بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات
يمكن تصفح الملف نسخة pdf ملف أمن دولي ـ البحر الأسود، الاستعداد للتصعيد
يتناول الملف بالعرض والتحليل أهمية البحر الأسود في الحرب الروسية الأوكرانية، من حيث أهميته الجيوسياسية عسكرياً واقتصادياً، وتحوله لجبهة جديدة في الحرب، والصراع الروسي الغربي للسيطرة عليه. كما يتطرق الملف لمخاطر تقاطع الطائرات الأمريكية الروسية فوقه، وعسكرته. ويركز الملف في تحليه على المحاور التالية:
- أمن دولي ـ أهمية البحر الأسود في حرب أوكرانيا
- أمن دولي ـ البحر الأسود جبهة جديدة في حرب أوكرانيا
- أمن دولي ـ ما تداعيات تقاطع طائرات روسية أمريكية فوق البحر الأسود؟
- أمن دولي ـ مخاطر تعزيز وجود الناتو في البحر الأسود
1- أمن دولي ـ أهمية البحر الأسود في حرب أوكرانيا
اِحتلَّ البحر الأسود أهمية إستراتيجية كبيرة إقليمياً ودولياً، وأصبح يشكل أهمية اقتصادية كبيرة باعتباره ممراً لنسبة كبيرة من التجارة حول العالم. يُعد البحر الأسود بالنسبة لروسيا شريان الحياة اللوجستي للقواعد البحرية الروسية، أما بالنسبة لحلف شمال الأطلسي يشكل أهمية استراتيجية نظراً للالتقاء المادي للعديد من الحلفاء والشركاء ، كذلك يسعى الحلف تخفيف الخناق الذي فرضته البحرية الروسية على موانئ البحر الأسود، فأي سيطرة على البحر الأسود باتت تقلب موازين القوى في حرب أوكرانيا.
البحر الأسود أهمية سياسية وعسكرية
يُعد بحر داخلي بين الجزء الجنوبي الشرقي من أوروبا وآسيا الصغرى، يتصل بالبحر الأبيض المتوسط عن طريق مضيق البوسفور وبحر مرمرة. وتصب فيه أنهار كثيرة. ويُعتبر أحد أبرز المنافذ للبحرية الروسية نحو المياه الدافئة. وتحيط به دول روسيا وأوكرانيا، ومولدافيا، ورومانيا، وبلغاريا، وتركيا وجورجيا. فيما يمثل البحر الأسود أهمية بالغة للعديد من البلدان الأخرى وراء حدودها، بسبب تجارة الطاقة والصلب والمنتجات الزراعية بالإضافة إلى أهميته العسكرية والسياسية، كما يتدفق الوقود من القوقاز وآسيا الوسطى إلى أوروبا والعالم عبر البحر الأسود وحوله.
أكد حلف شمال الأطلسي في 21 يوليو 2023 إنه يبحث مع أوكرانيا الوضع الأمني في البحر الأسود، وذلك بناء على طلب من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وذكرت “أوانو لونجيسكو” المتحدثة باسم الحلف أن “مجلس حلف شمال الأطلسي-أوكرانيا” الذي تشكل خلال قمة الحلف سيبحث الوضع بعد انسحاب روسيا من الاتفاق الذي مضى عليه عام والذي يشرف على صادرات الحبوب من المواني الأوكرانية”.أزمة أوكرانيا – ما أهمية ترشيح أوكرانيا لعضوية الإتحاد الأوروبي؟
أسطول البحر الأسود الروسي (سيفاستوبول)
تمتلك روسيا بشكل عام ( 570) بارجة وسفينة حربية، بما في ذلك (49) غواصة حتى فبراير 2022. يضمن أسطول البحر الأسود أمن روسيا في جنوب البلاد، ويضم العشرات من أحدث السفن الهجومية والغواصات المجهزة بأحدث أسلحة الصواريخ، التي تسمح بحل أي مشكلات في مناطق البحار والمحيطات البعيدة. في عام 2023 جُددت القوة القتالية لأسطول البحر الأسود بثلاث سفن صاروخية صغيرة من طراز “كاراكورت”، وتكون مسلحة بصواريخ بعيدة المدى وعالية الدقة من طراز “كاليبر”. يضم أسطول البحر الأسود الروسي:
- غواصات الديزل الكهربائية (تعمل بالطاقة الكهربائية بالإضافة للديزل).
- سفن قادرة على العمل في البحار البعيدة والقريبة.
- طائرات حاملة للصواريخ وطائرات مخصصة لمكافحة الغواصات والمقاتلات.
- وحدات قوات خفر السواحل.
الأسطول الأوكراني في البحر الأسود
تمتلك أوكرانيا بشكل عام (24) سفينة حربية فقط، فيما لا تمتلك أي غواصة حتى فبراير 2022. اهتمت كييف بتطوير صواريخ “نبتون” البحرية، كما لديها قوات متواضعة قبالة “أوديسا”، تشمل سفينة البحث والإنقاذ “دونباس” وزورق السحب “كوريتس”، وزوارق المدفعية “كريمينتشوغ” و”لوبني”، وقارب الإنزال الهجومي “كينتافر”، والقارب الصاروخي “بريلوكي في 20 يوليو 2023”. كما تمتلك زوارق مسيرة، لأداء مهام للسيطرة على الملاحة في الجزء الجنوبي الغربي من البحر الأسود. أزمة أوكرانيا – دول البلطيق والتداعيات الاقتصادية. بقلم إكرام زياده
ناقشت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها إمكانية تزويد أوكرانيا بصواريخ مضادة للسفن العسكرية، هذه الأسلحة بإمكانها أن تخفف الخناق الذي فرضته البحرية الروسية على الموانئ المتواجدة في البحر الأسود، وعززت أوكرانيا من ترسانتها البحرية العسكرية بمسيرات بحرية في ضرب أهداف روسية. أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تدمير آخر سفينة حربية تابعة للقوات البحرية الأوكرانية “يوري أوليفيرينكو” في ميناء “أوديسا”.
اتفاقية “مونترو”
تمنح الاتفاقية تركيا سيطرة معينة على مرور السفن الحربية من مضيق الدردنيل والبوسفور التي تربط بحر إيجة ومرمرة والبحر الأسود. وفيما يلي أهم الإجراءات الخاصة بالسفن التجارية والحربية:
الإجراءات الخاصة بالسفن التجارية: تدخل السفن التجارية في زمن السِّلْم بصرف النظر عن الحمولة أو العَلَم، عبر مضيق البسفور دون أي إجراء أو تفتيش، ولكن يبقى الحق لتركيا في إجراء رقابة صحية على السفن العابرة من المضيق. في زمن الحرب، ستدخل السفن التجارية غير المتحاربة مع تركيا بصرف النظر عن الحمولة أو العَلَم دون أي عوائق، ولكن يحق لتركيا منع السفن التجارية للدولة المتحاربة معها من دخول المضيق.
