المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
بون ـ إعداد: داليا عريان ـ باحثة في المركز الأوروبي
مكافحة الإرهاب في أوروبا ـ تدابير وتشريعات أساسية
اعتمدت أوروبا خطط وسياسات جديدة لمواجهة تهديدات الجماعات المتطرفة من الداخل، مع تصاعد حدة العمليات الإرهابية في أوروبا عقب ظهور تنظيم ” داعش” في 2014 وانتقال عدد من قيادات الجماعات المتطرفة لبعض المدن الأوروبية. بعد أن أدركت مخاطر هذه الجماعات المتطرفة داخل أوروبا وامتداداتها مع تلك التنظيمات في سوريا والعراق ومناطق أخرى. اعتمدت أوروبا الجهد الاستخباري والأمني في مواجهة هذه الجماات المتطرفة، وبذلت جهود واسعة لسد الثغرات الأمنية وتعزيزها بالتشريعات من أجل محاربة التطرف، من خلال منابر بعض الجمعيات والمراكز الإسلاموية أو من خلال مراقبة الأنترنيت ووسائل التواصل الأجتماعي.
تدابير حكومية لمكافحة الإرهاب في أوروبا
تتعاون أوروبا في تبادل المعلومات والرقابة على المنصات الإلكترونية وإصدار إجراءات اجتماعية لتعزز عملية دمج الجاليات المسلمة بالمجتمع، وفيما يلي بعض الإجراءات الرئيسية:
الإجراءات التشريعية
انتبه الاتحاد الأوروبي إلى أهمية نهج الاستباق في مكافحة الإرهاب عبر إصدار القوانين خاصة عقب وقوع أوروبا هدفاً في مرمى العمليات الإرهابية وتوغل الجماعات الإسلاموية المتطرفة داخل المؤسسات الدينية والتعليمية والأحزاب بأوروبا، وأطلق مجلس أوروبا في 2015 خطة عمل لمكافحة الإرهاب في المدارس والسجون وعبر الإنترنت لمواجهة الثغرات في قوانين مكافحة الإرهاب والتوافق على مفهوم موحد للإرهاب والتعاون بين الدول الأعضاء في تقديم مرتكبي العمليات الإرهابية للعدالة. وفي 22 أكتوبر 2015 أضاف بروتوكول لاتفاقية مجلس أوروبا لمنع الإرهاب لجعل المشاركة في تأسيس جماعة لغرض الإرهاب والعمل مع تنظيمات متطرفة جريمة جنائية، وجاءت هذه القرارات عقب رصد انضمام نحو (25) ألف مقاتل أجنبي لداعش ليعتمد الاتحاد في 15 مارس 2017 توجه حول مكافحة الإرهاب للتأكيد على أهمية الإطار القانوني في التعامل مع السلوكيات المتعلقة بالأنشطة الإرهابية.
اعتمد الاتحاد في 2020 خطة موحدة لحماية الأمن المجتمعي من الإرهاب بالتعاون التشريعي بين الأعضاء وتبادل المعلومات وتأسيس بنية تحتية رقمية قوية لمواكبة التطورات التكنولوجية، وأقرت المفوضية الأوروبية استراتيجية أمنية جديدة لدول الاتحاد في 24 يوليو 2020 للفترة من 2020 إلى 2025 لجعل البيئة الأوروبية أكثر مرونة في التعامل مع التجنيد الإلكتروني والإرهاب السيبراني، وفي 13 نوفمبر 2020 أعلن الاتحاد تعزيز التشريعات للتصدي للمحتوى المتطرف الإلكتروني ودعم أمن الحدود، وبالكشف عن مخاطر الإخوان داخل أوروبا أصدر البرلمان الأوروبي في نوفمبر 2021 خريطة مفصلة عن نفوذ الإخوان في (10) دول أوروبية للكشف عن مصادر التمويل وسياساتها في اختراق المؤسسات والمساجد.
