وصواريخ “ستينغز” مضادة للطائرات ومدافع “هاوتزر” وقذائف “كاليبر” عيار 155 ملم ومروحيات هليكوبتر قتالية، وتأتي بريطانيا في المرتبة الثانية في دعم أوكرانيا بتقديم صواريخ “بريمستون 1” وصواريخ جافلين وأخرى ستينغر وناقلات جنود مدرعة من طراز “ماستيف”.
وعززت التشيك من تسليح أوكرانيا بمدافع “هاوتزر” وراجمات صواريخ متعددة الإطلاق ودبابات وطائرات قتالية من الطراز السوفيتي، ووافقت الدنمارك على مساندة أوكرانيا بصواريخ “هاربون” المضادة للسفن.
بينما قدمت برلين لكييف أسلحة صغيرة مثل قاذفات الصواريخ مضادة للطائرات والدبابات وبنادق وألغام وملايين من الذخيرة والطلقات إضافة إلى 7 مدافع “هاوتزر”، معلنة عزمها إرسال دبابات “غيبارد” وأنظمة الدفاع الجوي ” إيريس – تي” وراجمات صواريخ.
وزادت وتيرة تسليح أوكرانيا مع انتقال المعارك لدونباس في 18 أبريل 2022، وأعلن البنتاغون تسيير 12 رحلة جوية لنقل المعدات بجانب تأهيله للقوات الأوكرانية لاستخدام الأسلحة، وطالب الرئيس الأمريكي جو بايدن في 28 أبريل 2022 بتمويل أوكرانيا بحوالي 33 مليار دولار، قبل أن تسلم بلاده في 2 يونيو 2022 كييف راجمات صواريخ من طراز ” هيمارس”، وقررت بولندا إرسال أكثر من 200 دبابة من طراز ” تي – 72″.
تدفق عناصر ومجموعات غربية إلى أوكرانيا
تخطى دعم الغرب وتحديدا واشنطن إرسال المعدات العسكرية، وتحدثت تقارير روسية عن وجود عسكريين من ليتوانيا وبولندا والدنمارك ولاتفيا للإشراف على تدريب القوات الأوكرانية، واتهمت موسكو واشنطن ولندن في 14 يوليو 2022 بشن ” حرب هجينة” بإرسال مدربين عسكريين سرا لأوكرانيا.
وأشار وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي زيزنيكوف في 15 يوليو 2022، إلى إرسال الغرب ممثلين عسكريين لمراقبة تدفق أسلحتهم التي تبرعوا بها، ما يشير إلى احتمالية زج الناتو والولايات المتحدة بعناصر أمنية لمتابعة ميدان الحرب دون الإعلان رسميا.
وبإعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 27 فبراير 2022 تأسيس فيلق دولي للمقاتلين الأجانب، تدفق نحو 20 ألف أجنبي من أوروبا والولايات المتحدة للقتال بجانب أوكرانيا، قبل أن تعيد بعضهم لبلدانهم لنقص خبراتهم العسكرية.
وفي 13 يوليو 2022 نشرت وزارة الدفاع الروسية أعداد المقاتلين الأجانب مع أوكرانيا، وبقي 944 مقاتلا من أصل 1853 جاءوا من بولندا، ووصل من رومانيا 504 مقاتلا وتبقى 262، ومن بريطانيا جاء 198 مقاتلا من أصل 429، وجاء من فرنسا 185 مقاتلا وتبقى 66، وجاء من كندا 605 مرتزقة وتبقى 239، وتبقى من الولايات المتحدة 89 من أصل 544 مقاتلا.
كتيبة آزوف والمخابرات الأمريكية
تلجأ الولايات المتحدة لكل الوسائل لمد فترة الحرب بما فيها عودة كتيبة “آزوف” اليمنية المتطرفة للواجهة مرة أخرى مع استهداف القوات الروسية لمدينة ماريوبول الأوكرانية في 25 فبراير 2022 وإعلان الكتيبة التابعة للحرس الوطني الأوكراني تدمير عربات عسكرية روسية بالمدينة، ما يثير تساؤل حول مصادر تمويلها حيث تتكون من 1000 مقاتل وتمتلك مدافع ودبابات.
