المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
إعداد اكرام زيادة، باحثة في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
التعاون الأمني ما بين فرنسا والشرق الأوسط لمكافحة الإرهاب
تسعى فرنسا حثيثاً في السنوات الأخيرة لدور أكبر في معادلة الأمن في منطقة الشرق الأوسط لتسد فيما تراه فراغاً استراتيجياً نتيجة الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من سوريا والعراق، ومؤخراً خروجها من أفغانستان. كما تهدف باريس من تحركاتها في الشرق الأوسط كبح “تسونامي اللاجئين”، الذين ترى فيهم تهديدا لأمن أوروبا واقتصادها.
في إطار ذلك، فرنسا أرسلت قواتها لقتال تنظيم داعش في سوريا، وزادت من التعاون مع مصر والإمارات في مكافحة الجماعات الإسلامية، ودخلت في خلاف مع تركيا، متهيبة ومتصدية لطموحات أنقرة في ليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط، وفي المنطقة بأكملها.
التعاون الأمني مع دول شمال إفريقيا
شهد التعاون بين فرنسا ومصر على المستويات السياسية والتنسيق الأمني والعسكري تطوراً غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، وتقارب وجهات النظر في كثير من الملفات الإقليمية الحيوية، لا سيما ما يتعلق بالقضية الليبية وملف غاز شرق المتوسط والإسلام السياسي والتدخلات التركية في دول المنطقة.
وكانت قد اتفقت مصر وفرنسا على تعزيز وتوسيع التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين، خاصة ما يتعلق بمكافحة انتشار خطر الإرهاب، والتنظيمات المتطرفة على المستويين الإقليمي والدولي، و ذلك خلال استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في القاهرة برنارد إيمييه رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي، بحضور عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية في 10 مارس2021.
كما بحث الرئيسان الفرنسي ايمانويل ماكرون والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قصر الاليزيه بتاريخ 12 نوفمبر 2021 تعظيم التعاون الثنائي في مجابهة الجماعات الإرهابية على الساحات المحلية والإقليمية والدولية، خاصة في أفريقيا، سواء مـن خلال دعم عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، أو مساندة التحركات الدولية.
وفي21 نوفمبر2021 قالت وزارة الجيوش الفرنسيّة لوكالة “فرانس برس” إنّ مصر شريك لفرنسا – نُقيم معها علاقات في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في خدمة الأمن الإقليمي وحماية فرنسا.
وعلى مستوى صفقات الأسلحة، وافقت فرنسا على بيع 30 مقاتلة من نوع “رافال” للحكومة المصرية في إطار صفقة تبلغ قيمتها 4.52 مليار دولار في مايو 2021، وبتنفيذ هذا العقد ستُصبح مصر ثاني أكبر مشغّل لمقاتلات “رافال” بعد فرنسا، بعدد 54 مقاتلة. ويشمل الاتفاق، بين فرنسا ومصر عقودا من شركة صناعة الصواريخ “إم. بي. دي. أيه.” وشركة “سافران” للإلكترونيات والدفاع لتوريد عتاد بقيمة 200 مليون يورو أخرى، وفقاً لـ “روسيا اليوم”.
أما مع ليبيا، فرنسا انحازت في النزاع الليبي لفترة طويلة إلى جانب القائد العسكري خليفة حفتر. إذ طالما اعتبر خليفة حفتر في باريس كأفضل حليف لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل قبل أن تنهي مهمتها هناك نهاية عام 2021. حيث عقدت باريس مؤتمر دولي يهدف إلى تحقيق أمن واستقرار هذا البلد الذي يعاني من الحرب الأهلية. المؤتمر يعقد برعاية فرنسية وشركاء دوليين آخرين بتاريخ 12 نوفمبر 2021، يهدف بحسب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ة إلى البدء بخطوات سحب القوات الأجنبية وقوات المرتزقة من البلاد و”إنهاء التدخلات الخارجية”.
وفيما يتعلق بالمغرب العربي، عاد التعاون الأمني والاستخباراتي بين المغرب وفرنسا إلى الواجهة بقوة، غداة الاعتداءات الإرهابية التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس في 2015، تحديداً بعد تقديم السلطات الأمنية والاستخباراتية المغربية معلومات لفرنسا، مهّدت لعملية مداهمة مدبري الهجوم في سان دوني شمالي باريس في 18 نوفمبر 2015 .
التعاون الاستخباراتي المغربي الفرنسي تجدد في مطلع ابريل 2021، بعد أن قدم جهاز المخابرات المغربية معلومات دقيقة لفائدة مصالح الاستخبارات الفرنسية الداخلية والخارجية حول مواطنة فرنسية من أصل مغربي كانت بصدد التحضير لتنفيذ عمل إرهابي وشيك يستهدف مكاناً للعبادة بفرنسا، فباشرت السلطات الفرنسية المختصة في ليلة 3-4 ابريل 2021 عمليات توقيف وحجز مكنت من تحييد مخاطر هذا المشروع الإرهابي.
