الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

أمن دولي ـ أوروبا، خيارات محدودة في دول الساحل الإفريقي (ملف)

القوات-الفرنسية-في-الساحل-الافريقي
سبتمبر 05, 2023

بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ وحدة الدراسات  

يمكنكم تصفح الملف pdf

يتناول الملف بالعرض والتحليل  خيارات الاتحاد الأوروبي المحدودة في إحلال الأمن والسلام في منطقة الساحل الإفريقي، والتعامل مع انقلاب النيجر ومالي ودول الساحل، كما يتطرف الملف إلى انعكاسات الفوضى في الساحل الإفريقي على  بقية دول إفريقيا وعلى الاتحاد الأوروبي من حيث الجوانب: الاقتصادية، الأمن، تعاون واتفاقيات، الهجرة. ويركز الملف في تحليله على المحاور التالية:

  1. أمن دولي ـ مخاطر الانقلابات العسكرية في الساحل الإفريقي
  2. أمن دولي ـ ما أهمية دول الساحل الإفريقي لأطراف الصراع الدولي؟
  3. الاتحاد الأوروبي ـ القدرات والخيارات بالتدخل في الساحل الإفريقي؟
  4. أمن دولي ـ ما أهمية موريتانيا في مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي؟

1- أمن دولي ـ مخاطر الانقلابات العسكرية في الساحل الإفريقي

تثير الانقلابات العسكرية في منطقة الساحل الإفريقي، ومحاولات الانقلاب التي زعزعت استقرار غرب ووسط أفريقيا مخاوف بشأن مستقبل منطقة الساحل، وهي المنطقة التي أصبحت مركزاً للإرهاب على مستوى العالم. يشكل الانقلاب العسكري في النيجر تهديداً ليس فقط على الأمن الإقليمي ولكن على الأمن الدولي من خلال نشوب أزمة هجرة جديدة وتنامي أنشطة الجماعة المتطرفة والجريمة المنظمة.

الانقلابات العسكرية في دول الساحل الإفريقي

أصبحت النيجر ثالث دولة من دول الساحل تشهد انقلاباً منذ العام 2020 ، وذلك بعد الإطاحة بـ”محمد بازوم” رئيس النيجر في يوليو 2023. شهدت بوركينا فاسو انقلاباً عسكرياً على السلطة في البلاد في أكتوبر 2022، ويعد هو الانقلاب الثاني خلال ثمانية أشهر من نفس العام، كما شهدت مالي انقلاباً عسكرياً في العام 2020 بالقرب من العاصمة “بوماكو”، واحتجز خلال الانقلاب الرئيس “بوبكر كيتا” وعدد من الوزراء.

ما يجري في أفريقيا يمثل أحد أصعب التحديات التي يواجهها الأمن الإقليمي والدولي، حيث أضعفت الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، وأدت إلى تنامي بؤر الإرهاب وتوسيع نفوذ المتطرفين، حيث تشير الإحصائيات إلى أن الانقلاب في مالي تسبب في تسليم (40%) من أراضي مالي إلى الجماعات المتطرفة. مكافحة الإرهاب ـ ما تداعيات الانقلاب العسكري في النيجر ؟

توسع نفوذ الجماعات المتطرفة

تشير التقديرات الاستخباراتية إلى أن “داعش” غرب إفريقيا” بدأ بنقل جزءاً من مقاتليه من النيجر إلى الحدود مع نيجيريا، وسط مخاوفه من تدخل قوات “إيكواس” في النيجر وإغلاق حدود البلاد، ومن المتوقع أن يشكل تحركه هذا خطراً كبيراً على المنطقة بأسرها .

دول الساحل الإفريقي

دول الساحل الإفريقي

يمكن للانقلاب العسكري في النيجر أن يحوّلها إلى مسرح جديد للإرهاب، لا سيما أنها قريبة من معاقل “بوكو حرام” و”داعش” في نيجيريا. فعلى سبيل المثال، وقع أحدث هجوم شنته “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في التاسع من أغسطس 2023، ومن المرجح أن تصبح النيجر أيضاً ساحة أخرى للتنافس بين “داعش” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، مما يتسبب بالمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.

يقول “أولف ليسينغ”، رئيس مكتب مؤسسة كونراد أديناور التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في منطقة الساحل، إن هذا الانقلاب “سطر نهاية الوهم القائل بأن النيجر بلد مستقر للغاية ويمكنه تحقيق الاستقرار في بلدان أخرى في منطقة الساحل”. وأضاف أن “الجماعات الجهادية الناشطة في المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو مثل داعش وما تُعرف بـ “حركة نصرة الإسلام والمسلمين” سوف تستفيد من الانقلاب” .  فرنسا .. جهود مكثفة لمكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي

مخاطر انقلاب النيجر على الأمن الدولي

يضاف إلى تحديات النيجر الأمنية، وجودها في الممر الرئيسي لتهريب المخدرات والسلاح عالمياً، إذ يمنح الانقلاب العسكري وعدم الاستقرار فرصة لعصابات التهريب الدولية التي تنشط بين القارات الأمريكية والأوروبية والآسيوية.

تعد النيجر ثاني أكبر مورد لليورانيوم إلى الاتحاد الأوروبي، العام 2022، إذ تسلمت منه (2975) طناً، وهو ما يعادل (25.4 %) من إمدادات الاتحاد منه. أثار الانقلاب العسكري مخاوف في دول الاتحاد الأوروبي، خاصة في فرنسا، بشأن تأثيره المحتمل على استيراد اليورانيوم لتشغيل محطات الطاقة النووية وتداعياته على أمن الطاقة في أوروبا.

علقت ألمانيا مساعداتها الإنمائية في النيجر بعد الإنقلاب العسكري، كما أن هناك قلق من فقدان الاتحاد الأوروبي لنفوذه في المنطقة، ما قد يزيد من قوة الجماعات المتطرفة، ويفتح الباب للهجرة غير الشرعية. ويبدو أن سيناريو وقوع موجة هجرة جديدة عبر سواحل ليبيا، وشمال أفريقيا صوب أوروبا أمر غير مستبعد، وأن يكون من بين المهاجرين متطرفون يشكلون تهديداً للدول الأوروبية، ويرجع ذلك لثلاثة عوامل على الأقل:

– أولاً: احتمال وقوع تدخل عسكري في النيجر واتساع حالة الفوضى بالمنطقة.
– ثانياً: عدم الالتزام باتفاقيات التعاون مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة على الأقل في ظل العقوبات الأوروبية المفروضة على نيامي.
– ثالثاً: تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في النيجر، ما يزيد من تزايد التحديات والمخاطر الأمنية بالمنطقة.

مخاطر انقلاب النيجر على الأمن الإقليمي

يمثل الانقلاب العسكري في النيجر، والمخاوفُ من تعرضها لحالة من الفوضى والانفلات الأمني، خطورةً على العديد من الدول المجاورة، مثل الجزائر وليبيا، وأيضاً السودان وموريتانا، بحكم موقعها ضمن منطقة الساحل الأفريقي. ويمثل خطر تدفق المهاجرين، والجماعات المتطرفة عبر الحدود، الهاجس الأكبر لتلك الدول، إضافة إلى انهيار التعاون الاقتصادي والأمني لتلك الدول مع النيجر.

تداعيات الفوضى في ليبيا

تعاني ليبيا من الفوضى والأزمات المستمرة والمتتالية منذ عام 2011، حيث شهدت ليبيا حالة جديدة من الفوضى، وعدم الاستقرار في 15 أغسطس 2023 في مشهد يعيد حالة عدم الاستقرار إلى طرابلس. خلص تقرير أممي في 15 فبراير 2023 إلى أن حالة الفوضى التي غرقت فيها ليبيا منذ 2011 أدت إلى تدفق الأسلحة من الدولة الواقعة في شمال القارة إلى دول الساحل الواقعة جنوبها وانتقال الجماعات المتطرفة إلى دول شمال غرب إفريقيا .

