جاري التحميل ...
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
بون ـ إعداد وحدة الدراسات والتقارير (26)
أمن قومي ـ كيف يمكن استغلال الذكاء الاصطناعي من الجماعات المتطرفة؟
تتصاعد المخاوف من الطفرة المتسارعة التي شهدتها تقنية الذكاء الاصطناعي في الآونة الأخيرة، حدود هذه المخاوف لم تتوقف عند تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل الوظائف المهنية والنواحي الاجتماعية والنفسية للبشر فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى مخاوف سقوط هذا التطور التكنولوجي في أيدي الجماعات المتطرفة ما يهدد الأمن والسلم الدوليين، لا سيما وأن الجماعات المتطرفة اعتمدت على التطبيقات الإلكترونية في تجنيد عناصر وتنفيذ هجمات إرهابية إضافة إلى نشر الدعاية المتطرفة، الأمر الذي يشير إلى احتمالية ظهور جانب مظلم للذكاء الاصطناعي وتحوله إلى سلاح رقمي لنشر التطرف.
الاستخدام الضار للذكاء الاصطناعي
في الوقت الذي يلعب فيه الذكاء الاصطناعي دوراً واعداً في دعم الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، تتوالى التحذيرات من أن يصبح وسيلة لنشر الإرهاب باستغلال الجماعات المتطرفة للتقنيات التكنولوجية الحديثة، لتنفيذ هجمات عابرة للحدود وتكثيف الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية والمنشآت الحيوية في دول العالم، ما يسهل عملية انتشار التطرف بشكل أوسع وأسرع وتجنيد عناصر لصفوف هذه الجماعات من مناطق يصعب الوصول لها.
تنبع المخاوف من تمكن الجماعات المتطرفة مثل “داعش” و” الإخوان” في السنوات الثلاث الماضية، من استخدام التكنولوجيا في التواصل بين أعضائها ونشر محتوى متطرف، بهدف إثارة الذعر بين مستخدمي هذه التطبيقات واستقطاب عناصر لصفوفها عبر التطبيقات باستغلال خوادم ومحركات الإنترنت وبعض التطبيقات المشفرة.
خلال شهري مارس وأبريل 2023، رصد بعض المراقبين أنشطة متطرفة لبعض الجماعات عبر شبكة الإنترنت واستغلال تطبيقات إلكترونية مثل “سبوتي فاي Spotify” و”ساوند كلاود SoundCloud” و”آبل ميوزيك Apple music” ومنصات الألعاب “روبلوكس Roblox” و “تويتش Twitch” و “ستيم Steam” و ” ديسكورد Discord”.
تستغل الجماعات المتطرفة هذه المنصات وخوارزمياتها، إضافة إلى تقنيات تغيير الرموز التعبيرية و”الميمات” وردود الفعل على التطبيقات الإلكترونية لنشر أفكارها بصورة أوسع بين مستخدمي المنصات.الأمن المجتمعي في أوروبا ـ طرق استخدام الذكاء الاصطناعي
مخاطر محتملة للذكاء الاصطناعي
مع تطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قدراتها على قراءة الأفكار وتحليل البيانات والخوارزميات واستخدام بصمات الوجه والصوت في التعرف على الأشخاص، ارتفعت حدة المخاوف من تمكن التطرف العابر للحدود على الربط بين الأفراد والأفكار وتكوين شبكة تطرف دولية تسهل عملية استهداف الأشخاص والأماكن من قبل الجماعات المتطرفة.
يتشكل خطر استخدام الجماعات المتطرفة لوسائل تقنية متطورة في جمع معلومات عن الدول واختراق شبكة البنية التحتية لمؤسساتها، ما يمكن هذه الجماعات من نشر معلومات كاذبة وتعطيل هذه الشبكات والحصول على بيانات استخباراتية وعسكرية ويعرض أمن الدول لخطر كبير، إضافة إلى غياب القوانين الدولية لتنظيم عمله وضوابط الاستخدام والالتزام بقواعد الشفافية في الكشف عن العاملين بهذه التكنولوجيا، بجانب مراجعة تشريعات مكافحة الإرهاب والربط بينها وبين التشريعات المنظمة للتقنيات التكنولوجية الحديثة.
يسهم الذكاء الاصطناعي في تزييف الصوت والصورة في الفيديوهات، ما يسهل نشر معلومات مفبركة من قبل الجماعات المتطرفة لاستخدامها في نشر الفزع بين مستخدمي الإنترنت، واستغل بعض المتطرفين التلقين الإلكتروني لتحريض الذئاب المنفردة على تنفيذ عمليات إرهابية، وقد يتجه المتطرفون لاستخدام الروبوتات والسيارات ذاتية القيادة والطائرات المسيرة لشن هجمات واسعة النطاق.
استغلال الثورة الرقمية
تجربة توظيف الجماعات المتطرفة للثورة الرقمية على مدار السنوات الماضية، مكنتها من نشر أفكارها بشكل واسع عبر تطبيقات الاتصال والمدونات ومن بعدها مواقع التواصل الاجتماعي، ودعمت قدرتها في تبادل المحتوى وخلق متطرفين افتراضيين والتدريب والتجنيد ونشر الدعاية المتطرفة، ما يرجح احتمالية استفادة هذه الجماعات من عالم الميتافرس وتطور الذكاء الاصطناعي في شن هجمات إلكترونية والحصول على تمويلات جديدة.
