بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات
يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتقادات وهجوم واسع داخل إسرائيل منذ هجمات حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، فيما تتهمه دوائر سياسية عديدة في الداخل بالفشل الأمني والسياسي، وتطالب بإقالة حكومته على خلفية الأزمة، والاعتراف بالفشل والخطأ في السياسات خاصة ما يتعلق بتوسيع المستوطنات بشكل لا يتناسب مع الاتفاقيات الدولية والقانون، فيما تشير غالبية التقديرات إلى انتهاء المستقبل السياسي لرئيس الوزراء بعد 15 عاماً من الحكم، ويُعد بنيامين نتنياهو صاحب أطول مدة في تولي رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وهو من أشد الرافضين لإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، كما أنه من أكثر الداعمين لسياسة الاستيطان في الضفة الغربية.
ملفات تهدد مستقبل نتنياهو
تبدو الخلافات بين نتنياهو والقادة في إسرائيل واضحة جداً، ففي تغريدة نشرها في 28 أكتوبر 2023، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قادة الأمن بالمشؤولية الكاملة وربما التقصير في تأدية عملهم والتسبب في نجاح هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، وقال في تغريدة نشرها عبر صفحته الرسمية إنهم لم يحذروه، وبعد 9 ساعات عاد نتنياهو وحذف المنشور الذي أحدث حالة غضب كبيرة داخل الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية، واتهم قادة الأمن والسياسية نتنياهو بالتنصل من المسؤولية، ورد عليه زعيم المعارضة يائير لابيد، وقال إن “نتنياهو تجاوز الخط الأحمر الليلة”، بعد كتابة هذه الاتهامات ويتوجب عليه الاعتذار، وأكد لبيد أنه بينما يحارب جنود وضباط جيش الاحتلال يثير نتنياهو غضبهم بمثل هذه الاتهامات.
وبثت حركة حماس في 30 أكتوبر 2023 مقطع فيديو ظهرت به ثلاث سيدات من الرهائن لدى الحركة، هاجمت إحداهن بنيامين نتنياهو واتهتمه بالتقصير في محاولة إطلاق سراح الأسرى، وطالبت بسرعة العودة إلى المنزل مع بقية الأسرى المحتجزين لدى حماس، كما وجهت عدة رسائل إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي اتهمته بالفشل الأمني والسياسي الذي نتج عنه عملية 7 أكتوبر 2023، وأكدت أنهم وجهوا نداءات للجنود والمسؤولين لإنقاذهم لكن لم يستجب أحد، وقالت: “نحن مواطنون إسرائيليون أبرياء ندفع ضرائبنا ومن حقنا توفير الحماية لنا”، فيما اتهتمت الجيش الإسرائيلي بقتلهم وطالبت نتنياهو بالتوقف عن ذلك فوراً وإعادتهم لمنازلهم الآن. أمن دولي ـ العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.. الربح والخسارة
سياسات الاستيطان
وافقت لجنة التخطيط الإسرائيلية في القدس في 15 سبتمبر 2023 على خطتين قانونيتين لبناء ما يقرب من 4000 وحدة استيطانية سكنية في القدس الشرقية، وتحقق هذه المستوطنات رؤية حكومة نتنياهو التي تحركها أيديولوجية متطرفة، وفي أعقاب قمة العقبة في فبراير2023، والتي جمعت مسؤولين رفيعي المستوى من إسرائيل وفلسطين والأردن ومصر والولايات المتحدة، التزمت إسرائيل “بوقف مناقشة أي وحدات استيطانية جديدة لمدة أربعة أشهر ووقف الترخيص لأي بؤر استيطانية لمدة ستة أشهر”. ومع ذلك، لم يكن للقمة أي قيمة حقيقية حيث تراجعت تل أبيب على الفور عن وعودها. وقال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش: “لن يكون هناك تجميد للبناء والتطوير، ولا حتى ليوم واحد”.
ورداً على ذلك أفاد تور وينيسلاند، منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، متحدثاً عبر الفيديو، في 27 سبتمبر 2023 عن استمرار النشاط الاستيطاني من قبل السلطات الإسرائيلية التي قدمت خططاً لبناء 6300 وحدة سكنية في المنطقة (ج)، وحوالي 3580 وحدة سكنية في القدس الشرقية، مشيراً إلى خطط الحكومة الإسرائيلية الإجراءات الإدارية التي من المرجح أن تسرع التوسع الاستيطاني، وأضاف: “في اتجاه مستمر، غادر العديد من الفلسطينيين، بما في ذلك الأطفال.”
مررت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 18 يونيو 2023 قراراً مثيراً للجدل يمنح عمليا كل السيطرة على الموافقة على التخطيط للبناء في مستوطنات الضفة الغربية لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو مناصر قومي متطرف للمستوطنات، كما أن القرار الذي تمت الموافقة عليه في اجتماع مجلس الوزراء ودخل حيز التنفيذ على الفور، يسرع ويسهل بشكل كبير عملية توسيع المستوطنات القائمة في الضفة الغربية وإضفاء الشرعية بأثر رجعي على بعض البؤر الاستيطانية غير القانونية.
وأشاد قادة المستوطنات بسموتريتش ونتنياهو لدفعهما التغيير والموافقة عليهما، ورحبا بعملية الموافقة المبسطة، التي قالوا إنها ستجعل الموافقة على التخطيط “روتينية” وتجعل التخطيط للبناء في الضفة الغربية أكثر تشابها مع ذلك في إسرائيل ذات السيادة، وفي المقابل نددت المجموعات المعارضة لحركة الاستيطان بالقرار، قائلة إنه يشكل المزيد من “الضم الفعلي” للضفة الغربية وسيسمح بتوسيع المستوطنات دون رادع.أمن دولي ـ السيناريوهات المتوقعة لهجوم إسرائيل على غزة
ورفضت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في 20 يونيو 2023 سياسات التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وأصدرت وزارة الخارجية بيانا جاء فيه أن “الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء القرار الذي أعلنته الحكومة الإسرائيلية بشأن المضي قدما في التخطيط لبناء أكثر من 4000 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، ونشعر بالقلق بالمثل إزاء التقارير التي تتحدث عن تغييرات في نظام إدارة المستوطنات الإسرائيلي مما يسرع التخطيط والموافقة على المستوطنات.”
انعكاسات سياسة الاستطيان على أمن إسرائيل
فجرت أزمة الـ7 من أكتوبر الأصوات التي تحمّل نتنياهو المسؤولية الكاملة عما حدث، ورغم أن الإخفاق استخباراتي وعسكري، لكن كثيرين يرون أن هذا لا يعفي نتنياهو من مسؤوليته الشاملة عن الأزمة، كونه المقرر الأعلى في شؤون خارجية وأمن إسرائيل. رأى بعضهم أن رئيس الوزراء وبعد فوزه في الانتخابات الأخيرة تبنى سياسة “يمين 100 في المئة”، وهو ما قاد إلى تفجر الأوضاع ومنح الفرصة لحماس لتنفيذ هجومها المباغت، كما أن نتنياهو المتهم بقضايا فساد لا يمكنه الاهتمام بشؤون الدولة، لأن المصالح القومية ستُسخّر، بطبيعة الحال، لإنقاذه من الإدانة والسجن.