تقول “سيتفاني ويليامز” المستشارة الأممية السابقة إن “خطر “داعش” أصبح شديدا على البلاد حال العودة للانقسام والحرب، خصوصاً بعد العمليات الإرهابية ضد الجيش”، كما عبرت عن قلقها الشديد من شبح رفع الرايات السوداء في الجنوب، بعد عملية قتل فيها عدد من جنود الجيش الوطني الليبي مطلع العام 2022.” لماذا التباين في القرار الألماني حول المشاركة في قوة الساحل الأفريقي ؟

أبرز الجماعات المتطرفة في الساحل الإفريقي

أصبحت منطقة الساحل الإفريقي بؤرة للتوتر وعدم الاستقرار، ونقطة للصراع بين القوى العالمية، حيث حذرت الأمم  المتحدة في 16 مايو 2023 من أن الوضع الأمني في منطقة الساحل لا يزال “مقلقاً للغاية”. تواصل الجماعات المتطرفة شن هجمات واسعة النطاق ضد أهداف مدنية وعسكرية، والانخراط في مواجهات للوصول إلى الموارد وفرض السيطرة الإقليمية والنفوذ، ومن المتوقع أن يتوسع انعدام الأمن نحو بلدان غرب أفريقيا الساحلية.

تعتمد الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل الإفريقي على مقاتليها المحليين في مناطق عملها وفي تنسيق الهجمات الإرهابية. وتختلف أماكن انتشار الجماعات المتطرفة ومساحات تحركها وتمركزها. وتشكل منطقة الساحل مصدر قلق في المرتبة الثانية من حيث عدد العمليات الإرهابية في القارة الأفريقية، وفي المرتبة الأولى من حيث عدد الضحايا خلال شهر يوليو 2023 ؛ إذ شهدت (9) هجمات إرهابية، أي بما يعادل (26.5%)  من إجمالي عدد العمليات الإرهابية في القارة خلال الشهر، خلفت (126) قتيلاً .

أبرز الجماعات المتطرفة الساحل الإفريقي:

– جماعة “بوكو حرام”: تأسست جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا عام 2002، تنشط في شمال نيجيريا، ويعد “أبو بكر قناي” أحد كبار قادة الجماعة.
– جماعة “أنصار الدين”: تأسست جماعة “أنصار الدين في مالي عام 2011، تعد أكبر الجماعات المتطرفة في إقليم “أزواد”.
– جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”: أسست في عام 2017 تضم جماعة “أنصار الدين وجبهة تحرير ماسينا وتنظيم المرابطون وجناح الصحراء “، تنشط في منطقة الساحل والصحراء، يقودها “إياد أغ غالي”.
– “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”: تأسّس في يناير عام 2004، بعد تغيير اسمه من الجماعة السلفية للدعوة والقتال، ومن أبرز القيادات “أبو عبيدة يوسف العنابي”.
– جماعة “الجهاد والتوحيد”: تأسّست في أكتوبر عام 2011 تنشط في غرب أفريقيا، ومن أبرز القيادات “محمد ولد نويمر” الموريتاني “حمادة ولد الخيري” ، و”عدنان أبو وليد الصحراوي”.
– “داعش في الصحراء الكبرى”: تأسّس في مايو عام 2015، وينشط في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ومن أبرز القيادات “يوسف ولد شعيب”، “أمية أغ البكاي”، “واندين اغ المنير” الملقب (أبو هريرة)، و”دادي ولد شوعب”.

**

2- أمن دولي ـ ما أهمية دول الساحل الإفريقي لأطراف الصراع الدولي؟

توجه اهتمام القوى الدولية العظمى مثل روسيا، والصين، والولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد نحو دول إفريقيا لا سيما دول الساحل الإفريقي. يرجع ذلك بسبب موقعها الجغرافي وتوفر الموارد الطبيعية الاستراتيجية. أصبح تنامي النفوذ الصيني والروسي الاقتصادي الأمني يقلق صانعي السياسات الأوروبية والأمريكية، بالتزامن مع تطور علاقات مجموعة “فاغنر” إلى ما وراء التعاون الأمني والعسكري، إلى شبكة من الشراكات مع شركات في مختلف الدول الإفريقية.

مجموعة غرب إفريقيا “إيكواس”

تأسست مجموعة “إيكواس” في عام 1975 بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية بين أعضائها الـ (15) ومقرها العاصمة النيجيرية “أبوجا”، وتدخلت منذ إنشائها في عدد من صراعات القارة الإفريقية. تهدف المجموعة إلى إزالة الحواجز الاقتصادية والسياسية واللغة أمام التجارة بين أعضائها بغية تحقيق التكامل الاقتصادي بينها، وتعزيز التبادل التجاري بين دول المنطقة، وتحقيق الاندماج في مجالات الصناعة والنقل والاتصالات والطاقة والزراعة والمصادر الطبيعية. لوّحت “إيكواس” بإرسال قوات عسكرية إلى النيجر إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في حل الأزمة، ولا يبدو أن كل أعضائها متحمسون للتدخل العسكري.

قوات حفظ السلام في إفريقيا

تعمل قوات حفظ السلام في إفريقيا على تحقيق الاستقرار، ودعم العمليات السياسية، وتنفيذ عدد من المهام ذات الصلة بالأمن. أنشئت على سبيل المثال بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي بموجب قرار مجلس الأمن رقم (2100) في 25 أبريل 2013، لدعم العمليات السياسية في مالي، وطُلِب من البعثة دعم السلطات الانتقالية في مالي على العمل على إستقرار البلاد، وتطبيق خارطة الطريق الانتقالية. تمول البعثة عن طريق حساب مستقل يعتمد سنويا بواسطة الجمعية العامة. أيد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إنهاء مهمة حفظ السلام في مالي بعد أن طلبت مالي مغادرة القوة التي قوامها (13) ألف جندي. تتمركز قوات حفظ السلام التابعة للمنظمة “مينوسكا” في جمهورية إفريقيا الوسطى، ومقرها “بانغي”، وبدأت عملها في 10 أبريل 2014.

تنامي النفوذ الصيني في إفريقيا

يثير النفوذ الصيني والروسي المتنامي في الدول الأفريقية والساحل الإفريقي مخاوف واشنطن، من مغبة توسع الدولتين لها وللغرب عموما في هذه المنطقة. يأتي نمو شركات الأمن الخاصة الصينية بالتزامن مع زيادة بكين لاستثماراتها في مشروعات البنية التحتية الكبرى داخل إفريقيا، وتستثمر الصين كذلك في مشروعات التعدين بجميع أنحاء القارة، وازداد الطلب على الخدمات الأمنية الصينية في إفريقيا بشكلٍ كبير بعد إطلاق مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013، التي تمثل جزءاً من خطة الصين للتفاعل مع القارة.

تتقدم الشركات المملوكة للصين بشكل متزايد على منافساتها الأوروبية من حيث القرارات السريعة والتنفيذ السريع لمشاريعها في إفريقيا، وتعود نجاحات الصين في إفريقيا إلى عدد من الأسباب، أهمها:

أولاً: الأسلوب الذي تقدم به الصين نفسها للقارة باعتبارها إحدى الدول النامية وليس لديها تاريخ استعماري.

ثانيا: تجاوز الشروط الدولية التي يضعها الغرب في تقديم المساعدات والدخول في المشروعات المشتركة.