بينما شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية توترات غير مسبوقة، وصلت إلى استدعاء الجزائر لسفيرها من باريس، في أكتوبر 2021 وحظر الطائرات العسكرية الفرنسية التحليق فوق أراضيها، والتي عادة تستخدم مجالها الجوي لدخول ومغادرة منطقة الساحل حيث تنتشر قواتها في إطار عملية برخان.
وبرصد تطور الأوضاع في السنوات القليلة الأخيرة بمنطقتي المغرب العربي والصحراء، نجد عدة مؤشرات دالة على التحديات والمشاكل التي تواجهها فرنسا، وأروبا كتكتل في علاقاتها مع دول المنطقة. فعلى المستوى الأمني والعسكري، حقق الروس والأمريكيون والإسرائيليون والأتراك تقدماً ملحوظاً في شراكاتهم مع دول المغرب العربي والساحل، عبر اتفاقيات عسكرية وأمنية أو عبر صفقات وحضور عسكري، في الوقت الذي سجل فيه الأوروبيون تراجعاً أو على الأقل جموداً. ويعتبر منصف السليمي، الخبير بالشؤون المغاربية في مؤسسة DW الألمانية في تحليل بعنوان “المحرك” الألماني الفرنسي يواجه معادلة مغاربية صعبة !” منشور في 7 يناير 2022، أن ملفا ليبيا ومالي والاختراق الأمني الذي حققته مرتزقة فاغنر الروسية هناك، تحدياً أمنياً يؤرّق باريس والعواصم الأوروبية التي زادت الضغوط عليها في ظل إعلان فرنسا سحب قواتها وقواعدها في شمال مالي وإنهاء عملية “برخان” لحفظ السلام ومكافحة الجهاديين في منطقة الساحل الأفريقي.
كذلك، وفي ظل عدم الاستقرار والأزمات بمنطقتي شمال أفريقيا والساحل والصحراء، تزايد تدفق المهاجرين إلى أوروبا المنقسمة أصلاً في تعاطيها مع ملف الهجرة واللجوء. حيث رصدت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس” في تقرير نشرته بتاريخ 14 سبتمبر2021 ارتفاعاً ملحوظاً في معدل الهجرة غير النظامية إلى أوروبا بنسبة 64 % مقارنة بسنة 2020. وتُعزى عودة موجات الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط إلى رفع قيود جائحة كورونا ومظاهر عدم الاستقرار والأزمات في تونس وليبيا والسودان ودول جنوب الصحراء.
وقد أصبح ملف اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين أولوية لباريس، لا سيما مع انعكاساته الداخلية، وليس هنالك أدل على ذلك من قرار فرنسا تخفيض التأشيرات الصادرة للمغاربة والجزائريين إلى 50%، وللتوانسة إلى 30%، بعد فشلها في التوصُّل إلى اتفاق مع الدول المغاربية الثلاث بخصوص استرجاع المهاجرين غير النظاميين.
التعاون الأمني مع دول الخليج العربي
تنامي الاهتمام الفرنسي بأمن منطقة الخليج العربي مؤخراً، وهو ما تمثل في مؤشرين الأول: تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 16 يناير2020 أن فرنسا قامت بنشر منظومة رادار على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية لتعزيز دفاعاتها ضمن مهام جاجوار في أعقاب الهجمات التي تعرضت لها المنشآت النفطية السعودية من خلال الطائرات المسيرة “الدرون”، فضلاً عن إعلان فرنسا تأسيس البعثة الأوروبية لمراقبة الملاحة البحرية في مضيق هرمز والتي تتخذ من أبوظبي مقراً لها وتقودها فرنسا وتدعمها 8 دول أوروبية، وفقاً لبيان صدر عن وزارة الخارجية الفرنسية في 20 يناير 2020.
وتعزز التعاون الفرنسي الخليجي، مع قيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جولة خليجية في ديسمبر 2021، زار خلالها الامارات وقطر والمملكة السعوديةـ مصطحباً وزيرة الجيوش فلورانس بارلي ما ينبئ بأهمية الجانب العسكري الأمني في هذه الجولة، حيث تسعى فرنسا إلى طرح نفسها كـ “قوة توازن” في مواجهة أزمات الشرق الأوسط، وللسعى إلى توقيع صفقات بيع أسلحة وطائرات حربية مثل الرافال، ومعدات عسكرية متطورة تكنولوجيا، خاصة للسعودية التي تسعى لتطوير قدراتها في حربها ضد الحوثيين باليمن، وبالدرجة الثانية مع الإمارات.
في الإمارات، التي تُعدّ الإمارات موطن القاعدة العسكرية الفرنسية الوحيد في الخليج، “كامب دي لا باي”، في أبو ظبي، وُقعت اتفاقية بقيمة 17 مليار دولار، يتم بموجبها بيع 80 طائرةً مقاتلة فرنسية من طراز “رافال” لأبو ظبي، إضافة إلى 12 طائرة مروحية من طراز “كاراكال”، ضمن أكبر طلبية خارجية من الطائرات الفرنسية المقاتلة. وفقاً لـ “فرانس24 ” في 3 ديسمبر 2021.
