أمن دولي ـ هل تؤدي الحرب الأوكرانية إلى تشكيل الصين وروسيا محوراً عسكرياً؟

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

بون. وحدة التقارير والدراسات (27)

أمن دولي ـ هل تؤدي الحرب الأوكرانية إلى تشكيل الصين وروسيا محوراً عسكرياً؟

أفرزت الحرب الأوكرانية، التي بدأت في فبراير 2022، جملة من التحولات في المشهد السياسي والأمني العالمي، وكأحد التداعيات الهامة للأزمة، برز محور التعاون الروسي الصيني بشكل كبير، خاصة في المجال العسكري، ورغم النفي المتكرر من جانب موسكو وبكين أنهما لا ترغبان في تدشين محور تعاون في مواجهة الغرب، إلا أن الخطوات المكثفة من جانب الدولتين تشير إلى عكس ذلك، خاصة في ضوء التوتر المتصاعد بين بكين وواشنطن، والذي سيدفع إلى تسريع وتعزيز التعاون لأقصى درجة مع موسكو.

وتتجه الصين، التي ترفض حتى الآن، رغم دخول الحرب الأوكرانية عامها الثاني، إدانة موسكو بأي شكل من الأشكال، نحو روسيا، لتدشين تحالف أمني وسياسي وعسكري، يستهدف بالأساس حماية مصالحها الاستراتيجية، ومواجهة الثقل الأميركي الذي تراه بكين بمثابة تهديد محتمل.

وقد نذر الهجوم العسكري الذي تشنه روسيا على أوكرانيا بأول صدام كبير في نظام جديد للسياسة الدولية، ومن الواضح أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين وروسيا الملمح الأبرز لهذا النظام.

تنامي المحور الروسي الصيني في ضوء الأزمة الأوكرانية

تتشارك روسيا والصين بالعديد من الملفات والمحاور الاستراتيجية، وتربط البلدين علاقات تاريخية، لكن هذا التعاون قد نما بشكل ملحوظ منذ بدية الحرب الأوكرانية في فبراير 2022، كما يشترك البلدان في حدود برية تم ترسيمها في عام 1991 ، ووقعا معاهدة حسن الجوار والتعاون الودي في عام 2001 ، والتي تم تجديدها في يونيو 2021 لمدة خمس سنوات أخرى.

على مدار العام 2022، وسعت الصين علاقاتها التجارية مع روسيا وعززت الدعاية الروسية، كما دافعت السلطات الصينية عن تصرفات روسيا واتهمت الناتو والغرب بإثارة الحرب في أوكرانيا، ورغم الانتقادات المستمرة، لاتزال بكين متمسكة بتنمية علاقتها مع موسكو، ودفع الأمور نحو مزيد من التعاون في المستقبل القريب.

التقى شي وبوتين في 4 فبراير 2022 ، خلال الفترة التي سبقت أولمبياد بكين 2022 خلال الحشد الروسي الهائل للقوة على الحدود الأوكرانية ، حيث أعرب الاثنان عن أن البلدين متحدان تقريباً في تحالفهما المناهض للولايات المتحدة وأن كلا البلدين “لا حدود” لالتزاماتهما، وذكرت تقارير المخابرات الغربية أن الصين طلبت من روسيا الانتظار لغزو أوكرانيا حتى انتهاء دورة الألعاب الأولمبية في بكين في 20 فبراير2022 .

رفضت الصين إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وكررت الدعاية الروسية حول الحرب، وعارضت العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وامتنعت عن التصويت أو انحازت إلى روسيا في تصويت الأمم المتحدة على الحرب في أوكرانيا.أمن دولي ـ إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، هل يمكن ان تُغير مسار الحرب؟ جاسم محمد

في عام 2022، أضافت روسيا تايوان إلى قائمة الدول والأراضي الأجنبية التي ترتكب “أعمالاً غير ودية” ضد غزوها العسكري لأوكرانيا.