يقول “جوزيف ساني” نائب رئيس مركز إفريقيا في المعهد الأميركي للسلام في 31 يوليو 2023، إن روسيا “أعادت إحياء اهتمامها بإفريقيا منذ عقد من الزمان”، وأضاف أن “الصين أبدت اهتماماً متزايداً بالقارة خلال السنوات القليلة الماضية”، وأشار “ساني” إلى “نمط محدد تعيد روسيا من خلاله رسم موازين القوى في القارة من خلال الاضطرابات”. أمن دولي ـ مخاطر الانقلابات العسكرية في الساحل الإفريقي

توسيع النفوذ الروسي في إفريقيا

أصبحت روسيا تلعب دوراً أكبر في إفريقيا امتداداً من ليبيا إلى مالي والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق بالإضافة إلى دول الساحل الإفريقي. وتأتي المساعدات الروسية لمالي، فضلاً عما تردد حول عرضها مساعدة في بوركينا فاسو، من أجل تكثيف خطوات روسيا الرامية إلى توسيع قاعدة نفوذها في إفريقيا، سواء على الصعيد الرسمي أو الصعيد غير الرسمي، عبر تقديم تعاون أمني في هيئة تدريبات واستخبارات ومعدات لعدد من الحكومات الإفريقية.

برز التنافس الأميركي الروسي في إفريقيا خلال السنوات الماضية، ويقف وراء هذا التنافس أسباب عدة، أهمها:

أولاً: ثقل القارة في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تمثل فيها ثلث الأصوات، حيث شكّلت (17) دولة من القارة (50%) من الممتنعين عن التصويت على قرار أممي يدين روسيا لحربها على أوكرانيا في مارس 2022.

ثانياً: موارد الطاقة التي زادت الحاجة إليها بعد حرب أوكرانيا، وهناك تنافس على الموقع الإفريقي الذي يزخر بالطاقات المتجددة خصوصاً الشمسية، وتلك التي يجرى توليدها من الرياح.

أمريكا واستراتيجية شاملة جديدة في إفريقيا

رصدت واشنطن (55) مليار دولار لإفريقيا لاستمالة دول القارة نحوها، تتضمن مساعدات في مجال الرعاية الصحية واستكشاف الفضاء. زاد التواجد العسكري الأميركي في القارة منذ تأسيس القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) عام 2007 ليصل إلى عدة آلاف من العسكريين. تركز واشنطن على مكافحة “الإرهاب”، خاصة في دول الساحل بغرب وشمال إفريقيا، ويتمركز معظم العسكريين الأميركيين في “جيبوتي” التي تستضيف القاعدة العسكرية الأميركية الوحيدة داخل أفريقيا.

ترى واشنطن أن بكين تتصرف في إفريقيا وكأنها “ساحة لتحدي النظام الدولي القائم على قواعد ولتعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية الخالصة ولإضعاف علاقات الولايات المتحدة مع الشعوب والحكومات الإفريقية”. أما بالنسبة لروسيا، فترى واشنطن “أن المنطقة تمثل بيئة مستباحة للشركات شبه الحكومية والعسكرية الخاصة، وغالباً ما تخلق حالة من عدم الاستقرار لكسب مزايا استراتيجية ومالية”.

كشفت واشنطن في 8 أغسطس 2022 عن إعادة صياغة شاملة لسياستها في إفريقيا، حيث تعتزم مواجهة الوجود الروسي والصيني عبر (4) أهداف تمتد لخمس سنوات، ذلك من خلال دعم المجتمعات الإفريقية، وتقديم مكاسب ديموقراطية وأمنية، وإتاحة الفرص الاقتصادية، ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف معه والتحول المنصف للطاقة.

يلاحظ أن الشركات الأمريكية لا تستطيع المنافسة ضد الشركات الصينية وغيرها في صناعات معينة، مثل مشروعات البنية التحتية، فالشركات الصينية لديها هياكل أقل تكلفة، وتستفيد من خبرتها العملية في إفريقيا لعقود. في الوقت ذاته، تتمتع بعض الشركات الأميركية بمزايا كبيرة في قطاعات الصحة والتكنولوجيا المالية والطاقة المتجددة. تتمتع الولايات المتحدة على العكس من الصين برصيد كبير من الجاليات الإفريقية المقيمة بالولايات المتحدة، وكثير منهم يحافظون على روابط تجارية مع إفريقيا، وتعمل واشنطن على إشراك الجاليات الإفريقية في مبادرات دعم العلاقات مع القارة.  فرنسا .. جهود مكثفة لمكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي

الاتحاد الأوروبي مهمة عسكرية جديدة في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل

يعمل الاتحاد الأوروبي على بدء مهمة عسكرية جديدة في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي، والهدف منها “تدريب محدد لنشر عمليات مكافحة الإرهاب”. لا يزال عدد أفراد الشرطة والجيش الأوروبيين الذين سيتم إرسالهم إلى دول خليج غينيا مجهولاً، وبالإضافة إلى الاستعداد لنشر عمليات مكافحة الإرهاب، من المخطط أيضا تعزيز قوات الأمن المحلية ودعمها الفني في 27 أغسطس 2023.

يستخدم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه المساعدات التنموية المقدمة لإفريقيا كورقة ضغط لتحقيق مصالحها لا سيما ضبط الهجرة الغير الشرعية، وإحدى الأدوات التي تجسد تركيز الاتحاد الأوروبي على مراقبة الهجرة هي “الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل إفريقيا”، حيث يقدم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه معظم مساعدات التنمية في العالم، وبلغت هذه المساعدات (75) مليار يورو في عام 2019 نحو ثلث هذه المساعدات تذهب إلى إفريقيا. أثار الانقلاب العسكري في النيجر مخاوف في دول الاتحاد الأوروبي، خاصة في فرنسا، بشأن تأثيره المحتمل على استيراد اليورانيوم لتشغيل محطات الطاقة النووية على المدى الطويل.

كشف استطلاع للرأي في 24 يوليو 2022 أن “الأوروبيين أفضل من الصينيين في معظم مؤشرات الأداء، خصوصاً في المعايير الاجتماعية وتوفير فرص العمل للسكان المحليين والمعايير البيئية وجودة المنتجات في إفريقيا، وفي قائمة من (17) معياراً، جاء أداء الصينيين أفضل من الأوروبيين في (4) مؤشرات فقط، وهي أنهم يتخذون القرارات وينفذون المشاريع بشكل أسرع، ويتدخلون بشكل أقل في الشؤون الداخلية، ولديهم تردد أقل بشأن الفساد”.

“فاغنر” نموذج لمحاولات موسكو للتوسع في إفريقيا

وصل مرتزقة “فاغنر” في عام 2018 في جمهورية أفريقيا الوسطى، ونشرت المجموعة مقاتلين في منطقة “كابو ديلجادو” الغنية بالغاز في شمال موزمبيق. ربما تكون أكثر عمليات “فاغنر” هي في مالي، ففي أعقاب الانقلابات التي شهدتها البلاد، أبرمت المجموعة صفقة أمنية مع مالي، لحمايته وتوفير الدعم له خاصة بعد انسحاب الجيش الفرنسي.

يعد مرتزقة “فاغنر” أكبر من شركة توفر الدعم العسكري مقابل الذهب في إفريقيا، فهي نموذج لمحاولات موسكو التوسع في القارة السمراء وينفي الكرملين أي صلة له بـ”فاغنر”. لكن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والمراقبين يقولون إنها أداة غير رسمية للكرملين، كما تعد أداة دبلوماسية لها في إفريقيا، ولها أنشطة في مجالات تتجاوز مجال الأمن. تقول “بولين باكس” نائبة مدير قسم إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية “إنها لعبة قوة تقوم بها روسيا من خلال فاغنر، تريد أن ترى إلى أي مدى يمكنها نشر نفوذها في إفريقيا، وأعتقد أن النتائج فاجأت الكثير من الناس”. لماذا التباين في القرار الألماني حول المشاركة في قوة الساحل الأفريقي ؟

**

3- الاتحاد الأوروبي ـ القدرات والخيارات بالتدخل في الساحل الإفريقي؟

تٌعد علاقة الاتحاد الأوروبي مع منطقة الساحل، وعلى وجه الخصوص، مع دول الساحل G5 (بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر) ذات أهمية استراتيجية للاتحاد الأوروبي من حيث الأمن والاستقرار والتزامات التنمية المستدامة وطرق الهجرة المرتبطة بأوروبا. فيما أصبحت حاجة الاتحاد الأوروبي إلى شراكات أقوى مع دول الساحل، واضحة بشكل متزايد، لا سيما في أعقاب أزمات الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022.  ومع ذلك، فإن الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، والمنافسة متعددة الأقطاب مع روسيا والصين، جنباً إلى جنب مع طرد القوات الفرنسية من مالي، تظهر عجز استراتيجية الاتحاد الأوروبي في تحقيق أهدافها في منطقة الساحل.

