المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
بون ـ إعداد وحدة الدراسات والتقارير “2”
أمن دولي ـ ما تداعيات “حرب” السودان على الأمن الإقليمي والدولي؟
اندلع الصراع بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في أبريل 2023 وسط صراع واضح على السلطة. تعود جذور الصراع إلى السنوات التي سبقت انقلاب 2019 التي أطاحت بالنظام السابق. ويرجع سبب الأزمة إلى الخلاف بين الطرفين بسبب الخطة الدولية لعملية الانتقال لمرحلة سياسية جديدة كذلك الخلاف حول كيفية دمج قوات الدعم السريع داخل الجيش السوداني ما أدى إلى تصاعد التوترات بشكل أكبر.
مخاطر لدول الجوار
تنامت المخاوف من إن ما يحدث في السودان قد يكون تمهيداً لحرب أهلية طويلة الأمد، ويزيد من احتمالية أنتقال تأثيرها على دول الجوار، وكذلك احتمالية تدخل أطراف خارجية دولية وإقليمية في هذا الصراع.
مصر: تشترك السودان حدودياً مع (7) دول في 20 أبريل 2023، جميعها تواجه تحديات وتهديدات أمنية مشتركة حيث يضم السودان نهر النيل ما يجعل مصير السودان ذا أهمية وجودية لمصر، حيث تتعرض إمدادات المياه في مصر والسودان لتهديدات من مشروع سد النهضة الإثيوبي وأي توتر في العلاقات بين الخرطوم والقاهرة قد يعرقل جهودهما للتوصل إلى اتفاق بشأن السد.
تشاد: ما يجري في غرب السودان يعبُر الحدود بشكل حتمي إلى تشاد في الجوار، والعكس صحيح حيث تتسرّب الأسلحة وكذلك المقاتلون الأجانب من دولة تشاد ومن جمهورية أفريقيا الوسطى. تشعر تشاد بالقلق من احتمال أن يجد المقاتلون الذين يهددون حكومة “نجامينا” دعماً من مجموعة “فاغنر” الروسية الموجودة في جمهورية إفريقيا الوسطى، كذلك أن أزمة السودان وما ينتج عنها من فراغ في السلطة قد يؤدي إلى تأجيج عدم الاستقرار السياسي في تشاد.
ليبيا : حذر “ماركو مينيتي” وزير الداخلية الإيطالي الأسبق في 20 أبريل 2023 من تداعيات الوضع الحالي في السودان على الأزمة الليبية. وأضاف إنه نظراً لوجود مرتزقة سودانيين في ليبيا، فإنه لا ينبغي التقليل من خطر انتقال عدم الاستقرار إلى مكان آخر. وأشار إن توسع الأزمة في السودان قد يحدث ولا يجب الاستهانة به بأي شكل من الأشكال، خاصة أن ليبيا لديها أيضاً مشكلات كبيرة تتعلق بعدم الاستقرار وضعف التماسك الداخلي.”
إثيوبيا: تراقب إثيوبيا كيفية تأثير أزمة السودان على اثنين من اهتماماتها الرئيسية تأمين حقوق المياه لسد النهضة الإثيوبي الكبير، وتسوية المطالبات الإثيوبية بالمنطقة الحدودية المتنازع عليها. كما أن السودان كانت ملاذاً لعشرات الآلاف من الإثيوبيين الفارين من منطقة “تيغراي”، التي خاضت حرباً استمرت عامين مع الحكومة المركزية وانتهت باتفاق سلام هش في أواخر العام 2022، قد ينهار مرة أخرى ويتفجر الصراع مجدداً.
إريتريا : يمكن للتغييرات في ميزان القوى في المنطقة أن تزعج التحالفات في لإريتريا المجاورة، حيث استضاف السودان آلاف اللاجئين وطالبي اللجوء، وهو المحطة الأولى للعديد من الإريتريين الفارين من التجنيد الإجباري. وقد يتعرض اللاجئون الإريتريون في السودان لمحنة مماثلة إذا تفاقم أي صراع خارج الخرطوم.
