بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات “27”
دفعت التحولات الجيوسياسة والأمنية في قارة أوروبا نتيجة الأزمة الأوكرانية، إضافة إلى تصاعد التهديدات الإرهابية دل الاتحاد لتعزيز استراتيجيات مكافحة الإرهاب والتطرف، في إطار تعاون وتنسيق واسع على المستوى الأمني والاستخباراتي بين دول الاتحاد، اعتماداً على آليات جديدة تستهدف التقنيات الحديثة للإرهاب عبر الإنترنت والتطرف العابر للحدود.
استجابة للطبيعة المتطورة للتهديدات الإرهابية في أوروبا، اعتمد مجلس أوروبا، في 8 فبراير2023 استراتيجية لمكافحة الإرهاب للفترة 2023-2027 توفر أدوات جديدة واستجابات ملموسة للتحديات المستمرة والناشئة التي تواجهها سلطات الدولة.
وتهدف الاستراتيجية إلى تعزيز جهود مكافحة الإرهاب في أوروبا وخارجها من خلال معالجة ليس فقط مظاهر الإرهاب، ولكن أيضًا أسبابه الجذرية ودوافعه في المشهد الجيوسياسي الحالي. ويهدف إلى معالجة التهديد المتزايد الناجم عن التطرف العنيف في أوروبا، والزيادة في إساءة استخدام التقنيات الجديدة لإرسال الرسائل والتجنيد والتدريب، والتفاعل بين أعمال الإرهاب وانتهاكات قواعد الصراع المسلح (جرائم الحرب) التي لوحظت مؤخرًا في أوروبا. في سياق العدوان الروسي على أوكرانيا.
كما تعكس الاستراتيجية أيضًا فهم أنه على الرغم من أن التهديدات الإرهابية المستوحاة من تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة قد تضاءلت في السنوات الأخيرة، إلا أن هناك حاجة إلى إيجاد وسائل فعالة وشاملة لمنع ظهورها مرة أخرى.
طبيعة الإرهاب في أوروبا 2023
أعلنت السلطات في ألمانيا وهولندا، 6 يوليو 2023، أن تسعة أشخاص من آسيا الوسطى اعتقلوا فيما يتعلق بخطط مزعومة لشن هجمات في ألمانيا تماشيا مع أيديولوجية تنظيم “داعش”، وقال ممثلو ادعاء فيدراليون ألمان إن سبعة رجال اعتقلوا في ألمانيا متهمون بتأسيس جماعة متشددة ودعم تنظيم “داعش”، وأن جميعهم كانوا يعرفون بعضهم البعض لفترة طويلة ولديهم آراء إسلامية متطرفة، وأضافوا أن أعضاء الجماعة عاينوا أهدافا محتملة في ألمانيا وحاولوا شراء أسلحة، لكن “لم تكن هناك خطة ملموسة لشن هجوم وقت الاعتقال اليوم”، وأشاروا إلى أن جميع المعتقلين في ألمانيا، باستثناء واحد، كانوا يجمعون الأموال لتنظيم “داعش” منذ أبريل 2022 وتحويلها إلى التنظيم.
قالت النيابة العامة في هولندا، إن رجلاً طاجيكيا يبلغ من العمر 29 عاما وزوجته القرغيزية البالغة من العمر 31 عاماً، يعيشان في البلاد منذ العام الماضي 2022، اعتقلا للاشتباه في ارتكابهما أعمالا تحضيرية لهجمات، كما يشتبه في انتماء الرجل لتنظيم “داعش”، وقالت النيابة في بيان إن الشرطة تشتبه في أن الرجل “تلقى أمرا بالتخطيط لهجوم إرهابي”. وأضافت أن الخطط كانت خطيرة بما يكفي لكي يتدخل ممثلو الادعاء، رغم أنها “لم تكن بعد ملموسة”.مكافحة الإرهاب في أوروبا ـ مجموعة مكافحة الإرهاب (CTG)
مكافحة الإرهاب أولوية قصوى للاتحاد الأوروبي؟
في أعقاب سلسلة من الهجمات منذ عام 2015، اعتمد الاتحاد الأوروبي تدابير مختلفة لوقف الإرهاب، ورغم أن التطرف ليس ظاهرة جديدة، ولكنه أصبح يشكل تهديداً أكثر خطورة في السنوات الأخيرة، وقد سهلت تكنولوجيات الاتصال عبر الإنترنت على الإرهابيين التواصل عبر الحدود وضخمت الدعاية الإرهابية وانتشار التطرف، لذلك اعتمد الاتحاد الأوروبي في أبريل 2021 لائحة بشأن معالجة نشر المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت.
