بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (26)
توسع العالم الرقمي ساهم في ارتفاع التهديدات السيبرانية لأمن المجتمعات، ومع التطور الهائل الذي شهده قطاع التكنولوجيا وفي مقدمته الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة، أصبحت العلاقة معقدة بين الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، حيث يتم استغلال هذه التكنولوجيا الحديثة لاختراق المؤسسات الحكومية، سواء من قبل الجماعات المتطرفة أو دول أخرى أثناء فترات التوترات والنزاعات السياسية، ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي أيضاً كأداة متطورة لمواجهة هذه التهديدات السيبرانية، وزيادة قدرات الدول الأمنية والدفاعية، ما يحتم على الحكومات والمؤسسات حول العالم، اتباع استراتيجية دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي مع القدرات البشرية، من أجل تحقيق استفادة أكبر من هذه التقنيات الحديثة في الأمن السيبراني.
كيف يعمل الذكاء الاصطناعي؟
ترتكز أسس الذكاء الاصطناعي على استيعاب كمية كبيرة من البيانات المصنفة، وتحليلها بحثاً عن الأنماط والارتباط بين بعضها البعض، للتوصل إلى تنبؤات بالحالات والاحتمالات المستقبلية، عبر استخدام التعلم الآلي والبرامج المتخصصة لكتابة وتدريب الخوارزميات، ما يسمح بتغذية روبوت الدردشة بأمثلة نصية حتى يستطيع الإجابة عن أسئلة المستخدمين وإنشاء تبادلات واقعية معهم، والتعرف على الصور وإنشاء موسيقى ووسائط أخرى متعددة واقعية. وتتلخص خطوات عمل الذكاء الاصطناعي في (4) خطوات أساسية هم، التعلم لإنشاء القواعد وتحويلها لمعلومات قابلة للتنفيذ وفقاً لبرمجة الذكاء الاصطناعي، والمنطق الذي يركز على اختيار الخوارزمية الصحيحة للوصول لنتيجة مرجوة، وتصحيح الذات لضبط الخوارزميات بشكل مستمر والتأكد منها لتوفر أكثر النتائج دقة، والإبداع بالاعتماد على القواعد والإحصائيات والتقنيات التكنولوجية لإنشاء وسائط متعددة جديدة.
مزايا وعيوب الذكاء الاصطناعي
تكمن مزايا الذكاء الاصطناعي في قدرته على أداء المهام بشكل أسرع وأفضل مقارنة بالبشر، خاصة فيما يتعلق بالمهام المتكررة والمليئة بالتفاصيل كتحليل البيانات، ما يجعل نسبة الخطأ ضئيلة، إضافة إلى توافر رؤى لحل المشكلات عبر معالجته للبيانات، لذا توسعت مؤسسات حكومية وطبية وشركات مالية في استخدام الذكاء الاصطناعي، لأن أدواته لا تحتاج لراحة وتستطيع العمل على مدار اليوم، ما يقلل الوقت المستغرق لإنجاز العمل ويكثف البيانات عبر تكامل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. بينما تتمثل عيوب الذكاء الاصطناعي في تكلفة معالجة المعلومات والبرمجة التي تتطلبها العملية، وصعوبة تكيف المؤسسات مع إمكانيات الذكاء الاصطناعي التي تحتاج لخبرة فنية عميقة، بالإضافة إلى تهديده بزيادة معدلات البطالة في بعض المهن لاستحواذه على الوظائف بدلاً من البشر.أمن قومي ـ كيف يمكن استغلال الذكاء الاصطناعي من الجماعات المتطرفة؟
الذكاء الاصطناعي التوليدي
يعني الذكاء الاصطناعي التوليدي إنشاء محتوى جديد من النصوص والصور ومقاطع الفيديو والموسيقى بواسطة نماذج ذكاء اصطناعي وعبر الأسئلة والأجوبة والتصنيف، ويسمح هذا النوع من الذكاء الاصطناعي بتحسين تفاعلات المستخدمين عبر تجارب البحث المتقدمة والدردشة، واستكشاف مزيد من البيانات غير المنظمة والمساعدة في المهام الروتينية، عبر محركات بحث وروبوتات دردشة تتعاون مع الذكاء الاصطناعي بشكل دائم.وبظهور تقنيات حديثة من الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ” شات جي بي تي ChatGPT” و “براد Bard” في 2023، اتجهت الأنظار إلى دور هذا النوع من الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في صناعات بأكملها، وتحسين التشخيص الطبي، وتحديد التهديدات المحتملة للأمن القومي بصورة أسرع وحل الجرائم، لكن المخاوف من الملكية الفكرية والخصوصية تظل عائقاً أمام توسع الذكاء الاصطناعي التوليدي، ما يعني أن الرقابة مطلوبة وعملية تأطير استخدام هذه التكنولوجيا ضرورة، خاصة بعد اقتحامها مجالات التعليم والقانون والترفيه والإدارة، ووصول أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية الناشئة إلى أكثر من (100) مليون مستخدم مثل ” روبوتات الدردشة المتقدمة والمساعدين الافتراضيين وأدوات ترجمة اللغة” والتوقعات بوصولها إلى الاستخبارات العسكرية. وتمتد المخاوف من توسع الذكاء الاصطناعي التوليدي، بشأن إنشاء تعليمات برمجية لهجمات إلكترونية أكثر فعالية، والمساعدة في صناعة القنابل اليدوية وأسلحة كيميائية.