الإجراءات الخاصة بالسفن الحربية: يحق لجميع الدول العبور بسفنها الحربية عبر المضيق في زمن السِّلم،، ولكن بشرط إعلام الحكومة التركية قبل وقت العبور بمدة (8) أيام لدول البحر الأسود، و(15) يوماً للدول غير المُطلّة على البحر الأسود، ويُمكن للغواصات الحربية المرور من المضيق شريطة الظهور على السطح، ولكن يُمنع مرور حاملات الطائرات بشكل قاطع. في زمن الحرب، إذا كانت تركيا من الدول غير المشتركة في الحرب، فإن السفن الحربية لجميع الدول غير المشتركة في الحرب يمكن لها العبور من المضيق. أزمة أوكرانيا – دول البلطيق والتداعيات الاقتصادية. بقلم إكرام زياده
أهمية البحر الأسود إقليمياً ودولياً
روسيا : يلعب البحر الأسود دورا حيوياً في تنفيذ عمليات التمدد الروسية نحو الخارج وأصبح البحر الأسود هو شريان الحياة اللوجستي القواعد البحرية الروسية ، حيث منحها حرية التحكم في القاعدة البحرية بـ”سيفاستوبول”، والتي تُعد ثاني أهم موضع في البحر الأسود بعد المضائق التركية. أصبح بمقدور موسكو عرقلة تصدير نحو (95%) من الحبوب الأوكرانية المصدرة للخارج عبر البحر الأسود، وهي ورقة مهمة تستطيع روسيا من خلالها التأثير على أسعار الغذاء عالمياً. كما نشرت في البحر الأسود سفناً تحمل صواريخ كاليبر التي يصل مداها إلى (2500) كيلومتر، ما يهدد الأمن القومي لأوروبا.
الولايات المتحدة الأمريكية : قدم نائب الكونجرس “ميت رومني” مشروع قانون يدعو إلى صياغة استراتيجية أمريكية رسمية تجاه البحر الأسود، فيما أشار عدد من الخبراء إلى أهمية الاعتماد على الحلفاء الإقليميين في المنطقة وفي مقدمة هؤلاء الحلفاء تركيا التي تتحكم في حركة المرور عبر المضائق، كما تملك قدرات عسكرية متطورة مقارنة ببقية البلدان الصديقة المطلة على البحر الأسود، وبدأوا في مناقشة عروض يمكن لواشنطن تقديمها لأنقرة.
حلف الناتو : يعد البحر الأسود أمر ذو أهمية استراتيجية لحلف شمال الأطلسي نظراً للالتقاء المادي للعديد من الحلفاء والشركاء والمعارضين – بالإضافة إلى رواسب الهيدروكربونات الغنية، وممرات شحن الحبوب الحيوية، وإحدى الطرق لتعزيز وجود الناتو في البحر الأسود هي إرسال وحدات خاصة لإزالة الألغام تشمل السفن والطائرات وتعزيز أنشطته الاستخباراتية ، بما في ذلك بمساعدة الطائرات المسيّرة.
تركيا : تعتبر تركيا اتفاقية “مونترو” هامة لأنها تكرس سيطرة أنقرة على الوصول إلى البحر الأسود في القانون الدولي. وقبل الحرب، كانت دول حلف شمال الأطلسي التي لا تقع على الحدود البحرية تقوم بدوريات في مياهه بشكل متكرر، لكن لم يكن لدى أي منها سفن هناك . وقد جمد هذا الوضع بسبب قرار تركيا في وقت مبكر من الحرب بإغلاق المضائق بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود أمام أي سفن حربية ليس لدى دولها ميناء رئيسي هناك. وقد منعت هذه الخطوة، روسيا من جلب سفن حربية إضافية من أساطيلها الأخرى إلى البحر الأسود. لكنها تمنع أيضا معظم دول حلف شمال الأطلسي من جلب سفن حربية.
الصين: وصلت بوصفها قوة ناشئة في منطقة البحر الأسود، حيث يجلس هذا البحر بثبات في إستراتيجية الحزام والطريق لتوسيع الاستثمار في البنية التحتية وتطوير شبكات التجارة، لا سيما في جورجيا وبلغاريا وتركيا، رغم الصعوبات المفاجئة في رومانيا وأوكرانيا. أزمة أوكرانيا ـ أمن أوكرانيا على حساب أمن أوروبا ؟
التصعيد الأمني على طول البحر الأسود
يشير “ماكسيميليان هيس” الباحث البريطاني بـ”معهد أبحاث السياسة الخارجية، شؤون آسيا الوسطى” في 26 أبريل 2022 إلى أنه من أجل الاستعداد بشكل أفضل للتصعيد المحتمل لهذه القضايا الأمنية على طول البحر الأسود، من المهم أن نفهم تركيبة القوى في المنطقة، ومصالحها الخاصة، ولماذا أثبتت عدم قدرتها على الحفاظ على سلامتها حتى الآن. وأضاف ربما كان أحد أهم التحولات الإستراتيجية هو انضمام بلغاريا ورومانيا إلى الناتو عام 2004، ثم الاتحاد الأوروبي بعد ذلك بـ (3) سنوات. وفي حين أن تركيا واليونان كانتا عضوتين منذ فترة طويلة في الناتو، فإن التوترات بينهما غالبا ما جعلت التعاون في المنطقة محدوداً.
**
2- أمن دولي ـ البحر الأسود جبهة جديدة في حرب أوكرانيا
اجرت “كييف” تعديلات على إستراتيجية هجومها المضاد، بعدما واجهت خطوط دفاع قوية شيدتها موسكو. وتمثل السيطرة على البحر الأسود هدف حرب واضحاً بالنسبة لروسيا، وأحد أسباب ضم شبه جزيرة القرم عام 2014. وعلى الرغم من رغبة الناتو المعلنة في تجنب المواجهة المباشرة مع روسيا، فإن مخاطر وقوع “خرق في قواعد غير مقصودة، ممكن ان يخرج عن نطاق السيطرة وهذا مايزيد من مخاوف أمن الطاقة العالمية والأمن الغذائي.
اتفاق الحبوب الأوكراني وممرات التضامن الأوروبية
وقعت روسيا وأوكرانيا على اتفاقية الحبوب برعاية أممية ووساطة تركية في يوليو 2022، وكان الهدف منها ضمان شحن الحبوب الأوكرانية العالقة في الموانئ عبر البحر الأسود بسبب الحرب وتخفيف حدة أزمة الغذاء العالمية بفتح باب التصدير بأمان أمام الحبوب الأوكرانية. تعود أهمية الاتفاق إلى موقع أوكرانيا في سوق الحبوب العالمي إذ تعد واحدة من أكبر موردي الحبوب حيث يعتمد (400) مليون شخص في جميع أنحاء العالم على الحبوب الأوكرانية. ساعدت الاتفاقية بالإضافة إلى ما يُعرف بـ “ممرات التضامن الأوروبية” الداعمة للصادرات الأوكرانية، في خفض أسعار المواد الغذائية وأيضا استقرارها.