دور الاتحاد الأوروبي في دعم الأمن والسلام في الساحل الأفريقي

اعتمدت أوروبا استراتيجية شاملة لمعاونة إفريقيا في إحلال الأمن والاستقرار.  ارتكزت الخطة الأوروبية  خلال عام 2011 على ثلاثة عناصر: بداية من الجزء الأمني وصولاً إلى التنمية والدبلوماسية، وعبر الجزء الأمني نشرت أوروبا ثلاث بعثات عسكرية في النيجر ومالي لدعم تدريبات القوات الأمنية في محاربة الجريمة المنظمة والإرهاب، وتوسعت الخطة في عامين 2014 و2015 لتضم موريتانيا وبوركينا فاسو وتشاد ونيجيريا ودول المغرب. وعزز الاتحاد قدرات دول الساحل العسكرية ببعثة تدريبية في مالي بدأت أعمالها في يناير 2013 عبر تقديم المشورة والتدريب لقوة المجموعة الخماسية بمنطقة الساحل، وتطورت استراتيجية الدعم لهذه المنطقة في أبريل 2021 لمكافحة الإرهاب.

وعملت ألمانيا وفرنسا عقب مؤتمر قمة مجموعة السبع في بياريتز في أغسطس 2019 على تعزيز الشراكة مع دول الساحل الإفريقي في مجال الدفاع والتدريبات لتعزيز أمنها الداخلي في مكافحة التنظيمات المتطرفة. وعقب القمة الفرنسية حول مكافحة الإرهاب في 13 يناير 2020 تأسس ائتلاف منطقة الساحل الذي يضم (مالي وبوركينا فاسو والنيجر موريتانيا وتشاد) لتعزيز قدرات القوات المسلحة للدول الخمس في مواجهة الإرهاب.

مدد الاتحاد عمل بعثة “أوتم” (EUTM) في مالي في مارس 2020 حتى 18 مايو 2024 لتقدم المشورة والتعليم والتدريب لجيوش دول الساحل، وتعمل البعثة منذ فبراير 2013 على صقل القدرات العسكرية لهذه الدول وتقليل التهديدات الإرهابية.

أنفق الاتحاد الأوروبي ما يقدر بنحو (8) مليارات يورو على المساعدات الأمنية والإنسانية في منطقة الساحل منذ عام 2014 حتى أغسطس 2023.  كما أنها توجه الأموال من خلال تحالف الساحل الذي يضم (12) دولة، والذي ترأسه حالياً ألمانيا. ملف: مكافحة الإرهاب ـ مخاطر الجماعات المتطرفة في إفريقيا على الأمن الدولي

استراتيجية أوروبية جديدة في الساحل الأفريقي

اعتمد المجلس الأوروبي استراتيجية جديدة للاتحاد الأوروبي في منطقة الساحل في أبريل 2021، وذلك لتعزيز الالتزام المتبادل والمساءلة مع التركيز على الحوكمة مع البلدان الشريكة من منطقة الساحل. جاء ذلك بعد فشل الحلول العسكرية في تعزيز الأمن في دول الساحل، والتي توجت بانقلاب عسكري في مالي وطرد القوات الفرنسية منها.

الاستراتيجية الفرنسية الجديدة – أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون في 9 نوفمبر 2022، الخطوط العريضة للاستراتيجية العسكرية الجديدة لبلاده خلال الفترة المقبلة “سحب كافة القوات المشاركة في عملية (برخان) من منطقة الساحل الإفريقي”، والتي تبلغ نحو (3) آلاف جندي لا يزالون في مناطق النيجر وتشاد وبوركينا فاسو وذلك بعد نحو ثلاثة أشهر من انسحاب القوات الفرنسية من مالي. 2022 والتي دامت نحو (9) أعوام لمحاربة الإرهاب في إفريقيا. وعقب إنهاء فرنسا مهمة “برخان” العسكرية في مالي، تبنت في 27 فبراير 2023 خطة جديدة لإنشاء أكاديميات تديرها الجيوش الإفريقية مع الجيش الفرنسي وفقاً لاتفاقيات التعاون العسكري المبرمة مع  (25) دولة إفريقية.

الاستراتيجية الألمانية الجديدة – أعادت الحكومة الألمانية تنظيم سياستها في منطقة الساحل الإفريقي. قرر مجلس الوزراء الألماني في 4 مايو2023 تمديد مشاركة الجيش الألماني في بعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما) للمرة الأخيرة.  وفي الوقت نفسه، ستكثف الحكومة الألمانية الدعم المدني للمنطقة وستركز بشكل متزايد التزامها في قطاع الأمن على النيجر وموريتانيا والدول الواقعة على خليج غينيا. وقالت وزيرة الخارجية الألمانية بيربوك: “إذا انهارت دول في منطقة الساحل، فإننا سنشعر عندئذ بالهزة هنا في أوروبا. فيما صرحت وزيرة التنمية الألمانية سيفنيا شولتسه: “ منطقة الساحل هو المكان الذي يمكن لسياسة التنمية أن تساعد فيه على تجفيف منابع الإرهاب. سنقوم بتوسيع التزام سياستنا التنموية ليشمل المنطقة بأكملها”.

تأمل ألمانيا ومن خلال مشاركة أعمق، أن تكون زعيمة للقوة الناعمة في منطقة تصنفها على أنها مركزية للأمن الأوروبي. وكجزء من هذا الالتزام، تقول الوزارة الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية إن شولتسه ستنصب نفسها رئيسة لتحالف الساحل، وهو تعاون بين دول ومنظمات الساحل والغرب. وسيختار التحالف، الذي ينسب إليه الفضل في دعم ما يقرب من (1200) مشروع بقيمة إجمالية تبلغ (26200) مليار يورو.

الاستراتيجية البلجيكية الجديدة – أعلنت الحكومة البلجيكية عن استراتيجية جديدة لمنطقة الساحل قد تثبت أنها نموذج للمشاركة الغربية في المستقبل. تتبنى الاستراتيجية “نهج 3D” مما يعني أنها مصممة لدمج أبعاد الدفاع والتنمية والدبلوماسية. في حين أن هذا النوع من الأطر ليس جديداً، إلا أنه يجب أن يهدف إلى توفير فوائد ملموسة للمجتمعات التي تتحمل وطأة العنف في واحدة من النقاط الساخنة الجيوستراتيجية في العالم. أمن دولي ـ ماذا بعد توسع الصين وروسيا في إفريقيا؟

التحول من مالي إلى النيجر

وجه الاتحاد الأوروبي تركيزه في الأصل نحو مالي، إلا أن التدهور التدريجي للعلاقة بين المجلس العسكري في باماكو والدول الغربية أدى إلى تحول تدريجي نحو النيجر. ويوضح تعليق بعثة الاتحاد الأوروبي للتدريب (EUTM) في مالي في أبريل 2022، وافتتاح بعثة الشراكة العسكرية للاتحاد الأوروبي (EUPMP)  في النيجر في فبراير 2023 هذا الاتجاه جيداً. وهو ما يعكس أهمية نيامي في إطار الاستراتيجية الغربية الرامية إلى إعادة نشر القوات الأوروبية في الساحل، وذلك لمواجهة النفوذ الروسي والصيني المتنامي في المنطقة.

لم يقرر الاتحاد الأوروبي إرسال مهمة عسكرية إلى النيجر إلا بحلول نهاية عام 2022 لمكافحة الإرهاب في المنطقة. ويتعاون الاتحاد الأوروبي مع النيجر منذ عام 2015، بشكل أساسي لقطع طريق الهجرة من مدينة أغاديز الصحراوية في النيجر إلى ليبيا. وكان الاتحاد الأوروبي قد قدم (503) ملايين يورو لتمويل النيجر في ميزانية الفترة من 2021 إلى 2024.