دور الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني
اعتادت الدول على مدار التاريخ أن تعتمد على العنصر البشري في تحقيق الأمن السيبراني، عبر جمع المعلومات وتشديد الرقابة ومطاردة التهديدات وسد الثغرات، والاستجابة لأي احتمالات بشأن وقوع حوادث سيبرانية، ولكن في العقد الأخير تطور الذكاء الاصطناعي بشكل سريع، محققاً فوائد كبيرة للدفاع السيبراني عبر أتمتة العناصر الأساسية للعمل (استخدام الحاسوب والأجهزة المعتمدة على المعالجات والبرمجيات)، وتحويله إلى عملية مبسطة ومستقلة تعمل على تسريع المعالجة وزيادة حماية الأمن القومي للدول.
وساهمت التطبيقات السيبرانية للذكاء الاصطناعي في تقديم مزايا للحكومات وقادة الأعمال، بتوفير حماية للأنظمة والمجتمعات من الخصوم السيبرانيين، بقياس مدى خطورة الهجمات الإلكترونية والتعرف على نقاط الضعف، وتعزيز الأمن والاستجابة للحوادث المحتملة، ما يساعد في اتخاذ القرار المناسب أثناء البحث والتحليل للتهديدات السيبرانية بصورة أشمل وأدق. ويدعم الذكاء الاصطناعي زيادة القدرات البشرية في مهمة الحفاظ على الأمن السيبراني في وكالات الدفاع والأمن القومي بالدول، ما يتطلب من قادة الأمن السيبراني استكشاف نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي والتطبيقات المحتملة لهذه المهمة، التي تقضي على الأخطاء الافتراضية السلبية وتعزز النظام الأمني وتؤسس بنية تحتية قوية لمواجهة أي أنشطة إلكترونية ضارة، بجانب تسريع التحقيقات وأتمتة آليات الاستجابة واتخاذ تدابير استباقية لحماية الأصول الرقمية من أي خطر محتمل، خاصة وأن خسائر الهجمات السيبرانية حول العالم بلغت أكثر من (8) تريليون دولار في 2023.الأمن المجتمعي في أوروبا ـ طرق استخدام الذكاء الاصطناعي
هل الذكاء الاصطناعي حليف أم عدو للأمن السيبراني؟
إذا نظرنا للذكاء الاصطناعي كحليف للأمن السيبراني، فالأمر يعود إلى دوره في كشف التهديدات والوقاية منها، خاصة وأن أغلب أنظمة الأمن التقليدية تعتمد على التوقعات المحددة مسبقاً فقط، ما يضعها في مرمى التهديدات بشكل غير مسبوق، بينما خوارزميات التعلم الآلي للذكاء الاصطناعي تكشف عن بيانات سريعة للتهديدات السيبرانية الناشئة، مما يوفر دفاعاً استباقياً لهذه الهجمات. كما يتفوق في التحليل السلوكي وتحديد الثغرات التي تشير إلى الخرق الأمني المحتمل، إضافة إلى أتمتة التدابير الأمنية ما يزيد من سرعة الاستجابة لأي هجوم. وفي الوقت ذاته يمكن التعامل مع الذكاء الاصطناعي كعدو محتمل للأمن السيبراني، لاستعانة منفذو الهجمات الإلكترونية بأنظمة ذكاء اصطناعي في تهديد البنية التحتية للمؤسسات، إضافة إلى أن البيانات التي تتناولها خوارزميات الذكاء الاصطناعي قد تكون متحيزة ضد أفراد أو مجموعات وفقاً لعوامل ديموغرافية أو ثقافية، ما يؤدي إلى تحليلات خاطئة من قبل هذه الخوارزميات. كما أن دخول الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني يهدد دور العنصر البشري في هذا المجال، ويزيد المخاوف من انتهاك خصوصية الأفراد أثناء جمع المعلومات عنهم.