انتهى سريان اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود في 17 يوليو 2023 دون أي تمديد، فيما تستمر الاتصالات الدولية للحصول على موافقة روسيا لتمديد الاتفاق. يقول “الدكتور كونستانتينوس” العالم الاقتصادي وأستاذ في السياسة العامة في 24 يوليو 2023: “إن “ديناميكيات السوق ستتغير على الفور. أنت تعلم أن السوق يتبع دائماً الجديد”.” وأضاف: “إن الدول ستواجه مشاكل خطيرة في تأمين مصادر لوارداتها من القمح والزيت النباتي ووارداتها من الأسمدة من روسيا وبالطبع ستواجه قضايا متتالية أخرى خاصة عندما يتعلق الأمر باللاجئين والنازحين داخلياً في أفريقيا”.أزمة أوكرانيا – ما أهمية ترشيح أوكرانيا لعضوية الإتحاد الأوروبي؟
تنامي الصراع في البحر الأسود
تعود أهمية البحر الأسود في الصراع بين القوى الكبرى، إلى صراع قديم متجدد بين مقاربتين: الأولى؛ تدفع باتجاه دفع روسيا إلى الانكفاء للداخل لتصبح دولة غير فاعلة عالمياً، والثانية؛ تقوم على انفتاح روسيا بحرياً إلى الخارج انطلاقا من البحر الأسود نحو البحر المتوسط لتستعيد دورها المؤثر على الساحة الدولية.
أصبح البحر الأسود مسرحاً خطيراً للتوترات العسكرية والجيوسياسية بعد قرار موسكو بالانسحاب من صفقة الحبوب الأممية، وبعد أن كان البحر الأسود بعيداً إلى حد ما من القتال على الخطوط الأمامية، يضع البحر الأسود روسيا ودول حلف شمال الأطلسي “الناتو” في نوع من القرب الذي لا يوجد في مسارح الحرب الأخرى – مثل الدفاع عن “كييف أو باخموت” مما يزيد من خطر المواجهة. أزمة أوكرانيا – دول البلطيق والتداعيات الاقتصادية. بقلم إكرام زياده
تقوم السفن الحربية الروسية بدوريات في مياه البحر الأسود، وتطلق الصواريخ على البلدات الأوكرانية، بينما تنشئ حصارا فعليا على الموانئ الأوكرانية وتهدد أي سفينة تحاول العبور وفي المجال الجوي، تحلق طائرات الاستطلاع والطائرات بدون طيار التابعة للناتو وحلفائه فوق المياه الدولية، لجمع المعلومات الاستخبارية المستخدمة لعرقلة روسيا.
أطلقت موسكو تحذيرات للسفن بالتعامل معها كناقلاتٍ عسكرية في حال التوجه للموانئ الأوكرانية التي تستخدمها كييف كغطاء في 19 يوليو 2023، وردا على ذلك أصدرت وزارة الدفاع الأوكرانية في 20 يوليو 2023 تحذيرا للسفن التي تتحرك عبر البحر الأسود متجهة إلى موانئ في روسيا والأراضي الأوكرانية لأنها قد تكون أهدافا وإن تلك السفن قد تُعتبر أنها تحمل شحنات عسكرية “مع الأخذ في الاعتبار كل التهديدات المرتبطة بهذا الشأن”.
تعهد قادة دول الناتو بزيادة حضور قوات الحلف في البحر الأسود، وهو ما تجلى في تكثيف زيارات قوات الناتو البحرية إلى الموانئ الرومانية والبلغارية، وتعزيز التدريبات البحرية المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخبارية. ثم تبنوا في قمة الناتو عام 2022 مفهوماً استراتيجيا جديدا يعتبر أن روسيا هي التهديد الأكثر أهمية للحلف، وقدموا لأوكرانيا أسلحة متطورة مكنتها من إغراق الطراد الروسي “موسكوفا” في البحر الأسود خلال عام 2022.
استهداف الأسطول الروسي للبحر الأسود
استهدفت أوكرانيا الأسطول الروسي للبحر الأسود مرات عدة منذ بدء حرب أوكرانيا، حيث استهدفا جهاز أمن الدولة والبحرية الأوكرانية سفينة الإنزال “أولينغوروسكي غورنياك” في قاعدة “نوفوروسيسك” البحرية جنوب غرب روسيا في 5 أغسطس 2023. أصيبت ناقلة نفط روسية بأضرار في مضيق “كيرتش” إثر استهدافها من قبل طائرات أوكرانية مسيرة، ما أدى إلى توقف حركة المرور لفترة وجيزة على الجسر الاستراتيجي الذي يربط شبه جزيرة القرم بروسيا، في إطار من التوتر المتزايد في البحر الأسود.
يتوقع “ماكسيميليان هيس” الباحث البريطاني بـ”معهد أبحاث السياسة الخارجية، شؤون آسيا الوسطى”، أن يهدد توازن القوى غير المستقر حول البحر الأسود بتحويله لمنطقة صراعات كبرى أخرى. وأضاف: “إن الحروب التجارية المحتملة، واستغلال النفوذ التركي، وزيادة انتقام الكرملين، والهجرة، جميعها ليست سوى بعض التهديدات التي تواجهها منطقة البحر الأسود، التي كانت أكثر المياه دموية في العالم منذ الحرب الباردة، وليس فقط بسبب أوكرانيا. لا ينبغي أن يمثل مفاجأة؛ فالبحر الأسود، بعد كل شيء، هو المكان الذي تلتقي فيه العديد من كبرى القوى في العالم: روسيا، والاتحاد الأوروبي، وتركيا، وحلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، الذي يجلب معه الولايات المتحدة. مع العلم بأنه لا تتمتع أي من هذه القوى بالهيمنة على هذا البحر في 26 أبريل 2022.
مناورات في البحر الأسود
أكدت وزارة الدفاع الروسية إن أطقم الزوارق الصاروخية التابعة لأسطول البحر الأسود أطلقت صواريخ “كروز” المضادة للسفن على أهداف وهمية خلال التدريبات. ووفقاً لخطة التدريب القتالي لقوات أسطول البحر الأسود، نفذ طاقم زورق الصواريخ “إيفانوفيتس” مناورات عسكرية بصواريخ “كروز” المضادة للسفن على السفينة المستهدفة في ميدان التدريب القتالي في الجزء الشمالي الغربي من البحر الأسود” في 21 يوليو 2023. وأوضحت أنه خلال التدريبات المشتركة نفذت السفن وطيران الأسطول إجراءات عزل المنطقة المغلقة مؤقتًا أمام الملاحة، كما تم تدريبها على حجز السفن المخالفة .