وعلى الرغم من أن مسؤولية مكافحة الجريمة والحفاظ على الأمن تقع في المقام الأول على عاتق الدول الأعضاء، فقد أظهرت الهجمات الإرهابية التي وقعت في السنوات الأخيرة أن هذه مسؤولية مشتركة أيضاً يجب أن يتم التنسيق والتعاون فيها بشكل أكبر بين الدول الأعضاء خاصة على المستوى الأمني والاستخباراتي . يساهم الاتحاد الأوروبي في حماية مواطنيه من خلال العمل كمنتدى رئيسي للتعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء.
أزمة المقاتلين الأجانب
تشير التقديرات إلى أن ما بين 4000 إلى 5000 من مواطني الاتحاد الأوروبي قد سافروا أو حاولوا السفر إلى مناطق النزاع – خاصة في العراق وسوريا – منذ عام 2011 للانضمام إلى الجماعات الإرهابية مثل داعش. وقد عاد 30% منهم بالفعل إلى بلدانهم الأصلية. ظلت قضية المقاتلين الأجانب على رأس جدول الأعمال السياسي للاتحاد الأوروبي لسنوات عديدة، وفي مارس 2017، اعتمد الاتحاد الأوروبي توجيهًا بشأن مكافحة الإرهاب. وتعزز القواعد الجديدة الإطار القانوني للاتحاد الأوروبي لمنع الهجمات الإرهابية ومعالجة ظاهرة المقاتلين الأجانب. ويجرم التوجيه أفعالاً مثل: القيام بالتدريب أو السفر لأغراض إرهابية، تنظيم أو تسهيل مثل هذا السفر، توفير أو جمع الأموال المتعلقة بالجماعات المتطرفة.مكافحة الإرهاب في أوروبا ـ عودة المقاتلين الأجانب
استراتيجية بريطانية لمكافحة الإرهاب
كشفت الحكومة البريطانية في 18 يوليو 2023، عن تحديث لاستراتيجية مكافحة الإرهاب المعروفة باسم “كونتست”، وهي تُعَد الوثيقة الأولى من نوعها منذ خمس سنوات. وقد أوضحت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان، في تصريحات لها، أن “التهديد الإرهابي لبريطانيا يتزايد؛ حيث أصبح المهاجمون غير متوقعين بشكل متزايد، ويصعب اكتشافهم”، مشيرةً إلى أن التهديدات أصبحت أكثر تنوعاً وديناميكيةً وتعقيداً، وهو ما دفع بلادها إلى وضع تحديث شامل لاستراتيجيتها الخاصة بالتصدي للإرهاب، التي ركزت فيها على إرهاب الجماعات الإسلامية، باعتباره التهديد المحلي الرئيسي للمملكة المتحدة؛ إذ شكل نحو ثلثي الهجمات في عام 2018، فضلاً عن تشتت وانتشار أعضاء تنظيمَي (داعش) و(القاعدة)، في الوقت الذي تحاول فيه الجهات الفاعلة الدولية المعادية للندن الاستفادة من الأنشطة الإرهابية لتحقيق أهداف خاصة لها بالمملكة.
تستند الاستراتيجية إلى عدد من الأطر والتوجهات الرئيسية لدى المملكة المتحدة بشأن العمليات الإرهابية وكيفية التصدي لها، منها، التخوف من تهديدات الجماعات الإرهابية الإسلامية، تأكيد الطابع المزدوج للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، استدعاء دور أفراد المجتمع في مواجهة الإرهاب، تطوير آليات مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة، تعزيز الشراكة مع الحلفاء الدوليين، تفعيل دور القطاع الخاص، تعزيز الأمن الوقائي.مكافحة الإرهاب ـ بريطانيا وبلجيكا، استراتيجيات وتدابير
الشراكات الدولية للاتحاد الأوروبي
يشكل التعاون المتعدد الأطراف جوهر التوجه الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي لتحقيق الاستفادة القصوى من آليات مواجهة الإرهاب. ولتحقيق هذه الغاية، يعمل الاتحاد الأوروبي بشكل وثيق مع الأمم المتحدة، ومع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب (UNOCT). والمديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب(المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة) على وجه الخصوص، كما يعمل الاتحاد الأوروبي أيضًا مع أكثر من 40 كيانًا تابعًا للأمم المتحدة والتي تشكل ميثاق الأمم المتحدة العالمي لتنسيق مكافحة الإرهاب.