تحولت العاصمة نيامي إلى نقطة ارتكاز للاستراتيجية العسكرية الفرنسية بعد خروج الجنود الفرنسيين من مالي، حيث تحتضن النيجر (1500) جندي فرنسي يشاركون في عمليات “مكافحة الإرهاب”، في حين أقرّ الاتحاد الأوروبي هذا العام مهمة تدريب عسكري بقيمة (30) مليون دولار في النيجر.

وفيما يلي العمليات العسكرية للاتحاد الاوروبي في النيجر:

– بعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات (EUCAP) في النيجر: تأسست في عام 2012. ويتمثل هدفها الرئيسي في تعزيز قدرة قوات الأمن الداخلي النيجيرية على التصدي للجريمة المنظمة العابرة للحدود والإرهاب والهجرة غير النظامية. ويتألف ما يقرب من (120) خبيراً من موظفي يوكاب الميدانيين، ويعملون أساسا كمستشارين ومدربين. وفي عام 2016، توسعت البعثة خارج العاصمة من خلال افتتاح مكتب ميداني في أغاديز، وسط النيجر. بلغت ميزانية البعثة بالنسبة لفترة السنتين 2020-2022، حوالي (24) مليون يورو.

– خلية الاتحاد الأوروبي الإقليمية للمشورة والتنسيق لمنطقة الساحل (EURACC): تم إنشاء الخلية كهيئة مستقلة في عام 2019. وهي في الغالب هيئة استشارية تهدف إلى دعم دول الساحل وتنسيق مبادرات الاتحاد الأوروبي في المنطقة. في حين أن القيادة تقع في نواكشوط – موريتانيا، فإن الخلية لديها هيكل شبكي، حيث أن في كل بلد من بلدان (G5) ، هناك وفد من خبراء الأمن والدفاع.

– بعثة الشراكة العسكرية للاتحاد الأوروبي (EUMPM): وهي أول بعثة عسكرية للاتحاد الأوروبي في النيجر. تأسست في فبراير 2023 بولاية مدتها ثلاث سنوات وميزانية أقل من (30) مليون يورو. تهدف بعثة الاتحاد الأوروبي لإدارة الهجرة إلى تعزيز القدرات العسكرية للقوات المسلحة النيجيرية من خلال توفير المعدات وبناء البنى التحتية والتدريب العسكري. يقع مقر EUMPM في نيامي. وفي الشهر الأول من نشر القوات، أنشأت البعثة مركزاً لتدريب الفنيين العسكريين في العاصمة، وهي تواصل إنشاء كتيبة جديدة.

انقلاب النيجر يربك خطط الاتحاد الأوروبي 

فشلت استراتيجيات الاتحاد الأوروبي في منع الصراعات والانقسام الداخلي في جميع أنحاء منطقة الساحل الإفريقي. منذ عام 2021، نجحت الانقلابات العسكرية في إسقاط حكومات بوركينا فاسو ومالي وغينيا والنيجر.  وازداد الوضع تعقيداً بالنسبة للاتحاد الأوروبي بعد أن طردت مالي القوات الفرنسية والألمانية بعد ما يقرب من عقد من التدخل العسكري. لا يرمز الرحيل إلى فشل سياسة التدخل الفرنسية فحسب، ولكنه يعكس أيضاً ضعف السياسة الخارجية لأوروبا. ويتضح ذلك، من بين أمور أخرى، من خلال وجود قوات فاغنر الروسية وموجة من الخطاب المعادي للغرب.

ومع دعم مالي وبوركينا فاسو للانقلاب في النيجر، ومطالبة المجلس العسكري في النيجر بمغادرة السفير الفرنسي وطرد القوات الفرنسية من البلاد،  فإن استراتيجية أوروبا في منطقة الساحل تخاطر بالانهيار. مثّل وقوع الانقلاب في النيجر في 26 يوليو2023 مفاجأة أربكت حلفاءها الغربيين بقدر ما أعادت إحياء المخاوف في منطقة غرب إفريقيا من انتقال عدوى الانقلابات إليها، وهو ما حدث بالفعل بعد شهر واحد تمثل بالإعلان عن انقلاب عسكري في الغابون في 30 أغسطس 2023.

اتخذ الاتحاد الأوروبي وفرنسا إجراءات لوقف المساعدات المقدَّمة للنيجر؛ سعياً وراء الضغط على السلطات بعد الانقلاب في البلاد، حيث كانت بروكسل قد خصّصت (503) ملايين يورو لتحسين الحوكمة والتعليم وبرامج النمو المستدام في النيجر بين 2021 و2024، كما قدّمت باريس العام الماضي مساعدات تنموية بلغت (130) مليون يورو. فيما لا يزال هناك ما يقرب من (100) جندي ألماني في الموقع.

كتب وزير الخارجية البريطاني الأسبق وليام هيغ في 30 أغسطس 2023 حول الوضع المتوتر بمنطقة الساحل الإفريقي بعد الانقلاب العسكري الذي جرى بدولة النيجر، قائلاً إنه يهدد الاستقرار في أوروبا ويتطلب توفير الأمن والاستثمار والتعليم لتلك المنطقة. وأضاف أن الدول الغربية ستدفع ثمناً باهظاً إذا لم تول هذه المنطقة الاهتمام اللازم، مشيراً إلى أن الغرب، عموماً، كان قد ترك هذه المنطقة لفرنسا؛ نظراً إلى أنها الدولة الاستعمارية السابقة، وبالتالي افترض أن لديها الخبرة الكافية للتعامل معها، لكن فرنسا التي اعتمدت الحل الأمني والعسكري فقط تقريباً، حققت نتيجة كارثية، وقررت العام الماضي وقف تدخلها.  أمن دولي ـ مخاطر الانقلابات العسكرية في الساحل الإفريقي

مهمة “عسكرية مدنية” جديدة في غرب إفريقيا

يخطط الاتحاد الأوروبي -على الرغم من النكسات الناجمة عن الانقلابات العسكرية في مالي والنيجر -لمهمة جديدة في إفريقيا. وفقاً لتقارير صحفية ألمانية في 27 أغسطس 2023، وافقت دول الاتحاد الأوروبي على إطلاق ما يسمى بالمهمة المدنية العسكرية في خليج غينيا في أكتوبر 2023 بعد أن اتخذ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قراراً رسمياً بهذا المعنى في اجتماعهم في لوكسمبورغ.  ومن المقرر نشر عدد من ضباط الشرطة والجنود، لم يتم تحديدهم بدقة بعد، في دول ساحل العاج وغانا وتوغو وبنين.

وفقاً لما يسمى بمفهوم ادارة الأزمات، والذي تم الانتهاء منها بالفعل، تسعى المهمة إلى تحقيق أربعة أهداف: بالإضافة إلى التعزيز العام لقوات الأمن، وخاصة في شمال البلدان الأربعة، من خلال المشورة والتدريب، ينبغي أن يكون هناك ويكون أيضاً “تدريباً محدداً قبل النشر” لعمليات مكافحة الإرهاب والدعم الفني وبناء الثقة في قطاع الأمن.

سبب المهمة المخطط لها والمعلن هو “قلق الاتحاد الأوروبي من أن الجماعات “الجهادية” في غرب إفريقيا يمكن أن توسع أنشطتها في غرب إفريقيا من منطقة الساحل”. يمكن أن يتوسع اتجاه الدول الساحلية الجنوبية في خليج غينيا، مما يزيد من عدم الاستقرار في المنطقة”. وقد أرسلت حكومتا بنين وغانا بالفعل خطاب دعوة للبقاء في بلديهما. بينما يتمثل الهدف الثاني وهو الأهم في مواجهة التغول الروسي بالمنطقة.