نفذت الولايات المتحدة مع حلفائها في الناتو بمنطقة البحر الأسود في رومانيا مناورات “ديفندر 23”، والتي تضمنت تدريبات بالصواريخ وعبور المدرعات لنهر الدانوب عبر جسر مائي. تمثل هذه المناورات التحدي الأكبر للقوات الجوية الألمانية منذ عقود. وقد أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها (100) قطعة من المعدات العسكرية عبر المحيط الأطلسي. من خلال مناورات “اير ديفندر 23” إلى جانب رحلات الطيران المنتظمة، يسعي الناتو أيضاً إلى إرسال إشارة “ردع”، كما يقول “توربين أرنولد” من المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن (SWP). وأوضح “أرنولد”: “بالطبع هذا يرسل إشارة واضحة مفادها أنه حتى في خضم ازدحام المجال الجوي، نحن مستعدون للدفاع عن كل سنتيمتر من أراضي الناتو” في 16 يونيو 2022.أزمة أوكرانيا ـ أمن أوكرانيا على حساب أمن أوروبا ؟
**
3- أمن دولي ـ ما تداعيات تقاطع طائرات روسية أمريكية فوق البحر الأسود؟
أصبح البحر الأسود، الذي تحده أوكرانيا وروسيا وثلاث دول في حلف شمال الأطلسي، بؤرة خطيرة وبشكل متزايد للتوترات العسكرية والجيوسياسية، مع تزايد حوادث الاعتراض الروسية للطائرات الأمريكية والغربية فوق البحر الأسود، مما يزيد من خطر المواجهة بين روسيا والناتو.
صراع جيوسياسي للسيطرة على البحر الأسود
منذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، قامت موسكو بتعزيز قدراتها العسكرية في شبه الجزيرة بقدرات عسكرية تتماشى مع التصعيد العسكري الجديد مع الناتو. ويهدف ذلك إلى تمكين روسيا من مواجهة التهديدات المحتملة ومعالجتها بفعالية في مواقع بعيدة عن أراضيها. وتحقيقاً لهذه الغاية، لم يوسع الاتحاد الروسي نطاق الإنذار المبكر ونظم الأسلحة القوية على الأرض فحسب، بل زود أيضاً أسطوله في البحر الأسود بقذائف برية وبحرية بعيدة المدى.
أعلنت روسيا البحر الأسود وبحر آزوف المجاور كمناطق مهمة ذات مصلحة وطنية في عقيدتها البحرية المؤرخة في 31 يوليو 2022. وبالتالي فإن المنطقة لها نفس مرتبة بحر البلطيق والبحر الأبيض المتوسط. يشير هذا التصنيف إلى جميع مجالات السياسة العسكرية والمدنية، أي إلى جوانب الأمن، وكذلك إلى مسائل والتنمية الاقتصادية، إلخ. إن أسطول البحر الأسود الروسي على وجه الخصوص له أهمية كبيرة لروسيا خاصة كأداة للسياسة الخارجية والأمنية الروسية ومنفذ للعقيدة البحرية.
بالمقابل، منذ اعتماد مفهومه الاستراتيجي الجديد في قمة مدريد في يونيو 2022، حدد الناتو روسيا صراحة على أنها أكبر تهديد للأمن الأوروبي الأطلسي. وعلى وجه الخصوص، فإن عسكرة المساحات البحرية التي تنتهجها موسكو هي مدعاة للقلق من وجهة نظر الحلف. وتكتسي منطقة البحر الأسود أهمية استراتيجية لأمن الحلف وشركائه.
زادت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والعديد من الحلفاء الغربيين من جانب واحد وجودهم في منطقة البحر الأسود كرد مباشر على ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. ومنذ ذلك الحين، تقوم طائرات الحلفاء بدوريات في المجال الجوي فوق البحر الأسود ورومانيا وبلغاريا كجزء من مهمة “الشرطة الجوية” لحلف الناتو، وتنشر الولايات المتحدة الطائرات بدون طيار بانتظام في المجال الجوي الدولي فوق البحر الأسود لجمع المعلومات.
ومؤخراً، زاد حلف الناتو من عدد رحلات الاستطلاع والشرطة الجوية، حسبما أعلن الحلف بعد الاجتماع الثاني لمجلس الناتو وأوكرانيا في 26 يوليو 2023 . أمن دولي ـ أهمية البحر الأسود في حرب أوكرانيا
تقاطع الطائرات الروسية الأمريكية في سماء البحر الأسود
تقوم الولايات المتحدة بتشغيل طائرات” ريبر” بدون طيار فوق البحر الأسود وعلى أساس يومي تقريباً منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، باستخدام طائرات التجسس بدون طيار لمراقبة المنطقة. يمكن لطائرات ريبر بدون طيار أن تطير على ارتفاع يصل إلى (50) قدم، وفقاً للقوات الجوية ، ولديها أجهزة استشعار وقدرات لجمع المعلومات الاستخباراتية البصرية والرادارية والكهرومغناطيسية حول المواقع والعمليات الروسية، وإجراء الاستطلاع لفترات طويلة من الزمن، مما يجعلها منصة مثالية لتتبع التحركات في ساحة المعركة وفي البحر الأسود. ، والتي يتم توفيرها بعد ذلك للجيش الأوكراني. في الوقت الذي تملأ فيه روسيا السماء بطائراتها الخاصة. تعد هذه الإجراءات قانونية – حيث تبقى الطائرة في المجال الجوي الدولي .
طالب السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنتونوف وقف عمليات التحليق “العدائية” قرب حدود بلاده. وتابع: “نعتبر أي تحرّك باستخدام أسلحة أميركية عملاً عدائياً مفتوحاً”، وقال “إن النشاط غير المقبول للجيش الأميركي بالقرب من حدودنا يثير القلق. إنهم يجمعون معلومات تستخدمها حكومة كييف في ما بعد لتشن هجوماً على قواتنا المسلحة وعلى أراضينا”.
تبعاً لذلك، تضاعفت الحوادث التي تورطت فيها الطائرات الروسية والغربية فوق البحر الأسود، وتصاعدت التوترات بين موسكو وواشنطن، ومن أبرز هذه الحوادث:
– سارعت الطائرات المقاتلة الروسية من طراز (Su-27) و (Su-30) في 29 مايو 2020 لاعتراض القاذفات الاستراتيجية (B-1B) التابعة للقوات الجوية الأمريكية فوق المياه المحايدة للبحر الأسود، حسبما ذكرت وزارة الدفاع الروسية والتي اكدت أن تحليق الطائرات المقاتلة الروسية سار في امتثال صارم للقواعد الدولية لاستخدام المجال الجوي”.
– أجبرت طائرة مقاتلة روسية طائرة بدون طيار تابعة للقوات الجوية الأمريكية فوق البحر الأسود في 14 مارس 2023 بعد أن ألحقت أضراراً بمروحة الطائرة الأمريكية بدون طيار (MQ-9 Reaper). ويمثل الحادث المرة الأولى التي تتواصل فيها الطائرات العسكرية الروسية والأمريكية بشكل مباشر. ورداً على الحادث، قال منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، جون كيربي، إن الطيران الأمريكي سيستمر في التحليق فوق البحر الأسود رغم سقوط طائرة أمريكية مسيّرة صدمتها مقاتلة روسية. وأضاف كيربي : “نطير في هذه المنطقة منذ نحو عام وسنواصل ذلك ولسنا بحاجة إلى إذن من روسيا للتحليق فوق المياه الدولية”.
