بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات
يتناول الملف بالعرض والتحليل أنشطة التجسس الأجنبي في ألمانيا، خاصة الروسية والصينية، كما يتطرق إلى مخاطر عمليات التجسس على الأمن القومي الألماني، وتداعياتها على العلاقات الاقتصادية والانفتاح على الصين، كما يستعرض الملف التدابير والاجراءات الحكومية والأمنية في ألمانيا للتصدي لأنشطة التجسس الأجنبية. ويركز الملف في تحليله على المحاور التالية:
- تجسس ـ الجيش الألماني، خروقات أمنية، الأسباب والمخاطر
- تجسس ـ قلق داخل ألمانيا بسبب شبهات ضد حزب البديل AfD
- تجسس ـ واقع ومخاطر تجسس الصين على الأراضي الألمانية
1- تجسس ـ الجيش الألماني، خروقات أمنية، الأسباب والمخاطر
المكتب الاتحادي لحماية الدستور الألماني ، يطلق دائماً التحذيرات من حالات التجسس، أبرزها التجسس السيبراني والتقليدي على الجيش الألماني، وشن هجمات على “منشآت تابعة للقوات الأميركية”، وتنفيذ هجمات بمتفجرات على بنى تحتية عسكرية، وتورط مسؤول في جهاز المخابرات الخارجية الألماني، بتسريب معلومات إلى روسيا وقد يكون الهدف هو تعطيل الدعم العسكري الألماني لأوكرانيا، أو حتى نقل الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى ألمانيا.
أنشطة التجسس الروسية في ألمانيا
قدر مكتب حماية الدستور عدد العملاء الروسيين بنحو (150) شخصا. ولا يزال أكثر من (100) منهم نشطين على الأراضي الألمانية، الهدف الرئيسي لهم التجسس وجمع المعلومات السياسية والعسكرية والتسليحية. تشير إحصائيات أجهزة مكافحة التجسس الألمانية في أبريل 2024، إلى أن “ثلث” طاقم العمل الدبلوماسي الروسي هم في الواقع عملاء، حيث لايزال حوالي (20) جاسوسا معتمدين كدبلوماسيين في هذا ألمانيا.
تغير عمل المخابرات الروسية في ألمانيا منذ بداية حرب أوكرانيا، ما دفع السلطات الألمانية لطرد عشرات الجواسيس المعتمدين كدبلوماسيين. أعادت روسيا عمليات تجنيد العملاء للحصول على المعلومات، لكن لم يعد العملاء الروسيون قادرين على تنفيذ عمليات معقدة . تشير التقارير الاستخباراتية الألمانية إلى أن أحدث تقنيات الاتصالات والتجسس تتمركز في مجمع مباني القنصلية الروسية في “بون”. وتم تركيب هذه المرافق بشكل شامل، وذلك من أهم أسباب اهتمام موسكو بموقع القنصلية في “بون”.
يعتقد “أندريه سولداتوف” الخبير في أجهزة الأمن الروسية، أن قضية الثنائي الروسي الألماني يمكن أن تعكس رغبة الكرملين في تصعيد الهجمات على المساعدات المقدمة لأوكرانيا. وقال سولداتوف لبي بي سي: “إنه مستوى جديد تماما من التصعيد. هؤلاء الأشخاص “يزعم أنهم” جمعوا معلومات للمساعدة في تنظيم عمليات تخريبية ضد المنشآت العسكرية على الأراضي الألمانية”. مكافحة الإرهاب داخل الاتحاد الأوروبي ـ كيفية التعاون الأمني
أبرز حالات التجسس الروسية في ألمانيا
حذر المكتب الاتحادي لحماية الدستور الأالماني، من أن التهديدات الناجمة عن أنشطة التجسس الروسية زادت بوتيرة سريعة مجددا. وذلك على الرغم من أن ألمانيا كانت قد طردت بالفعل (40) دبلوماسيا روسيا، وهم أشخاص يشتبه في استخدامهم كجواسيس في سفارة بلادهم في برلين. وتوقع الجهاز بأن تكيف روسيا من أساليبها وتتصرف بشكل أكثر سرية في المستقبل.
نشرت روسيا تسجيلا صوتيا لمكالمة بين ضباط ألمان، يشمل التسجيل الصوتي احتمال استخدام “كييف” صواريخ ألمانية “توروس”، وأخرى عن توجيه الصواريخ نحو أهداف مثل جسر رئيسي فوق مضيق “كيرتش” بالإضافة إلى استخدام الصواريخ التي قدمتها كلّ من فرنسا وبريطانيا لكييف.
قدَّر “رودريش كيسفيتر” الخبير في قضايا الدفاع في الثالث من مارس 2024 أن “النقاش أُعلن عنه عمدا من روسيا في هذه اللحظة بالذات بهدف محدد للغاية”، وهو إنهاء الجدل الدائر في ألمانيا حول تسليم صواريخ توروس إلى كييف”.
كشفت الاستخبارات الألمانية في الربع الأول من عام 2024 عن وضع الاستخبارات الروسية أهداف محتملة للشن هجمات عليها “بما فيها منشآت تابعة للقوات الأميركية” المتمركزة في ألمانيا. وتنفيذ هجمات بمتفجرات على بنى تحتية عسكرية ومواقع صناعية في ألمانيا”. تورط مسؤول رفيع المستوى في جهاز المخابرات الخارجية الألماني، بتسريب معلومات سرية إلىروسيا مقابل دفع مبالغ تبلغ حوالي (400) ألف يورو.
أتاح خرقا أمنيا الوصول إلى معلومات تتعلق بانعقاد ما لا يقل عن (6000) اجتماع للجيش الألماني على منصة “ويبيكس”، بعضها مصنّف على أنه يتناول معلومات سرية للغاية حول صواريخ من طراز “تاوروس” والتجسس على غرف الاجتماعات الافتراضية المخصصة لأعضاء الجيش الألماني البالغ عددهم (248) ألفا، كذلك التجسس على غرفة الاجتماعات الرقمية الخاصة بقائد القوات الجوية الألمانية “إينغو غيرهارتز”. تجسس ـ فضيحة تنصت روسيا على اتصالات الجيش الألماني
أسباب تزايد حالات التجسس
أفاد تقرير في الثالث من فبراير 2024 بأن الضباط الألمان الذين اعترضت روسيا مكالمتهم، كانوا عرضة للتنصت على مكالماتهم الهاتفية، لأنهم لم يستخدموا خطا مشفرا أثناء اتصالهم ببعضهم البعض. حيث يمكن مراقبة الاتصالات إذا لم تكن مشفرة بشكل كبير. فعلى سبيل المثال هناك ثغرة في مواقع “ويبيكس” التابعة للجيش الألماني، نظرا للتصميم الإلكتروني الذي يفتقر حتى إلى الحماية بكلمة مرور.
