المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
بون ـ إعداد وحدة الدراسات والتقارير “3”
الهجرة واللجوء ـ ماتداعياتها على أمن فرنسا؟
اعتزمت الحكومة الفرنسية تقديم مشروع قانون جديد للحد من الهجرة الغير شرعيةظن والسيطرة على أعداد اللاجئين والمهاجرين وتنظيم أوضاع اللاجئين المقيمين بشكل غير قانوني، كذلك زيادة عمليات الترحيل والطرد للخطرين أو من ارتكبوا جرائم من الأراضي الفرنسية، ما أثار انتقادات وجدلاً واسعاً في فرنسا.
زيادة طلبات اللجوء في فرنسا
استقبلت فرنسا خلال العام 2022 (130933) طلب لجوء، بزيادة قدرها (26.9%) مقارنة بالعام 2021. وتصدر الأفغان رأس قائمة طالبي اللجوء من حيث العدد، تلاهم البنغال والأتراك. أشار المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية (أوفبرا) في عام 2022، إلى أن (56276) شخصاً “تم وضعهم حديثاً تحت الحماية” في فرنسا، سواء بعد قرار ابتدائي صادر عنه أو عند الاستئناف أمام المحكمة الوطنية لحق اللجوء. عدد السكان الخاضعين لحماية “أوفبرا” بلغ (547102) نسمة في 31 ديسمبر 2022.
تَقدم الأفغان بأكبر عدد من طلبات اللجوء في فرنسا، مع (17) ألف طلب من أصل (131) ألفاً، وارتفع المنحى منذ عودة طالبان إلى السلطة في صيف عام 2021 بزيادة (37%) بين عامي 2021 و2022. يستثني هذا النظام الأوكرانيين الذين نزحوا إلى فرنسا – حوالي (100) ألف شخص – من طلبات اللجوء، مع التمتع بحق الإقامة ومجموعة من المساعدات الاجتماعية في الثالث من يوليو 2023. أمن ألمانيا ـ ما تداعيات الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر؟
المستفدون من “العودة طوعية” إلى بلدانهم
عالج المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين في عام 2022 حوالي (134) ألف ملف لطلبات اللجوء، وحصل حوالي (38) ألف منهم على رد إيجابي، أي حصل طالبو اللجوء على رد إيجابي بمعدل بلغ (28,8%) . أما الحاصلين على رفض، فيحق لهم استئناف قرار مكتب اللاجئين عبر تقديم طلب أمام المحكمة الوطنية لحق اللجوء (CNDA)، والتي منحت حق اللجوء لحوالي (14) ألف ملف من أصل (67) ألف، أي بمعدل بلغ (21.5%).
أعلن رئيس المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج في 12 يناير 2022، أن (5) آلاف أجنبي ممن أوضاعهم غير قانونية استفادوا في العام 2021 من “عودة طوعية” إلى بلدانهم مقابل مساعدات مالية في ظل “صعوبات” تعترض الترحيل القسري. وأوضح رئيس المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج ديدييه لوشي أن (8000) شخص استفادوا من العودة الطوعية في العام 2019، “لكن توقف الرحلات الجوية والصعوبات المرتبطة بالأزمة الصحية” خفّضت هذا العدد إلى ما يقارب (5000) في العام 2021″. وعمليات العودة الطوعية تقتضي من الدولة تأمين رحلة جوية وتقديم مبلغ مالي (1850) يورو على الأقل، لتحفيز الأجانب الراغبين بمغادرة فرنسا على العودة إلى بلدانهم.
تهريب البشر في فرنسا
تلتزم فرنسا اليوم بتنفيذ خطة العمل الوطنية الثانية لمكافحة الاتجار بالأشخاص للفترة 2019-2023، بعد أن كانت قد اعتمدت أول خطة عمل وطنية في هذا الصدد في عام 2014. أصدرت محكمة بوردو القضائية في الأول من ديسمبر 2022، أحكاماً بالسجن بحق (11) شخصاً تمت إدانتهم بجرم تهريب مهاجرين بشكل غير شرعي، فضلاً عن المساعدة على البقاء على الأراضي الفرنسية بشكل غير القانوني والانتماء لعصابة منظمة واستخدام وثائق إدارية مزورة. أصدرت المحكمة الجنائية لمدينة رين غرب فرنسا في 25 مارس 2022 قرارها بحق متهمين بقضايا تهريب البشر الأحكام بالسجن تراوحت بين (18) شهراً وسبع سنوات، مع منع دائم من دخول فرنسا. أزمة أوكرانيا – تدفق اللاجئين إلى دول أوروبا، أزمة إنسانية ومعايير مزدوجة
تدابير للحد من الهجرة غير الشرعية
يسعى بنود القانون المقترح لمعالجة “معضلة الهجرة”، وفي ما يلي أبرز البنود:
- منح من عملوا داخل الأراضي الفرنسية لمدة ثمانية أشهر متتالية الإقامة لمدة ثلاث سنوات، على ألا تتضمن حق لم الشمل لعائلاتهم.