يعد تنظيم “داعش” من أكثر التنظيمات المتطرفة التي تمتلك خبرة في الفضاء الإلكتروني لامتلاكها عناصر أمريكية وأوروبية متخصصة في التكنولوجيا، وخلال سيطرته على أراضي بالعراق في 2017، أرسل طائرات مسيرة صغيرة ومسلحة بقنابل يدوية لمناوشة القوات العراقية وقتها.
تمكن التنظيم في تونس من رسم صور عبر الكمبيوتر للتضاريس الجغرافية في بلدة ” بنقردان” جنوب شرقي البلاد، لذا تمكنوا من إعداد محاكاة للواقع قبل شن هجماتهم ضد القوات الأمنية.
لجأت التنظيمات المتشددة إلى التطبيقات المشفرة لإخفاء هويتها وسهولة تجنيد العناصر لها، وكانت تطبيقات ” تليجرام Telegram” و” تام تام Tamtam” و” كونفرزيشن Conversation” في مقدمة التطبيقات المشفرة التي استغلها “داعش” في أنشطته إضافة إلى العملات الرقمية المشفرة NFT في المعاملات المالية. أمن قومي ـ تحذيرات من استخدام الذكاء الاصطناعي
التحايل على الذكاء الاصطناعي
ظهر الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative artificial intelligence) في نوفمبر 2022، وهو قائم على خلق محتوى متنوع انطلاقاً من البيانات المتاحة على الإنترنت ويتمثل في (نصوص – صور – فيديوهات – أكواد برمجة)، ويعد روبوت المحادثة ” شات جي بي تي” أشهر نموذج لهذا النوع من التكنولوجيا، بجانب تطبيقات أخرى مثل ” “Stable Diffusion ” و ” Midjourney ” و ” DALL-E2″ الخاصة بإنشاء صور عبر تحويل النصوص لمعادل بصري.
يمكن التحايل على خدمات الذكاء الاصطناعي من قبل المتطرفين، باستخدام روبوت “شات جي بي تي” في الإجابة على أسئلة تتعلق بتصنيع المتفجرات والقنابل وتطوير الأسلحة بخداع الروبوت وإعادة صياغة الأسئلة بشكل غير مباشر
تشير التوقعات إلى إمكانية استغلال هذه الجماعات النماذج التوليدية للذكاء الاصطناعي، بهدف تطوير مهاراتها التقنية وتعديل شفرات البرمجة لألعاب الفيديو وإدراج المواد الدعائية الخاصة بها داخل أحداث اللعبة مثل لعبة ” نداء الواجب ” Call Of Duty.
يسهم الذكاء الاصطناعي في توظيف تقنية ” التزييف العميق” لإنتاج مقاطع فيديو وصور مفبركة ونشر معلومات مضللة، ومن المحتمل استغلالها في عمليات التجنيد والتدريب بين المتطرفين.
قواعد للذكاء الاصطناعي
دفعت المخاوف من تحول الذكاء الاصطناعي أداة في يد التنظيمات المتطرفة، إلى انتباه المسؤولين الأوروبيين لإدراج الأمر ضمن مباحثاتهم، وفي أبريل 2021 اقترحت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون المنافسة والمسؤولة عن أوروبا ملائمة للعصر الرقمي” مارجريت فيستاجر” إنشاء قواعد محددة لتنظيم العمل بالذكاء الاصطناعي في الحياة، خاصة بعد استخدامه للتعرف على الوجوه والإشارات السلوكية والحيوية ومراقبة الشركات موظفيها.
قالت مارجريت فيستاجر ي 10 نوفمبر 2021 ، إن الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه من أجل الكثير من الأمور التي تهدد المجتمعات والأفراد مثل محاربة الإرهاب والجريمة وتعزيز الأمن السيبراني”، وفي 31 مايو 2023 أعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مشروع ” مدونة سلوك مشتركة للذكاء الاصطناعي” بهدف تحديد إطار للثورة التكنولوجيا ومخاطر استخدامها خاصة التطبيقات الحديثة مثل ” شات جي بي تي”.
حظرت هيئة حماية البيانات الإيطالية ” شات جي بي تي” لمدة قصيرة في أبريل 2023 وذلك اعتراضاً على قواعد حماية البيانات، وعقب إدراج شركة ” أوبن إيه أي ” هذه التعديلات رفعت الهيئة الحظر. وفي ألمانيا يناقش “معهد فراونهوفر” للتحليل الذكي وأنظمة المعلومات وجميع جمعيات المراقبة التقنية والهيئة الاتحادية لأمن المعلومات، تقديم شهادات سلامة لاستخدام الذكاء الاصطناعي خاصة عندما يتم توظيفه في السيارات ذاتية القيادة والروبوتات التي تقوم بمهام وظيفية.