وفي السعودية أيضاً، استطاعت شركة “إيرباص” توقيع عقد بيع 26 طائرة من طرازي “H145” و”H160» لشركة الطائرات المروحية السعودية. وتُعد فرنسا من أكبر بائعي الأسلحة للسعودية، بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. في عام 2015، وقعت السعودية وفرنسا صفقات بقيمة 12 مليار دولار. كما ذكرت “فرانس 24 ” في 4 ديسمبر 2021
أما قطر، للشركات الفرنسية اتفاقيات عديدة مستمرة، ولا سيما تلك المتعلقة بتأمين بطولة كأس العالم “FIFA” قطر 2022. كما أن قطر كان قد وقعت عقود شراء 36 طائرة مقاتلة فرنسية من طراز “رافال” من شركة “داسو أفياسيون” الفرنسية في العامين 2015 و2018، حسبما جاء في تقرير لـ CNN العربية بعنوان “وزارة دفاع قطر تعلن “تحصين” سمائها باستلام الـ”رافال ” في 6 يونيو 2019.
التعاون الأمني مع سوريا والعراق
بدأ التدخل الفرنسي المباشر بالمشاركة في القتال ضد تنظيم “داعش” في كل من العراق وسوريا في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، عبر مقاتلات ومدفعية وبعض القوات الخاصة التي تقدم استشارات للمقاتلين التابعين للميليشيات الكردية. كما أسهمت فرنسا في التحالف الدولي لهزيمة “داعش”، حيث وفّرت المدفعية، والدعم الجوي، والتدريب لقوات الأمن العراقية.
أرسلت باريس قوات إلى سوريا على الحدود مع العراق، لمحاربة داعش. وعندما أعلنت الولايات المتحدة انسحاب عددٍ من قواتها من سوريا في عام 2019، وجدت فرنسا نفسها، مع نحو 200 من القوات الخاصة، أكبر قوة غربية لها وجود عسكري في ذلك البلد.
أما العراق ، فخلال سنة واحدة فقط زار ماكرون بغداد مرتين، الأولى في 3 سبتمبر 2020 وأعلن خلالها عن مبادرته لدعم سيادة العراق، والثانية في 27 أغسطس 2021 لحضور مؤتمر التعاون الاقليمي والذي كان لماكرون دور كبير في إطلاق فكرته والعمل على تنظيمه والدعوة لإنجاحه، ما يوحي بالالتزام بشراكة استراتيجية ذو بعد أمني تؤشر تحولاً واضحاً في النهج الفرنسي في العراق والمنطقة والذي كان دوما ظلاً فقط للسياسة الأميركية، خاصة بعد الانسحاب الامريكي وانسحاب الناتو من أفغانستان ، في ظل مخاوف من احتمالات عودة داعش و بقوة أكبر في العراق بعد انسحاب كل القوات القتالية الامريكية من العراق في نهاية عام 2021، وتحول مهماتها إلى مهمات تدريبية فحسب بحسب الاتفاق الأخير بين الحكومتين الامريكية والعراقية.
التقييم
تسعى فرنسا إلى إظهار نفسها كقوّة عالميّة في معادلة الأمن في منطقة الشرق الأوسط وتقديم نفسها كوسيط في صراعات الشرق الأوسط، لملء الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة وغيرها من القوى الأوروبية الكبرى في هذه المنطقة القابعة على صفيح ساخن.
شهد التعاون بين فرنسا ودول الشرق الأوسط خاصة مصر ودول التعاون الخليجي على المستويات السياسية والتنسيق الأمني والعسكري تطوراً غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة.
يتم تحديث السياسة الخارجية الفرنسية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط بشكل منتظم، ولكنها تبقى قائمة على عوامل رئيسية: المصالح الأمنية، والعلاقات أو الاقتصادية، والنشاط الدبلوماسي، وتعزيز قدرات أوروبا على حماية نفسها.
الرابط المختصر:https://p.dw.com/p/RNVL
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
وزارة دفاع قطر تعلن “تحصين” سمائها باستلام الـ”رافال”.. ما هي قدرات هذه المقاتلة؟
https://cnn.it/3fARcxW
مخابرات المغرب تنقذ فرنسا من هجوم داعشي
https://bit.ly/3tG1mFA
فرنسا والجزائر.. تصعيد “غير مسبوق” ورهان على “عدم تجاوز هذا الحد”
https://arbne.ws/3fFUH5X
Migratory situation at EU’s borders in August: Detections on the rise
https://bit.ly/3qENHws
تحليل: “المحرك” الألماني الفرنسي يواجه معادلة مغاربية صعبة!
https://bit.ly/3KwbzKW