يلزم إجراء ما يسمى بالتحقق من الهوية، عندما يأتي عملاء روس جدد إلى البلاد، وهو ما يتم تحقيقه على أفضل وجه من خلال المراقبة. لكن قدرات المراقبة لدى مكتب حماية الدستور محدودة للغاية. كذلك من الصعب إثبات هويتهم. فعندما يصل دبلوماسيون جدد، يستغرق الأمر ما يصل إلى عام قبل أن تتمكن الاستخبارات الألمانية من تحديد ما إذا كان الشخص الجديد دبلوماسيا أو ضابطا في الاستخبارات الروسية.
تقول “كلاوديا بلاتنر” رئيسة المكتب الاتحادي لأمن تكنولوجيا المعلومات، إنه لا يوجد في الوقت الحالي صورة مشتركة لدى الحكومة الاتحادية والولايات عن وضع الأمن السيبراني، كما أنه لا توجد هياكل تضمن القدرة على التنسيق في حال حدوث أزمات من هذا النوع. وأضافت: “نحتاج إلى ذلك بشدة. لا يمكننا الاتصال مع بعضنا البعض(16) مرة لنتعرف على ما يحدث في مكان ما”.
ارتفاع عدد الأشخاص الذين فشلوا باجتياز الفحوص الأمنية : تواجه القوات المسلحة الألمانية تحديات أمنية خطيرة بخصوص الاختراق، حيث ارتفع عدد الأشخاص الذين فشلوا باجتياز الفحوص الأمنية. يتكفل جهاز “مكافحة التجسس العسكري”، يتكفل بالتحقق من أمن جميع الأفراد العسكريين الألمان (172 ألف جندي و81 ألف مدني) حتى لا يتعرض الجيش للاختراق. تشير الإحصائيات إلى فشل (69687) شخصا في اجتياز الفحوصات الأمنية في جهاز الاستخبارات حتى 31 مايو 2023، فيما أوضحت أن عدد الذين بدأوا باجتيازه دون إتمامه في ارتفاع. محمي: الاستخبارات الروسية، تزايد أنْشِطَة التجسس داخل ألمانيا ؟
المكتب الاتحادي للأمن السيبراني (BSI)
يعتبر المكتب الاتحادي للأمن في تقنيات المعلومات (BSI) هو الجهة المسؤولة عن الأمن السيبراني. تقوم الشرطة والادعاء العام بملاحقة جرائم الإنترنت. وفي مجال حماية الدولة من الهجمات السيبرانية من خارج البلاد تعتمد الحكومة الاتحادية بكل وزاراتها على التعاون مع شركاء دوليين. تعد الجهات الوطنية المركزية هي مركز الدفاع السيبراني الوطني، ومجلس الأمن السيبراني الوطني. على المستوى الدولي يتعاون الجيش الألماني مع مركز التعاون في الدفاع السيبراني المتميز لحلف الناتو.
يختبر “BSI” ويرخص منتجات وخدمات تكنولوجيا المعلومات، و يحذر من البرامج الضارة والثغرات الأمنية في تكنولوجيا المعلومات، في حال وقوع الأضرار. يقدم “BSI” للمواطنين لوائح تتضمن الحسابات وعناوين البريد الإلكتروني التي تعرضت لهجمات القرصنة. كما يزود المواطنين بمعلومات عن تكنولوجيا المعلومات وأمن الإنترنت. بالإضافة إلى تطوير أنظمة تشفير من أجل البرامج المعلوماتية الخاصة بالدوائر الرسمية والحكومة.
يعد “BSI” الجهة المركزية لتقديم الشكاوي والإخباريات المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات للجهات الاتحادية والبنى التحتية الاساسية “الحرجة”. حيث يتوجب على شركات الكهرباء والاتصالات وغيرها إخباره بأية هجمات أو محاولات قرصنة تتعرض لها. كلفت حالات التجسس الرقمي والصناعي وقرصنة بيانات تكنولوجيا المعلومات ألمانيا حوالي (224 مليار دولار) فى العام 2023، وتجاوزت الأضرار حاجز الـ(200) مليار يورو للعام الثالث على التوالي، وفقا لمسح أكثر من 1000 شركة.
تدابير ألمانية لمكافحة التجسس الروسي
ألقي القبض على (6) جواسيس مشتبه بهم في ألمانيا خلال شهر أبريل 2024 فقط، وسط سيل من مزاعم التجسس من قبل روسيا والصين. حيث تم القبض على مواطنين ألمانيين من أصل روسي للاشتباه في قيامهما بالتخطيط لتخريب المساعدات العسكرية الألمانية لأوكرانيا. تمت محاكمة مسؤول رفيع المستوى في جهاز المخابرات الخارجية الألماني، بتهمة تسريب معلومات سرية إلى الروس مقابل دفع مبالغ تبلغ حوالي (400) ألف يورو.
بات العملاء الروسيون في ألمانيا دائما محور اهتمام مكتب حماية الدستور، لا سيما أن وضعهم الدبلوماسي يحميهم إلى حد كبير من الملاحقة القضائية. ورفعت السلطات الألمانية وضع التهديد الأمني سواء فيما يتعلق بالموظفين أو التكنولوجيا وتعزيز الحماية من قبل سلطات الأمن. الإستخبارات الروسية..أنشطة تجسسية متبادلة مع أوروبا
نجحت السلطات الألمانية بتفكيك شبكة تجسس عالمية تديرها مجموعة القراصنة “APT28”. التابعة لروسيا استخدمت أيضًا البنية التحتية الدولية لمهاجمة أهداف ألمانية خلال العامين الماضيين. “كان تركيز الهجمات على معلومات حول التوجه السياسي الاستراتيجي مهاجمة أهداف في دول أخرى في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسيودعم تسليم البضائع العسكرية لأوكرانيا
تعمل السلطات الألمانية على معالجة ثغرة في مواقع “ويبيكس” التابعة للجيش، فبمجرد التنبه إلى وجودها، تم العمل على تصحيحها في غضون (24) ساعة. تعتمد ألمانيا (3) مستويات لاجتياز الفحوصات الأمنية، بناء على المعلومات الحساسة التي قد تكون لدى الموظف الحكومي، حيث يمكن أن يستمر التحقق من المستوى الثالث لأكثر من أجل الحصول على إجازة الجاهزية التامة للخدمة.