هل يستحوذ الذكاء الاصطناعي على الأمن السيبراني؟
رغم ما حققه الذكاء الاصطناعي من تقدم في الكشف عن التهديدات السيبرانية، إلا أن الطرق التقليدية المستخدمة في الأمن السيبراني، والتي تعتمد بشكل أساسي على العنصر البشري لا تزال لها دور وفاعلية في الوقت الراهن مع وجود بعض الفروق في مدة ودقة إنجاز المهام، ونجد أن الذكاء الاصطناعي يتميز بالمرونة والقدرة على التعلم والتكيف بشكل مستمر، واستيعاب البيانات الجديدة بسرعة تسهل عملية الكشف عن الخطر والاستجابة له، في حين أن الأنظمة التقليدية تعتمد على تحليل وتدقيق البيانات بشكل أساسي، والتي تتطلب وقتاً طويلاً للغاية وتحتاج إلى خبراء مميزين، كما أن الأنظمة التي يعتمدون عليها هؤلاء الخبراء، في تحديد السلوك والتوقعات للتهديدات الجديدة تحتاج إلى عملية تأهيل للتكيف مع أي تطورات جديدة.
استخدامات الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني
– الكشف عن التهديدات: تظهر فعالية أنظمة الأمن السيبراني القائمة على الذكاء الاصطناعي في كشف شفرات البرامج الضارة، وتتمتع هذه الأنظمة بمعدلات أمان تتراوح ما بين (80%-92%) متجاوزة الأنظمة التقليدية بنسبة ما بين (30%-60%) لاعتمادها على التعلم الآلي، ما مكنها من تصنيف رسائل البريد الإلكتروني وفقاً لخطورتها وتحليل شامل لسلوك المستخدم.
– تعزيز أمن المؤسسات: يضع الذكاء الاصطناعي نهجاً ديناميكياً بحماية كلمة المرور وأمن حساب المستخدم عبر اللجوء إلى بصمات الوجه والأصابع، خاصة في ظل توسع العمل عن بعد وتزايد مخاطر الهجمات الإلكترونية، ووقوع الحلول التقليدية في خطأ الاكتفاء بالكشف عن الاختراقات التقليدية والشبكات الافتراضية الخاصة” VPN”، وترك أمان نقاط النهاية عرضة للخطر (الكشف عن برامج الفدية وتشفيرها قبل الوصول للمستخدم).
-تخفيف حدة التهديدات: يعمل الذكاء الاصطناعي على إنشاء استجابات مبكرة للتهديدات السيبرانية المتوافقة، مع حركة مرور شبكة الإنترنت واتصالات البريد الإلكتروني، لذا يتم إطلاق تدابير استجابة استباقية تلقائياً، وحظر حركة المرور الضارة وعزل الملفات المهددة لأمن المؤسسات والأفراد.
–تقييم الثغرات الأمنية: الذكاء الاصطناعي لديه قدرة على تحديد أولويات التهديدات، ومدى خطورة كل ثغرة وتأثيرها، الأمر الذي يسهل على فريق الأمان من تركيز جهوده لمعالجة المخاطر الأشد والأكثر ضرراً.