الاتحاد الأوروبي لا يستعمل مصطلح “إنفاذ قوات مسلحة”، بل يعتبر المهمة “مدنية عسكرية”، حيث يحمل الأفراد المرسلون صفة المستشارين والمدربين، وإن كانوا ينتمون للقوات العسكرية، لكن لا يمكن تسميتهم قوات مسلحة، فهم يقومون بالتدريب فقط.

**

4- أمن دولي ـ ما أهمية موريتانيا في مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي؟

تفرض الصراعات الراهنة في بلدان إفريقيا، وما يترتب عليها من نشاط الجماعات المتطرفة في هذه الدول، واحتدام الاستقطاب الدولي للقارة الإفريقية، إلى بحث الدول الكبرى عن شريك رئيسي داخل إفريقيا لمكافحة الإرهاب، وخلال الثلاث سنوات الماضية اتجهت الأنظار إلى موريتانيا بعد نجاحها في تطبيق استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب رغم تمدده في الدول المجاورة لها والمخاوف من أن تتحول بؤرة للتطرف، ومن هنا تأتي أهمية موريتانيا في ملف محاربة التطرف في منطقة الساحل الإفريقي.

الاهتمام الدولي بموريتانيا

برزت أهمية موريتانيا على الساحة الدولية خلال العامين الماضيين، من خلال تصريحات المسؤولين الغربيين والصينيين والروس، والزيارات المتبادلة بين قادة موريتانيا وقادة دول العالم.

أجرى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني زيارة لمقر الناتو في بروكسل في 14 يناير 2021، كأول زيارة لرئيس موريتانيا لمقر الناتو منذ استقلالها عام 1960، وزار الأمين العام المساعد للحلف خافيير كولومينا موريتانيا في 31 مايو 2022 وحتى 2 يونيو 2022.

مثلت زيارة مساعد مستشار الأمن القومي بواشنطن جوناتان فاينر، إلى نواكشوط في 22 أكتوبر 2021 ترجمة لرؤية الإدارة الأمريكية لدور موريتانيا في منطقة الساحل الإفريقي، لا سيما وأنها الزيارة الأولى من نوعها لمسؤولين أمريكيين على هذا المستوى.

زارت وكيلة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند موريتانيا في 17 أكتوبر 2022، وأشادت بالدور الموريتاني في منع التطرف العنيف ومكافحة الإرهاب، مؤكدة على أن موريتانيا باتت واحة للاستقرار في منطقة الساحل ما يعزز من دورها في تعزيز الأمن الإقليمي والدولي.

وعدت المسؤولة الأمريكية، بتقديم بلادها نحو (28.5) مليون دولار خلال (5) سنوات لتغذية ( 100) ألف تلميذ سنوياً في ( 320) مدرسة ابتدائية في بعض المدن الموريتانية، خاصة وأن موريتانيا تستضيف ( 80) ألف لاجئ فارين من العنف من مالي.

لم تكن موريتانيا محط اهتمام الغرب فقط، بل أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 8 فبراير 2023 زيارة لنواكشوط، في أعقاب توتر العلاقات بين الغرب ودول الساحل الإفريقي وانسحاب القوات الفرنسية من مالي.

تعد زيارة لافروف لموريتانيا تعزيزاً للعلاقات واستكمالاً لزيارة الرئيس الموريتاني ولد الغزواني لروسيا في 2019 أثناء مشاركته في القمة الروسية الإفريقية، وزيارة وزير الدفاع الموريتاني حنين ولد سيدي لروسيا في يوليو 2022، وفي 20 نوفمبر 2022 زار رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال موريتانيا لتوطيد العلاقات.

زار وفد عسكري إسباني في 14 فبراير 2023 نواكشوط، في إطار الدورة الـ (22) للجنة العسكرية المشتركة ورداً على زيارة لافروف، ولم تكن الزيارة الأولى من هذا النوع بين البلدين، حيث زار قائد الأركان الموريتاني مدريد في الفترة من (23- 26) يناير 2023، للتأكيد على الدور الموريتاني المحوري في مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وتعزيز التعاون في المجال العسكري.

وقعت الدولتان في 3 نوفمبر 2022 على اتفاقية لتعزيز مكافحة الهجرة غير النظامية، بعد زيارة قائد الأركان الإسباني لموريتانيا في 17 يوليو 2022، ووزير الخارجية خوسي مانويل ألبارس في 20 يونيو 2022، ورسمت زيارة الرئيس الموريتاني إلى إسبانيا في الفترة من 16- 19 مارس 2022 أسس التعاون بين البلدين.

تعكس زيارة الرئيس الموريتاني في 4 يونيو 2023 إلى مصر، وزيارته للصين في 29 يوليو 2023، أهمية الدور الموريتاني في الأحداث الراهنة ليست في إفريقيا فقط بل العالم بشكل عام، وحجم الاهتمام الإقليمي والدولي بتعزيز العلاقة مع نواكشوط. أمن دولي ـ ما أهمية دول الساحل الإفريقي لأطراف الصراع الدولي؟

حجم التعاون الدولي مع موريتانيا

يرتكز التعاون الأوروبي الموريتاني في الاستثمار في استخراج الغاز الموريتاني المكتشف حديثاً، وتعمل شركتا “كوسموس” و”بي بي” في حقل ” السلحفاة أحميم” المشترك بين موريتانيا والسنغال باستثمارات تقدر بأكثر من (3) مليارات دولار، ووقعت موريتانيا مع الشركتين اتفاقية لبدء الاستكشاف في حقل ” بيرالله”.

تولي الشركات الأوروبية اهتماماً باستكشاف وإنتاج الغاز الموريتاني في الحوض الساحلي وتعمل في مقطعي “سي10 وسي2” البحريين، في ظل بحث أوروبا عن بدائل للغاز الروسي، لذا توسعت مشاريع قطاع الهيدروجين باستثمارات تقدر بنحو (60) مليار دولار.

كعادتها لم تغيب الصين عن المشهد، بل تعد شريكاً تنموياً رئيسياً لموريتانيا، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين أكثر من (2.7) مليار دولار في 2021، ومن قبلها وقعت نواكشوط صفقة مع بكين لشراء بعض المعدات العسكرية في 2016. ودخل التعاون بينهما إلى مرحلة أقوى بإنشاء فريق برلماني للصداقة الموريتانية الصينية، وإعفاء الصين موريتانيا من ديون (20) مليون دولار في يوليو 2023.

يرتكز التعاون بين الناتو وموريتانيا على محاربة الإرهاب وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية في الساحل الإفريقي، ووضحت هذه الرؤية خلال قمة الناتو في مدريد في يونيو 2022، وأكد الأمين العام المساعد للناتو خافيير كولومينا على أهمية نواكشوط للحلف.

ترتبط نواكشوط بعلاقات تجارية مع موسكو في مجال الحبوب، وتستورد الأولى ما يعادل قيمته (31) مليون دولار من القمح، وتصدر روسيا لموريتانيا بقيمة (95) مليون دولار سنوياً من المنتجات السمكية، ووصلت الصادرات الروسية لموريتانيا نحو (37.6) مليون دولار وفقاً لإحصائيات 2020، ووقعت الدولتان على اتفاقية تعاون عسكري في يونيو 2021.

أهمية موريتانيا في الساحل الإفريقي

– نهج محاربة الإرهاب: جعلت استراتيجية مكافحة الإرهاب موريتانيا محط اهتمام دول العالم، خاصة وأنها دمجت بين معالجة الثغرات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ما يسهم في مساعدة جيرانها في محاربة التهديدات الإرهابية، ويحافظ على استقرارها السياسي مقارنة بباقي البلدان الإفريقية.

– الموقع الاستراتيجي: منحت الجغرافية ميزة نسبية لموريتانيا، لربطها بين دول المغرب العربي وغرب إفريقيا وحدودها مع مالي، ما يمكنها من لعب دور حاسم في دول إفريقيا جنوب الصحراء، كونها الدولة العربية الوحيدة داخل تجمع الساحل.