تقول “إيفا هوغل” مفوضة الدفاع في البرلمان الألماني، أولا، يجب على الفور أن يتم تدريب جميع المسؤولين في جميع مستويات الجيش على الاتصالات المؤمنة”. وأضافت:” ثانيا، يجب التأكد من أن توفير المعلومات والاتصال الآمن والسري يمكن أن يتم بطريقة مستقرة”، مطالبة بإجراء تغييرات في الحالات التي لا يكون فيها هذا الأمر ممكنا. ورأت هوغل أنه يجب ثالثا زيادة الاستثمار في مكافحة التجسس ودعت إلى تعزيز جهاز الاستخبارات العسكرية.
**
2- تجسس ـ قلق داخل ألمانيا بسبب شبهات ضد حزب البديل AfD
تواجه ألمانيا، كدولة ديمقراطية رائدة في أوروبا، تحديات كبيرة نتيجة لأنشطة التجسس المتزايدة التي تستهدفها من قبل جهات أجنبية. وتُشكل هذه الأنشطة تهديدًا خطيرًا على الأمن القومي والاقتصادي والسيادة الوطنية لألمانيا، ممّا يثير قلقًا متزايدًا لدى الحكومة والمواطنين على حدٍ سواء. تواجه ألمانيا تهديدات تجسس من دول معادية، مثل روسيا والصين، تسعى للحصول على معلومات حساسة في مجالات السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا. ويواجه حزب البديل من أجل ألمانيا اتهامات بالتعاون مع جهات خارجية في أنشطة تجسسية.
اتهامات تطارد حزب البديل من أجل ألمانيا AfD
تعرض حزب البديل من أجل ألمانيا لانتقادات شديدة في البوندستاغ بسبب اتصالات مزعومة مع روسيا والصين. واتهم الخبير الداخلي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ديرك فيسي، حزب البديل من أجل ألمانيا بـ”الوطنية المزعومة”، في 27 أبريل 2024، وسأل فيسي مجموعة حزب البديل من أجل ألمانيا: “أليس بلدكم هو الذي تحبونه كثيرا، أليس كذلك دكتاتوريات مثل الصين وروسيا وبيلاروسيا؟”. “عندما يتعلق الأمر بملء جيوبك الخاصة، فإن مبادئك فجأة لم تعد ذات أهمية كبيرة”. واتهم النائب عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، مارك هاينريشمان، حزب البديل من أجل ألمانيا قائلا: “إنهم يخونون الشعب الألماني ويبيعونه”. وتنتشر الاتصالات المريبة مع روسيا والصين على نطاق واسع في حزب البديل من أجل ألمانيا، ويتعلق الأمر أيضاً بـ “الفشل التنظيمي” الذي تتحمل قيادة الحزب المسؤولية عنه في نهاية المطاف.تجسس ـ فضيحة تنصت روسيا على اتصالات الجيش الألماني
ألقت السلطات الألمانية القبض على 6 جواسيس مشتبه بهم بالتجسس لصالح روسيا والصين خلال أبريل 2024. وبالنسبة لحزب البديل من أجل ألمانيا فقد ثبت أن الأمر محرج بشكل خاص، لأن أفضل مرشحين له للانتخابات الأوروبية في يونيو 2024 وقعا في مرمى النيران. وتم اعتقال مساعد عضو البرلمان الأوروبي ماكسيميليان كراه، الذي يرأس قائمة الحزب، للاشتباه في قيامه بالتجسس لصالح الصين. كما بدأ الادعاء تحقيقات أولية مع السياسي نفسه بشأن مدفوعات مزعومة من مصادر موالية لروسيا والصين. وينفي السيد كراه ارتكاب أي مخالفات. كذلك نفى بيتر بيسترون، الاسم الثاني في قائمة حزب البديل من أجل ألمانيا، مزاعم تلقيه أموالاً من موقع صوت أوروبا، الذي تزعم المخابرات الأوروبية أنه كان واجهة للمخابرات الروسية. وقالت نورا شلاتي، الزميلة الباحثة في مركز لايبنتز للشرق الحديث: “من غير المعتاد حقاً أن يتم اعتقال ثلاث شبكات يُزعم أنها متورطة في نوع من التجسس لصالح روسيا والصين في نفس الوقت تقريباً”. وأكدت أنه في جميع قضايا التجسس الثلاث، كانت جهود وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية BfV حاسمة. وترى شلاتي أن الاعتقالات الأخيرة لشخصيات بارزة هي وسيلة لتسليط الضوء على مدى التسلل الأجنبي العدائي إلى ألمانيا ــ وفرصة لتعزيز حجتهم المطالبة بالمزيد من السلطات.