ورغم الإجراءات الموحدة بالاتحاد إلا أن كل دولة طبقت خططها الخاصة، وفي 3 يونيو 2021 وافقت فرنسا أثناء نقاش مشروع قانون مكافحة الإرهاب على تدابير مستوحاة من حالة الطوارئ المطبقة منذ هجمات باريس 2015، لتضيف إجراءات في قانونين الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب (سيلت) لعام 2017 والاستخبارات لعام 2015. واستهدفت التعديلات تشديد مراقبة الأشخاص الذين سجنوا بعد إدانتهم في جرائم إرهابية وسيصل عدد الذين أمضوا مدة عقوبتهم (163) شخصاً بحلول نهاية 2024. محاربة التطرف في أوروبا ـ صناعة الكراهية، تقييم المعايير والتحديات. بقلم جاسم محمد
وأصدرت ألمانيا تشريعات لتقييد مصادر تمويل الإخوان، وفي 15 مارس 2022 قدم حزب البديل مشروع قانون بشأن مصادر تمويل تيار الإسلام السياسي، وفي 14 مارس 2022 طالب أعضاء بالبرلمان بتعديلات على قانون الانضباط الاتحادي لاستبعاد عناصر اليمين المتطرف من الخدمة العامة، وفي 9 يونيو 2022 نشر البوندستاغ وثيقة تكشف عن وجود داعمين للإخوان داخل مؤسسات سياسية وإعلامية، وفي 19 يوليو 2022 تقدم حزب اليسار بطلب إحاطة للبرلمان حول تمدد الإخوان في ألمانيا وعلاقتهم بإخوان النمسا.
وبالمثل تبنت السويد تشريعات للحد من خطر الإرهاب وفي 16 نوفمبر 2022 أقر البرلمان تعديلات دستورية لتمرير قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب، وشدد في 2 فبراير 2023 من قوانين الانضمام للتنظيمات المتطرفة.
تدابير إنفاذ القانون
اقترحت المفوضية تأسيس مركز أوروبي لمكافحة الإرهاب (ECTC) لدعم وحدات إنفاذ القانون بجمع المعلومات حول المقاتلين الأجانب ومصادر تمويلهم وتسليحهم، بعد هجوم شارلي إيبدو في عام 2015 وتطور عمل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشأن تعزيز سيادة القانون وبناء شرطة حديثة لتأمين الحدود واستخدام الإنترنت في مكافحة التطرف العنيف المؤدي للإرهاب، وفي 13 نوفمبر 2020 شدد الاتحاد من عمليات التفتيش عبر الحدود بمتابعة اتفاقية ” شنغن”، وأقرت المفوضية في 22 مارس 2022 تدابير حول أمن المعلومات والأمن السيبراني للتنسيق بين وكالت إنفاذ القانون لجعل أوروبا أكثر استعداداً لمواجهة أي تهديدات إرهابية.
برز دور “مركز مكافحة الإرهاب” بألمانيا كوسيط بين الشرطة والأجهزة الأمنية برصده المعلومات،عقب هجوم برلين 2016 حيث يعمل مع (40) وكالة أمنية فيدرالية ومحلية، واستحدثت ألمانيا طرق للتعاون مع المنصات الإلكترونية لرقابة تمويل التنظيمات المتطرفة والأشخاص ذات الصلة بها أثناء حركة تنقلهم عبر الحدود الأوروبية.
وكانت تفجيرات بروكسل 2016 نقطة تحول في إجراءات بلجيكا ضد الإرهاب، بإضافة (28) إجراء في مجال الأمن لمكافحة الإرهاب من بينها إجراءات السفر والضوابط على الحدود وفي محطات القطارات والمطارات والاستعانة بالبيانات البيومترية وقانون PNR الخاص بالسفر، لتحسين طرق التحقيق حول التجنيد الإلكتروني واستخدام الجماعات المتطرفة للعملات المشفرة في التمويل والاستقطاب.محاربة التطرف في أوروبا ـ عوامل نمو وظهور الجماعات المتطرفة (ملف)
الجهد الاستخباراتي
تلعب أجهزة الاستخبارات الأوروبية دوراً محورياً في رصد الإرهاب وعرقلة انتشاره، كونها حلقة وصل بين جهات إنفاذ القانون ومراكز مكافحة الإرهاب، وتضم بداخلها وكالات الاستخبارات الوطنية ومركز ” INTDIV” للاستخبارات ومركز عمليات الاتحاد الأوروبي ” SitCen ” وهيئة عمليات الاتحاد ” EUMS” وهيئة الأركان العسكرية للاتحاد ” EUMS” إضافة لليوروبول والمعهد الأوروبي للشرطة والوكالة الأوروبية لحراسة الحدود” فرونتكس “. بدأت إجراءات مواجهة عودة المقاتلين الأجانب عبر أجهزة الاستخبارات في تحديد مخاطر عودتهم بعد هزيمة داعش في سوريا مارس 2019، كثف الاتحاد تعاونه مع دول خارج التكتل لتحديد أعداد المقاتلين الأجانب وشبكات التجنيد في يونيو 2020.