ناقش البرلمان الأوروبي في 14 يونيو 2023 مشروع قانون الذكاء الاصطناعي في إطار خطة تنظيم معايير الذكاء الاصطناعي وتوظيفه، في ضوء التحذيرات الأخيرة من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى بشأن التطور السريع لتقنيات روبوتات المحادثة.أمن قومي ـ مخاطر الذكاء الاصطناعي
شرعت المفوضية الأوروبية منذ عام 2019 في وضع معايير لضمان موثوقية الذكاء الاصطناعي، تستند على الرقابة والوكالة البشرية والسلامة والمتانة التقنية، إضافة إلى عدم التمييز وضمان الشفافية والرفاه البيئي والمجتمعي، لذا تسعى لتأسيس نهج مزدوج للذكاء الاصطناعي ما يسمح له القيام بمهام حماية المواطنين وأيضا تطويره بإنشاء سوق داخلي وزيادة الاستثمارات في هذا المجال، حيث تقدر الاستثمارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي بنحو 30 مليار يورو سنوياً بحلول 2030.
تقييم وقراءة مستقبلية
– في التوقيت الذي تفرض فيه الدول الأوروبية قيوداً مشددة على أنشطة الجماعات المتطرفة مثل داعش والقاعدة والإخوان، وتشدد الرقابة على الوسائل التقليدية التي تعتمد عليها في جمع الأموال ونشر الدعاية وتجنيد عناصر جديدة لصفوفها، تتجه هذه الجماعات إلى التقنيات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي، لاسيما وأن هذه التقنية تتيح فبركة المحتوى وتحويل النصوص لصورة بصرية وتغيير أكواد البرمجة، ما يسهل نشر أفكارها وأنشطتها المتطرفة.
– من المتوقع أن تستغل الجماعات المتطرفة الذكاء الاصطناعي في جانبين، الجانب الأول لعمليات التجنيد والتدريب والإعداد لمخططات إرهابية، والجانب الثاني يتعلق بتهديد أمن الدول واختراق البنية التحتية للمؤسسات الاستخباراتية والحكومية والتمكن من تغيير البيانات ونشر معلومات مغلوطة.
– قدرة التنظيمات المتطرفة على استغلال مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت بشكل احترافي، يشير إلى خطورة استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل هذه التنظيمات، لقدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق تواصل واسع عابر للحدود وإمكانية تعرفه على بصمات الوجه والصوت وتحليل البيانات بشكل دقيق.
– خطورة تطور الذكاء الاصطناعي في استخدام الطائرات المسيرة والروبوتات، وتوظيف الجماعات المتطرفة هذه التقنيات في تنفيذ عمليات إرهابية عن بعد، يتعلق بتمدد خطر الإرهاب إلى مناطق لا تتمركز فيها هذه الجماعات وصعوبة تتبع الأجهزة الأمنية لمنفذين هذه الهجمات.
– تطور روبوت المحادثة ” شات جي بي تي” في تقديم بيانات للمستخدمين، يمكن استغلالها من قبل المتطرفين في تجميع معلومات عن أسلحة فتاكة أو طرق حديثة لتصنيع المتفجرات.
– يتيح الذكاء الاصطناعي وألعاب الفيديو المتطورة سهولة استقطاب الجماعات المتطرفة لمستخدمي هذه التطبيقات والألعاب، ما يزيد من مخاطر تجنيد شباب ومراهقين ضمن هذه الشبكات المتطرفة.
– تواجه الدول الأوروبية تحديات تتعلق بتأطير الذكاء الاصطناعي، لتخوفات البعض من وضع قيود على تطوير الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا واستفادة المجتمع الأوروبي من تطبيقه في نواحي الحياة، ما يعرقل فرض قواعد منظمة لمسألة تطبيق الذكاء الاصطناعي.
– تكتيكات الجماعات المتطرفة التي تعتمد فيها على الذكاء الاصطناعي شديد الخطورة، ما يزيد من المخاطر المهددة للأمن العالمي، لذا ينبغي على الحكومات الأوروبية في المرحلة المقبلة تطوير أدواتها التكنولوجية في مواجهة الإرهاب ووضع أسس منظمة للذكاء الاصطناعي بشكل يحقق التوازن بين تحجيم استخدامه في نشر التطرف والاستفادة منه في النواحي الاجتماعية والتعليمية.
رابط مختصر.https://www.europarabct.com/?p=89135
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
Algorithms and Terrorism: The Malicious Use of Artificial Intelligence for Terrorist Purposes
https://bit.ly/3JugBsn
Artificial Intelligence and Algorithms: Technology and the Evolution of Online Extremism
https://bit.ly/3r187ml
الذكاء الاصطناعي وخطط الاتحاد الأوروبي لتنظيمه
https://bit.ly/46lNaSZ
الغرب يعمل على “مدونة سلوك” مشتركة للذكاء الاصطناعي
https://bit.ly/3NklC85
قواعد ومعايير صارمة.. قانون أوروبي للذكاء الاصطناعي
https://bit.ly/44d7LXV
“تجنيد الإرهابيين”.. مخاوف من مخاطر محتملة للذكاء الاصطناعي
https://bit.ly/43N70oF