وبالعودة لتاريخ تأسيس كتيبة آزوف في عام 2014 تظهر علاقتها الوطيدة مع واشنطن، بخضوعها لتدريبات مكثفة في قاعدة جوية جنوب الولايات المتحدة منذ عام 2015، وهو نفس العام الذي ألغى فيه الكونغرس الحظر على تمويل الجماعات اليمنية المتطرفة، وتوالت من بعده الاتصالات بين الكتيبة ووكالة الاستخبارات الأمريكية التي تقدم لها المعدات العسكرية والتمويل والمشورة.
قراءة مستقبلية في سيناريو حرب طويلة في أوكرانيا
مخاطر الحرب الطويلة لا تقف عند حجم الدمار الذي ينتج عنها، بل تتعلق بكيفية التخلص من عوامل استمرارها، فالمعارك الطويلة في أوكرانيا تعني استمرار إمدادات الأسلحة الغربية، ما يزيد من عناد روسيا في تكثيف تحركاتها العسكرية شرق أوكرانيا التي تتسبب في مزيد من الخسائر البشرية والمادية، ويدخل بعض دول أوروبا في منافسة التسلح التقليدي الأمر الذي يهدد بحدوث مواجهة مباشرة بين الغرب وروسيا وحلفائها.
وتصبح فوضى انتشار الأسلحة المتطورة في أوكرانيا خطر قائم يهدد أمن أوروبا، لاحتمالية سقوط هذا السلاح في يد المقاتلين الأجانب الذين يفتقدون الخبرة القتالية والانتماء العسكري أو استحواذ العناصر اليمنية المتطرفة عليه. وتكمن صعوبة السيطرة على المقاتلين والمتطرفين في طبيعة معتقداتهم وانخراطهم في أعمال قتالية تسهل ارتكابهم أعمال عنف مع احتمال انضمام متطرفين جدد إلى المعارك التي تتصاعد.
**
التقييم
مع استمرار المعارك في أوكرانيا يصبح دور أوروبا محوريا لتحجيم أبعاد الصراع، ما يلقي على عاتق ألمانيا وفرنسا مسؤولية كبيرة للحفاظ على الأوضاع الإنسانية في أوكرانيا واستمرار المحادثات مع الجانب الروسي.
ويمثل موقف الدولتين حلقة توازن بين الدول المتشددة ضد روسيا مثل دول البلطيق، والدول الرافضة للتصعيد مثل المجر والتشيك وسلوفاكيا التي تعول على اتزان باريس وبرلين في السلاح المقدم لكييف والعقوبات ضد موسكو رغم أن قراراتهما الأخيرة تبدو أنها تميل للتصعيد، ولكن في حقيقة الأمر هي محاولة لكسب ود أوكرانيا ما يمنحهما مساحة للضغط عليها للعودة إلى المفاوضات مع روسيا.
وتظل مواقف فرنسا وألمانيا ثابتة نحو الحرب بأن وقف القتال أمر حتمي، لإدراك خطورة امتداد المعارك نظرا لأن ساحة الصراع انحسرت داخل أوروبا، ما يفسر أهمية الدور الأوروبي كصمام أمان لضبط تداعيات الحرب واحتدام سباق التسلح بين الغرب وروسيا.
**
تعود خطط زيادة التسلح التقليدي والنووي إلى ما قبل الأزمة الأوكرانية، ما يؤكد على اقتناع أغلب الدول بأن بناء سياسة دفاعية قوية يحقق اقتصاد قوى ويبني دولة ذات سيادة، ولم تثير تلك التحركات مخاوف بحجم المخاوف الحالية نظرا لالتزام الدول وقتها بمعاهدات الحد من التسلح النووي.
بينما تسببت الحرب في تعقيد المشهد مؤخرا بين الغرب وروسيا، وتحولت خطوات كل طرف بشأن الإنفاق الدفاعي بمثابة مصدر إزعاج للطرف الآخر ودافع لزيادة تسليحه، وتشير دلالات الوضع الراهن إلى بوادر نشوب أكبر صراع مسلح منذ الحرب الباردة في ظل تصعيد روسيا والولايات المتحدة من مواقفهما تجاه بعضهما البعض.
ولم تقف حالة التوتر عند هذا الحد، بل لجأ الغرب وروسيا إلى استعراض القوى العسكرية والترويج إلى قدراتهم في استخدام النووي كأداة ردع للطرف الآخر، ومن هنا ألقى الصراع بظلاله على مواقف بعض الدول بالتراجع عن سياسية خفض التسلح التقليدي إلى زيادة تمويل صناعتها الدفاعية، وعلى تغيير معتقدات بعض الشعوب الغربية من رفض انتشار السلاح النووي إلى المطالبة بتحديث الترسانة النووية، وربما رجح البعض أن تخلي أوكرانيا عن سلاحها النووي وفقا لاتفاق لشبونة عام 1994 كان خطأ فادح شجع روسيا على محاربتها.