– الثروات: تعد موريتانيا ثالث أكبر الدول الإفريقية التي تمتلك مخزونا من الغاز، ولديها احتياطات من الغاز المسال تقدر بنحو (110) تريليون قدم مكعب، ويحتوي حقل ” بير الله” على (80) تريليون قدم مكعب، ويحتوي حقل ” السلحفاة” على (25) تريليون متر مكعب.

الهجرة: إن قرب موريتانيا من جزر الكناري الإسبانية من جانب المحيط الأطلسي، جعلها نقطة مركزية في قضية الهجرة غير الشرعية من دول الساحل إلى أوروبا، لذا وطدت إسبانيا العلاقات بها لمنع تدفق الهجرة غير الشرعية والجماعات المتطرفة.أمن دولي ـ مخاطر الانقلابات العسكرية في الساحل الإفريقي

الطريق إلى الساحل الإفريقي

تراجع النفوذ الغربي في إفريقيا وفي مقدمته النفوذ الفرنسي ويدفع حلف الناتو للبحث عن بدائل لإيجاد موطئ قدم داخل القارة من جديد، إذ حرصت إسبانيا على توجيه دعوة لموريتانيا في قمة الناتو في مدريد، لضمان العلاقات مع شمال وغرب إفريقيا في ظل التغيرات الجيوسياسية الأخيرة، كما تعول الدول الأوروبية على الغاز الموريتاني كحل بديل بعد انقطاع إمدادات الطرق الروسية.

رغم اعتماد الغرب سياسة بناء قواعد عسكرية داخل إفريقيا، لكن لم تفلح هذه السياسة مع موريتانيا التي أبدت تحفظها على هذه النقطة منذ تسليط الضوء عليها، وتدور العلاقات بين حلف الأطلسي ونواكشوط حول تطوير قدرات الجيش الموريتاني عسكرياً وتقديم الدعم الأمني والمعلوماتي له، باعتبار نواكشوط بوابة الغرب للساحل الإفريقي.

موريتانيا ـ مقاربة أمنية لمكافحة الإرهاب

ـ تراجعت الهجمات الإرهابية في موريتانيا، بعد موجة من الإرهاب غير مسبوقة استهدفتها في الفترة ما بين 2005- 2011، لذا أطلقت في 15 ديسمبر 2009 مشروع قانون لمكافحة الإرهاب لدعم التعاون مع حكومات إفريقيا لتشديد إجراءات مكافحة الإرهاب.

ـ أسست في 2010 لجنة لوضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب، لمعالجة الأسباب الجذرية للتطرف ببدء حوار أيديولوجي مع (70) متطرفاً، للتوصل إلى أسباب انضمامهم للجماعات المتطرفة والبدء في إعادة تأهيلهم في المجتمع..

ـ ارتكزت استراتيجية موريتانيا على الإصلاحات الأمنية بإعداد القوات الخاصة والاهتمام بالتعليم العسكري المهني، ورفعت الموازنة العسكرية التي تضاعفت (4) مرات من 2008 إلى 2018 واهتمت بتسليح الجيش وتوفير الزي الرسمي للجنود وترميم ثكناتهم العسكرية وتوفير التعويضات المالية لكافة القوات العسكرية، ما دفع الشركاء الإقليمين لاختيار نواكشوط في 2018 كموقع لكلية الدفاع لمجموعة الساحل ” G5″.

ـ توسع العمل الاستخباراتي خلال 2022 و2023 بالاستعانة بقوات من الهجانة ” وحدة المهاريست” لتعقب المتطرفين في المناطق النائية، بجانب تنمية المجتمع وتشغيل قطاعي التعدين والمناجم لمواجهة التطرف، واستضافت نواكشوط في فبراير 2022 المؤتمر الإفريقي الثاني لتعزيز السلام ومحاربة التطرف، وتمكنت في 13 مارس 2023 من إحباط محاولة هروب متطرفين من إحدى السجن.مكافحة الإرهاب ـ جهود الاتحاد الأوروبي في إفريقيا

**

تقييم وقراءة مستقبلية

– تصنف منطقة الساحل الإفريقي بالأخطر عالمياً، حيث شهدت تنامي لأنشطة الجماعات المتطرفة، والعمليات الإرهابية في المناطق الحدودية بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر.

– تتجاوز تداعيات الانقلاب العسكري في النيجر المرتبطة بأنشطة الجماعات المتطرفة، لتشمل أنشطة عمليات تهريب البشر من غرب أفريقيا إلى ليبيا وتونس.

– تعد النيجر مورداً رئيسيا لليورانيوم، حيث تلبي احتياجات فرنسا من اليورانيوم، وخمس احتياجات الاتحاد الأوروبي، وهذا من شأنه أن يثير المخاوف بشأن أمن الطاقة في أوروبا، بالتزامن مع أزمة الطاقة بسبب حرب اوكرانيا.

– من المستبعد التدخل العسكري رغم تهديدات “إيكواس”، حيث أن التجارب تقول عند اندلاع الحرب لا نعرف متى تنتهي، كما أن الفوضى الناتجة عن تدخل “إيكواس” ممكن أن تؤدي الى حرب أهلية.

– ما زالت تجربة الانقلابات العسكرية في السودان شاخصة وانهيار الدولة الليبية أيضاً لا تشجع على التدخل العسكري، فقد تسببت الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا إلى تدفق الأسلحة إلى دول الساحل الواقعة جنوبها.

– بات محتملاً نشوب صراع داخلي بين الجماعات المتطرفة في النيجر، نظراً إلى وجود فروع لكل من تنظيمي “القاعدة” و”داعش” على أراضيها. من المرجح أن تنشب أزمة هجرة جديدة من نقاط العبور الرئيسية للهجرة غير الشرعية صوب أوروبا عبر البحر المتوسط وتنامي الجريمة المنظمة.

**

– أصبحت دول الساحل الإفريقي ساحة صراع اقتصادية وسياسية، حيث تسعى الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية والغرب من جهة لمواجهة الآخر وبسط النفوذ.

– شهد نفوذ الولايات المتحدة والغرب في إفريقيا تراجعاً ملحوظاً ولكنها بالتأكيد لم تخرج من الساحة الإفريقية. ما يقلق الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي هو الحضور الصيني في إفريقيا، أكثر مما يقلقها الحضور الروسي.

– يحاول الاتحاد الأوروبي المحافظة على ما يمكن مما تم تحقيقه من مكاسب سابقة داخل القارة الإفريقية، واستخدام المساعدات التنموية المقدمة لإفريقيا كورقة ضغط لتحقيق مصالحها وبسط النفوذ.

– تريد روسيا إعادة تأسيسها كقوة عظمى، مما يجعلها في منافسة مع الصين التي تبحث عن فرصة لتوسيع النفوذ في دول الساحل الإفريقي، في ظل تراجع دور الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.

– بات من المتوقع توسع نفوذ مجموعة “فاغنر” في دول إفريقية أخرى، العديد منها قد يتقبل وجود “فاغنر” ومهتماً بمساعدتها الأمنية عبر القارة. من المتوقع أن تستغل واشنطن والغرب نقاط قوتها، مثل برامج تحفيز القطاع الصناعي وتعزيز التجارة مع إفريقيا، ومن غير المرجح إن تتدخل “إيكواس” عسكرياً في النيجر كون أن التدخل العسكري سيكون محفوفاً بمخاطر عسكرية وسياسية.

**

– كانت منطقة الساحل الإفريقي وعلى مدار السنوات العشرين الماضية، مسرحاً لشتّى الصراعات. وقد أفضت هشاشة الدول وسوء الحوكمة والبطالة والصراعات الإثنية والاستغلال الأجنبي للموارد والانخراط العسكري الخارجي إلى ازدياد الفقر واليأس والهجرة غير الشرعية. وفاقم تعدّد المبادرات الأمنية الغربية تعقد المشاكل عوضاً عن حلّها.