توقيت عمليات التجسس مع قرب انتخابات البرلمان
تأتي الاتهامات لحزب البديل من أجل ألمانيا في وقت حساس للغاية، مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في 9 يونيو 2024، قال ماكسيميليان كراه، المرشح الأبرز عن حزب البديل من أجل ألمانيا في الانتخابات الأوروبية المقررة في يونيو، إنه من المقرر أن يعود إلى الحملة الانتخابية على الرغم من تورطه في قضية التجسس. واعتقلت الشرطة الألمانية مساعده السابق جيان قوه للاشتباه في قيامه بالتجسس في 22 أبريل 2024، وطرده كراه بعد مزاعم بأن المساعد البرلماني كان يتجسس لصالح الصين. وخضع كراه لتحقيق أولي يجريه المدعون الألمان بشأن المدفوعات المحتملة من روسيا والصين، وما إذا كانت أي مدفوعات قد أثرت على عمله في البرلمان الأوروبي. وقد ألقى الاعتقال ضوءاً سلبياً على حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي واجه بالفعل انتقادات بسبب مواقفه الصديقة لروسيا.وعلى الرغم من هذه الاتهامات، لا يزال كراه هو المرشح الأول لحزب البديل من أجل ألمانيا لانتخابات البرلمان الأوروبي .كما تعرض المرشح الثاني على بطاقة الحزب الانتخابية، بيتر بيسترون، لتدقيق مكثف بسبب صلاته المزعومة بالشبكات الموالية لروسيا.تجسس ـ لماذا ألمانيا تشهد ارتفاعًا كبيرًا في التجسس الصيني
المخاطر
يُشكل التجسس تهديدًا خطيرًا على الأمن القومي والاقتصاد والمجتمع في ألمانيا. يمكن للمُتجسسين سرقة معلومات حساسة، مثل أسرار الدولة، ونُظم الدفاع، والبيانات التجارية، والمعلومات الشخصية للمواطنين. يمكن استخدام هذه المعلومات لأغراض ضارة، مثل: التأثير على السياسة الخارجية والداخلية لألمانيا، إلحاق الضرر بالاقتصاد الألماني، ابتزاز الأفراد والشركات، وتهديد الأمن القومي. كذلك يمكن أن تُلحق أنشطة التجسس الضرر بثقة المواطنين في حكومتهم ومؤسساتها. قد تؤدي إلى شعور المواطنين بعدم الأمان والقلق بشأن خصوصيتهم. يمكن أن تُعيق التعاون بين الحكومة والمواطنين، مما يُصعّب مكافحة التجسس. يمكن أن تُلحق أنشطة التجسس الضرر بالاقتصاد الألماني من خلال، سرقة أسرار تجارية، وإعاقة الابتكار وفقدان الثقة من قبل المستثمرين. يمكن أن تُؤدي إلى خسائر مالية كبيرة للشركات والأفراد.
قد تستخدم المعلومات المسروقة من خلال التجسس للتأثير على الانتخابات والتلاعب بالرأي العام، يمكن أن تُستخدم لابتزاز المسؤولين الحكوميين ودفعهم لاتخاذ قرارات تُضر بمصالح ألمانيا. يمكن أن تُؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي وتقويض الثقة في النظام الديمقراطي. كما يمكن أن تُؤدي أنشطة التجسس إلى تقسيم المجتمع وخلق جو من الشك والريبة بين الناس، يمكن أن تُستخدم المعلومات المسروقة للتشهير بالأفراد وتشويه سمعتهم. كذلك تُهدد حرية التعبير والتجمع السلمي.تجسس ـ عملاء الصين يخترقون ألمانيا !
الانعكاسات على حزب البديل وعلى الحكومة
لطالما صور حزب البديل اليميني المتطرف نفسه على أنه القوة الأكثر وطنية في السياسة الألمانية. ولكن مع تورط الحزب في مزاعم التجسس الأجنبي، يقول منتقدوه إن هذا الادعاء يبدو أقل مصداقية من أي وقت مضى. وكان التأثير على شعبية الحزب واضحا. وفي يناير 2024، بلغت نسبة تأييد الناخبين في استطلاعات الرأي 24% متفوقة على جميع الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحاكم بزعامة المستشار أولاف شولتس، وسط غضب الناخبين من ارتفاع معدلات الهجرة والتضخم والخلافات الحكومية.
أما في أبريل 2024 فقد انخفضت إلى 16%، وفقا لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة فورسا مؤخرا. بدأ حزب البديل من أجل ألمانيا في الانزلاق منذ يناير 2024، وجاءت نقطة التحول بعد أن كشف تقرير استقصائي أجرته شركة Correctiv أن سياسيين من حزب البديل من أجل ألمانيا كانوا حاضرين في اجتماع للمتطرفين اليمينيين تمت فيه مناقشة “خطة رئيسية” لترحيل المهاجرين و”المواطنين غير المندمجين”. وأثارت هذه الأخبار احتجاجات واسعة النطاق ضد حزب البديل من أجل ألمانيا في جميع أنحاء ألمانيا.
وحتى قبل ظهور الادعاءات الأخيرة المحيطة بكراه، كان بيتر بيسترون، المرشح الثاني للحزب في الانتخابات الأوروبية، يواجه بالفعل ادعاءات بقبوله أموالاً من مصدر مرتبط بالكرملين. وينفي المرشحان ارتكاب أي مخالفات. بالمقابل يعيش أنصار الحزب الأساسيون في عالم موازٍ، حيث ينظرون إلى كراه باعتباره ضحية لمؤامرة كبرى تشمل وسائل الإعلام الرئيسية ودولة ألمانية تسعى إلى تقويض شعبها واستخدام كل أداة ممكنة لوقف حزب البديل من أجل ألمانيا.
أكد المستشار الألماني أولاف شولتس في 28 أبريل 2024 أن بلاده “لا يمكن أن تقبل بتجسس الدول الأجنبية عليها”، وإنها ستعمل على “التأكد من تقديم المسؤولين عن ذلك للقضاء”. وأضاف شولتس في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، أن الاتهامات والادعاءات ضد سياسي ومسؤول في حزب البديل من أجل ألمانيا مقلقة للغاية. وتابع قائلا: “لا يمكننا أن نقبل بالتجسس علينا، من أي بلد”. وأكد أن الاعتقالات التي تتم لمشتبه في ضلوعهم بالتجسس “لا ينبغي أن تدعو للرضا عن الذات، وإنما يجب أن تدفعنا إلى تعقب كل من يتجسس في بلادنا”. وقال يوهانس هيلجي، المستشار السياسي والخبير في الشعبوية اليمينية المتطرفة، إن الصورة الذاتية لحزب البديل من أجل ألمانيا كحزب الوطنيين “تلقت ضربة قاسية”. وقال: “لقد تم الكشف عنهم كنوع من حصان طروادة للمصالح الأجنبية، ولا يمكن أن تكون غير وطني أكثر من ذلك”.
التدابير والاجراءات
عزت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر 26 أبريل 2024، تزايد حالات التجسس المكشوف إلى “تعزيز آليات مكافحة التجسس لدى المكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) بشكل كبير، سواء فيما يتعلق بالموظفين أو التكنولوجيا”. ورداً على سؤال حول مرشحي حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي لانتخابات البرلمان الأوروبي، ماكسيميليان كراه وبيتر بيسترون، قالت فيزر: “كشفت السلطات الأمنية أن تورط حزب “البديل من أجل ألمانيا” مع روسيا يمتد إلى برلماناتنا، هذا بالضبط ما يهدف إليه بوتين: إنه يريد مهاجمة ديمقراطيتنا ويحتاج إلى قوى يمكنه تسخيرها للقيام بذلك”.