ومن هنا يصبح العالم أقل أمنا مع انتشار السلاح التقليدي والنووي وتمادي القوى النووية في تطوير ترسانتها لتتحول المعارك في أوكرانيا إلى صراع مسلح بين أكبر قوى نووية.
**
تدفع واشنطن بمعارك أوكرانيا إلى حرب استنزاف ردا على تمركز العمليات الروسية في شرق أوكرانيا، ما يضع أوروبا أمام تحديات جسيمة لاسيما وأنها تعاني من وضع اقتصادي قاتم وأزمة طاقة مرتقبة، ويصعب عليها التماهي مع سياسات الولايات المتحدة بتصعيد تسلح أوكرانيا لرغبتها في تهدئة الوضع مع روسيا تجنبا لتفاقم الأزمة الاقتصادية وصعوبة توفير كل هذا الكم من الأسلحة الثقيلة.
ويتسبب هذا السيناريو في تدمير البنية التحتية الأوكرانية ومضاعفة معاناة الأوكرانيين ما يلقي بأعباء جديدة على أوروبا في عملية إعادة إعمار أوكرانيا وتقديم مزيد من المساعدات الإنسانية.
وعند النظر للصورة كاملة يتضح أن الجميع خاسر من حرب الاستنزاف نظرا لأن سباق التسلح وجذب المقاتلين لأوكرانيا يهدد بصدام محتمل لا يحمد عقباه بين الناتو وموسكو، ما يطرح تساؤلا: هل يمكن أن تعيد واشنطن حساباتها مرة أخرى وتتنازل عن سيناريو الحرب الطويلة؟
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=82963
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والإستخبارات
الهوامش
شولتس يقترح “خطة مارشال” لإعادة بناء أوكرانيا
https://bit.ly/3QM3CEu
بوتين يتحدث مع شولتس وماكرون ويحذر من تسليم مزيد من الأسلحة لأوكرانيا
https://bit.ly/3xN99Sk
شولتس يؤكد على ضرورة التحدث مع بوتين ويتعهد بمزيد من الدعم لأوكرانيا
https://bit.ly/3A6qVD0
Scholz, Macron and Draghi vow support for Ukraine’s EU bid on Kyiv visit
https://bit.ly/3A6rv3E
Russia must not be humiliated in Ukraine, says Emmanuel Macron
https://bit.ly/3yiKR4a
ماكرون: سيتعين على الرئيس الأوكراني التفاوض مع روسيا في مرحلة ما
https://bit.ly/3nhPs0j
**
ماكرون يطالب بـ “إعادة تقييم” النفقات العسكرية الفرنسية على خلفية الحرب في أوكرانيا
https://bit.ly/3bLJqlZ
شولتس: ألمانيا تبني أكبر جيش تقليدي أوروبي في إطار الناتو
https://bit.ly/3Pd9O6I
لأول مرة في التاريخ.. الإنفاق العسكري العالمي يتجاوز تريليوني دولار في 2021
https://bit.ly/3AwF7FF
US House of Representatives passes $840bln defense budget
https://tass.com/economy/1480283
غزو أوكرانيا – هل يشجع الدول على حب السلاح النووي وامتلاكه؟
https://bit.ly/3ysmZd9
UK defence spending to rise as dangers increase – PM
https://bbc.in/3uwK3Xd
**
زعماء غربيون: الحرب في أوكرانيا قد تستمر “لسنوات”
https://bit.ly/3z4OlaX
ما الأسلحة الجديدة التي ستقدمها دول الناتو لأوكرانيا؟
https://bit.ly/3aAsm27
Ukraine war: Putin preparing for long haul, US intelligence says
https://bbc.in/3PkbQ5m
المقاتلون الأجانب في أوكرانيا يعقّدون المعادلة أكثر مما يبسطونها
https://bit.ly/3chJVok
With scant options in Ukraine, U.S. and allies prepare for long war
https://wapo.st/3Of0hv0
مدرسة الناتو… من فيها وماذا يتعلمون على يد المدربين العسكريين الغربيين في أوكرانيا
https://bit.ly/3PqBFR5