يمكن أن يلعب الصراع دوراً في المنافسة على النفوذ في المنطقة بين روسيا والولايات المتحدة وبين القوى الإقليمية في 17 أبريل 2022. حذّر مفوض شؤون التوسّع والجوار بالاتحاد الأوروبي “أوليفر فارهيلي” من أنّ “خطر اندلاع حرب شاملة في السودان يزداد بشكل كبير”. وأكد أنّ الاتحاد “سيواصل الضغط من أجل حل سياسي من خلال الجهود المنسقة مع جميع الجهات الفاعلة الدولية، يتمثل بالمساهمة في وقف إطلاق نار مستدام لضمان سلامة المدنيين والسماح بجهود الإنقاذ من قبل الجهات الفاعلة الإنسانية”. أمن دولي- مخاطر انزلاق السودان نحو الفوضى على الأمن الإقليمي والدولي. بقلم آندي فليمستروم
أزمة لجوء
تدفع أزمة السودان بالبرامج الإنسانية التي تعاني من ضعف التمويل في المنطقة إلى حافة الانهيار وحذر برنامج الغذاء العالمي من أن العنف الدائر في السودان يمكن أن يسبب أزمة إنسانية في منطقة شرق أفريقيا بأكملها في 30 أبريل 2023. ويؤكد “يانيز لينارتشيس” مفوض الشؤون الإنسانية بالاتحاد الأوروبي إن هناك “مخاطر حقيقية لتوسع الأزمة لتصل لدول جوار (السودان)”.
أكدت المنظمة الدولية للهجرة إن أكثر من (330) ألف شخص نزحوا داخل السودان منذ 15 أبريل 2023. كما فر حوالي (105) آلاف شخصمن السودان عبر الحدود الصحراوية إلى تشاد. ومن المتوقع أن تستقبل مصر العدد الأكبر من اللاجئين السودانيين بنحو (350) ألفا وأن يفر نحو (85) ألف شخص إلى إثيوبيا. وأن تستقبل جمهورية أفريقيا الوسطى (25) ألف شخص من السودان ربما تستقبل إريتريا نحو (55) ألف شخص من السودان.
تهديد حركة الملاحة
تمتلك السودان شاطئاً طويلاً على البحر الأحمر حيث من الضرورات القصوى الحفاظ على استقرار الملاحة العالمية. يمكن أن يؤدي النزاع إلى زعزعة استقرارالملاحة في المنطقة ومنطقة الساحل والبحر الأحمر والقرن الأفريقي. يساهم تصاعد الصراع في السودان إلى تأثر الحركة في البحر الأحمر الذي يعد أحد الشرايين المهمة للتجارة العالمية في 17 أبريل 2023 وأن أي اضطرابات ملاحة في البحر الأحمر ستسبب على سبيل المثال في حركة الملاحة في قناة السويس والمردود الاقتصادي لها.
هروب عدد من مسؤولي النظام السوداني السابق
أضاف هروب عدد من كبار مسؤولي النظام السوداني السابق من السجن طرفاً جديداً إلى معادلة أزمة السودان ومن ضمن هؤلاء المسؤولين “أحمد هارون” أحد مساعدي “عمر البشير” المطلوب مثله بمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية “بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية”. وكان قد أعلن “أحمد هارون” فراره من سجن كوبر في الخرطوم، مع مسؤولين آخرين من النظام السابق في 27 أبريل 2023.
صعود تيارات الإسلام السياسي
تحاول تيارات الإسلام السياسي في السودان وفي مقدمتها جماعة الإخوان، استغلال الأزمة لتنفيذ أجندتها الخاصة وتأجيج الصراع وإحداث انقسام داخل المؤسسية العسكرية في مايو 2023، وكانت قد وقعت جماعات وأحزاب إسلامية سودانية على إعلان لتأسيس “التيار الإسلامي العريض” من الموقعين على إعلان التأسيس، “الحركة الإسلامية السودانية” و”حركة الإصلاح الآن” و”الإخوان المسلمون” و”منبر السلام العادل” وحزب “دولة القانون والتنمية” وحركة “المستقبل للإصلاح والتنمية”. مكافحة الإرهاب ـ استراتيجية الاتحاد الأوروبي الجديدة في القرن الإفريقي. جاسم محمد
تنامي الجريمة المنظمة والإرهاب
يؤدي استمرارالصراع في السودان؛ خصوصاً في العاصمة الخرطوم، إلى تداعيات سلبية، بما يعيد أنشطة الجماعات المتطرفة مجددا، ليس فقط بسبب كميات الأسلحة التي باتت في الشوارع، وإنما لتوارد أنباء عن عمليات هروب لعدد من المتطرفين الذين كانوا موقوفين في السجون. كذلك تصاعدت المخاوف من ازدهار تجارة البشر ناهيك عن المخاوف المتعلقة من تسرب “الجهاديين” من دول تنشط فيها هذه الجماعات عبر الحدود في 8 مايو 2023.
يرى “فيديريكو مانفريدي فيرميان” المحاضر في معهد الدراسات السياسية بباريس”هناك خطر من أن الجماعات الإسلاموية ذات الإيديولوجية السلفية الجهادية يمكن أن تنتهز الفرصة لتأسيس وجودها في بلد استراتيجي للغاية يقع بين منطقة الساحل والقرن الأفريقي وأن “احتمال الانهيار الكامل للدولة السودانية في هذه المرحلة مرتفع للغاية” في 5 مايو 2023.