في أبريل 2022 ، في مقابلة مع صحيفة (Corriere della Sera) الإيطالية، قال عالم السياسة الروسي سيرجي كاراجانوف، الذي يعتبر مقرباً من فلاديمير بوتين، إن روسيا “ستكون أكثر تكاملاً وأكثر اعتمادًا على الصين” ، مشيراً إلى أن “الصينيين هم حلفاؤنا وأصدقائنا المقربون وأكبر مصدر للقوة الروسية بعد الشعب الروسي نفسه “.

خطة سلام صينية في أوكرانيا

أعلنت الصين في مارس 2023، خطة سلام مقترحة للتهدئة في روسيا، تضمنت (12) بنداً، تشمل احترام سيادة كل الدول، التخلي عن عقلية الحرب الباردة، لا يوجد هناك حل سهل لقضية معقدة، وقف الأعمال العدائية، استئناف محادثات السلام، إيجاد حل للأزمة الإنسانية، حماية المدنيين وتبادل أسرى الحرب، الحفاظ على سلامة المنشآت النووية، تقليص الأخطار الاستراتيجية، تسهيل تصدير الحبوب، وقف العقوبات الأحادية الجانب، وتهيئة الظروف للدول النامية من أجل تعزيز اقتصاداتها وتحسين حياة شعوبها، الحفاظ على استقرار سلاسل الصناعة والتوريد، ودعم مرحلة إعادة الإعمار. وبذلك، قدمت الصين نفسها كوسيط سلام قادر على التأثير على موسكو وكبح جماحها. في محاولة للاستفادة من خفض التصعيد النووي الروسي، تتجه الدبلوماسية الصينية الآن إلى عروض محادثات السلام وتظهر استعداداً لإشراك العواصم والقادة الأوروبيين الفرديين.

قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعد محادثات مع نظيره الصيني، شي جين بينغ، في 21 مارس 2023، إنه يمكن استخدام المقترحات الصينية كـ “أساس للتوصل لتسوية سلمية في أوكرانيا”، لكن الغرب وكييف “ليسا مستعدين بعد”. فيما لاقى الإعلان الذي نُشر على موقع وزارة الخارجية الصينية ترحيب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي وأثنى على هذه المبادرة واعتبرها خطوة مبدئية هامة على طريق دخول الصين نحو المساعدة على انفراج الأزمة. بينما ورفضت الولايات المتحدة المقترح في ضوء رفض بكين التنديد باجتياح روسيا لأوكرانيا، وقالت إن وقف إطلاق النار الآن سيحقق مكاسب لروسيا في المنطقة، ويمنح جيش بوتين مزيداً من الوقت لإعادة تجميع صفوفه.

اختلاف أوروبي حول الصين

يقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بزيارة إلى الصين من 5 إلى 7 أبريل 2023. وجاء برنامج الزيارة تحت شعار “الوحدة الأوروبية شرط أساسي لبناء شراكة متوازنة مع الصين”. ويصحب الرئيس الفرنسي أيضاً عشرات الخبراء الاقتصاديين ورؤساء الشركات الفرنسية بهدف دعوة الشركات الصينية لزيادة استثماراتها في فرنسا ودول الاتحاد ولفسح المجال أمام الشركات الأوروبية ولا سيما الفرنسية للاستثمار في الصين.

ويرى مراقبون أن الزيارة تأتي في ضوء تحول أوروبي نحو تعزيز الشراكة مع بكين خاصة إذا نجحت الوساطة الصينية في حل الأزمة الأوكرانية، لكن دول أخرى داخل الاتحاد الأوروبي في مقدمتها ألمانيا تعارض التوجه نحو الصين.

أهداف التقارب الروسي الصيني

يستهدف التقارب الروسي الصيني المتزايد، خلال عام 2022، رفع مستوى التبادل الاقتصادي والعسكري، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين كقوتين دوليتين، وأيضاً باعتبارهما محور في مواجهة الولايات المتحدة. أصبحت روسيا أكبر مزود للنفط للصين في مايو 2022 ويتحول كلا البلدين تدريجياً إلى الدفع باليوان والروبل من الدولار في تجارة السلع. ارتفعت التجارة الثنائية الإجمالية بأكثر من (30٪) على أساس سنوي في عام 2022 ، وفقاً لسلطة الجمارك الصينية، وأصبح أكثر تنوعاً، ولا يغطي الطاقة فحسب، بل يشمل أيضاً المنتجات الزراعية والإلكترونية بشكل متزايد.