- يسمح التعديل القانوني الجديد لطالبي اللجوء بالعمل مباشرة بعد تقديم طلبهم، شرط أن يكونوا حاملين لجنسيات محددة مذكورة على قائمة يتم تحديثها سنويا.
- يتعين على من يريدون الحصول على بطاقة إقامة متعددة السنوات أن يتقنوا الحد الأدنى من اللغة الفرنسية، الشرط الموجود أصلا لدى من يريدون الحصول على الجنسية.
- تعزيز سلطات المحافظات فيما يتعلق بإصدار أوامر بمغادرة الأراضي الفرنسية، لمن رفضت طلبات لجوئهم من قبل المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية (أوفبرا).
- تشديد الرقابة على المؤسسات والشركات ومراقبة نسب توظيفها لأشخاص لا يملكون إقامات قانونية على الأراضي الفرنسية.
يقول “فرانسوا هيران” الباحث الديمغرافي والأستاذ في “كوليج دو فرانس”. “لا يوجد ارتفاع كبير في طلبات الهجرة واللجوء (في فرنسا) من عام إلى آخر. صحيح أنه بين عامي 2015 و2016 – مع كل النزاعات في الشرق الأوسط (الحرب في سوريا) والقرن الأفريقي – شهدنا ارتفاعاً حاداً في طلبات اللجوء، لكنها عادت وانخفضت جذريا مع انتشار جائحة كورونا (2020). والآن نعود تدريجياً إلى مستويات ما قبل الجائحة”. ويرفض الباحث، وفقاً لهذه المعطيات، استخدام كلمات مثل “تسونامي المهاجرين” أو “موجات مد المهاجرين” في بعض الخطب السياسية اليمينية واليمينية المتطرفة في فرنسا وأوروبا، معتبراً أن الأعداد لا تشكل أزمة في 20 يونيو 2023.
تعاون ثنائي للحد من الهجرة غير الشرعية
اتفقت فرنسا وبريطانيا لمعالجة تدفق طالبي اللجوء انطلاقاً من الأراضي الفرنسية، عبر تأسيس مركز احتجاز جديد في شمال فرنسا لطالبي اللجوء، ومركز قيادة جديد يجمع (500) ضابط إضافي للقيام بدوريات مشتركة في الشواطئ الفرنسية. كذلك تننسيق الاستجابة بين ضباط الاتصال البريطانيين الدائمين والسلطات الفرنسية تجاه معابر القوارب الصغيرة، ومضاعفة عدد الموظفين في شمال فرنسا لمعالجة مشكلة المعابر.
أكد وزير الداخلية الفرنسي “جيرالد دارمانان” في 19 يونيو 2023 إن بلاده ستقدم إلى تونس (25,8) مليون يورو لمساعدتها في وقف قوارب المهاجرين عبر البحر المتوسط. وتأتي هذه الأموال بخلاف حزمة الاتحاد الأوروبي البالغة (105) ملايين يورو لمساعدة تونس في معالجة أزمة الهجرة.
أعلنت فرنسا في أبريل 2023 انها تسعى إلى تعبئة (150) أمنياً إضافياً على الحدود مع إيطاليا ، لمواجهة الضغوط المتزايدة للهجرة غير النظامية. ومضاعفة عدد الموظفين المسؤولين عن مكافحة الهجرة غير الشرعية، وإنشاء فروع إقليمية لـ “مكتب مكافحة المهربين”.
انتقادات حقوقية لفرنسا
انتقدت منظمات حقوقية مشروع القانون باعتباره سيزيد من معاناة المهاجرين طالبي اللجوء أو من لا يملكون أوراقاً خاصة بالهجرة واللجوء. تقول رئيسة برنامج “النزاع والهجرة والعدالة” بمنظمة العفو الدولية في فرنسا “تشيلينا جيرولون”، نحن قلقون بشكل خاص بشأن إجرائين اقترحتهما الحكومة. والإجراء الأول، يتعلق بالإخطار التلقائي لرفض طلبات المتقدمين للحصول على اللجوء، ما يعني أن الالتزام بمغادرة فرنسا سيكون ضمن عمل مكتب حماية اللاجئين وعديمي الجنسية وليس القضاء.