تعمل ألمانيا على اتخاذ خطوات حاسمة لمكافحة التجسس على أراضيها، وذلك من خلال مجموعة من التدابير والإجراءات تشمل التشريعات والقوانين. تم سنّ قانون حماية المعلومات في عام 2009، وهو يحدد قواعد حماية البيانات الشخصية للمواطنين الألمان. تم تعديل قانون مكافحة التجسس في عام 2016، لتشديد العقوبات على جرائم التجسس وزيادة صلاحيات أجهزة الاستخبارات. تم تعديل قانون التجارة الخارجية في عام 2021، لمنع تصدير منتجات وخدمات يمكن استخدامها لأغراض تجسس.
أيضًا تم تخصيص المزيد من الأموال لتعزيز قدرات الاستخبارات الألمانية، بما في ذلك التكنولوجيا والأفراد. تعمل أجهزة الاستخبارات الألمانية على تطوير تقنيات جديدة لتحسين قدراتها على رصد ومكافحة التجسس. تتعاون ألمانيا مع دول أخرى لمكافحة التجسس، وتبادل المعلومات الاستخباراتية وتعزيز التنسيق بين أجهزة الأمن. تقوم ألمانيا بتقييم مخاطر الأمن السيبراني بشكل دوري لشبكاتها وبنيتها التحتية، وتتخذ الخطوات اللازمة لتقليل هذه المخاطر. تفرض ألمانيا قواعد صارمة لحماية البيانات الحساسة، مثل بيانات الحكومة والشركات. تُطلِق ألمانيا حملات توعية عامة لتعريف المواطنين بمخاطر التجسس وكيفية حماية أنفسهم. تشارك ألمانيا في المنظمات الدولية التي تُعنى بمكافحة التجسس، مثل تحالف “خمسة عيون”. تُبرم ألمانيا اتفاقيات ثنائية مع دول أخرى للتعاون في مجال مكافحة التجسس. تُبادل ألمانيا المعلومات الاستخباراتية مع دول أخرى لمكافحة التجسس.
**
3- تجسس ـ واقع ومخاطر تجسس الصين على الأراضي الألمانية
بالتزامن مع سعي الاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا وفرنسا لإنهاء أي خلافات قائمة مع الصين، والدخول إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية، يستمر مسلسل التجسس الصيني على الأراضي الألمانية، في توقيت تتصاعد فيه التوترات السياسية في القارة الأوروبية، لاستمرار حرب أوكرانيا لأكثر من عامين، وتتأزم العلاقات بين الصين والولايات المتحدة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية. وتثار التساؤلات حول أهداف الصين من هذه التحركات، وتداعياتها على العلاقة مع ألمانيا، وتتعامل حكومة برلين مع هذه التطورات في ضوء الانتقادات الداخلية لها بشأن التوجه لترميم العلاقات مع بكين، والاعتراض الأمريكي على التقارب الصيني الأوروبي في الأشهر الأخيرة.
حالات التجسس الصيني على الأراضي الألمانية
لم تمر أيام على زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس للصين في منتصف أبريل 2024، لتعلن السلطات الألمانية عن ضبط حالات تجسس لصالح الصين، وفي 22 أبريل 2024 اعتقل المدعي العام الفيدرالي بألمانيا رجلين وامرأة بتهمة التجسس لصالح الصين، وتم القبض على المتهمين “توماس ر” والزوجين “هيرويج إف وإينا إف”، في مدينتي دوسلدورف وباد هومبورغ. وأشارت التحقيقات إلى أن “توماس ر” هو المشتبه به الرئيسي، لحصوله على معلومات بشأن تقنيات مبتكرة يمكن استخدامها عسكرياً لصالح الصين، ونقلها عبر شركة ” “هيرويج إف وإينا إف”، وما زاد الأمر تعقيداً إلى أن هناك اتفاقية تعاون بين هذه الشركة وجامعة ألمانية، لذا اعتبرتها السلطات بوابة للتجسس على العلماء والباحثين الألمان.
أوضح المدعي العام الألماني، أن المرحلة الأولى لهذه القضية شملت إعداد دراسة لشريك متعاقد صيني، بشأن التكنولوجيا الحديثة في قطع غيار الآلات، والتي تمثل أهمية في تشغيل محركات السفن القتالية، منوهاً إلى أن موظف بالاستخبارات الصينية كان وراء الشراكة مع المتعاقد الصيني. ووجهت السلطات الألمانية إلى المشتبه بهم، تهم العمل كعملاء للمخابرات السرية وانتهاك قانون التجارة الخارجية، لإجرائهم مفاوضات حول مشاريع بحثية، وتسليم أجهزة ليزر إلى المخابرات الصينية دون ترخيص، رغم أن هذا الأمر يخضع لقواعد الاستخدام المزدوج للاتحاد الأوروبي في الاستخدامات المدنية والعسكرية.
بعد هذه الواقعة بيوم واحد، ألقى المدعى العام القبض على شخص رابع، ويدعى “ماكسيميليان كراه” مساعد يعمل لدى نائب ألماني في البرلمان الأوروبي وينتمي لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني. ورداً على الواقعتين، نفت الصين أي اتهامات موجهة لها بالتجسس على ألمانيا، مطالبة التوقف عن استخدام هذه الادعاءات والانخراط في سياسات مناهضة لها. واعتبرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، أن الكشف عن جاسوس يعمل بالبرلمان الأوروبي خطر للغاية، خاصة وأنه مرر مفاوضات وقرارات بالبرلمان منذ يناير 2024، ويشتبه في تجسسه على معارضين صينيين بألمانيا لصالح الصين.
