المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
بون ـ إعداد وحدة الدراسات والتقارير (26)
اليمين المتطرف في أوروبا ـ المخاطر والتهديدات
تصاعد نفوذ جماعات اليمين المتطرف بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير في دول أوروبا، وتدريجياً تُرجمت هذه النفوذ على أرض الواقع إلى انخراط كبير لهذه الجماعات في الحياة السياسية والتغلغل داخل المؤسسات العسكرية والأمنية والتعليمية، إذ نجحت الأحزاب اليمينية المتطرفة في تحقيق شعبية داخل المجتمع الأوروبي ما مكنها من تحقيق نتائج غير مسبوقة في عدد من الاستحقاقات الانتخابية ومن ثم تصدرت المشهد السياسي في بعض الدول وأصبحت منافساً سياسياً قوياً في دول أخرى، ورغم أن اليمين المتطرف في أوروبا ينقسم إلى أحزاب راديكالية قديمة وأحزاب أخرى شعبوية حديثة، إلا أن مخاطر الفكر اليميني تظل واحدة وتتناقض مع القوانين والدساتير الأوروبية وتنعكس بشكل مباشر على الحياة السياسية والمجتمعية.
أسباب زيادة شعبية اليمين المتطرف في أوروبا
ظهرت قوة اليمين المتطرف في أوروبا خلال العام الماضي على مستوى الحياة السياسية، وفي أبريل 2022 حصلت زعيمة حزب التجمع الوطني بفرنسا مارين لوبان على (41.8%) من الأصوات في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وحصل حزب “فيدس” اليميني في المجر على (52.73%) من الأصوات في الانتخابات البرلمانية لذا أعيد انتخاب زعيمه فيكتور أوربان رئيساً للوزراء، وفي يونيو 2022 فاز حزب التجمع الوطني اليميني بـ (89) مقعداً في الانتخابات البرلمانية الفرنسية.
ولم يختلف الأمر كثيراً في السويد وإيطاليا بتحقيق التكتل المحافظ المكون من أحزاب اليمين واليمين المتطرف في السويد على (176) مقعداً في البرلمان، وفي سبتمبر 2022 فازت زعيمة حزب “إخوة إيطاليا” جورجيا ميلوني بالانتخابات التشريعية الإيطالية عقب حصول ائتلافها على (44%) من أصوات الناخبين، وشهدت الانتخابات التشريعية في ألمانيا في سبتمبر 2021 حصول حزب البديل من أجل ألمانيا على (10%) من الأصوات.
تعود شعبية اليمين المتطرف لعدة أسباب:
– استغلال اليمين المتطرف تمدد الجماعات الإسلاموية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين في مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية والتعليمية.
– انتقاد الخطط الاقتصادية للحكومات عقب الأزمة المالية العالمية في 2008، وتوظيف هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية للتشكيك في قدرة الأحزاب الليبرالية واليسارية على مواجهة هذه المتغيرات.
– تدفق موجات الهجرة واللجوء إلى أوروبا خلال الـ (10) سنوات الماضية، واستغلال اليمين المتطرف هذه السياسيات لتأجيج الموقف ضد الحكومات والترويج لأفكاره ضد اللاجئين والمهاجرين.
– توظيف تداعيات الحرب الأوكرانية الاقتصادية والعسكرية والسياسية والتأصيل للنزعة القومية في المجتمع الأوروبي.