-تبسيط العمليات الأمنية: رغم ارتكاز الذكاء الاصطناعي على خوارزميات التعلم الآلي المتقدمة لأتمتة العمليات الأمنية، إلا أن معالجتها تتم بشكل مبسط لتحديد التهديدات عالية الخطورة عبر التحليل، لتعزيز القدرات الأمنية للدول والمؤسسات بشأن مواجهة أي أنشطة احتيالية.
–التحليلات التنبؤية: ساعد الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بمخاطر، بتقديم قوائم دقيقة لأصول تكنولوجيا المعلومات، التي تتضمن بيانات الأجهزة والمستخدمين والتطبيقات والأماكن الأكثر عرضة للهجمات الإلكترونية، ما يحقق رؤية شاملة للوضع الأمني للمؤسسة، ويحسن ظروف البحث الاستباقي عن هذه الهجمات.ملف: أمن قومي ـ ما حقيقة مخاطر الذكاء الاصطناعي؟
تقييم وقراءة مستقبلية
– يتجه مؤشر الهجمات السيبرانية في التصاعد، نظراً لتوسع استخدام التكنولوجيا وتطورها بشكل متسارع في السنوات الأخيرة، ودخول الصراعات بين الدول في مرحلة جديدة تعتمد على الهجمات الإلكترونية، ومن هنا تأتي أهمية تعزيز دور الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالتهديدات السيبرانية المحتملة وفقاً لخريطة النزاعات في العالم، والاستعداد بشكل جاد للتعامل مع أي تغيرات ناتجة عن هذه التهديدات الأمنية.
– بات إلحاق أقسام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وقراءة الخوارزميات، داخل المؤسسات الحكومية ووكالات الدفاع والأمن والشركات الخاصة، أمر شديد الضرورة، من أجل التصدي لأي هجمات سيبرانية ومواجهة أي محاولات احتيال وسرقة بيانات، عبر تدريب الكوادر البشرية على استخدام هذه الآليات الجديدة، وتحديث الأجهزة بأحدث التقنيات التكنولوجية.
– مواكبة الذكاء الاصطناعي تنبع أهميتها من أمرين، الأمر الأول يتعلق بالتعرف على أساليب توظيف الذكاء الاصطناعي في الهجمات السيبرانية، الأمر الثاني هو خاص بإدخال هذه التقنية جزءاً أساسياً من أدوات جمع البيانات وتحليلها وإصدار قرار، لمواجهة أي تهديدات سيبرانية وسد الثغرات ومواجهة أي نقاط ضعف متحملة.
– مراعاة التوازن بين أنظمة الذكاء الاصطناعي والعنصر البشري، في وضع حلول لتعزيز الأمن السيبراني، خطوة مهمة لتفادي أي عيوب لاستخدام الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالتكلفة والخصوصية والتأثير على فرص العمل في المستقبل، إضافة إلى الاستفادة من مميزات الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالدقة والسرعة والوقت، ما يحقق المعادلة بين مواجهة أي تهديدات أمنية ناجمة عن هجمات سيبرانية، والاستفادة من دور الموظفين في أداء مهامهم.
– تظل العلاقة معقدة بين الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، في ظل التوقعات بارتفاع الهجمات الإلكترونية ومحاولات اختراق البنية التحتية للمؤسسات الحكومية إلكترونياً، لذا يجب الانتباه إلى الأدوار الجديدة التي يجب أن يلعبها الذكاء الاصطناعي، لضمان الاستفادة منه في حماية الأمن السيبراني بدلاً من أن يصبح طرفاً أساسياً في الهجمات السيبرانية ضد هذه المؤسسات.
– ما حققه الذكاء الاصطناعي من توفير البيانات والتحليلات التنبؤية، ساهم في الحفاظ على أمن الكثير من المؤسسات والأفراد من الهجمات السيبرانية، ما يؤكد على أن مواكبة التكنولوجيا وتفعيل دور الذكاء الاصطناعي في حفظ الأمن القومي للدول، مسألة غاية في الأهمية في ظل المخاوف من تزايد الهجمات الإلكترونية وعمليات الاحتيال عبر الإنترنت.
الهوامش
THE ROLE OF ARTIFICIAL INTELLIGENCE IN CYBERSECURITY
artificial intelligence (AI)
The Role of Artificial Intelligence in Cybersecurity
Friend or Foe?
AI in Cybersecurity: Exploring the Top 6 Use Cases