يشارك الاتحاد الأوروبي في رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (GCTF) منذ سبتمبر 2022 بصفته جهة مانحة وعضواٍ في مجالس إدارتها، يساهم الاتحاد الأوروبي أيضاً في عمل ثلاث مؤسسات مرتبطة بالمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، والمعهد الدولي للعدالة (IIJ) والصندوق العالمي لإشراك المجتمع وقدرته على الصمود (GCERF)، والاتحاد الأوروبي هو أيضاً شريك غير عسكري للتحالف العالمي ضد داعش ويتعاون بنشاط مع حلف شمال الأطلسي والانتربول، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF).
استراتيجية أوروبا لمكافحة الإرهاب في إفريقيا
مدد مجلس الاتحاد الأوروبي تفويض العملية الأمنية في أفريقيا في ديسمبر 2020. وساعدت عملية “أتالانتا” أيضًا في إنفاذ حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على الصومال وكذلك مكافحة الاتجار بالمخدرات غير المشروعة. ويبقى التركيز الرئيسي على توفير الحماية للسفن التي تحمل شحنات لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ودعم بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال “أميسوم. ” ويشمل ذلك حماية الشحن الدولي قبالة سواحل الصومال ومكافحة القرصنة.
ويكتسب القرن الإفريقي أهمية خاصة لدى أوروبا لأن هناك حوالي 40٪ من ممرات الشحن العالمية و 25٪ من الإمدادات البحرية للاتحاد الأوروبي تمر عبر خليج عدن. على الرغم من أن القرصنة قد تم تحديدها إلى حد كبير من خلال الجهود الدولية، وقبل كل شيء عملية الاتحاد الأوروبي “أتالانتا”ATLANTA ، إلا أنها لا تزال تشكل تهديدًا أساسيًا للأمن البحري بما في ذلك الاتجار غير المشروع والتجارة غير المشروعة. لا يزال الوضع الأمني متقلبًا ، مع استمرار نشاط الجماعتين الإرهابيتين، حركة الشباب وداعش.
تقييم وقراءة مستقبلية
أفرزت الأزمة الأوكرانية تحديات مستمرة ومتصاعدة لدول الاتحاد الأوروبي لعل أبرزها المخاطر الأمنية وما يتعلق بالتأثير على زيادة التهديدات الإرهابية في دول أوروبا.
تسعى الدول الأوروبية لتعزيز استراتيجياتها بشكل مستمر من أجل تحقيق أعلى مستوى من المواجهة مع تنظيمات الإرهاب في الداخل والخارج، كما تسعى لتنسيق جهودها وتبادل المعلومات والخبرات فيما بينها لمحاصرة نشاط التنظيمات الإرهابية.
الإجراءات المتخذة حتى الآن لم تنجح تماما بوضع نهاية إلى التنظيمات المتطرفة التي تستفيد من التطورات التقنية الافتراضية للتخفي والتواصل فيما بينها مخترقة بذلك حدود الدول وإجراءاتها الأمنية، لذلك تبدو دول أوروبا في حاجة مستمرة لتعزيز سبل المواجهة.
أوروبا بحاجة جادة لمعالجة ملف المقاتلين الأجانب وعوائل تنظيم داعش الأوروبيين في المخيمات، ولا ينبغي أن تستمر السياسات الأوروبية بالتجاهل مستقبلًا.
رابط مختصر https://www.europarabct.com/?p=91002
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
هوامش
The EU’s response to terrorism
Council of Europe adopts new counter-terrorism strategy for 2023-2027
WHAT WE DO: POLICIES AND ACTIONS
EU-UN Global Terrorism Threats Facility
مكافحة الإرهاب في أوروبا ـ أهمية التعاون الأمني