استدعت الصين في 26 أبريل 2024، السفيرة الألمانية في بكين باتريشيا فلور، على خلفية اتهامات بكين بالتجسس، وقالت باتريشيا فلور إنه “لا نتسامح مع التجسس في ألمانيا بغض النظر عن البلد الذي يأتي منه”. وفي 28 أبريل 2024 اعتقلت السلطات الألمانية مواطنين ألمانيين من أصل روسي، للاشتباه في قيامهما بالتخطيط لتخريب مساعدات عسكرية ألمانية لأوكرانيا. وترى الباحثة في مركز لايبنتز للشرق الحديث نورا شلاتي، أنه غير معتاد ضبط (3) شبكات متورطة في التجسس لصالح روسيا والصين في الوقت نفسه.تجسس ـ الجيش الألماني، خروقات أمنية، الأسباب والمخاطر
تعد هذه الجهود من الاستخبارات الألمانية استكمالاً، للتحركات من الأجهزة الأمنية العامين الماضيين، مع احتدام التوترات مع الصين وروسيا. وفي 30 يونيو 2023 استبعدت جامعة ” إرلانجن نورمبرج” الألمانية طلاب صينيين، بعد شهر على إعلان برلين استراتيجية للتعامل مع الصين، والتي تعتبرها شريكاً ومنافساً في آن واحد. ورغم أن الجامعة هي أكبر جامعة حكومية في فرانكن، إلا أن المخاوف من استغلال بكين الطلاب الصينيين الوافدين لألمانيا لأغراض التجسس، بالاعتماد على الحرية الأكاديمية في الجامعات الألمانية للاضطلاع على المواد البحثية المتعلقة بصناعة الأسلحة. وتم تسجيل نحو (40) ألف طالب صيني بالجامعات في الفصل الدراسي (2020- 2021)، ويستكمل نحو ثلث الطلاب الصينيين بألمانيا العيش بها بعد (10) أعوام من بدء دراستهم. وحكمت محكمة ميونيخ في 29 أبريل 2022، على عالم السياسة الألماني كلاوس لانج بالسجن لمدة عامين، بعد إدانته بالتجسس لصالح الصين.
ماذا تبحث الاستخبارات الصينية في ألمانيا؟
يرى خبراء أن قضايا التجسس المثارة الآن، تعكس رغبة الصين في الوصول إلى الأبحاث المتقدمة لصالح أغراض عسكرية وصناعية، بينما تستهدف روسيا إبطاء حركة المساعدات العسكرية الألمانية المقدمة لكييف. وأوضح ضابط سابق في الجيش الألماني وعضو عن المعارضة في البرلمان الألماني رودريش كيسويتر، أن الصين تستغل انفتاح ألمانيا للوصول إلى تقنيات حديثة، منوهاً إلى أن حملات الاعتقال الأخيرة رسالة من برلين للحلفاء على قدرتها لمواجهة هذه التهديدات. وكانت تعاني الاستخبارات الألمانية من قيوداً شاملة مفروضة عليها في التعامل مع هذه القضايا بعد الحرب الباردة.
تتزايد المخاوف من التجسس الصيني لأهدافه المستترة، تتعلق بعمليات تجسس مباشرة تقليدية، والاعتماد على أنشطة “المنطقة الرمادية” كاستغلال النفوذ والقمع العابر للحدود الوطنية. ولدى الجواسيس الصينين (3) أولويات؛ جمع المعلومات عن الصناعات الحساسة، وتشكيل الاتجاهات السياسية والاقتصادية بما يتوافق مع مصالح الصين، مراقبة سكان الشتات مثل أقليات “الأويغور، و”هونغ كونغ”، والتبتيين”. وتستهدف بكين من النقطة الأخيرة، إيصال رسالة لهؤلاء الأقليات بعدم الأمان وأن المانيا لا تستطيع حمايتهم، إضافة لردع أي انتقادات قادمة منهم، وجمع معلومات لمحاكمتهم إذا جاءت الفرصة. وتتولى وزارة أمن الدولة (MSS)هذه المهمة، كونها تضم أجهزة الأمن والشرطة السرية وكيان جمع المعلومات الاستخباراتية، لذا يطلق عليه “مكتب التحقيقات الفيدرالي” ووكالة “المخابرات المركزية”.
تلجأ الصين إلى التجسس الصناعي الذي يعرف باسم “الهندسة الاجتماعية”، ويتلاعب بالأشخاص العاملين في الشركات للحصول على معلومات مهمة، وقد يلجأ الجواسيس إلى التنكر في هيئة رجال أعمال أو صحفيين أو دبلوماسيين، أو استئجار عملاء لتنفيذ أنشطة محددة باستخدام هويات مزورة. وتهتم بكين بجمع معلومات تكنولوجية لاستخدامها عسكرياً، وتقنيات صواريخ الكروز والرقائق الدقيقة، وأشعة الليزر والروبوتات والذكاء الاصطناعي. وترغب الصين في تقوية اقتصادها عبر التجسس، بالاستحواذ على الشركات والاستثمارات المباشرة، لاسيما مع تطور الأمن السيبراني وزيادة الهجمات الإلكترونية المستهدفة للبنية التحتية للمؤسسات بألمانيا. وتقع (3) قطاعات بألمانيا في مرمى التجسس الصيني؛ “التجارة والعلوم والصناعة”، وعملت الداخلية الألمانية على زيادة الحماية بالتعرف على المخاطر وتجنبها والتصدي للتبعات.تجسس ـ عملاء الصين يخترقون ألمانيا !
مخاطر التجسس الصيني
تتخوف ألمانيا من تأسيس الصين جيشاً من الجواسيس لمراقبة المغتربين لديها”الجالية الصينية”، وقال الخبير العسكري الاستراتيجي الصيني سن تزو، في 3 يناير 2024، إن “أهمية التجسس تكمن في التعرف على الخصم قبل أي معركة”. ووضعت بكين في 2017 قانوناً أساسياً للخدمة السرية، يتضمن إلزام أي منظمة أو مواطن صيني بالتعاون مع الاستخبارات بحسب القانون. وبزيادة أعداد الطلاب الصينيين في ألمانيا، أصبح هناك تحذير معتاد من تدفقهم المتزايد للجامعات. وأشارت تقارير في 2023 إلى إنشاء الصين عشرات مراكز الشرطة بأوروبا، بينما بررت بكين الأمر لمساعدة المغتربين الصينيين. ويتكبد الاقتصاد الألماني (200) مليار يورو سنوياً جراء الأضرار الناجمة عن التجسس، رغم أن هناك شركات لا تنشر البيانات المتعلقة بهذه الأنشطة خوفاً من الإضرار بسمعتها.