أجرى كلا البلدين تدريبات عسكرية مشتركة في بحر الصين الشرقي في ديسمبر 2022، وهو نفس الشهر الذي أكد فيه شي جين بينغ وفلاديمير بوتين أنه ينبغي عليهما تعزيز التنسيق الاستراتيجي. ولا تزال العلاقات الثنائية مدفوعة بقوة بالاستياء المشترك ضد الغرب والطموح المشترك لبناء تحالف مناهض للغرب ومجموعة من المبادرات.

تحالف عسكري بين الصين وروسيا

تؤكد كافة التقديرات والدلائل أن هناك تعاون استراتيجي عميق بين روسيا والصين يشير إلى تحالف عسكري فعلي في الشكل إن لم يكن بالاسم، خاصة أن روسيا والصين متحدتان في هدفهما الاستراتيجي لتحويل النظام الدولي الحالي، الذي يرون أنه يهيمن عليه الغرب وتقوده الولايات المتحدة، إلى عالم متعدد الأقطاب مع مناطق مصالح مرتبطة بالقوى العظمى.أمن دولي ـ ما حقيقة المحور العسكري الروسي الصيني؟ بقلم هند ناصر السويدي

ويرى محللون غربيون أن احتمالات تشكيل تحالف عسكري بين روسيا والصين باتت أقوى من أي وقت مضى بعد الحرب في أوكرانيا، فكلاهما يجمعهما قاسم مشترك هو مواجهة التهديد الأميركي لوجودهما الاستراتيجي. لكن روسيا تنفي الأمر،  أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو وبكين لا تعملان على تأسيس تحالف عسكري، مشيراً إلى أن التعاون العسكري بين البلدين يتسم بالشفافية، وأضاف، أن القوى الغربية تبني “محوراً” جديداً يشبه إلى حد ما تحالف ألمانيا واليابان إبان الحرب العالمية الثانية. فيما أكد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري مدفيديف، في 27 يناير 2023، إن روسيا والصين لا تسعيان لإنشاء تحالف عسكري، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن العلاقات بين البلدين في أعلى مستوياتها، مما يؤثر على ميزان القوى في العالم.

التعاون مع إيران

قال الخبير الأميركي في الشؤون الدولية هال براندز إنّ الخصوم الجيوسياسيين للولايات المتحدة يصنعون بشكل دائم قضايا مشتركة ضدها، مذكّرًا بأنه في حين أعلنت روسيا والصين شراكة استراتيجية “بلا حدود” قبل غزو أوكرانيا، تساعد إيران الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خوض حربه من خلال تزويده بمساعدات عسكرية. وفي مقال له على موقع وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، أكد براندز أنّ بكين وطهران تتمتعان بعلاقة استراتيجية خاصة، مشيرًا إلى أنّ هذه العلاقة استغرق تكوينها عقوداً عدة.ملف : إيران تمسك بالأمن الإقليمي

وتمثل طهران ركيزة أساسية في مواجهة الصين للتوسع الأميركي شرقاً، حيث تنامت العلاقات بين الدولتين بشكل مضطرد ووصلت هذه وليس أدل على قوة هذه العلاقة من نجاح الوساطة الصينية في إعادة فتح القنوات الدبلوماسية بين الرياض وطهران في 10 مارس 2023 اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما الموقعة في 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في عام 1998.

تحالف بريكس

دان الرئيس الصيني شي جينبينغ “توسيع التحالفات العسكرية” في خطاب ألقاه، 22 يونيو 2022، قبل بدء قمة مع قادة روسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وقال شي في منتدى بريكس الاقتصادي إن “الأزمة في أوكرانيا هي مؤشر إنذار آخر للعالم”، منتقدًا “توسيع التحالفات العسكرية والسعي إلى تحقيق الأمن الفردي على حساب أمن الدول الأخرى”.