الصعود إلى السلطة وتغيير التشريعات والقوانين
تعد السويد وإيطاليا نموذجان على صعود اليمين المتطرف للسلطة، ما يرجح ظهور تغييرات جذرية في القوانين المتعلقة بالهجرة والتشريعات المشتركة مع الاتحاد والاتجاه نحو الدولة القومية، خاصة أن الأحزاب اليمينية المتطرفة الصاعدة في الدولتين هم ذات أصول لحركات ما بعد النازية الجديدة على عكس الوضع في ألمانيا. ولكن في الوقت نفسه سمح النشاط المتزايد للأحزاب اليمينية الراديكالية والأحزاب اليمينية الشعبوية ببناء شبكة تفاهمات للضغط على الحكومات بدأت بالاحتجاجات في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا اعتراضاً على إجراءات جائحة كورونا في 2020 وامتدت إلى الانضمام لصفوف المظاهرات في دول أوروبا احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية جراء الحرب الأوكرانية خلال 2022 و2023.اليمين المتطرف في بريطانيا – أسباب تزايد المخاطر. بقلم داليا عريان
يصبح النظام السياسي الديمقراطي مهدداً في السويد وإيطاليا نظراً لميول اليمين إلى التمترس نحو الدولة القومية وتشديد الإجراءات ضد الأجانب والتوجه نحو الانغلاق مع العالم والحد من فرص تفعيل دور المؤسسات الديمقراطية وتطبيق قوانين الحريات.وتتصاعد المخاوف في دول مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا من لجوء بعض الأحزاب الليبرالية واليسارية إلى تبني أفكار مماثلة لتوجهات اليمين المتطرف كنوع من كسب شعبية جديدة والمزايدة السياسية ضد الأحزاب اليمينية ما يضع الحياة السياسية في مأزق بين تنفيذ الوعود الانتخابية للناخبين أو إقرار تشريعات تحافظ على مكتسبات الحريات والديمقراطية.
تراجع تماسك الاتحاد الأوروبي
تصل خطورة اليمين المتطرف إلى مستقبل التكتل الأوروبي نظرا للتشكيك في دوره والترويج إلى أنه مهدد لقومية الشعوب الأوروبية لذا ظهرت دعوات في عامين 2007 و2008 إلى تقليص مهام الاتحاد إلى التنسيق الاقتصادي بين الدول الأعضاء ومطالبات أخرى بتفكيكه، وربما كانت تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد ” بريكست” في 2016 دافعاً لظهور مطالبات مشابهة في فرنسا وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 2018 من نتيجة طرح الأمر على الفرنسيين وعقب صعود اليمين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة تعالت الأصوات الفرنسية المطالبة بمغادرة الاتحاد.
تزايد العداء للمهاجرين والأجانب
يرتكز فكر اليمين المتطرف على مناهضة الهجرة وحشد العداء ضد الأجانب وتحديدا المسلمين والترويج إلى أن ارتفاع معدلات العنف والإرهاب مصدرها بالأساس فتح أوروبا أبوابها أمام اللاجئين والمهاجرين الأعوام الماضية، ومنذ هجمات 11 سبتمبر 2001 وحتى عام 2010 ظهرت مواقف وحوادث فردية معادية للمسلمين والمهاجرين في أوروبا بشكل متزايد.
ومع تزايد طلبات اللجوء لأوروبا في عامين 2015 و2016 تبنى اليمين المتطرف خطاباً معادياً داخل المؤسسات التعليمية والمظاهرات وعبر شبكة الإنترنت وتكوين صورة ذهنية ثابتة بأن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية هي نتاج الهجرة ومن هنا ظهرت دعوات لإعادة اللاجئين لبلدانهم وتحولت إلى شعارات انتخابية لكسب ثقة الناخبين، ما يهدد فرص المهاجرين في أوروبا في الحصول على السكن والتعليم والعمل ويعرقل استقبال أوروبا مزيداً من اللاجئين والمهاجرين الفترة المقبلة.اليمين المتطرف في أوروبا ـ تصاعد حالات “الإسلاموفوبيا” في أوروبا
هاجم شخص مؤيد لليمين المتطرف في 30 أكتوبر 2022 مركزاً للمهاجرين في “دوفر” البريطانية، وفي 7 مايو 2022 استهدفت جماعات متطرفة مسجد في ميتز بفرنسا بإلقاء زجاجات حارقة. وفي ديسمبر 2022 أعلنت ألمانيا وصول حوادث العنف ضد المسلمين إلى (272 )حادث وقتل (3) أشخاص بعد إطلاق نار على مركز ثقافي كردي في باريس من قبل يميني متطرف. وفي 21 يناير 2023 أحرق سياسي يميني نسخة من المصحف في مظاهرة بستوكهولم، وفي 4 أبريل 2023 كشفت منصة ” تاجماعت” المعنية بقضايا الإسلاموفوبيا عن تزايد دعوات قتل المسلمين من اليمين المتطرف عبر تطبيق ” تلغرام” بفرنسا.