تصاعدت التحذيرات في 26 أبريل 2023 من خطر التعرض لهجمة “إرهاب بيولوجي مختبري” قادمة من السودان، وذلك إثر احتلال مجموعات مختبرا عاما “يحتوي ـ وفقاً لمنظمة الصحة العالمية ـ على عينات من أمراض معدية، بينها شلل الأطفال والحصبة”.
– أكدت الاستخبارات الأمريكية في تقييم لها إن “القتال في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع من المرجح أن يطول في ظل اعتقاد كلا الجانبين أنه قادر على الانتصار عسكريا وأنه ليس لديه حوافز تذكر للجلوس إلى طاولة المفاوضات”. وأضاف التقييم أن الخصمين يسعيان للحصول على “مصادر خارجية للدعم” وإذا توافرت هذه المصادر، “ستفاقم، على الأرجح، الصراع واحتمال انتشار التحديات في المنطقة “. أمن دولي ـ انعكاسات الفوضى في السودان على الأمن الإقليمي والدولي. بقلم هند ناصر خليفان السويدي
تقييم وقراءة مستقبلية
– يقع السودان في منطقة مضطربة يحدها البحر الأحمر وهو منفذ ضروري لأغراض التجارة ومنطقة الساحل والقرن الأفريقي وتمتلك السودان حدوداً مع سبع دول، من ضمنهم مصر من الشمال و إثيوبيا من الجنوب الشرقي.
– يثير الصراع الدائر في السودان قلق دول الجوار أخرى لأسباب تتراوح من القلق بشأن مياه النيل المشتركة وخطوط أنابيب النفط، فضلاً عن تصاعد القلق الدولي والأقليمي من مخاطر تدفق اللاجئين عبر الحدود، واتساع نطاق عمليات النزوح خاصة وأن السودان تستضيف الكثير من اللاجئين.
– تزايدت المخاوف الإقليمية والدولية من مخاطر انضمام المتطرفين إلى الصراع ما يؤدي إلى تعقيد الوضع الأمني في السودان بل يمتد الأمر إلى تعقيد الوضع الأمني لدول الجوار ما يقوض عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي.
– يشير إغلاق دوال الجوار حدودها مع السودان إلى أن الأزمة قد تتصاعد أكثر مستقبلاً، ما يؤجج الاضطرابات السياسية داخلياً ليكون تمهيداً لحرب أهلية طويلة الأمد ما يستدعي تدخلات خارجية إقليمية ودولية، وبات السيناريو الأسوأ هو انزلاق الوضع في السودان إلى ما حدث في دول إقليمية كسوريا قبل سنوات.
ـ يبدو إن “الحرب” في السودان مازالت معقدة، مايجعل الأطراف الدولية تحديداً الولايات المتحدة وروسيا والصين، لا تتدخل بشكل مباشر، رغم مصالحها السياسية والاقتصادية. الحرب في أوكرانيا وتوترات الوضع الأمني في بحر الصين الجنوبي، أبعد أيضاً الأطراف الدولية من السودان.
ـ إن “الحرب “في السودان ممكن ان تفتح جبهة جديدة ضد أوروبا والغرب لصالح روسيا، بتدفق موجات الهجرة من جديد، وهذا ما يمثل مصدر قلق إلى أوروبا والاتحاد الأوروبي.
ينبغي حل أزمة السودان بكل الوسائل الممكنة، من خلال الدعوة لمشاركة دبلوماسية مكثفة وعاجلة على أعلى المستويات لحل الأزمة سواء بشكل مباشر مع أطراف النزاع أو مع الدول المجاورة التي لها نفوذ. كذلك اتخاذ الخطوات الضرورية لوقف فوري لإطلاق النار وضرورة حل كل الخلافات عبر المفاوضات بين أطراف الأزمة.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=88296
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
Bloody Sudan Conflict Creates Opportunities for Violent Extremists
https://bit.ly/42z6s5c
Sudan crisis explained: What’s behind the latest fighting and how it fits nation’s troubled past
https://bit.ly/41PmzKV
اشتباكات السودان: كيف يؤثر ما يحدث على دول أخرى حول العالم؟
https://bbc.in/3pBtPN0
صحيفة لوفيغارو…لعبة القوى الأجنبية تغذي الأزمة في السودان
https://bit.ly/3IaTySO
عالم أوبئة إيطالي: خطر إرهاب بيولوجي من السودان
https://bit.ly/3ObpsSS
نظرة فاحصة-أزمة السودان.. الأسباب والتداعيات
https://bit.ly/3LX2Se2