وتمثل بريكس وهي مجموعة مؤثرة من الاقتصادات الناشئة (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، أكثر من(40٪) من سكان العالم وقرابة ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

مواجهة أميركا

يستهدف محور التعاون الصيني الروسي بشكل أساسي مواجهة النفوذ الأميركي، والسير نحو عالم متعدد الأقطاب على عكس سياسات الولايات المتحدة.

ولمواجهة النفوذ الصيني، دشنت الولايات المتحدة مؤخرا تحالفات أمنية وسياسية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي أو ما عرف بـ “ناتو الهندي-الهادئ” ، مثل تحالف أوكوس الأمني بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، الذى ينظر إليه على نطاق واسع على أنه محاولة لمواجهة النفوذ الصيني في بحر الصين الجنوبي، حيث تعد المنطقة بؤرة ساخنة للتوترات على مدى سنوات.

كما أصبح تحالف الحوار الأمني الرباعي “كواد”، الذى يضم الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان، أكثر نشاطا في السنوات الأخيرة وسط مخاوف متجددة بشأن الصعود السريع للصين كقوة عظمى، وسياسة بكين الإقليمية في منطقة الهادئ الهندي.

تقييم وقراءة مستقبلية

تسعي الصين وروسيا لتعزيز مستوى شراكاتها الاستراتيجية، وتحالفاتها الأمنية والعسكرية، استناداً إلى جملة من الدوافع المشتركة أهمها التقارب الجيوسياسي، والحاجة الملحة نحو تشكيل تحالفات لمواجهة الولايات المتحدة وربما المعسكر الغربي نحو فرض استراتيجية جديد لعالم متعدد الأقطاب.

تمثل التحركات الروسية الصينية محور قلق متزايد لدى الولايات المتحدة التي تسعى لدعم نفوذها العسكري وتواجدها في مناطق الصراع سواء مع الصين مثل بحر الصين الجنوبي وتايوان أو مع روسيا، في أوكرانيا ومناطق تمركز الناتو.

التحالف العسكري بين روسيا والصين وربما إيران أيضاً موجود، حتى وإن أنكرته الدول الثلاث لكن محدداته قائمة بالفعل، لأن هناك توافق في الرؤى والأهداف، إضافة إلى تبادل الدعم الأمني والاستخباراتي والعسكري أيضاً فيما بينهم.

من الواضح أن حالة التشاحن السياسي بين الدول الكبرى في العلم قد بلغت مستوى غير مسبوق من التوتر، لكن يبدو أن هناك حرص من كافة الدول على عدم الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مباشرة، لتفادي التداعيات التي قد تنتج عنها، مثلاً قد يتسبب هذا الصراع في انهيار الاقتصاد العالمي، والدخول في حرب طويلة الأمد.

مؤخراً بدأت أوروبا تتجه نحو الصين، خاصة بعد الإعلان عن مقترح السلام من جانب الرئيس الصيني شي بينغ في مارس 2023، الأمر الذي تدعمه أوروبا إذا كان يحمل خطة سلام حقيقية للتهدئة في كييف، خاصة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعتزم زيارة الصين في الخامس من أبريل مصطحباً رئيسة المفوضية الأوروبية أوروسلان فورن ديرلاين.

رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=87583

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات

هوامش

China–Russia relations
https://bit.ly/3zwfBi4

MERICS EU-China Opinion Pool: The Russia factor in EU-China relations in 2023
https://bit.ly/3U7xXiM

Russia, China are not creating military alliance, Putin says
http://bit.ly/40Z4SIF

What a Military Alliance Between Russia and China Would Mean for NATO
https://bit.ly/3GhNPtv

«مواجهة أمريكا».. نواة تحالف روسى صينى محتمل
http://bit.ly/3nIJhFZ

بوتين: خطة السلام الصينية يمكن أن تكون أساساً لإنهاء الحرب
http://bit.ly/3Uag9n2