نشر الدعاية المتطرفة
مع استغلال اليمين المتطرف للاضطرابات الاقتصادية الراهنة يتوغل التطرف كظاهرة ثقافية من جديد في أوروبا، بتغذية مشاعر الكراهية ضد الأجانب والحشد لدعوات عودتهم لبلدانهم بذريعة توفير فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة، انتشر التطرف بين المنتمين للتيار اليميني من جانب واستغلال الجماعات الإسلاموية هذه العنصرية لتغذية التطرف من جانب آخر بين الجاليات المسلمة ضد المجتمع الأوروبي.
تراجع الأحزاب التقليدية
تتهاوى الأحزاب التقليدية (اليسارية والمحافظة والليبرالية) وخطابها أمام الرأي العام الأوروبي بسبب انتقاد اليمين المتطرف للسياسات الحكومية، ما قلل من فرصها في الانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومات، وفي حال تبني بعض السياسيين في الأحزاب التقليدية نفس خطاب اليمين يفقدون ثقة الناخب لتناقضهم مع سياسات أحزابهم وتوافق الخطاب مع أهداف الأحزاب اليمينية المتطرفة وسرعان ما تتحول مفاهيم الحرية والديمقراطية والعولمة مجرد شعارات في الحملات الانتخابية وغير قابلة للتطبيق لتراجع دور الأحزاب التقليدية.
ومع تزايد الاحتجاجات ضد الأوضاع المعيشية في أوروبا جراء الحرب الأوكرانية تزداد التحديات أمام الأحزاب التقليدية لذا قد تشكل تحالفات مع أحزاب يمينية متطرفة رغبة في البقاء في السلطة أو تتقرب لسياساتهم ما يهدد بحدوث انقسامات بداخلها اعتراضاً على هذه المواءمات السياسية.
تراجع التحالفات الاقتصادية لدول أوروبا
كان الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان في أغسطس 2021 ورقة ضغط على أوروبا لمراجعة تحالفاتها الدولية وأحيت الحرب الأوكرانية مطالب اليمين المتطرف بخروج دول أوروبا من التحالفات الدولية العسكرية والاقتصادية. وفي 22 أكتوبر 2022 طالب محتجون في باريس بالخروج من حلف الناتو. وفي 17 نوفمبر 2022 أحيا يونانيون ذكرى انتفاضة الطلاب اليونانيين ضد الحكم العسكري المدعوم من واشنطن بالمطالبة بخروج الناتو من أوكرانيا.
حشد حزب الوطنيون الفرنسي في 12 فبراير 2023 مظاهرات في (25) مدينة للمطالبة بالانسحاب من الناتو، وانطلقت احتجاجات في التشيك وإسبانيا في أبريل 2023 رفضاً لسياسات الناتو والمطالبة بتركه، وأبدى السويديون رفضهم للانضمام للناتو في 22 أبريل 2023.اليمين المتطرف العنيف في السويد ـ الواقع والمخاطر: بقلم: آندي فليمستروم
ضعف الأمن المجتمعي
تخدم تحركات اليمين المتطرف الجريمة المنظمة والإرهاب لنشر التطرف والعنصرية وخلق حالة من العداء بين أبناء المجتمع الواحد ما يهدد الأمن المجتمعي الأوروبي لتحميل جميع الأزمات الاجتماعية والاقتصادية للمهاجرين والجاليات المسلمة وشن حملات إلكترونية ومظاهرات تحريضية ضدهم الأمر الذي يثير الفوضى لاسيما مع وصول أحزاب يمينية متشددة إلى سدة الحكم ونشر خطابات معادية لفئات معينة بالمجتمع.
