المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
إعداد : جاسم محمد ـ باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات ـ بون
الحكومة الألمانية مازالت لم تحدد رسميا موعد موعد اجتماع القمة الذي تخطط له المستشارة الألمانية ميركل في برلين حول الأزمة الليبية ، رغم اعلانها بانه سيكون نهاية الشهر الجاري، يناير 2020 وهذا ما اكده المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتفن زايبرت يوم 12كانون يناير 2020 أنه لا يمكنه الإعلان رسميا عن الموعد في الوقت الحاضر.
رحبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين يوم 13 يناير الجاري 2020 بوقف إطلاق النار في ليبيا برعاية تركيا وروسيا لكنها طالبت بضرورة أن تقود الأمم المتحدة جهود إعادة إعمار هذا البلد. ورحّبت سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وبعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا في بيان مشترك يوم 11 يناير الجاري 2020 بقبول الأطراف في ليبيا وقف إطلاق النار، وحثّت الأطراف على اغتنام هذه الفرصة الهشة لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية الرئيسية التي تكمن وراء الصراع.
أكد رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي في مقابلة صحفية حول “الازمة الليبية”،في مقر البرلمان بالعاصمة البلجيكية بروكسل يوم امس 13 يناير الجاري 2020، قائلا :” فنحن لا زلنا بحاجة إلى إحراز تقدم، وأجد أن هذه مشكلة أوروبية وليست مشكلة كل دولة من التكتّل على حدة”. مساعي المانية لايجاد حل سياسي في ليبيا
سباق مع الزمن يخوضه الفريق الدبلوماسي الألماني بقيادة يان هيكر كبير مستشاري الحكومة الألمانية للسياسة الخارجية والأمن، وأندرياس ميشائيليز كاتب الدولة في الخارجية لشؤون الشرق الأوسط حسب تقرير الدوتش فيللة يوم 21 اكتوبر 2019 من اجل عقد مؤتمر برلين حول ليبيا. ذلك أن انتظار حسم عسكري للصراع حول طرابلس، قد تكون نهايته كارثية إذ لن تقتصر مخاطره في حصيلة بشرية فادحة في صفوف المدنيين بالعاصمة ومحيطها التي يوجد بها حوالي ثلث سكان البلد، بل يُخشى أيضا أن يؤدي إلى ظهور صراعات مسلحة أخرى بحكم تعدد القوى المحلية المتصارعة وتنوع مصادر الدعم الذي تتلقاه من داخل المجتمع الليبي، بقواه القبلية وتداخلاتها في الجوار الأفريقي والعربي الشاسع للبلاد.
ويرى خبراء مثل فولفرام لاخر، من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين أن المانيا فشلت في مناقشة قضية ليبيا وجعلها القضية الأساسية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة أنغيلا ميركل.
اسباب قلق اوروبا من الفوضى في ليبيا
ـ يشكل ملف تهريب والإتجار بالبشر مصدر تهديد للعديد من الدول الأوروبية ،ومصدر ثراء للميليشيات المسلحة الليبية التي تنفذ مهامها بدعم وغطاء مشبوه ، وما يترتب على ذلك من عمليات الهجرة غير الشرعية ، ويرسل سل مهربو البشر الذين يعملون بحرية في ليبيا مئات الآلاف من المهاجرين إلى أوروبا ولا سيما إيطاليا عن طريق البحر منذ عام 2014.
ـ أن معظم الجماعات المسلحة الضالعة في عمليات تهريب البشر والبضائع في ليبيا لها صلات بالمؤسسات الأمنية الرسمية بالبلاد، و إن “الجماعات المسلحة، التي هي جزء من تحالفات سياسية وعسكرية أوسع نطاقا، تخصصت في أنشطة تهريب غير قانونية لا سيما تهريب البشر والبضائع” وفقا لتقرير مجلس الأمن الدولي فى فبراير 2018.
ـ تشعرالمانيا الى جانب دول اوروبا، بالقلق من تدفق الجماعات المتطرفة عبر ليبيا، ويعود ذلك الى تمركز الجماعات المتطرفة والميلشيات المسلحة في العديد من المناطق الليبية، وترتبط تلك التنظيمات الناشطة في الداخل الليبي بتنظيم القاعدة وداعش .
