المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
بون ـ إعداد وحدة الدراسات والتقارير “3”
أمن دولي ـ ما قدرة أوروبا بإيجاد حل سياسي في السودان؟
أعربت القوى الدولية والإقليمية عن قلقها بشأن الحرب في السودان، وبصرف النظر عن المخاوف المتعلقة من نشوب أزمات لجوء أو تنامي أنشطة الجماعات المتطرفة والجريمة المنظمة ما يساهم في زعزعة الأمن الإقليمي والدولي، فهناك دوافع أخرى تلعب دورها، فالسودان دولة غنية بالموارد وتتمتع بموقع استراتيجي لذلك لم تتردد القوى الدولية والإقليمية من التدخل سواء كان بصورة مباشرة أو غير مباشرة للحفاظ على مصالحها في السودان.
الولايات المتحدة الأمريكية وكبح نفوذ الصين وروسيا
تشارك واشنطن في اللجنة الرباعية المختصة بالسودان، والتي تضم كذلك المملكة المتحدة والسعودية والإمارات العربية المتحدة. يكون اهتمام الولايات المتحدة باستقرار السودان مدفوعاً بأهدافها الاستراتيجية الأوسع في المنطقة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وتعزيز الديمقراطية وكبح جماح نفوذ الصين وروسيا في القارة السمراء.
يرى “ديفيد شين” مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق للشؤون الأفريقية والباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن في 17 أبريل 2023 أن “بلاده دعمت باستمرار الانتقال إلى حكومة مدنية وإجراء انتخابات ديمقراطية. وأشار “شين” إلى أن “هناك بعض الدلائل على أن كلاً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ترى في القتال الحالي تهديداً وجودياً لوجودهما، وإذا كان هذا هو الحال فقد يضطر أحد الطرفين إلى تحقيق نصر عسكري حاسم، أو أن يستنتج الجانبان أن المعركة لا يمكن حسمها ليختارا بدلاً من ذلك كسب الوقت”.
الاتحاد الأوروبي وتسوية سياسية في السودان
لم تتخذ الأطراف الدولية ومنها الولايات المتحدة، موقفا واضحا من المرحلة الانتقالية نحو إجراء انتخابات ديمقراطية بعد الإطاحة بالنظام السابق وعلقت هذه القوى الدعم المالي للسودان بعد الانقلاب، ثم دعمت خطة لإطلاق مرحلة انتقالية جديدة وتشكيل حكومة مدنية. أمن دولي ـ ما تداعيات “حرب” السودان على الأمن الإقليمي والدولي؟
أعلن الاتحاد الأوروبي تقديم حزمة حوكمة قدرها (15) مليون يورو، موجهة لثلاثة مجالات محددة للعام 2023 في ديسمبر 2022، ويواصل الاتحاد الأوروبي الدفع من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للصراع في السودان خاصة أن التكتل لا يمكنه تحمل زعزعة استقرار السودان من الداخل لأن هذا يرسل موجات من الصدمات في أفريقيا بأسرها ودول أوروبا في 24 أبريل 2023.
حذر وزير الخارجية الفنلندي “بيكا هافيستو” في 25 أبريل 2023 من أن روسيا قد تسد فراغ الدول الغربية التي أغلقت سفاراتها وأجلت دبلوماسيها وموظفيها من السودان مع تصاعد الحرب، وأكد “إننا نترك مساحة كبيرة لقوات فاغنر وروسيا للممارسة النفوذ. لذا أعتقد أنه يتعين على أوروبا تفعيل دورها في السودان”، مشدداً على ضرورة ألا يقتصر دور التكتل على إجلاء الرعايا، بل مساعدة السودانيين. وأضاف “أعتقد أن الاتحاد الأوروبي يمكنه فعل المزيد”.
يظهر أن الإستراتيجية الغربية لا سيما أوروبا في التعامل مع الأحداث في السودان ستكون من خلال التنسيق مع الدول الإقليمية التي لها تأثير في هذا البلد، وعدم التدخل مباشرة في المفاوضات والوساطات. كما أن الملف السوداني لا يظهر أنه أولوية للغرب المنشغل بالحرب الأوكرانية، وكل ما يبحث عنه هو قطع الطريق أمام أي تمدد روسي في السودان.