وتعد مكافحة الإرهاب من أولويات عمل وكالة الاستخبارات الفرنسية عبر مجلس المخابرات الوطني ومجلس الأمن القومي والدفاع والمركز الوطني لمكافحة الإرهاب، كما ينسق المركز الوطني للبحوث العلمية والتقنية العمل بين الاستخبارات والمركز الوطني لمكافحة الإرهاب وحوكمة مكافحة الإرهاب وفقاً لأسس التنسيق التشغيلي والترقب.
ورغم توسع مهام الاستخبارات البريطانية (إم آي 5) في فرض رقابة صارمة عبر الإنترنت ووسائل الاتصالات وقيود على التعاملات المالية المشبوهة وتجميع معلومات خارج حدود بريطانيا، إلا أن التحقيقات في 3 مارس 2023 كشفت عن فشل الاستخبارات في منع تفجير مانشستر 2017 رغم امتلاكها معلومات عن منفذ الهجوم.
وبرز دور الاستخبارات الألمانية في تعقب الإخوان ، الجماعات “الجهادية” واليمين المتطرف برصد أعدادهم وكشف روابط بين الإخوان بألمانيا والنمسا وتورطهما في هجمات ضد أوروبا في عامين 2020 و2021، وتنقسم إلى الاستخبارات الداخلية (BfV) المسؤولة عن حماية الدستور وتعقب أنشطة الجماعات المتطرفة، والاستخبارات الخارجية (BND) التي تجمع معلومات بشكل أوسع داخل ألمانيا وخارجها.
ويعمل مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب” BVT” بالنمسا في حماية الأجهزة الدستورية وحفظ الأمن، أسست النمسا شبكة جديدة لمكافحة التطرف في أغسطس 2017 وأشرفت الداخلية على عمل الشبكة الوطنية للوقاية ومكافحة التطرف لتجري النمسا إصلاحات على عمل BVT ليتوسع في العمل الاستخباراتي والتحقيقات. وفي 15 مارس 2023 كثفت النمسا من الدوريات الأمنية بعد وصول معلومات للاستخبارات المحلية بشأن هجوم إرهابي في فيينا.
وعقب هجمات بروكسل ركزت الاستخبارات البلجيكية على مراقبة الإخوان لتصدر في نهاية مارس 2022 تقريراً يشير إلى أن جماعة الإخوان تمثل تهديداً لخلقها مناخاً من الاستقطاب والفصل داخل المجتمع البلجيكي واختراق مؤسسات الدولة.
التدخلات الاجتماعية
اتجهت أوروبا إلى إجراء حوار مشترك مع المؤسسات المسؤولة عن الجاليات المسلمة وتفعيل دور المؤسسات الحكومية المنوطة بدمجهم ودعم التماسك الاجتماعي مع إعداد برامج تأهيل للمقاتلين الأجانب وعائلاتهم بعد عودتهم.
واستحدثت ألمانيا في 2006 ” مؤتمر الإسلام” لتحقيق دمج المسلمين وتعزيز دور المساجد بالمجتمع، وأقر برلمان بافاريا مشروع تدريس مادة التربية الإسلامية وأصدرت مدن إجراءات أمنية لحماية المساجد، لتضع في 12 مارس 2021 خارطة للاندماج في نظام التعليم وسوق العمل للتصدي لمفهوم التمييز ضد المسلمين، وفي 21 نوفمبر 2021 أطلقت مشروع تدريب الأئمة منعاً لتسلل أي خطاب متطرف بالمساجد.
ونقحت فرنسا المصطلحات الخاصة بالإرهاب خلال عامي 2015 و2017 للتغلب على الإسلاموفوبيا، وفي 16 فبراير 2021 أقر البرلمان الفرنسي مشروع قانون مكافحة ” الانفصالية” لإرساء المبادئ الجمهورية ومحاربة الإرهاب، بينما تعد بلجيكا دورات تعلم اللغات الوطنية ودورات لدعم التكامل المهني والاجتماعي كوسيلة لدمج الأفراد بالمجتمع البلجيكي وحمايتهم من مخاطر التطرف. وعبر صندوق الاندماج النمساوي تقدم النمسا دورات تدريبية في اللغة وبعض المهن لضمان حصول المسلمين على فرصهم في التعلم والعمل.محاربة التطرف في أوروبا ـ استراتيجيات معالجة التطرف العنيف
التعاون الدولي
يتعاون الاتحاد مع الولايات المتحدة في تضييق الخناق على بعض الجماعات مثل حزب الله والعمل معاً على الجوانب التشريعية والمعلوماتية والقضائية لوقف مصادر التمويل والتسلح للجماعات المتطرفة، واهتم التكتل الأوروبي بالتعاون مع دول أفريقيا في مجالات تدريب القوات الأمنية والجهات القضائية لتبادل الخبرات في مواجهة العناصر المتطرفة والحد من توسع رقعة الإرهاب حول العالم عبر تعزيز الأمن الحدودي مع دول الجوار.