– لم يقتصر الامر على الطائرات الأمريكية، في 7 مايو 2023 اعترضت طائرة مقاتلة روسية طائرة بولندية كانت تقوم بدورية لوكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي فوق البحر الأسود، مما تسبب في فقدان الطيارين السيطرة مؤقتاً على الطائرة. ووفقاً لقوة الحدود البولندية، لم تقم الطائرة الروسية من طراز (سوخوي سو-35) بإجراء اتصال لاسلكي قبل القيام “بمناورات عدوانية وخطيرة، حيث اقتربت من طائرة حرس الحدود ثلاث مرات دون الالتزام بمسافة الأمان المطلوبة. وقالت بوخارست “هذا الحادث دليل آخر على النهج الاستفزازي للاتحاد الروسي في البحر الأسود” . كما سبق أن صرح وزير الدفاع البريطاني بن والاس أن طائرتان مقاتلتان روسيتان من طراز (SU-27) أطلقتا “صاروخاً بالقرب طائرة استطلاع بريطانية غير مسلحة تقوم بدورية روتينية في المجال الجوي الدولي فوق البحر الأسود في 29 سبتمبر 2022.
– صرحت روسيا في 5 أغسطس 2023 إنها أرسلت طائرة مقاتلة من طراز (سو-30) “لمنع انتهاك حدود الدولة الروسية” من قبل طائرة عسكرية أمريكية بدون طيار من طراز (ريبر إم كيو-9) فوق البحر الأسود. وقالت وزارة الدفاع الروسية: “مع اقتراب المقاتلة الروسية، قامت طائرة الاستطلاع الأجنبية بدون طيار بالابتعاد عن الحدود”. أمن دولي ـ البحر الأسود جبهة جديدة في حرب أوكرانيا
تداعيات حوادث الاعتراض فوق البحر الاسود
يبدو من الواضح أن موسكو تحاول فرض قواعد جديدة على الولايات المتحدة، وهي ضرورة التوقف عن التجسس على أسطولها البحري في البحر الأسود، وذلك لخدمة العمليات العسكرية الأوكرانية، وأن موسكو لن تتردد في إسقاط أو اعتراض طائرات التجسس الأمريكية والغربية، إذا ما سعت لتكرار ذلك مستقبلاً.
من المتوقع أن تشهد الفترة القليلة المقبلة عدداً من التحركات، والتي يمكن تناول أبرزها على النحو التالي:
1- التصعيد المستقبلي المحتمل: لا شك في أن حوادث اعتراض الطائرات الأمريكية تؤدي إلى إحراج الولايات المتحدة على المستوى الدولي، لاسيما عسكرياً، وبالتالي، قد يدفع هذا الحادث واشنطن لاتخاذ إجراءات انتقامية ضد روسيا، رغم ان الولايات المتحدة وروسيا كلاهما يتجنبات المواجهة المباشرة. وقد تتمثل هذه الإجراءات في تقديم مزيد من الدعم العسكري المباشر إلى أوكرانيا، لتنفيذ عملية مؤثرة ضد روسيا، وذلك للتعويض عن خسارتها المسيرة الأمريكية، وتأكيد قدرة واشنطن على الرد على الحادث. وقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في 15 أغسطس 2023 أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية لا تسعى لحرب مع روسيا في البحر الأسود بسبب ممر الحبوب، وليس لها أصول عسكرية في البحر الأسود.
2- عسكرة البحر الأسود: من المتوقع أن يشهد البحر الأسود تنافساً بين واشنطن وموسكو على تعزيز الوجود العسكري هناك، إذ سيعمل بوتين على الحفاظ على الوجود العسكري الروسي هناك. ومن ناحية أخرى، لا يُستبعد أن تقوم واشنطن بالالتفاف حول اتفاقية “مونترو” الملغاة عبر استئجارها لسفن مدنية تابعة لشركات خاصة حتى تتمكن من العبور عبر المضايق التركية، ومن ثم تظهر القدرات العسكرية البحرية، سواء للبحث عن حطام الطائرة على المدى القريب، أو تعزيز الشراكات البحرية مع دول “الناتو” الأخرى، مثل رومانيا وبلغاريا وتركيا، وإن كان مثل هذا الوجود المباشر لن يكفل لواشنطن تحقيق الردع لموسكو. أمن دولي ـ ما تداعيات توسع الناتو عند حدود روسيا؟
**
4- أمن دولي ـ مخاطر تعزيز وجود الناتو في البحر الأسود
دخل البحر الأسود جزءاً من الصراع الراهن بين روسيا وأوكرانيا، في أعقاب توقف اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية على إثر انسحاب روسيا من الاتفاقية في 17 يوليو 2022، وفي المقابل أعلنت أوكرانيا استمرار إرسال الحبوب عبر البحر الأسود، ما جعل الموانئ الروسية والأوكرانية هدفاً للضربات العسكرية المتبادلة بين كييف وموسكو، الأمر الذي يشير إلى احتمالية اشتعال الموقف أكثر بين الغرب وروسيا في هذه المنطقة، خاصة في ظل تعزيز حلف الناتو تواجده في البحر الأسود، وحرص موسكو على زيادة نفوذها تأميناً لأسطولها البحري هناك، لإدراك الجانبين الروسي والغربي بأن السيطرة على البحر الأسود تغير من المعادلة العسكرية في أوكرانيا والصراع العالمي بشكل عام.
كيف تحول اهتمام الناتو بمنطقة البحر الأسود؟
تسببت الحرب الأوكرانية في تغيير نظرة الناتو إلى منطقة البحر الأسود، حتى لم يولي اهتمامه بهذه المنطقة طوال الأعوام الماضية بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014، واكتفى وقتها زعماء الناتو بالاعتراض على تصرفات روسيا في المنطقة التي تتعارض مع تدابير بناء الثقة في البحر الأسود، وأنشأ الحلف “تواجد أمامي معزز EFP” في بحر البلطيق.
أشار الناتو في قمة وارسو 2016، إلى دعمه لرومانيا (إحدى دول الناتو المطلة على البحر الأسود) لإنشاء إطار متعدد الجنسيات لتحسين تدريبات الفرق العسكرية هناك وتطوير الدفاع الجوي في جورجيا (المطلة على البحر الأسود وعضو بالحلف).
بدأ الناتو في قمة بروكسل 2018، في مناقشة سبل تعزيز أمن البحر الأسود وموقف الحلفاء البحري وزيادة التعاون معهم، وزيادة نشاط الحلف بالمنطقة، بينما أعلن الحلف رفضه الواضح لمحاصرة روسيا للموانئ الأوكرانية وبحر آزوف في قمة بروكسل 2021.