توسيع نفوذ روسيا
اجتمع وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” في فبراير2023 مع مسؤولين في السودان خلال جولة إفريقية أراد بها توسيع نفوذ موسكو. أقامت مجموعة “فاغنر” علاقات وثيقة في السودان وسعت إلى استغلال هذه الروابط لتعزيز المصالح الاقتصادية والعسكرية لموسكو، بما في ذلك امتيازات تعدين الذهب المربحة وصفقات الأسلحة. تستثمر روسيا في السودان في قطاع الموانئ وفي التعدين، وأيضا في الذهب. تتغلغل المصالح الروسية في شرق السودان المطلّ على البحر الأحمر؛ حيث يسعى الكرملين منذ سنوات إلى تدشين قاعدة عسكرية في “بورتسودان” قادرة على استضافة ما يصل إلى (300) جندي وأربع سفن بحيث ترسو السفن الروسية الحربية وتسيطر على واحد من أكثر الممرات البحرية كثافة وأهمية في العالم على طريق تجاري مهم للبحر الأحمر كذلك لشحنات الطاقة إلى أوروبا.
الصين واستثمارات في قطاع النفط
سعت بكين إلى تعزيز نفوذها في السودان من خلال تمويل البنية التحتية، وواصلت الصين الاستثمار في قطاع النفط في السودان وفي قطاع المباني والإنشاءات. تبنت الصين نهجاً أكثر حذراً تجاه الصراع في السودان حيث تسعى إلى الحفاظ على التوازن بين مصالحها الاقتصادية والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية. يعد السودان متلقياً كبيراً للتمويل الصيني في القارة الأفريقية، حيث تحتل بكين المرتبة الأولى كأكبر مقرض ثنائي، ووجه الصراع في السودان ضربة جديدة لاستراتيجية الصين في إفريقيا مما زاد من مخاطر القروض من بكين التي لا تقل قيمتها عن (5) مليارات دولار
الإمارات العربية المتحدة وضمان أمنها القومي
استأجرت أو اشترت دولة الإمارات العربية المتحدة من السودان مساحات شاسعة قامت بزراعتها بالمحاصيل الاستراتيجية لضمان أمنها الغذائي، وتصدير الفائض. تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة الاستثمارات الأكبر في موانئ السودان ونجحت بالحصول على امتياز استثمار إدارة ميناء “ابو عمامه” باستثمارات بلغت حوالي (6) مليارات دولار، كما أن أبو ظبي تستثمر في ذهب السودان بعد أن أصبحت من أهم مراكز الذهب في العالم بأكثر من (8%) من صادرات العالم. اتفقت شركة طيران مقرها الإمارات مع شريك سوداني لإنشاء شركة طيران جديدة منخفضة التكلفة يكون مقرها في الخرطوم.
المملكة العربية السعودية واستقرار الملاحة
تقود المملكة العربية السعودية الجهود لتأمين وقف إطلاق نار فعال، وتمتلك المملكة مصالحها مع السودان، وتتمثل باستثمارات بمليارات الدولارات كما تحرص الرياض على استقرار الملاحة بالبحر الأحمر وعدم عودة القرصنة، وتربطها علاقات جيدة مع طرفي الصراع فكلاهما أرسل قوات إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. بلغ حجم التبادل التجاري بين السودان والسعودية عام 2019 حوالي (8) مليارات دولار، ويتجاوز حجم الاستثمارات السعودية التي نفذت في السودان والتي تعد الأولى عربياً بحوالي (15) مليار دولار. أمن دولي- مخاطر انزلاق السودان نحو الفوضى على الأمن الإقليمي والدولي. بقلم آندي فليمستروم
جمهورية مصر العربية والأمن المائي
تمتلك مصر والسودان “حدودا بطول (1200) كم، ونهراً مشتركاً، ومخاوف أمنية متبادلة”. لمصر مصلحة طويلة الأمد في استقرار السودان، بالنظر إلى الحدود المشتركة بين البلدين والأهمية الاستراتيجية لنهر النيل. شاركت مصر بنشاط في الوساطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ومخاطبة الطرفين لإحتواء الأزمة والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. الدافع الأساسي لمصر هو منع اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق في السودان، مما قد يؤدي إلى تدفق اللاجئين ويؤثر سلبًا على الأمن المائي في مصر إذ تعتبر القاهرة سد النهضة تهديداً لمصدرها الرئيسي من المياه.
إثيوبيا ومفاوضات سد النهضة
تتمتع إثيوبيا وكينيا، القوتان البارزتان في شرق إفريقيا ببعض النفوذ بسبب دورهما البارز في الدبلوماسية الإقليمية والوساطة السابقة في السودان. تعتبر إثيوبيا التي تبني سدّ النهضة على نهر النيل من الدول التي يمكن أن يكون لها تأثير في النزاع. ترتبط إثيوبيا بعلاقات جيدة مع السودان وطرفيه المتنازعين وآخر شيء يريده الإثيوبيون هو تنفير الجنرالات الذين سيشاركون في المفاوضات النهائية حول السد.
يلعب العديد من اللاعبين في الأزمة السودانية في 19 أبريل 2023 لعبة معاكسة لتحالفاتهم المعتادة، وسط تحذيرات من الخلاف الداخلي بين الجيش وقوات الدعم السريع ، ومن غير المستبعد أن يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها. باتت المخاوف في دول الجوار كبيرة، حيث يتخوف البعض من تدمير حضري للخرطوم، وتدفق اللاجئين على دول الجوار ودول أخرى، والسيناريو الأسوأ هو انزلاق الوضع في السودان إلى ما حدث في سوريا قبل سنوات. مكافحة الإرهاب ـ استراتيجية الاتحاد الأوروبي الجديدة في القرن الإفريقي. جاسم محمد
التقييم
– يعتبر السودان لاعباً سياسياً مهماً على المستوى الإقليمي ولديه موقع جغرافي وموانئ استراتيجية وموارد طبيعية هائلة ، مثل الذهب والنفط مرغوبة إقليميا ودوليا. تتمتع جمهورية مصر العربية بعلاقات وثيقة مع الجيش السوداني، وأقامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أيضاً بعلاقات وثيقة مع كل من الجيش وقوات الدعم السريع.
– يركز دول الجوار والقوي الإقليمية على وقف التصعيد وتتصاعد المخاوف من من انتقال عدوى الاضطرابات السياسية إليهم ونشوب أزمة لجوء وتسلل الجماعات المتطرفة وصعود تيارات الإسلام السياسي ويبدو أنه لن يكون من السهل إقناع أطراف الصراع بأي نوع من وقف إطلاق النار.
– تسعى روسيا لتوسيع النفوذ في القارة الإفريقية لا سيما السودان عبر إبرام اتفاق لبناء قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر في “بورتسودان” وهي نتيجة تبدو الآن غير مرجحة على نحو متزايد.
– تعمل السياسة الأمريكية في السودان على كبح نفوذ الصين وروسيا الذي يعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر في القارة ككل ما يكون له تأثير كبير على سياسة الولايات المتحدة في إفريقيا والشرق الأوسط.
– تخشى العديد من الدول الأوروبية من بناء روسيا قاعدة بحرية في “بوتسودان” ما يهدد أمن الطاقة الأوروبي خاصة وأن القاعدة ستكون على أهم الممرات البحرية كثافة والتي تنتقل من خلاله شحنات الطاقة إلى أوروبا.
– لا يعد الملف السوداني أولوية للدول الأوروبية المنشغلة بأزمة أوكرانيا وكل ما يهم الدول الأوروبية هو منع تمدد موسكو في السودان، وخلاصة السياسة الأوروبية هي التنسيق مع دول الجوار التي لها نفوذ وعدم التدخل المباشر في المفاوضات.
– يمكن أن يجعل التنافس الدولي لتوسيع النفوذ في السودان أي جهود سلام أكثر تعقيداً من الحرب نفسها ويبدو أن عودة الاستقرار في السودان غير مرجح على المدى القريب إلى المتوسط ومن المحتمل أن طول أمد الحرب قد يزعزع استقرار منطقة الساحل والقرن الأفريقي.
– ماينبغيعلى الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وهو اتخاذ خطوات أكثر جدية لخفض التوترات وتأسيس جيش موحد كذلك تسوية الملفات حول إصلاح القطاع الأمني، وتسريع المفاوضات بشأن تشكيل حكومة انتقالية مدنية لأن هذا ضروري لمعالجة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=88362
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
هوامش
Russian mercenaries closely linked with Sudan’s warring generals
https://wapo.st/3I9yjAP
In Sudan, U.S. Policies Paved the Way for War
https://bit.ly/3nYC5WW
Sudan conflict delivers fresh blow to China’s African lending strategy
https://on.ft.com/42EUNls
بوريل: الاتحاد الأوروبي سيواصل الدفع من أجل تسوية في السودان
https://bit.ly/3pKabOV
اشتباكات السودان: كيف يؤثر ما يحدث على دول أخرى حول العالم؟
https://bbc.in/41FIvrq
حرب الظل بين حلفاء حميدتي والبرهان.. من له مصلحة في السودان؟
https://bit.ly/3MvbLNx