– إن فشل الاتحاد الأوروبي وفرنسا على وجه الخصوص، الشريك الأمني الرئيسي للمنطقة تاريخياً، في توفير الأمن إلى جانب سعيها لتحقيق المصالح المحلية قد خلق صراعات أهلية بين السلطات الحاكمة وشعوب الساحل الإفريقي في السنوات الأخيرة.، أدى في النهاية إلى رحيل القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو، وتنامي مستوى العنف والإرهاب في المنطقة.

– يوفر تراجع نفوذ أوروبا فرصاً لدول الساحل G5 (بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر) للبحث عن شركاء بديلين. أبرز الشركاء الذين كانوا يوسعون بصمتهم الاقتصادية بهدوء هم روسيا بالمقام الأول، والصين وتركيا.

– أجبرت التطورات في منطقة الساحل الإفريقي الحكومات الأوروبية على إعادة التفكير في التزاماتها. إن المصالح الأمنية لفرنسا، وبالتالي الاتحاد الأوروبي بأكمله، تجعل من غير المرجح أن تنسحب القوات الأجنبية بالكامل من المنطقة كما ثبت بالفعل من خلال إعادة تجميع القوات الفرنسية مؤخراً في النيجر المجاورة قبل انقلاب يوليو 2023، فيما يجري الحديث عن قوة أوروبية جديدة في ساحل العاج وغانا. ومن المرجح أن يؤدي التخلي عن المنطقة إلى مزيد من إرهاب الجماعات المتطرفة، وزيادة النفوذ الاستراتيجي للصين وروسيا، والتسبب في زيادة الهجرة نحو أوروبا.

– التحديات التي تواجه تنفيذ استراتيجية الاتحاد الأوروبي من منظور سياسي وأمني لا تزال عالية. ونتيجة لذلك، لا يمكن أن ينتج الاستقرار والسلام الدائمان عن العمليات العسكرية فحسب، بل يجب أن يشمل أيضاً التركيز على التنمية الاقتصادية وتعزيز الحوكمة الرشيدة، ولمشاركة مع منظمات المجتمع المدني المحلية، والسماح بتطوير نهج سياسي طويل الأجل يتجاوز العمليات العسكرية.

**

– تمكنت موريتانيا من أن تصبح شريكاً دولياً في محاربة الإرهاب، رغم أن العمليات الإرهابية التي شهدتها في العقد الماضي، كانت تشير إلى احتمالية تحولها لبؤرة تطرف مع تصاعد حدة الهجمات، ما يعزز من فرصها أن تصبح حلقة الوصل الوحيدة بين الغرب ودول الساحل الإفريقي في التوقيت الراهن الذي يشهد اضطرابات سياسية بين الجانبين.

– التغيرات المتسارعة التي تشهدها إفريقيا من انقلابات عسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر والغابون، حيث شهدت إفريقيا 8 انقلابات عسكرية في ثلاثة أعوام، يحمل موريتانيا مسؤولية التواصل مع حكومات هذه الدول ولعب دور الوسيط بينها وبين الغرب، خاصة وأنها ظلت عضواً في مجموعة ” إيكواس” حتى ديسمبر 2020، فضلاً عن موقعا الاستراتيجي الذي يفرض عليها متابعة نشاط الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل.

– تشهد موريتانيا حالة من الاهتمام الدولي من قبل الولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا، ويعود هذا الاستقطاب غير المسبوق إلى تصاعد التوتر بين الغرب وبكين من جهة وموسكو والغرب من جهة أخرى وإن اختلفت أسباب الاستقطاب، حيث تسعى أوروبا عبر موريتانيا تأمين حاجاتها من مصادر الطاقة وضمان تواجدها في إفريقيا بعد الانسحاب الفرنسي من بعض الدول، بينما يعتمد الناتو والولايات المتحدة على إسبانيا لتوطيد العلاقة مع موريتانيا ومواجهة النفوذ الروسي والصيني في إفريقيا.

– تجد روسيا في موريتانيا الطريق لتعزيز تحالفاتها في إفريقيا رداً على علاقات الناتو أيضاً، وخلق أسواق جديدة لمصادر الطاقة والحبوب، مع إبرام اتفاقية اقتصادية وعسكرية مع حلفاء جدد، واهتمت الصين بموريتانيا لتوطيد علاقاتها مع الشرق وتعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في إفريقيا.

– تتبع موريتانيا سياسة متوازنة لإقامة علاقات قوية مع جميع الأطراف الدولية، خاصة وأنها تعد حائط صد للتطرف في الساحل وتمنع تمدده، وتقف على مسافة واحدة بين الغرب وروسيا والصين بالزيارات المتبادلة وفتح قنوات اتصال وتفاهمات مستمرة معهم.

–  يصب هذا الاهتمام الدولي في صالح موريتانيا، بتلقي الدعم العسكري والاقتصادي ما يساعدها على تخطي تداعيات مرحلة الحرب ضد الإرهاب على مدار العقد الماضي.

– من المتوقع أن تزداد أهمية موريتانيا الفترة المقبلة مع تصاعد حالة الانقلابات العسكرية في إفريقيا، لذا سنشهد مزيداً من اللقاءات بين مسؤولي موريتانيا والأطراف الدولية والإقليمية، وتوقيع عدة اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع نواكشوط.

رابط مختصر..  https://www.europarabct.com/?p=90267

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات

الهوامش

Unravelling the Niger coup and its implications for violent extremism in the Sahel
https://tinyurl.com/y9tp25zh

انقلاب النيجر.. خطر يهدد آخر معاقل الاستقرار في منطقة الساحل
https://tinyurl.com/y4k7a5ww

صراع دولي في بلاد قاحلة… ما وراء انقلاب النيجر
https://tinyurl.com/39e2w83m

تحليل: طوق أزمات حول الدول المغاربية يشتدّ بانقلاب النيجر
https://tinyurl.com/3vxzf7na

الإرهاب والعنف المسلح.. انقلاب النيجر يضع أفريقيا على مفترق طرق
https://tinyurl.com/2xwwh58m

**

The Wagner Group’s ‘New Path’ in Africa
https://tinyurl.com/yck8jsnf

Chinese private security firms are growing their presence in Africa: why it matters
https://tinyurl.com/mrdptnrk

The coup in Niger puts spotlight on nation’s uranium
https://tinyurl.com/33sd67dr

Putin’s Shadow Soldiers: How the Wagner Group Is Expanding in Africa
https://tinyurl.com/jfjtjvw9

**

Germany flexes its soft-power muscle in Africa’s Sahel
https://2u.pw/QmAFi1L

The failure of French Sahel policy: an opportunity for European cooperation?
https://2u.pw/iPKCU38 

الحكومة الألمانية تعيد تنظيم سياسة الساحل الإفريقي
https://2u.pw/SBUfQe4 

Heading in the Wrong Direction? Rethinking the EU’s Approach to Peace and Security in Africa
https://2u.pw/WzcoPCo 

What does the Niger coup mean for Europe’s relationship with the Sahel?
https://2u.pw/tcFAhB8 

وليام هيغ: الغرب سيدفع ثمنا باهظا إذا تجاهل الساحل الأفريقي
https://2u.pw/izgF59i

EU planning new Africa mission in Gulf of Guinea — report
https://2u.pw/lD3uJ4I

**

مسؤولة أمريكية تشيد بدور موريتانيا في مكافحة الإرهاب
https://bit.ly/45mLpV1

اسبانيا تعزز تعاونها العسكري مع موريتانيا لمواجهة النفوذ الروسي
https://bit.ly/44m4QMc

استثمارات غربية بمليارات الدولارات.. 5 أسئلة عن مستقبل ثروة موريتانيا الغازية
https://bit.ly/3KXpvPH

Lavrov offers Russia’s support to Mauritania in fight against jihadism
https://bit.ly/47H7YVM

واشنطن تبحث عن موطئ قدم في الساحل الأفريقي بمساعدة موريتانية
https://bit.ly/3KZFugm

Mauritanian Approach Uses Dialogue To Diminish Jihadist Extremism
https://bit.ly/3EeDZak

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...