تقييم
رغم اتخاذ أوروبا إجراءات بشأن مكافحة الإرهاب منذ هجمات 11 سبتمبر، إلا أن هذه الإجراءات كانت متحفظة نوعاً ما في مواجهة مخاطر الإرهاب والحد من نفوذ جماعة الإخوان والجماعات “الجهادية” والبحث عن الأسباب الحقيقة وراء انتشار الإرهاب، لذا دفعت موجة الهجمات الإرهابية التي استهدفت أوروبا بعد ظهور داعش، دول الاتحاد إلى تشديد الإجراءات الأمنية عبر الحدود والتعاون سوياً في تعقب العناصر المتطرفة وعلاقتها بالإخوان والجماعات “الجهادية” داخل أوروبا وخارجها.
وأصبحت أجهزة الاستخبارات الأوروبية أكثر جرأة في الحديث عن جماعة الإخوان والكشف عن وثائق تشير إلى خطورتها على الأمن المجتمعي، ومن هنا تم ترحيل بعض الأشخاص وحل بعض الجمعيات والمؤسسات ذات الصلة بالإخوان خلال الثلاث أعوام الأخيرة، وكان السبب الرئيسي وراء هذا التحول في استراتيجية أوروبا هو توسع التجنيد الإلكتروني من قبل داعش والإخوان خلال جائحة كورونا، ما أدى لتعالي الأصوات بين السياسيين ومن ثم الضغط على الحكومات لاتخاذ خطوات صارمة لمكافحة الإرهاب.
وبالنظر إلى استراتيجية الجماعات المتطرفة التي تعتمد على التخفي في اختراق المجتمعات الأوروبية ونشر الخطاب المتطرف واستقطاب العناصر إليها لتتمدد تدريجياً داخل المؤسسات الدينية والمجتمعية والسياسية، الأمر الذي يصعب مهمة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في الكشف عن هذه الجماعات ومن ثم تعرقل عملية حل المؤسسات والجمعيات التي تعمل تحت مظلتها، وتصبح مهمة إقرار التشريعات اللازمة لمكافحة الإرهاب مهمة ثقيلة على عاتق الدول الأوروبية ما يزيد من احتمالية توسع الإرهاب بداخلها.
وربما تواجه إجراءات أوروبا في محاربة الإرهاب تحديات أخرى تتعلق بمخاوف السياسيين من انتهاك الإجراءات للحريات الدينية وحقوق الإنسان، الأمر الذي قد تستغله بعض الجماعات المتطرفة كذريعة لتعطيل تمرير بعض القوانين المناهضة للإرهاب خاصة بعد اختراق هذه الجماعات للمؤسسات التشريعية والتنفيذية في أوروبا.
ماينبغيأن تقوم به أوروبا هو سد الثغرات التي من الممكن أن تعرقل خطوات محاربة الإرهاب بالتوازن بين إجراءات أمنية مشددة والحفاظ على الحريات والحقوق التي تكفلها القوانين الأوروبية والدولية.
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=87792
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
Counter-terrorism instruments
https://bit.ly/3KmUaVK
أين وصلت ألمانيا في مكافحة خطر “الإرهاب الإسلاموي”؟
https://bit.ly/3ZN1Ztn
السويد: البرلمان يُقرّ تعديلات دستورية لتعزيز قانون مكافحة الإرهاب تمهيدا للدخول في حلف الناتو
https://bit.ly/3KHmVh0
Germany’s Evolving Counter-Extremism Policy Towards the Muslim Brotherhood
https://bit.ly/3nVooYk
أدوات الدولة الفرنسية لمكافحة الإسلاموية: التدابير وأوجه القصور
https://bit.ly/3mmCYaH
NATIONAL INTELLIGENCE AND COUNTER-TERRORISM COORDINATION
https://bit.ly/3Kpu2tl
Measures to eliminate international terrorism – Belgian contribution
https://bit.ly/41aLdWm