تحديات مؤتمر برلين … التدخلات الخارجية والانقسامات
حازم سعيد ، باحث بالمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
أعلنت ألمانيا فى 16 يناير 2020 عن قائمة الدول المدعوة إلى حضور مؤتمر برلين للوصول إلى حلول أمنية وعسكرية وسياسية متوافق عليها بشأن الأزمة الليبية، وتتجه الأنظار إلى العاصمة الألمانية برلين ، لمتابعة التحضيرات لعقد المؤتمر الدولي حول ليبيا، وسط تكتم وحذر شديدين. فالتسريبات تشير إلى عزم ألمانيا توفير أكبر قدر من شروط النجاح عبر مشاورات غير معلنة للتوصل إلى توافق دولي، فى ظل التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية فى ليبيا والانقسام بين دول أوروبا فى حل الأزمة الليبية.
وعبر” غسان سلامة” مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا فى 7يناير2020 ، عن غضبه الشديد من استمرار تدهور الوضع فى ليبيا والانقسامات بن الفرقاء الليبين والمجتمع الدولى ، وأكد أن “التدخل العسكري المباشر يجعل الوضع في ليبيا صعبا للغاية. هناك ما يكفي من الأسلحة والمرتزقة في ليبيا. يجب وقف التدخل الأجنبي وبشكل فوري. هناك قرار لمجلس الأمن الدولي يمنع تصدير السلاح لليبيا (جميع الأطراف). تبنى مجلس الأمن القرار وعلى الدول الالتزام به وتطبيقه”.
الانقسام الشديد بين الفرقاء الليبين
تتلخص مطالب الجيش الوطنى الليبى لحل الأزمة الليبية فى أن المشير”خليفة حفتر” يشترط حل الميليشيات المسلحة وتسليم أسلحتها، قبل التوقيع على اى اتفاق . ويصر المشير خليفة حفتر على دخول الجيش الليبي إلى العاصمة طرابلس، ويطالب بانسحاب جميع المرتزقة الذين تم جلبهم من سوريا وتركيا.كما يطالب حفتر بإشراف دولي على وقف إطلاق النار، ويوافق في الوقت نفسه على دخول مساعدات إنسانية للطرفين.ويدعو قائد الجيش الليبي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تنال ثقة البرلمان الليبي في طبرق وفقا لـ”العرب اللندنية” فى 14 يناير 2020.ألمانيا .. عقد مؤتمر”عملية برلين” حول ليبيا
وتطالب حكومة الوفاق انسحاب الجيش من مواقعه إلى ما قبل 4 أبريل للموافقة على وقف إطلاق النار، وتعتمد حكومة الوفاق الوطني، على مجموعة ميليشيات تسيطر على طرابلس وفقا لـ”BBC” فى 10أبريل 2019 ، ونستعرض هنا أبرز الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق الليبية
- قوات حماية ليبيا : هو تحالف يضم أهم الميليشيات في المتمركزة في العاصمة. وأُعلن عنه في ديسمبر 2018.ويشمل التحالف ثوار ليبيا، ولواء النواصي، وقوة الردع والتدخل المشتركة محور أبو سليم، وميليشيا باب تاجوراء.
- ثوار ليبيا : يقودها هيثم التاجوري. تسيطر على مساحات كبيرة من العاصمة، الخاضعة لسيطرة حكومة الوفاق الوطني.
- قوة الردع والتدخل المشتركة: يقود هذه القوات عبدالغني الكيكلي، يُعرف باسم “غنيوة”. وهى فى صراع مع لواء النواصي
- لواء النواصي : ويُعرف كذلك بالقوة الثامنة، وهو أحد المجموعات القوية الموالية لحكومة الوفاق الوطني.
- قوات الردع الخاصة : يقود هذه القوات ” عبدالرؤوف كارة” وهي قوات تابعة لوزارة داخلية حكومة الوفاق الوطني، وهناك لاعبون آخرون في طرابلس كلواء البقرة، وفيلق صلاح البركي، اللواء السابع في ترهونة (كانيات)، ولواء حلبوص.خريطة الحضور “الجهادي” في ليبيا
وصوت أعضاء مجلس النواب الليبي وفقا لـ”روسيااليوم” فى 4 يناير 2020 ،على رفض اتفاقيتي حكومة الوفاق واتهم أعضاء المجلس رئيس حكومة الوفاق فايز السراج بارتكاب جريمة خيانة عظمى، مطالبين بإحالته إلى النائب العام لمحاسبته. صوت الأعضاء بالإجماع على “إلغاء الإتفاق السياسي غير الدستوري ومطالبة المنظمات والهيئات الدولية والمجتمع الدولي بسحب الاعتراف الدولي بحكومة الوفاق الوطنى.
الانقسام بين دول أوروبا
أكد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي”بيتر ستانو” وفقا لـ”سبوتنيك” فى 14 يناير 2020 أن ليبيا هي أولوية بالنسبة للاتحاد الأوروبي. وأشار “ستناو” إلى ضرورة المشاركة بقوة وبفعالية لتجنب أن تخرج الأزمة الحالية في ليبيا عن نطاق السيطرة.وأكد وزير الخارجية الإيطالي” لويجي دي مايوإن” ليبيا تشكل خطرا أمنيا على أوروبا، وأنه يتعين على الاتحاد الأوروبي التعامل معه، وذلك بعد لقائه مع نظرائه من بريطانيا وفرنسا وألمانيا. ودعا وزير خارجية الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل فى 6 يناير 2020 وفقا لـ”يورونيوز” إلى حل سياسي في ليبيا و حذر من “تصعيد وشيك للعنف” حول طرابلس.