فمازالت الفوضى تلقي بظلالها على المشهد الليبي، حيث تفرض الميليشيات المسلحة نفوذها وتحول دون بناء دولة مستقرة بعد مرور سنوات على سقوط نظام معمر القذافي في اكتوبر 2011. والتناقضات في المشهد الليبي المتقلب، ان يصبح “ثوار” الامس الذين قاتلوا النظام ميليشيات تهدد امن ليبيا والامن الاقليمي والدولي. فبعد ان استلموا مهمة امن المنشأت ومخازن الاسلحة في اعقاب سقوط القذافي، تحولت هذه الأسلحة الى حساب تلك الميليشيات أكثر من الحكومة الأنتقالية.
الفوضى في ليبيا تضرب بتداعياتها على امن اوروبا بسبب الهجرة،وهذا مايدفع المانيا ودول اوروبا الى التدخل. ويبدو ان الوضع الامني معقد وهناك تنامي الى الجماعات المتطرفة في ليبيا والتي ممكن ان تؤثر على امن دول المنطقة خاصة شمال افريقيا ابرزها مصر. خريطة الجماعات المتطرفة في ليبيا
دوافع المانيا بعقد مؤتمر دولي حول ليبيا
ـ تهديدات النظام الديمقراطي : تأتي مساعي الحكومة الالمانية، تحديدا المستشارة الالمانية ميركل في محاولة لايجاد حل الى “الازمة الليبية”، بعد ان واجهت المستشارة الالمانية ميركل وحكومتها الكثير من الانتقادات بسبب سياسة “الابواب المفتوحة” أي فتح ابواب المانيا الى المهاجرين منذ عام 2014، والتي اثرت كثيرا على شعبيتها وحضور الائتلاف الحاكم.
ـ تنامي اليمين المتطرف : الفوضى في ليبيا تنعكس على دول الاتحاد الاوروبي وبضمنها المانيا، ف “قضية الهجرة” تمنح اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية، الكثير من العوامل، لكيتعزز شعبيتها وقوتها في المجتمع الالماني على حساب الاحزاب السياسية التقليدية، لذا ايقاف الهجرة مرتبط اصلا في شعبية الاحزاب التقليدية وفي تنامي اليمين المتطرف. المبادرة الالمانية لم تاتي من فراغ، بقدر مايمكن وصفها انها “خطوة إستباقية” يمكن ان تصب في امن المانيا القومي الى جانب دول اوروبا، قبل ان تصب لصلح شعبية تلك الاحزاب. انشطة الاستخبارات الالمانية في ليبيا
مدى نجاح مؤتمر برلين ؟
التحدي كبير امام المانيا، بسبب تعقيد المشهد الامني والسياسي والانقسامات داخل ليبيا، والاكثر صعوبة، هو تداخل الجماعات المتطرفة، الميليشيات المسلحة مع الاحزاب السياسية في حكومة السراج في طرابلس. وتسعى المانيا الى كسب اطراف دولية واقليمية لحضور المؤتمر والمشاركة، ابرزها روسيا، لكنها ايضا حريصة الى ان تكون مشاركة الى دول جوار ليبيا ودول افريقيا، بسبب عوامل جيوسياسية.
التقديرات تقول، ان “الازمة في ليبيا” اكبر من حجم المانيا ودول اوروبا، التي هي ذاتها تشهد انقسامات حول ليبيا، فكيف لها ان تجد حلا سياسيا، الى الداخل الليبي؟ وهذا يعني ان هناك تحديا كبيرا امام مؤتمر برلين، لاينتهي بجمع الفرقاء من الداخل الليبي او اطراف دولية واقليمية، لكن بمدى نجاح هذا المؤتمر بتنفيذ اي مخرجات او قرارات محتملة الى هذه القمة.
الفوضى في ليبيا ايضا تتحملها ايضا، اطراف اوروبية، ابرزها فرنسا وايطاليا، وحتى الناتو، والامم المتحدة، وهذا مايفرض عليها واجبات المساهمة الفاعلة بايجاد حل سياسي لاخراج البلاد من الفوضى. بات مطلوبا من دول شمال افريقيا ايضا، ان يكون لها دورا فاعلا في ايجاد حل سياسي من اجل امن اقليمي ودولي.ماعدا ذلك دول المنطقة ، دول جوار ليبيا يجب ان يكون لها دورا في هذا المؤتمر ايضا.
رابط مختصر … https://www.europarabct.com/?p=57214
نشر في رؤية
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات