بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (2)
طالب “فولوديمير زيلينسكي” الرئيس الأوكراني، حلفاءه الغربيين على زيادة الدعم العسكري والسياسي لـ”كييف”مع دخول حرب أوكرانيا عامها الثالث. ومع فشل الهجوم الأوكراني المضاد تمكنت موسكو من تحقيق مكاسب متزايدة بسبب نقص الموارد البشرية ونقص تسلح الجيش الأوكراني. فضلا عن الانقسامات والتردد الغربي في دعم أوكرانيا ورفض واشنطن حزمة المساعدات بقيمة (60) مليار دولار لدعم أوكرانيا.
أوكرانيا تتبني إجراءات استثنائية
كشفت إحصائية بشأن حرب أوكرانيا في 25 فبراير 2024 عن مقتل (31) ألف جندي أوكراني. كما تحققت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من وقوع (29579) قتيلا وجريحا بين المدنيين، حيث قتل (10242) شخصا، من بينهم (575) طفلا، وأكثر من (19300) جريحا، من بينهم (1264) طفلا. أصبحت روسيا تسيطر على ما يقرب من (20%) من الأراضي الأوكرانية، ففي 19 يناير 2024 سيطرت روسيا على بلدة “فيسيلويه” شمال شرق “أرتيوموفسك ” (باخموت).
تتجه السطات الأوكرانية نحو تبني إجراءات استثنائية تكيّف الاقتصاد مع تداعيات حرب أوكرانيا. فأوكرانيا تقف أمام تحديات أهمها عجز ميزانية يبلغ نحو (41) مليار دولار من أصل إجمالي يصل إلى (93) مليار، منها (47) مليارا لقطاع الدفاع. وبحسب وزارة الاقتصاد، نما الناتج المحلي في أوكرانيا بنسبة (5%) في عام 2023، بعد انخفاضه بنسبة (28.8%) في العام 2022، كما تراجعت نسب التضخم من (26 إلى 9% ) في الفترة ذاتها.
صادقت أوكرانيا في سبتمبر 2023 على مسودة موازنة لعام 2024، كشفت فيها عن خطط بزيادة إنفاقها الدفاعي، بموازاة اعتمادها على الدعم المالي الغربي لسد العجز المتوقع. وفي هذا الإطار، حددت مسودة الموازنة المذكورة العجز المتوقع عند (41.4 مليار دولار أميركي)، أي ما يناهز (20.4%) من إجمالي الناتج المحلي الأوكراني. أمن دولي ـ تداعيات حرب غزة وأوكرانيا على أمن أوروبا والشرق الأوسط
الهجوم الأوكراني المضاد لم يحقق الهدف
انسحبت القوات الأوكرانية وسط نقص حاد في الذخيرة، من بلدة “أفدييفكا” في شرق البلاد في خطوة تشكل انتصارا رمزيا لروسيا، وتمهد الطريق لأكبر تقدم روسي ووفق قائد الجيش الأوكراني الجديد أولكسندر سيرسكي فإن جنوده انسحبوا إلى مواقع أكثر أمنا خارج البلدة. تعد السيطرة على “أفدييفكا” أمرا أساسيا في هدف روسيا المتمثل في تأمين السيطرة الكاملة على الإقليمين اللذين يشكلان منطقة دونباس الصناعية.
قدمت الاستخبارات الإيطالية تقريرا في 28 فبراير 2024 تضمن تقييماتها لأسباب عدم تحقيق القوات الأوكرانية لأهداف هجومها المضاد في العام 2023. حيث جاء أن “الهجوم الأوكراني المضاد لم يحقق الهدف المقرر الرئيسي، ألا وهو قطع الممر البري الذي يوصل روسيا بالقرم”. أوضحت الاستخبارات الإيطالية أنه “من بين العوامل الرئيسية التي أثرت على العملية، نقص الوقت المحدد لتحضير القوات، وإمكانيات محدودة للهجمات من الجو ومن قبل المدفعية، وكذلك الفشل في مباغتة الدفاعات الروسية”.
لايرى ميشيل غويا، المؤرخ العسكري والعقيد السابق في القوات البحرية الفرنسية، بعد طرحه احتمال انهيار روسي في الجنوب الأوكراني ونقل المعركة إلى شبه جزيرة القرم، أن أي طرف قادر على فرض نصر كامل، ولذا فإن الفرضية الأكثر احتمالا برأيه هي استمرار الوضع الراهن لفترة طويلة جدا، بعدها يمكن للتحول السياسي إما إعادة إطلاق الحرب أو البحث عن السلام.
مواقف الدول الغربية من تقديم الدعم إلى أوكرانيا
الاتحاد الأوروبي : أنفق الاتحاد الأوروبي وحلفاؤه الإقليميون أكثر من (100) مليار دولار لتمويل جهود الدفاع في أوكرانيا. ووافق زعماء الاتحاد الأوروبي على حزمة بقيمة (54) مليار دولار لأوكرانيا حتى العام 2027.
بريطانيا : تعهدت بريطانيا باستثمار نحو (250) مليون جنيه إسترليني (317 مليون دولار) لدعم أوكرانيا في 24 فبراير 2024. ومن المتوقع أن تصل المساعدات العسكرية البريطانية للعام 2024/2025 إلى (205) مليار جنيه إسترليني بزيادة قدرها (200) مليون جنيه إسترليني. وكانت قد تعهدت المملكة المتحدة بتقديم أكثر من (15) مليار دولار لدعم أوكرانيا منذ عام 2022.
فرنسا : كشفت فرنسا في 27 فبراير 2024 أنه من غير المستبعد إرسال قوات برية غربية لإلحاق الهزيمة بروسيا كذلك دعم أوكرانيا بصواريخ وقنابل متوسطة وطويلة المدى. من المتوقع أن يوقع الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” اتفاقيات ثنائية مع ألمانيا وفرنسا لحشد الدعم الغربي.
ألمانيا : تضغط ألمانيا على شركائها في أوروبا والولايات المتحدة الالتزام بشأن الإمدادات العسكرية لأوكرانيا. اعتزمت ألمانيا تقديم حزمة عسكرية شاملة لأوكرانيا بمليار يورو في العاشر من أكتوبر 2023. جدد المستشار الألماني أولاف شولتس رفضه تزويد أوكرانيا بصواريخ “تاوروس” بعيدة المدى، مؤكدا أن هذه الخطوة “لن تكون مسؤولة”، محذرا من خطر أن تجد ألمانيا نفسها “متورطة بطريقة ما في الحرب” مباشرة في 26 فبراير 2024.
بولندا : تعد بولندا في مقدمة الدول الداعمة لأوكرانيا ومن أبرز مزوديها بالأسلحة منذ بدء حرب أوكرانيا. وتوقفت بولندا عن تسليح أوكرانيا لكي تركز على تعزيز قوتها الدفاعية الخاصة في 21 سبتمبر 2023.
بلغاريا : عارضت بلغاريا في ديسمبر 2023 الاتفاقية الخاصة بإرسال ناقلات جنود مدرعة إلى أوكرانيا بشكل مجاني. والتى وافق عليها البرلمان البلغاري فى 22 نوفمبر 2023 لكي يتم استخدامها لحماية الحدود البلغارية.
المجر : عرقلت المجر في 15 ديسمبر 2023 إقرار مساعدة أوروبية لأوكرانيا بقيمة (50) مليار يورو، بعدما استخدمت حق النقض “الفيتو” في قمة الاتحاد الأوروبي. وعلل رئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان” القرار بضرورة الإفراج عن “جميع الأموال الأوروبية” المخصصة لبلاده والبالغة مليارات الأوروات. وعارض “أوربان” أيضا فتح مفاوضات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.
الولايات المتحدة الأمريكية : طالب “زيلينسكي” بتزويد بلاده بالمزيد من الأسلحة لتجنب وضع “كارثي” في أوروبا.وكانت الولايات المتحدة قد ألقت باللائمة على انسحاب أوكرانيا من المعركة في “أفدييفكا” في غياب دعم الكونغرس.
أنفقت الولايات المتحدة (66) مليار دولار، وأكدت واشنطن إنه لا يمكن للولايات المتحدة تقديم الدعم اللازم لأوكرانيا دون موافقة الكونغرس الأمريكي على حزمة المساعدات المالية التي طلبها. وردا على سؤال حول ما إذا كان الولايات المتحدة ستتمكن من تزويد أوكرانيا بالذخيرة دون موافقة الكونغرس على حزمة المساعدات بقيمة (60) مليار دولار، أجاب بايدن بـ”لا”. مكافحة الإرهاب ـ حرب غزة وانعكاساتها على أمن فرنسا؟
أسباب فشل الهجوم الأوكراني المضاد
بدأ الموقف الغربي الموحد الذي أظهره في عام 2022، واستمر طوال عام 2023 لدعم أوكرانيا في التأرجح. فقد باتت حزمة المساعدات الدفاعية الأمريكية رهينة لما وصفه الرئيس “بايدن” بـ “السياسات الشحيحة” في واشنطن. ويبدو أن مستقبل المساعدات الاقتصادية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي يعتمد على المواقف الذي تتخذها بعض الدول الأعضاء كالمجر.
طول أمد حرب أوكرانيا : عدم وجود حلول للصراع منذ العام 2022، والتنافس على الاهتمام السياسي في الشرق الأوسط فضلا عن المخاوف الأوروبية الناجمة عن أزمات تكاليف المعيشة الناجمة عن التضخم في جميع أنحاء أوروبا. يصبح إنفاق مبالغ ضخمة على أوكرانيا أكثر صعوبة من الناحية السياسية للحكومات الأوروبية. سيصبح الضغط السياسي على الإنفاق أكثر وضوحا مع إجراءالانتخابات البرلمانية الأوروبية والانتخابات الوطنية في الدول الأعضاء.
تراجع شعبية زيلينسكي : قرر الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” في الثامن من فبراير 2024 استبدال قائد الجيش الأوكراني الجنرال “فاليري زالوجني” بقائد القوات البرية الكولونيل جنرال “أولكسندر سيرسكي”. حيث قدرت استطلاعات الرأي ثقة الجمهور في “زالوجني” بأكثر من (90%)، أي أعلى بكثير من زيلينسكي الذي قدرت شعبيته بنحو (77%) أواخر العام 2023.ولم تكن شعبية زيلينسكي تتراجع على المستوى الشعبي فقط، بل وصل الأمر إلى المستوى السياسي.
نقص الموارد البشرية : يواجه الجيش الأوكراني صعوبات لتجنيد الجنود بالإضافة إلى نقص في الموارد البشرية والخبرات والتدريب. كذلك يسيطر الإرهاق على بعض الجنود منذ بداية حرب أوكرانيا مع ندرة المتطوعين. يواجه الجيش صعوبة في التعويض عن القتلى والجرحى كما أن أعمار ( 40% ) من عناصر بعض وحدات الجيش الأوكراني تبلغ (45) عاما. كما هناك معاناة من الفساد الذي سمح للمجندين بالفرار من الجيش، وهو ما اضطُر الرئيس “زيلينسكي”إلى إقالة جميع مسؤولي التجنيد في المناطق.
نقص التسلح : يريد الاتحاد الأوروبي تحويل صناعته الدفاعية إلى وضع الحرب في 27 فبراير 2024، ووضع خطته استراتيجية صناعة الدفاع الأوروبية. يهدف الاتحاد الأوروبي إلى قلب الطريقة التي يمول بها ويبيع الأسلحة، والتي حفزتها حرب أوكرانيا والتحذيرات من الدول الغربية من أن روسيا المحاربة قد تهاجم دولة عضو في الناتو. الهدف الرئيسي للاستراتيجية الصناعية الدفاعية الأوروبية، هو أن تخضع الكتلة “لتحول نموذجي من الاستجابة لحالات الطوارئ إلى الاستعداد الدفاعي”. أمن دولي ـ عوامل تصعيد العنف في الشرق الأوسط، حرب غزة
تقييم وقراءة مستقبلية
– تزايدت مطالب أوكرانيا للدول الغربية والاتحاد الأوروبي، لزيادة الدعم العسكري والسياسي لها، مع دخول حرب أوكرانيا عامها الثالث، لاسيما بعد الانسحاب من بلدة “أفدييفكا” الرئيسية .
– تشير التقييمات الاستخباراتية الغربية إلى أن الهجوم المضاد لم يحقق الأهداف التي كانت تسعى إليها الدول الغربية وأوكرانيا لحسم الصراع.
– يمكن القول أن عدم تحقيق أهداف الهجوم المضاد أحد أسبابه هي نقص التسلح وتأخير تقديم المساعدات الخارجية الذي أدى إلى تباطؤ قدرة أوكرانيا على تزويد جيشها بالأسلحة.
– شكل تراجع شعبية الرئيس الأوكراني، وعدم توفير عدد كاف من الموارد البشرية، والقصور فيتجنيد وتدريب قوات جديدة، تحديا كبيرا ساهم في عدم تحقيق أهداف الهجوم الأوكراني المضاد.
– بات متوقعا استعادة أوكرانيا زمام المبادرة بفضل المساعدات الغربية، ومن المرجح أن تستمر أوكرانيا في هجوها المضاد ضد روسيا، في حال تسريع وتيرة الدعم الغربي سياسيا وعسكريا.
– من المحتمل في ظل الانقسامات والتردد الغربي في تقديم الدعم لأوكرانيا أن تتجه موسكو لاستعادة نفوذها في أوروبا، وتقويض حلف شمال الأطلسي.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=93021
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI
الهوامش
The Quiet Transformation of Occupied Ukraine
الجيش الأوكراني ينسحب من بلدة أفدييفكا في خطوة تشكل انتصارا رمزيا لروسيا
الجيش الأوكراني: نقص في الأفراد وصعوبات في التجنيد
EU plans to create defense-industrial complex ready for war