وبالرغم من التوافق الفرنسى الإيطالى حول رفض التدخل الخارجى العسكرى خاصة التركى فى ليبيا، إلا إنه هناك تنافس شرس بين إيطاليا وفرنسا في ليبيا مرده الأساسي المصالح الاقتصادية والاستراتيجية لكل دولة منهما، وتحديدا ورقة النفط وعقود شركاتهم النفطية وهما “توتال الفرنسية وإيني الإيطالية”، وفقا لـ”العربية” فى 22 يناير 2019. وتعمق الخلاف عندما وقفت فرنسا وباريس إلى جانب أطراف أو معسكرات متنافسة داخل ليبيا”، إذ تدعم فرنسا خليفة حفتر قائد الجيش الليبي للسيطرة على البلد والحصول على منصب متقدّم في مستقبل المشهد السياسي الليبي، بينما ترتكز السياسة الإيطالية في ليبيا على مساندة حكومةالوفاق الوطني وقادة المليشيات وعمداء البلديات والقبائل في الغرب الليبي.
تدخلات إقليمية
وقعت تركيا و”حكومة الوفاق” الليبية قد وقعتا فى نوفمبر2019 على مذكرة تعاون عسكري، وأكد أردوغان أن رئيس المجلس الرئاسي التابع لحكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج، طلب من أنقرة إرسال قوات لدعم حكومته في معركتها ضد “الجيش الوطني الليبي” بقيادة خليفة حفتر .
وواصلت تركيا فى استقبال عدد من المسلحين وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب إلى (1700)، ينتمون لفصائل “السلطان مراد” و”سليمان شاه” و”فرقة المعتصم” وكلها فصائل سورية موالية جميعها لتركيا. وتم نقل العديد منهم إلى الأراضى الليبية، حيث وصل عدد المسلحين الذين وصلوا إلى العاصمة الليبية حتى الآن إلى نحو (1000). بالإضافة إلى أن هناك تجهيزات لنقل (300) مقاتل آخرين تابعين لفيلق الشام إلى ليبيا.
ويتضح من هنا أطماع تركيا فى ليبيا تأمين مصدر للطاقة وتوسيع نفوذها فى إفريقيا عبر بوابة ليبيا . كذلك دعم جماعة الإخوان المسلمين والميليشيات الموالية خاصة أن حكومة الوفاق تعترف بافتقارها للأسلحة الكافية لدعم جهودها، بما يخدم مشروع أردوغان لإحياء الخلافة العثمانية الجديدة، ودعم جماعات الإسلام السياسي بالمنطقة.الأزمة في ليبيا والتهديدات الأمنية
الخلاصة
تشكل ليبيا في الوقت الحالي خطرا على أوروبا نظرا لقربها الجغرافي من القارة الأوروبية.فيما يتعلق بالهجرة وكذلك الإرهاب”. ويحرص الاتحاد الأوروبي على عدم خروج النزاع عن نطاق السيطرة، خشية تدخل خارجى سيؤدي إلى تكرار السيناريو السوري.وأن أن أى يستغل تنظيم “داعش” حالة عدم الاستقرارفى إعادة تشكيله . وسيزيد من حالة الفوضى بالنسبة إلى دول أوروبا خاصة في ملف المهاجرين .
إن رفض المشير خليفة حفتر التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار الذي اقترحته أنقرة وموسكو يؤكد تعقيدات النزاع في ليبيا فى ظل تعزيز الاتهامات الموجهة من “حفتر” إلى حكومة الوفاق بسعيها لرسم حدود بين الشرق والغرب ما يهدد وحدة البلاد ويعتبرهذا مؤشر سلبى قبل انعقاد مؤتمر برلين .
الجماعات المتطرفة المنتشرة فى ليبيا والمدعومة من تركيا كذلك إرسال تركيا جنودها و مقاتلين سوريين تعد أكبر تحدي أمام الجهود الدولية لحل الأزمة الليبية وفرض الاستقرار، لذلك تعد أحتمالية أن يقدم مؤتمر برلين النتائج المرجوة لتقارب الأطراف الليبية وإجراء مصالحة شاملة في البلاد أمرا صعبا ، ونظرا أيضا الاستمرار التنافس بين باريس وروما والاختلاف الشديد بشأن حل الأزمة الليبية وهذا الاختلاف مرده الأساسى النفط الليبى .
لذلك ينبغى تغلّب الأوروبيين على انقساماتهم والانخراط بشكل أكبر في إيجاد حلّ لإنهاء النزاع الدائر في ليبيا. ويتعين التركيز واتخاذ التدابير من أجل المساهمة في مراقبة وقف إطلاق النار والسيطرة على حظر الأسلحة وغيره من التدابير الأمنية.
رابط مختصر … https://www.europarabct.com/?p=57283
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
الباحث حازم سعيد