تداعيات التجسس الصيني على العلاقة بين بكين وبرلين
علق المستشار الألماني أولاف شولتس في 24 أبريل 2024، على حالات التجسس الصيني الأخيرة، بأنها مقلقة للغاية وتتطلب إجراءات للتصدي لها، مشدداً على رفضه لمحاولات التجسس على بلاده. ورغم اتجاه التوقعات إلى محاكمة ألمانيا للمسؤولين عن التجسس في حالة ثبوت الاتهامات، إلا أن المصالح الاقتصادية هي المعضلة التي تمنع تصدع العلاقات بين البلدين، فألمانيا تنظر للصين بأنها سوقاً مهماً لصادراتها خاصة في مجال السيارات ومنافساً نظامياً أيضاً. وتعد الصين الشريك التجاري الأول لألمانيا، وبلغ التبادل التجاري بينهما (266.68) مليار دولار في 2023، وتربطهما شراكة استراتيجية منذ 2014.
الظروف الاقتصادية لألمانيا تمنعها من تقليل الواردات والصادرات مع الصين، ومن المتوقع أن يحقق الاقتصاد الألماني نمواً بنسبة (0.2%) بدلاً من (1.3%) كانت متوقعة في سبتمبر 2023، ومن المحتمل أن يستمر النمو عند (0.5%) حتى 2028. ونظراً لأن برلين تربط نمو اقتصادها بالصادرات لمختلف أسواق العالم وخاصة السوق الصينية، وتعتمد على زيادة الطلب على منتجاتها وانخراط الشركات الألمانية في الصين، تعويضاً للخسائر التي تكبدتها جراء توتر العلاقات مع الصين في الفترة الماضية. وتوجد (5) آلاف شركة ألمانية بالصين متخصصة في صناعة السيارات وأخرى رائدة في التكنولوجيا، وارتفعت الاستثمارات الألمانية في الصين إلى (19.8%) على أساس سنوي في يناير وفبراير 2024.تجسس ـ فضيحة تنصت روسيا على اتصالات الجيش الألماني
**
تقييم وقراءة مستقبلية
– أحصت أجهزة الاستخبارات االألمانية المئات من ضباط المخابرات الروسية معظمهم من الدبلوماسيين الروسيبن على الأراضي الألمانية، بينما لا توجد إحصاءات رسمية عن أنشطة التجسس أو الهجمات السيبرانية من روسيا. يرجع ذلك جزئيا إلى أنه من الصعب للغاية تحديد المصدر الدقيق لهجمات القراصنة. لكن خبراء الأمن يعتقدون أن أنشطة التجسس الروسية زادت لسببين: حرب أوكرانيا وجمع المعلومات السياسية والعسكرية والتسليحية، واحتمال التأثير على الانتخابات في الدول الغربية.
– يلاحظ أن أحدث تقنيات الاتصالات والتجسس الروسية تتمركز في “بون”، وذلك من أهم أسباب اهتمام موسكو بموقع القنصلية في “بون”.
– تعد ثغرات التطبيقات المستخدمة، و محدودية قدرات أجهزة الاستخبارات، وصعوبة إثبات هوية ضباط الاستخبارات الروسية، كذلك عدم وجود صورة مشتركة لدى الحكومة الاتحادية عن وضع الأمن السيبراني من أهم أسباب تنامي أنشطة التجسس الروسية
– يمكن القول بالرغم أن عمل الاستخبارات الروسية في ألمانيا تغير منذ بداية حرب أوكرانيا، وإنها غير قادرة على تنفيذ عمليات معقدة نظرا لمراقبة الأجهزة الاستخباراتية الألمانية لهولاء العملاء، وذلك لايمنع حدوث خروقات أمنية جديدة.
– بات متوقعا أن تكثف موسكو من عملياتها الاستخباراتية مقابل ذلك أن تعمل الحكومة الألمانية تدريب ضباط الجيش على الاتصالات المؤمنة، و توفير المعلومات والاتصال الآمن والسري وزيادة الاستثمار في مكافحة التجسس.
**
ـ يتوقع أن تؤثر الشبهات الخاصة بالتجسس لصالح دول أجنبية ضد حزب البديل من أجل ألمانيا بشكل عميق على نتائج الانتخابات البرلمانية في يونيو 2024، ينعكس ذلك على تراجع شعبية الحزب إلى 16% في أبريل 2024 بدلا من 40% في يناير 2024، لذلك من المتوقع أن تنخفض شعبية الحزب بشكل كبير خلال الانتخابات ولن يتمكن من تحقيق أغلبية كما كان يخطط.
ـ قد تشهد ألمانيا تزايدًا في عمليات التجسس خلال المستقبل القريب، مع التطور التكنولوجي الهائل وزيادة المنافسة الجيوسياسية، وتصاعد التوترات مع روسيا والصين، هذا يعني أن ألمانيا بحاجة إلى الاستمرار في تعزيز قدراتها لمكافحة التجسس.
ـ تُشكل ألمانيا، باعتبارها دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي في قلب أوروبا، هدفًا جذابًا لأنشطة التجسس من قبل دول مثل الصين وروسيا. ويعزز من ذلك وجود عدد كبير من المعارضين لهذه الدول على الأراضي الألمانية، مما يُتيح للمُجسسين إمكانية الوصول إلى معلومات حساسة. بالإضافة إلى ذلك، يُمكن أن تُساهم مواقف ألمانيا الداعمة لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، في تصاعد عمليات التجسس من قبل روسيا والصين، وذلك بهدف جمع معلومات استخباراتية حول السياسات الداخلية والخارجية لألمانيا، خاصةً فيما يتعلق بقضايا التسلح.
ـ تشهد العلاقات بين ألمانيا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى توترا ملحوظا في الآونة الأخيرة، وذلك على خلفية اتهامات متبادلة بالتجسس. وتعود جذور هذا التوتر إلى مزاعم حول قيام عملاء صينيين وروس بالتجسس على مسؤولين حكوميين وأعضاء في البرلمان الألماني، بالإضافة إلى جامعات وشركات ألمانية.
بدون شك، تصعيد اجهزة الاستخبارات جهودها في مجال مكافحة التجسس، الاستخبارات يعتبرا أمراً هاماً،وهذا يعني ان اجهزة الاستخبارات مطلوب منها تعزيز عمليات الفحص إلى العاملين، وهو اجراء روتيني، الى جانب “ابجدية” مكافحة التجسس في فرض الرقابة الفنية والبشرية وامن المعلومات على السفارات والمؤسسات الأجنبية العاملة في الداخل وكذلك من المحليين العاملين في المؤسسات الأجنبية.