اختلف الأمر خلال عامي 2022 و2023، وتحولت مواجهة روسيا في البحر الأسود إلى أمر مصيري للناتو ليحافظ على نفوذه في الجناح الجنوبي الشرقي لأوروبا، الأمر الذي دفع مشروعين أمريكيين إلى تقديم تشريعات في مارس 2023 لدفع الإدارة الأمريكية إلى صياغة استراتيجية للبحر الأسود وزيادة البصمة العسكرية والمشاركة الاقتصادية في المنطقة.أمن دولي ـ توسع الناتو، تشكيل الخريطة الأمنية الجديدة لأوروبا.(ملف)
وجود الناتو في البحر الأسود
تصاعد وتيرة الحرب بين روسيا وأوكرانيا على مدار أكثر من عام ونصف، دفع الناتو للتأكيد على أهمية وجوده في البحر الأسود، وفي 29 نوفمبر 2022 قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن الناتو سيعزز وجوده من البحر الأسود إلى بحر البلطيق.
أكد الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، أن الحلف يعمل على وضع مئات الآلاف من القوات في حالة تأهب قصوى مدعومين بقوات بحرية وجوية في الجهة الشرقية من أوروبا، ونشر الحلف مجموعتين قتاليتين متعددتي الجنسيات في رومانيا وبلغاريا.
تصدر الوضع الأمني في البحر الأسود اجتماع مجلس الناتو وأوكرانيا في 26 يوليو 2023، وشدد الحلف على تعزيز أنشطتها الاستخباراتية في البحر الأسود، وتكثيف عمليات المراقبة والاستطلاع ونشر الطائرات المسيرة والأخرى الدورية البحرية.
مناورات وتدريبات الناتو
قبل بدء الحرب الأوكرانية، أقيمت تدريبات ” نسيم البحر 2021″ بين أوكرانيا والولايات المتحدة وبمشاركة (30) دولة في البحر الأسود وجنوب أوكرانيا، الأمر الذي أثار غضب روسيا واعتبرته تحدياً خطيراً لأسطولها البحري في هذه المنطقة.
اكتفى الناتو في 23 يوليو 2022، بإجراء مناورات ” نسيم البحر 2022″ في البحر الأسود على سواحل فارنا البلغارية على مسافة بعيدة عن الساحل الأوكراني. وتعد هذه المناورات هي الأكبر منذ بدء الحرب الأوكرانية، حيث ضمت (24) سفينة و(5) طائرات وطائرتي هليكوبتر و (1390) فرداً من (10) دول من الحلف.
أجرت دول الناتو مناورات ” ديفندر 23″ في 9 يونيو 2023 في منطقة البحر الأسود في رومانيا، وشملت تدريبات بالصواريخ وعبور المدرعات لنهر الدانوب عبر جسر مائي، وأكثر من (7) آلاف من قوات الخدمة الأمريكية و(17) ألف من قوات متعددة الجنسيات من (20) دولة.أمن دولي ـ أهمية البحر الأسود في حرب أوكرانيا
دوريات الناتو في البحر الأسود
تقع منطقة البحر الأسود تحت مظلة عمليات الأسطول السادس الأمريكي، وأمضت (12) سفينة تابعة للبحرية الأمريكية حوالي (182) يوماً في البحر الأسود في عام 2021، وهي مدة أقل نسبياً بالمقارنة بـ الـ (7) سنوات الماضية.
بالمثل قضت سفن باقي دول الناتو وقت قليل في البحر الأسود خلال 2021، أمضت السفن الإنجليزية (61) يوماً، وقضت السفن الإيطالية (52) يوماً في دوريات في البحر، وأجرت اليونان وفرنسا (3) زيارات للبحر، بينما لم ترسل وقتها ألمانيا أي سفن لهذه المنطقة.
تزايد التهديدات من السفن الروسية لموانئ أوكرانيا مؤخراً، أجبر الناتو للإعلان في 26 يوليو 2023، عن أنه سيزيد من رحلات الدوريات الجوية ونشر الطائرات بدون طيران في البحر الأسود لحماية هذه المنطقة كونها ممر حيوي لصادرات الحبوب.
الوجود التركي
تأتي أهمية تركيا في منطقة البحر الأسود، بعد أن منحت اتفاقية مونترو لعام 1936 السيطرة لتركيا على مضيقي الدردنيل والبوسفور، وفي الوقت نفسه تعد عضواً بالناتو وإحدى الدول المطلة على البحر الأسود، لذا أعلنت تركيا في 7 أبريل 2022 عن جهود الدول المطلة على البحر لوقف المعارك في أوكرانيا وأهمية التعاون في هذه المنطقة، لذا فجرت فرق الغوص العسكرية التركية (3) ألغام بحرية طافية في البحر الأسود.
رغم أن تركيا عضو بالناتو إلا أن طموحها الجيوسياسي في هذه المنطقة، دفع الحلف في 5 أبريل 2023 إلى التفكير في تقوية وجود بلغاريا ورومانيا في البحر الأسود، خاصة أنهما أفقر دول الناتو ويمتلكان (7) سفن مقاتلة سطحية بجانب فرقاطات وطرادات من فترة الحقبة السوفيتية، لذا تقترب بلغاريا من استلام سفينتين جديدتين وتتفاوض رومانيا لشراء (3) غواصات من فئة Scorpene.
الرد الروسي على وجود الناتو في البحر الأسود
اتهمت روسيا الناتو في 17 فبراير 2022 بعسكرة البحر الأسود واستغلال أزمة أوكرانيا لفرض وجوده العسكري في شرق أوروبا، وتدريجياً تصاعد الأمر بينهما بعد حديث وزير الخارجية الأوكرانية دميتري كوليبا، بأن الوقت قد حان لتحويل البحر الأسود لمنطقة خاضعة لنفوذ حلف شمال الأطلسي، وجاء رد الكرملين في 13 أبريل 2022 بالتأكيد على أنه لن يسمح بتحويل البحر الأسود إلى بحيرة أطلسية.
توالت التحذيرات الروسية من محاولات الغرب لتأجيج الوضع في هذه المنطقة، حتى أعلنت روسيا في الأول من أغسطس 2023 عن هجوم (3) مركبات مسيرة بحرية أوكرانية سفينتين تابعتين لسلاح البحرية الروسي جنوب غربي سيفاستوبول، ما أدى لتشديد موسكو من لهجتها التحذيرية لأوكرانيا وأي محاولة تصدير للحبوب عبر هذا الطريق.
أطلقت سفينة حربية روسية في 13 أغسطس 2023، نيراناً تحذيرية على سفينة شحن في جنوب غربي البحر الأسود، وتعد هذه الواقعة هي الأولى التي تطلق فيها روسيا النيران على سفينة تجارية خارج أوكرانيا بعد الخروج من اتفاقية تصدير الحبوب. أمن دولي ـ البحر الأسود جبهة جديدة في حرب أوكرانيا
**
تقييم وقراءة مستقبلية
– تحول البحر الأسود من مركز اهتمام للدول التي تتشاطر شواطئه، إلى مركز اهتمام دولي وساحة صراع بين الدول العظمى. وبرزت أهمية البحر الأسود بعد إسقاط مقاتلة روسية لطائرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية فوق البحر الأسود. يشير هذا الحادث إلى عدم سماح روسيا للتواجد الأمريكي الذي يُستخدم لإمداد أوكرانيا بمعلومات استخبارية دقيقة.
– نظراً لقواعد اتفاقية مونترو المتعلقة بمضيق البوسفور والدردنيل اللذين يربطان البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط ، فإن البلدان التي تقع على البحر الأسود لديها وصول غير محدود. لا يجوز للبلدان غير المقيمة إرسال السفن إلا لفترات قصيرة وتكون محدودة بحجم السفينة. لذلك على الرغم من أن الناتو لا يتدخل عسكرياً نيابة عن أوكرانيا ، إلا أن البحر الأسود كان دائما نقطة ضعف لأوكرانيا.
– يحتاج حلف شمال الأطلسي إلى دعم واسع النطاق من الدول التي تتشاطر شواطئ البحر الأسود، فأوكرانيا ورومانيا وجورجيا من الممكن أن تتيح لسفن حلف شمال الأطلسي الوصول لموانئها، لكنها تفتقر القدرات البحرية اللازمة لتقديم دعم عسكري كبير.
– يمثل البحر الأسود رهاناً استراتيجياً ليس فقط لتصدير الحبوب، بل يؤكد استمرار اختبار القوة المفتوح بين موسكو وحلف شمال الأطلسي انطلاقا من أوكرانيا. كما أن استكمال موسكو السيطرة على الساحل الأوكراني لا سيما بعد السيطرة على بحر “أزوف” يجعل من أوكرانيا دولة من دون منافذ بحرية أساسية، ما يقلب موازين القوى في الصراع.
– يضع البحر الأسود موسكو وحلف “الناتو” وجها لوجه، مما يزيد من خطر المواجهة المباشرة بينهما، بات متوقعاً أن التنافس الدولي في البحر الأسود سيتصاعد بوتيرة أسرع خلال المرحلة المقبلة، ما يرمي بظلاله على أمن الطاقة العالمية والأمن الغذائي.
– على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي هو سوق مهم لموارد الطاقة عبر البحر الأسود ، إلا أنه ليس لاعباً مهما فيما يتعلق بالأمن. حتى الآن، لم يظهر الاتحاد الأوروبي الطموح ولم يخلق الظروف المؤسسية أو المادية للعب دور حقيقي في منطقة البحر الأسود وبحر قزوين الكبرى.
**
– أصبح البحر الأسود أصبح منطقة ساخنة بسبب التوترات العسكرية والجيوسياسية بعد إنهاء العمل بصفقة الحبوب. وبعد الاستهداف الثاني لجسر القرم بات البحر الأسود منطقة خطرةً للملاحة ومنطقة حرب وثيقة الصلة بحلف شمال الأطلس ما يثير القلق بشأن التصعيد وجر الحلف إلى صراع مباشر مع القوات الروسية.
– تشكل الضربات التي توجهها أوكرانيا لأسطول البحر الأسود الروسي لا سيما سفينة الإنزال “أولينغوروسكي غورنياك” تطوراً جديدا في الصراع، حيث تعد سفينة الإنزال “أولينغوروسكي غورنياك” أكبر سفينة روسية تتعرض لدمار جسيم منذ غرق الطراد “موسكفا” في أبريل 2022.
– يشير تصاعد الصراع في البحر الأسود إلى إمكانية أوكرانيا لمهاجمة السفن الحربية الروسية في هذه المنطقة كذلك الناقلات الروسية، واستهداف القواعد العسكرية بالبحر الأسود. كذلك تشير الهجمات بطائرات بدون طيار على الناقلات الروسية في البحر الأسود بمضيق “كيرتش” إلى فتح جبهة جديدة محتملة في حرب أوكرانيا و إرسال رسالة قوية إلى روسيا لاستهداف شحنات موسكو من النفط والوقود.
– تشكل معركة السيطرة على البحر الأسود والهجمات الروسية على صوامع الحبوب والبنية التحتية للموانئ على ساحل البحر الأسود ونهر “الدانوب” تداعيات على أسواق الطاقة العالمية والإمدادات الغذائية العالمية. وأصبحت تشكل تحديات جديدة لحلف شمال الأطلسي خاصة أنه يسعى إلى دعم حرية الملاحة في البحر الأسود وهذا ما يفسر العمليات الاستخباراتية و زيادة عدد رحلات الاستطلاع الجوية للحلف .
– بات متوقعاً أن يعتمد حلف شمال الأطلسي استراتيجية مركزة في البحر الأسود تعززموقف الدفاع والردع الإقليمي للحلف بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي، بالإضافة إلى معالجة نقاط الضعف وإيجاد حلول لعدم توافق الحلفاء، لا سيما بين حلفاء الناتو في البحرالأسود وذلك لمنع قدرة روسيا على تأمين قدرات دفاعية أكثر قوة في البحر الأسود.
**
– كان البحر الأسود في قلب جهود روسيا لتوسيع نفوذها الجيوسياسي والاقتصادي عبر التاريخ، إذ سهلت الموانئ على طول المياه الدافئة التجارة على مدار السنة. وقد وفر هذا الموقع – وهو مفترق طرق جيوسياسي – لروسيا مكاناً لإبراز قوتها السياسية في أوروبا والشرق الأوسط وما وراءهما.
– السيطرة على البحر الأسود هو هدف حرب واضح لروسيا وأحد الأسباب التي دفعتها في عام 2014 إلى ضم شبه جزيرة القرم، وهي شبه جزيرة كبيرة على الساحل الشمالي للبحر، عندما أطيح برئيس أوكرانيا الموالي لروسيا في تمرد.
– أصبحت منطقة البحر الأسود خط صدع مركزي في المنافسة الاستراتيجية بين روسيا والغرب. كما أنها مفترق طرق لمساحة أمنية تشمل جنوب القوقاز وشرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وغرب البلقان وعقدة عبور مهمة بين أوروبا وآسيا. وفي حين ضمنت بعض الدول الساحلية عضوية حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، فإن جميعها عالقة بدرجات متفاوتة في وسط المنافسة الاستراتيجية التي تتكشف بين روسيا والغرب الأوروبي الأطلسي.
– يقوم الناتو والدول الأعضاء فيه بمهام المراقبة الجوية والشرطة الجوية فوق أراضي الناتو والمياه الإقليمية والمياه الدولية فوق البحر الأسود ، لكنهم حريصون على عدم الابتعاد عن منطقة الحرب.
– من المتوقع أن الولايات المتحدة سوف لا توقف طلعات طائرات الاستطلاع فوق البحر الأسود نظراً لأهمية المعلومات التي يمكن الحصول عليها عن تحركات الجيش الروسي والأسطول البحري في شبه جزيرة القرم وقربها، ونقل هذه المعلومات للجانب الأوكراني لمساعدته على صد أي هجوم روسي محتمل أو تقديم دعم لهجوم أوكراني على منطقة محددة. وفي هذه الحالة فإن الثمن سيكون أكبر وهو تأمين حماية من طائرات (F16) لهذه المسيّرات وبالتالي ارتفاع خطر الاحتكاك المباشر مع المقاتلات الروسية.
– على الرغم من رغبة حلف شمال الأطلسي المعلنة في تجنب المواجهة المباشرة مع روسيا، فإن مخاطر وقوع حادث غير مقصود يخرج عن نطاق السيطرة تتزايد منذ بعض الوقت. لكن الحرب في سوريا وكذلك في حرب أوكرانيا، تبين ان كل من موسكو والناتو تحترم قواعد الإشتباك، وهناك صلاحيات محدودة لدى القاد الفنيين والعسكريين من أجل تجنل أي تصعيد او انزلاق في الحرب لايخدم جميع الأطراف.
**
– أصبح البحر الأسود محور توتر مشتعل بين روسيا وحلف الناتو، بعد التطورات الأخيرة من توقف اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية، والتهديدات المتبادلة بين الجانبين الروسي والأوكراني باستهداف السفن في هذه المنطقة، الأمر الذي يحمل في طياته مؤشرات خطيرة لاحتمالية اتساع رقعة الحرب خارج الحدود الأوكرانية، خاصة وأن البحر الأسود نقطة مرور مهمة للسفن المدنية التجارية، وهذا التوتر ينعكس على حركة هذه السفن وربما يجعلها هدفاً في مرمى النيران الروسية أو الأوكرانية بالخطأ، ما يرجح فتح جبهات صراع جديدة بين أطراف أخرى.
– إغفال الناتو أهمية البحر الأسود ومن ثم عدم اهتمامه بتعزيز وجوده العسكري أو زيادة عدد دوريات السفن في هذه المنطقة، يكشف عن خطأ كبير في استراتيجية حلف الأطلسي رغم إدراكه الجيد لحجم نفوذ الأسطول الروسي وأهمية هذا البحر الاستراتيجية لموسكو، لذا ستشهد المرحلة المقبلة مزيداً من التحركات من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بالناتو لتعزيز قوة رومانيا وبلغاريا وجعلهما بوابة الحلف لتأمين وجوده في البحر الأسود، بجانب وجود تركيا الذي يمثل نقطة توازن بين الطرفين الروسي والغربي رغم أنها جزء من الناتو.
– تحركات الناتو المتوقعة في البحر الأسود، ستزيد من المخاوف الروسية نظراً لأن سيطرة أي طرف على البحر الأسود يمثل نقطة فارقة في مسار المعارك الأوكرانية، لذا ستكثف روسيا من ضرباتها في العمق الأوكراني عبر البحر الأسود بهدف إلحاق الجانب الأوكراني مزيداً من الخسائر وتحجيم ضرباته في هذه المنطقة، وإجبار الناتو للتراجع عن استراتيجيته الجديدة في البحر الأسود.
– وجود الناتو في البحر الأسود سيدفع إلى احتدام سباق التسلح التقليدي عالمياً، في ظل بحث كل الدول المطلة على هذه المنطقة لتعزيز وجودها العسكري وحماية مصالحها الاقتصادية والتجارية هناك.
– من المتوقع أن تلعب تركيا دوراً محورياً في هذه المنطقة للتهدئة، كونها مطلة على البحر الأسود وعلى علاقات جيدة بروسيا في الوقت نفسه، كما أنها كانت طرفاً في اتفاقية تصدير الحبوب، ولكن يتوقف الأمر على درجة استجابة أوكرانيا وروسيا لهذا الدعوات.
-التوتر الراهن في البحر الأسود يتعلق بإمكانية عودة روسيا لاتفاقية الحبوب، ويتوقف هذا الأمر على درجة التجاوب مع طلبات روسيا في هذه الاتفاقية، لذا من المرجح أن يستمر هذا التوتر لمدة طويلة لتمسك موسكو بشروطها من ناحية وتعنت الأطراف الأخرى في الاستجابة لها.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=89979
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات
الهوامش
Russia’s War in Ukraine Shifts Black Sea From NATO’s Edge to Center Stage
https://tinyurl.com/5n6kf9mh
Le drone naval, nouvelle arme fatale dans l’arsenal ukrainien
https://tinyurl.com/2wsujrj5
Why the Black Sea Matters to Commodity Markets
https://tinyurl.com/36ym3y6k
Welcome to the Black Sea Era of War
https://tinyurl.com/ypstxckd
**
Turbulent Waters: How the Black Sea Became a Hot Spot in the War
https://tinyurl.com/2zmsmah9
Russia’s War in Ukraine Shifts Black Sea From NATO’s Edge to Center Stage
https://tinyurl.com/5n6kf9mh
خبز العالم تحت رحمة روسيا.. ماذا تعني نهاية اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية؟
https://tinyurl.com/4x5pasjv
على غرار روسيا.. أوكرانيا تصدر تحذيراً للسفن في البحر الأسود
https://tinyurl.com/ys3t77m8
**
مقاتلة روسية تسقط طائرة أمريكية بدون طيار بعد اعتراضها فوق البحر الأسود
https://2u.pw/XSlZEFs
Turbulent Waters: How the Black Sea Became a Hot Spot in the War
https://2u.pw/xG9S78P
Russian fighter jets scrambled to intercept US bombers over Black Sea
https://2u.pw/sCUvOxX
Russian fighter fires missile near UK plane over Black Sea
https://2u.pw/Axt9gCZ
Russian jet’s ‘dangerous manoeuvres’ near Polish plane cause crew to lose control and altitude
https://2u.pw/1NObV9V
Miscalculation fears rise after Russian fighter jet collides with US drone over Black Sea
https://2u.pw/gCnYg4Z
**
U.S. Navy Cancels ‘Essential’ Black Sea Drills Over Russia-Ukraine War
https://bit.ly/45pKGC0
US Navy and NATO presence in the Black Sea has fallen since Russia took part of Ukraine, figures show
https://bit.ly/3DQwnL1
Nato steps up Black Sea patrols to counter Russian threats to ports and ships
https://bit.ly/3YyL0fe
NATO-Ukraine Council addresses serious security situation in the Black Sea
https://bit.ly/3OysrTR
Growing Nato’s Black Sea presence
https://bit.ly/3KDERZx
NATO — Back in the Black (Sea)?
https://bit.ly/3DQqy00
The U.S. and NATO Seek to Blunt Putin’s Black Sea Ambitions
https://bit.ly/45509aC
NATO Forces bolster solidarity at the heart of exercise Saber Guardian 23
https://bit.ly/4428hrb