أوضح وزير الداخلية “جيرالد دارمانان” أن “إعادة مناقشة شروط الاستقبال حجم المنزل والدخل ومدة التواجد في الإقليم، وفرض اختبارات اللغة الفرنسية واحترام قيم الجمهورية، على أفراد الأسرة المتقدمين للحصول على تأشيرة لم شمل الأسرة، والذين يرغبون في إحضار أسرهم إلى فرنسا”. وأضاف، إنه يجد من المنطقي أن يجري مجلس الشيوخ تعديلات من شأنها أن تفرض مساكن أكبر، وأجور أعلى، وقبل كل شيء شرطا أطول للوجود على الأراضي الفرنسية، متسائلاً “هل تكفي (1800) يورو لشخصين؟”، وأكد أن هذه الإجراءات، “ستحد من تدفق المهاجرين، وهو الهدف الذي تسعى إليه فرنسا منذ مدة طويلة، وبدأت في اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيقه”.
تهديدات الهجرة غير الشرعية
يستثمراليمين المتطرف في فرنسا ملف الهجرة. وسخرت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن من تصريحات المسؤولين قائلة “هل هناك سلطة عليا يتعين طلب الإذن منها للحديث عن المشاكل؟”. استنكر العديد من قادة اليمين المتطرف “الهجرة الجماعية”، وتحدث بعضهم عن “النزعة الإسلامية الراديكالية” و”الإرهاب” واعتبر “جوردان بارديلا ” رئيس حزب “التجمع الوطني” أنه “يجب إعادة النظر في سياستنا للهجرة برمتها وعدد من القواعد الأوروبية”. وبحسب استطلاع أجراه معهد “إيفوب” في مايو 2023 أن (69%) من الفرنسيين يؤيدون تعديل الدستور لإتاحة عدم التقيد بالقواعد الأوروبية من أجل الحد من الهجرة. ملف: الهجرة واللجوء تثير الإنقسام داخل الاتحاد الأوروبي
تقييم وقراءة مستقبليبة
– تعد الأزمات الاقتصادية والعنف، المناخ والكوارث الطبيعية والبيئية مثل الجفاف والعواصف المدمرة والفيضانات والفقر والصراعات أحد أهم الأسباب التي تدفع الملايين حول العالم للهجرة إلى فرنسا.
– احتشدت جماعات حقوق الإنسان المهاجرين بالفعل ضد إجراءات وتدابير فرنسا للهجرة واللجوء، وتعتقد أنه سيزيد من التمييز والعنصرية ضد الأجانب.
– لا يدعم اليمين المتطرف مساعي الحكومة الفرنسية تجاه قضية اللجوء والهجرة، حيث تمثل الهجرة من وجهة نظرهم تهديدًا للهوية والأمن الفرنسيين، فضلاً عن تكلفة اقتصادية واجتماعية ضخمة.
– أظهرت الحكومة الفرنسية اهتماماً متزايداً بسياسات الهجرة، والتي سعت في السنوات الأخيرة إلى جذب المهاجرين ذوي المهارات العالية وفرض حواجز على طالبي اللجوء وغيرهم.
– ترى الحكومة الفرنسية أن تدابير وإجراءات للحد من الهجرة غير الشرعية تسهل عملية تسوية أوضاع العمال غير المسجلين مع توفير مجال أكبر للترحيل، خاصة للأجانب الذين يرتكبون جرائم.
– أصبحت اللغة المناهضة للهجرة واللجوء من جانب اليمين المتطرف يتم استخدامها أوإعادة استخدامها من قبل السياسيين والأحزاب المعتدلة حتى لاتخسر قاعدتها الانتخابية أمام احزاب اليمين المتطرف.
– ينبغى أن تعتمد فرنسا بجانب الحلول الأمنية مشروعات تنموية خاصة في الدول التي يتدفق منها اللاجئين. كذلك اعتماد حملات توعوية بمخاطر وتهديدات الهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى توسيع دائرة الاتفاقيات الثنائية والإقليمية بين فرنسا ودول إفريقيا لاسيما شمال إفريقيا للحد من الهجرة غير الشرعية.
– بات من المتوقع أن تزيد الحكومة الفرنسية من جهودها عبر توقيع اتفاقيات على المستوي الوطني للحد من الهجرة الغير شرعية وإقناع دول شمال وغرب إفريقيا بإعادة قبول مواطنيها بمجرد أن يخضعوا لأمر الطرد أو الترحيل.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=89551
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
France Reckons with Immigration Amid Reality of Rising Far Right
https://tinyurl.com/4anwfpae
“فرنسا لا تواجه أزمة هجرة… ومن الممكن تأمين ظروف استقبال أفضل”
https://tinyurl.com/3knumdsa
عدد اللاجئين تجاوز نصف المليون في فرنسا بنهاية 2022
https://tinyurl.com/mt88y5wz
اتفاق فرنسي بريطاني لمكافحة الهجرة غير النظامية
https://tinyurl.com/yes7vxdj
فرنسا تعتزم تقديم 25,8 مليون يورو إلى تونس لمساعدتها في معالجة أزمة الهجرة
https://tinyurl.com/mwp8rh5b