يبقى الأمن السيبراني هو التحدي الكبير لأجهزة الاستخبارات بسبب سهولة التواصل عبر وسائل التواصل الجتماعي والأنترنيت إلى جانب التجسس التقليدي.
**
– تشير حالات التجسس الصيني على الأراضي الألمانية، إلى أن العلاقة بين الصين وأوروبا وتحديداً لألمانيا لن تتجاوز الشراكة والتعاون الاقتصادي والتجاري ولن تصل إلى مرحلة التحالف، لاسيما وأن هناك نقاط خلافية لم يتوصل الطرفان إلى تسويتها مثل الحرب الأوكرانية وعلاقة بكين وموسكو، والتوترات بين بكين وواشنطن رغم أن أوروبا تتبنى موقفاً محايداً في هذه النقطة، إلا أن الصين لا تغفل العلاقة الوطيدة بين أوروبا والولايات المتحدة. وبالنظر إلى هذه الاعتبارات تظل الهجمات الإلكترونية وعمليات التجسس، ورقة الصين للضغط على أوروبا وألمانيا في هذه الملفات الشائكة وتداعياتها على العلاقات الثنائية بينهما، وبهدف متابعة الخطوات التي تخطوها ألمانيا في التطور التكنولوجي واستخداماته العسكرية، ما يؤكد على خطورة هذه العمليات على أمن ووحدة المجتمع الألماني.
– إن استغلال الصين لسياسيين ألمان وتحديداً من أحزاب التيارات اليمينية المتطرفة والشعبوية في عمليات التجسس، يشير إلى رغبتها في الاحتفاظ بالعلاقات الاقتصادية مع ألمانيا، وإصرارها على استكمال أهدافها من هذه العمليات، لجمع كافة المعلومات عن الأوضاع السياسية والاقتصادية في ألمانيا، إضافة إلى متابعة أحوال الصينيين المستقرين هناك، لتبعد أي اتهامات مباشرة لها بشأن هذه المحاولات.
– تعامل السلطات الألمانية السنوات الماضية مع حالات التجسس الصيني، تدل على وجود ثغرات في الأجهزة الاستخباراتية والأمنية، واتباع سياسات خاطئة في التعامل مع هذه التهديدات المحتملة، لذا جاء إدراك المؤسسات الألمانية متأخراً لخطورة الوضع على أمنها القومي، بحملات الاعتقال والمحاكمات لأي متهم في قضايا تجسس خلال العامين الماضيين.
– تداعيات التجسس الصيني على ألمانيا، ستشمل احتجاج رسمي من الحكومات الألمانية لدى الصين، واتخاذ تدابير استباقية تحسباً لأي عمليات مماثلة محتملة، في ظل التواجد الكبير للطلاب الصينيين والشركات الصينية في ألمانيا، وربما يقتصر التصعيد بين بكين وبرلين على حرب كلامية بين مسؤولي البلدين بشأن اتهام الأولى بالتجسس وتجنيد ألمان لصالحها. وبطبيعة الحال لن تطول هذه التوترات كثيراً، وربما تنتهي عقب انتهاء الانتخابات الأوروبية المقررة في يونيو 2024، لأن الأحزاب الألمانية تعترض على سياسات الحكومة حول إعادة التوازن للعلاقات مع الصين.
– العلاقة بين الصين وألمانيا الآن تحكمها المصالح المشتركة، فالصين بحاجة لكسب ود ألمانيا في الصراعات العالمية الراهنة، في ضوء تحركاتها لإقامة جبهة حلفاء وإعادة تشكيل النظام الدولي، وألمانيا تحتاج السوق الصيني لفتح استثمارات أكثر وزيادة حجم الصادرات والواردات، ومن هنا يتضح أن الاضطرابات التي يمر بها الاقتصاد الألماني، ستكون عامل رئيسي في خفض أي حدة توترات محتملة بين الجانبين على وقع عمليات التجسس الصيني.
-انخراط سياسيين من حزب “البديل من أجل ألمانيا” في قضايا تجسس لصالح الصين، يضعف من موقفه في الانتخابات المقبلة رغم ارتفاع أسهمه في استطلاعات الرأي، خاصة وأن الأحزاب المتطرفة كانت تستغل علاقة بكين وبرلين لانتقاد سياسات الأخيرة، لكسب كتل تصويتية جديدة، وتصبح أداة ضغط في يد الحكومة الألمانية، لتشديد الرقابة على أنشطة الحزب والتصدي لأي حملات تشويه تقوم بها هذه الأحزاب ضد الأحزاب التقليدية.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=93855
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI
الهوامش
Germany accuses Moscow of ‘disinformation attack’ in leaking senior officers’ call
https://tinyurl.com/44b7zuep
Faeser: Mögliche Anschläge verhindert
https://tinyurl.com/5d88cu38
Wie Russland seine Spionage umstellt
https://tinyurl.com/4c4jt2dm
وسائل إعلام: خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات تتعلق باجتماعات سرية للجيش الألماني
https://tinyurl.com/mtxdz8ct
**
AfD politician to run in European elections despite aide’s alleged spying for China
https://bit.ly/4bgKo3C
Germany’s ‘Trojan horse’ scandal rocks AfD
https://bit.ly/4dEFOxC
Germany’s far-right believers blame spy claims on ‘witch hunt’
https://politi.co/4dEHzLa
Police search Brussels office of prominent far-right German lawmaker over China spying allegations
https://bit.ly/3WCiASE
Germany grapples with wave of spying threats from Russia and China
https://bit.ly/3yi6aFF
ألمانيا: “تعزيز آليات مكافحة التجسس فعلت فعلها”
https://bit.ly/3WxVexH
**
Countries are now forced to confront it’: Rise in Chinese espionage arrests alarms Europe
https://bit.ly/3UUQDEu
Germany grapples with wave of spying threats from Russia and China
https://bit.ly/4dBunGV
China’s ‘Army Of Spies’ Horrifies Germany; Report Cautions Against Massive Influx Of Chinese Students
https://bit.ly/3R3cW8T
China spy fears: EU parliament staffer for AfD arrested in Germany
https://bit.ly/3WIVk5z