وبحسب أميت سيغال، المعلق السياسي الإسرائيلي، لن يتمكن نتنياهو من إنكار الفشل السياسي، والخطأ في إدارة الصراع مع حركة حماس الذي أدى إلى تنامي نفوذ الحركة بشكل كبير، كما يشير السياسي الإسرائيلي شلومو بن عمون إلى إن التعصب الذي تمارسه حكومة بنيامين نتيناهو اليمنية المتطرفة، أدى إلى اشتعال الحرب وجعل مسألة سفك الدماء أمر طبيعي، خاصة أنها تتبنى استراتيجية تمنح لإسرائل الحق الحصري في كامل الأراضي وتنسف مبديء حل الدولتين. ويرى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، إن هجمات حماس جاءت كنتيجة طبيعية لسياسات التعصب والغطرسة التي تتبعها حكومة نتنياهو، وهي من تتحمل كامل المسؤولية عن الخاسائر التي تكبدتها إسرائيل.أمن دولي ـ واقع علاقات وتعاون دول أوروبا مع إسرائيل
انعكاسات توسع المستوطنات على أمن فلسطين
تتلخص الاستراتيجية التي تتبناها إسرائيل في مواصلة بناء المستوطنات بشكل مخالف للقانون إلى إثبات ” الحقائق على الأرض “، وهي الخطة التي بدأت مباشرة بعد غزو تل أبيب للضفة الغربية وغزة في عام 1967 أثناء حرب الأيام الستة، ومن خلال هذه الاستراتيجية، تسعى إسرائيل إلى بناء المستوطنات وزيادة عدد المستوطنين الذين يعيشون على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما تتظاهر في الوقت نفسه بجهود صادقة للتوصل إلى تسوية للصراع عن طريق التفاوض، وبمجرد التمكن من بناء ما يكفي من المستوطنات. هذا من شأنه أن يمنع أي عودة إلى حدود ما قبل عام 1967 ويضمن سيطرة إسرائيلية دائمة على فلسطين المحتلة.
ويحمل المجتمع الإسرائيلي نتنياهو المسؤولية كاملة عن الأزمة السياسية والأمنية في البلاد لأن ما حدث كان نتاج طبيعي من نهج ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتقوية حركة حماس، عبر إدارة الصراع معها وغض الطرف عن نشاطها، وبالمقابل إضعاف السلطة الفلسطينية بهدف منع إقامة دولة فلسطينية، كما تواجه حكومة نتنياهو انتقادات واسعة بسبب سياسات إضعاف الجيش في الجبهة الجنوبية وتوجيه التركيز حول المستوطنات، تلبية لطلبات وزراء حكومة نتنياهو من تيار اليمين المتطرف مثل بن غفير وسموتريتش الذين يضعون الاستيطان في الضفة في سلّم أولويات الحكومة.
انعكاسات توسع المستوطنات على اتفاقات أوسلو
شهد شهر سبتمبر2023 مرور 30 عاما على توقيع اتفاقيات أوسلو، وهي اتفاقية عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلية. وكان من المفترض أن تبشر هذه الاتفاقيات بعصر جديد من السلام من خلال إرسال الطرفين إلى الطريق نحو الهدف الرئيسي المتمثل في “حل الدولتين”، ومع اندلاع الأزمة الراهنة بين حماس وإسرائيل تبدو الاتفاقية في مهب الريح أو ربما سقطت بالفعل.
وبعد مرور ثلاثة عقود، أصبح من الواضح بوضوح أن اتفاق أوسلو لم يقدم سوى القليل من الخير للفلسطينيين، ومن المرجح أن تكون إسرائيل أكثر ارتياحا للكيفية التي سارت بها الأمور، وفق الاتفاقية فقد عمّقت أوسلو هيمنتها على فلسطين تحت ستار عملية السلام، وجمدت حل الدولتين، الأمر الذي أعطى المجتمع الدولي الغطاء للإبقاء على الوضع الراهن، وبدلاً من وقف نمو المستوطنات على النحو المنشود، مكنت أوسلو إسرائيل من توسيع مشروعها الاستيطاني غير القانوني إلى حد كبير، كان نحو 250 ألف مستوطن يعيشون بشكل غير قانوني في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية عندما تم التوقيع على اتفاق أوسلو في عام 1993. أما اليوم فقد بلغ العدد ما يزيد على 700 ألف مستوطن.
جر الولايات المتحدة لحرب إقليمية
تسببت حرب غزة في تجدد الضربات على القوات الأميركية في سوريا والعراق، ليعود انخراط واشنطن العسكري في الشرق الأوسط، وحمّلت الولايات المتحدة مجموعات مدعومة من إيران مسؤولية ازدياد الهجمات المنفّذة بصواريخ ومسيّرات ويقدر عددها بنحو 14 على الأقل في العراق وتسعة في سوريا منذ 17 أكتوبر، وعل الرغم من امتلاكها قدرة هائلة على الرد، إلا أن ردّها العسكري على الهجمات بقي مقتصرا على هذه الضربات التي أفاد البنتاغون بأنها لم تؤد إلى سقوط ضحايا على ما يبدو، في مسعى لتجنّب نزاع أوسع نطاقاً.