التقييم
– الظروف الراهنة التي تعيشها أوروبا مواتية لتحقيق اليمين المتطرف نتائج غير مسبوقة في الانتخابات المقبلة خاصة في الدول التي تعاني من اضطرابات اقتصادية وما زالت تستقبل أعداداً من اللاجئين والمهاجرين في ظل استمرار الحرب الأوكرانية والصراعات في بعض دول أفريقيا.
– تكمن المخاوف من أن عوامل صعود اليمين المتطرف باتت في تزايد مع احتمالية تكوين شبكة تواصل واسعة بين أحزاب اليمين المتطرف حول أوروبا لاسيما مع زيادة التعاون بين أوروبا وحلف الناتو عسكرياً وظهور توجه أوروبي لتقوية العلاقات الاقتصادية مع الصين.
تتمثل مخاطر اليمين المتطرف في:
– تشكيل الأغلبية في البرلمان ومن ثم إقرار تشريعات تكرس للتطرف والعنصرية وتمثل ورقة ضغط على الحكومات في قراراتها السياسية والاقتصادية.
– يهدد وصول اليمين المتطرف إلى السلطة مفاهيم الحريات والديمقراطية والتعايش السلمي بين المواطنين والجاليات الأجنبية ما يمثل خطورة على وحدة وتماسك المجتمعات الأوروبية.
– نفوذ التيار اليميني في أوروبا يصب في صالح الجماعات الإسلاموية في أوروبا وخاصة جماعة الإخوان نظراً لعلاقة التخادم بينهما واستفادة الإخوان من حوادث معاداة المسلمين لتصدير الجماعة نفسها كضحية.
– تصبح وحدة الاتحاد الأوروبي مهددة لانقسام الحكومات حول قضايا الهجرة ودعوات الانسحاب من التكتل الأوروبي.
– في الوقت نفسه تصبح دعوات بعض دول أوروبا الآن للاستقلالية الاستراتيجية عن الولايات المتحدة مثار جدل حول دعمها لأفكار اليمين المتطرف أم أنها ورقة تلوح بها الأحزاب التقليدية للنأي بنفسها عن انتقادات اليمين المتطرف والمواطنين بأوروبا.
– رغم أنه من المتوقع وصول اليمين المتطرف لسدة الحكم في عدة دول أوروبية خلال الفترة المقبلة، لكنه لن يدون طويلاً نظراً لصعوبة التوقيت لمعاناة أوروبا من أزمات سياسية واقتصادية وانكشاف ضعف سياساته في إدارة الأمور أمام الرأي العام ما يجبره على الدخول في تحالفات مع أحزاب تقليدية أو تراجع شعبيته سريعاً.
– ينبغي على الأحزاب التقليدية إعادة مراجعة سياساتها والأخطاء التي أفقدتها ثقة الناخب منعاً من سقوط المجتمعات الأوروبية في بؤرة لا تنتهي من التطرف لصعود اليمين المتطرف وصعود الإخوان كرد فعل طبيعي لهذه المتغيرات السياسية.
رابط مختصر.https://www.europarabct.com/?p=88207
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
The Rise of The Far Right in Europe
https://bit.ly/41awA4W
Why the far right is on the rise in Europe
https://bit.ly/3AXGvQB
من السويد إلى المجر، هل تشهد أوروبا صعودا لتيار اليمين المتطرف؟
https://bbc.in/3M4k1nq
اخترقوا الجيش وقوات الأمن.. ناشطون من اليمين المتطرف في فرنسا يدعون لقتل العرب والمسلمين
https://bit.ly/44GlBTT
تراجع شعبية الأحزاب العريقة في أوروبا.. ما العمل؟
https://bit.ly/3LYsNlr
إحراق نسخة من المصحف في السويد يثير إدانات عربية وإسلامية
https://bbc.in/42PVUP0