تقترب الولايات المتحدة من الاحتمال الحقيقي للغاية للتورط المباشر في حرب إقليمية في الشرق الأوسط، وقال الباحث الكبير في شؤون الدفاع جيفري مارتيني إن “هناك خطر كبير بتصعيد بين الولايات المتحدة وإيران نظرا إلى اتساع رقعة الحرب بين إسرائيل وحماس”، سواء بتوجيهات من طهران أو لاتّخاذ وكلائها قرارا من أنفسهم في هذا الصدد، ولا يمضي يوم دون أن يكرر جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي، التحذيرات لإيران وكل الجهات والأطراف الأخرى من التصعيد، لكنه في الوقت نفسه يهدد بأن واشنطن ستتحرك لحماية القوات والمنشآت ومصالح الأمن القومي الأمريكي، وأن الولايات المتحدة مستعدة للرد بقوة على الهجمات على قواتها الموجودة في المنطقة. وتراقب إدارة بايدن عن كثب تحركات حزب الله في لبنان، ومخاطر أن تضطر إسرائيل إلى خوض حرب على جبهتين مما قد يورط الولايات المتحدة في الصراع.
تقييم
ـ أدت سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخاطئة، كما يراها الإسرائيليون إلى اندلاع صراع تاريخي وغير مسبوق بين تل أبيب وحماس، وفيما تبدو سيناريوهات الحرب حتى الآن مفتوحة وغير محددة إلى حد كبير يتحمل نتنياهو المسؤولية الأكبر أمام مواطنيه وهي أزمة من المتوقع أن تنهي مستقبله السياسي للأبد.
ـ تواجه حكومة نتنياهو اليمنية المتطرفة ضغوطاً متزايدة من داخل إسرائيل لإطلاق سراح الأسرى لدى حماس ووقف الحرب التي كبدت الجانب الإسرائيلي أيضاً خسائر فادحة، وأيضاً يواجه موجة خلافات غير مسبوقة ستعصف بلا شك بحكومته وتؤدي إلى إقالته في القريب العاجل، وربما تجبره على التفاوض مع حماس لإطلاق سراح الأسرى.
ـ قد تغير الأزمة الراهنة ملامح الحكم السياسي في إسرائيل بعد حكومة نتنياهو، فيما تجد المعارضة فرصة ذهبية للترويج لأفكار أكثر تسامحاً مع مقترح حل الدولتين، ويبدو هذا المقترح مقبولاً لدى القوى الإقليمية والدولية التي لا ترغب في الانجرار لحرب.
ـ ستواجه إسرائيل ضغوطاً كبيرة تتعلق بضرورة الالتزام بالقوانين الدولية والاتفاقيات وفي مقدمتها اتفاق أوسلو الذي يقضي بحل الدولتين مع مراجعة القوانين الخاصة بالتوسع في بناء المستوطنات والالتزام بما ينص عليه القانون الدولي في هذا السياق.
ـ من المتوقع أن تغير الحرب الراهنة في قطاع غزة موازين القوى وخريطة النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، ولعل المؤشر الأوضح في هذا السياق هو عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة والتركيز العسكري للقوات الأمريكية في مناطق متفرقة لمواجهة التهديد الإيراني والنفوذ الصيني المتصاعد.
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=91830
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات*
هوامش:
Netanyahu hands Smotrich full authority to expand existing settlements
انتقادات حادة لنتنياهو بعد منشور يتهم فيه رؤساء المخابرات بالفشل عقب هجوم حماس في 7 أكتوبر
The Netanyahu Invitation and West Bank Settlement Expansion
30 Years Later, It’s Time to Bury the Oslo Accords
أمريكا خائفة ومشكِّكة في قدرة إسرائيل على الحرب البرية