المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات -ألمانيا و هولندا-

الدكتور محمد الصالح جمال

 

ايجاد لقاح لفيروس كورونا لن يكون فقط مسألة صحية أو تجارية ، وإنما يتعلق بشكل معين بمسألة التفوق و إثبات الذات في النظام الدولي

 

هستيريا التسابق.. النتائج لا تهم  

منذ انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد ، دخلت الدول الكبرى في سباق نحو ايجاد لقاح للفيروس : الصين، الولايات المتحدة الأمريكية، الإتحاد الأوروبي، و روسيا .  لكن كل من الولايات المتحدة الأمريكية و الصين يواجهان مخاطر مالية ضخمة لزيادة إنتاج اللقاحات المحتملة قبل أن يعرفا أن أي لقاح منها آمن وفعال ، وهي مناورة لضمان عدم انتظار مواطنيهما. وقال كبير خبراء الأمراض المعدية فى الولايات المتحدة أن هذه الأخيرة ستصنع 100 مليون جرعة بنهاية العام ، ليضيف انتوني فوس في مقابلة مع مجلة الجمعية الطبية الاميركية قائلا : “سنبدأ في تصنيع جرعات من اللقاحات قبل ان نعرف حتى ان كان اللقاح سينجح”.

منذ الأيام الأولى للفاشية في الصين، أوضحت الحكومة أنها تبحث عن بطل وطني في هذا السباق العالمي للحصول على علاج. ووصفت صحيفة “غلوبال تايمز” الموالية لبكين الحملة بانها “معركة لا تستطيع الصين تحمل خسارتها”. ومنذ أواخر شباط/فبراير، بعد وقت قصير من بدء تطوير اللقاحات، أكد المسؤولون الصينيون مراراً وتكراراً للبلاد أن نهجهم هو من بين أكثر النهج تقدماً في العالم. و قال وانغ تشى جون خبير مراقبة جودة المنتجات البيولوجية بالاكاديمية الصينية للعلوم مرارا وتكرارا ان الصين ” لن تكون ابطأ من الدول الاخرى ” .وقال هوانغ يان تشونغ ، وهو زميل كبير للصحة العالمية بمجلس العلاقات الخارجية ، لشبكة فوا فى مقابلة هاتفية ” انه فى الصين ، كان ينظر الى تطوير لقاح كما لو كان لعبة اولمبية ” .و يضسف قائلا : “أن تكون أول من رسم النهاية وفاز بالميدالية الذهبية هو كل شيء. أن لا تكون الصين هي الأولى ، فإن السباق لا معنى له”.

كانت روسيا السبّاقة إلى “إعلان نجاحها” في تطوير لقاح لفيروس كورونا، بالرغم من أنها قفزت فوق المرحلة الثالثة و الأهم في التجارب السريرية و التي من خلالها يمكن الحكم علة مدى نجاح و فعالية اللقاح. الخطوة الروسية وصفها الكثيرون خاصة من الأوساط البحثية و العلمية بأنها متهورة و متسرعة و أن المسألة تحتاج إلى مزيد من الوقت نظرا لخطورة الآثار الجانبية المحتملة.

تبعا لذلك، فالمسألة لم تعد تقتصر على الجانب الصحي و ضرورة توفير ” لقاح لائق و موثوق” ، بل تحول الأمر إلى ما يشبه بالهيستيريا من أجل من يعلن “أولا” تطويره للقاح و الانطلاق في تسويقه للعالم.

من الفيروس الصيني إلى اللقاح الصيني.. فرصة الصين في إصلاح صورتها للعالم

يظهر فيروس كورونا في أحد الأسواق الشعبية في الصين، ليتهم العالم الصين بأنها السبب في تفشي الفيروس و إخفاء الكثير من الحقائق و المعلومات حوله، حتى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصبح يتحدث عن اسم “الفيروس الصيني”.

 قبل البدء في تطوير اللقاح ، حاولت الصين أن تطبق تكتيكا سياسيا و هو تحويل الأزمة إلى فرصة، و بذلك انطلقت الصين في تنشيط “ديبلوماسيتها العامة” من خلال إرسال الفرق الطبية و المعدات الصحية كدعم لوجيستيكي لمختلف دول العالم، بهدف التأثير على الحكومات و الرأي العام العالمي في تغيير الصورة التي تم  رسمها عن الصين منذ انتشار فيروس كورونا ، أي تحويل أزمة فيروس كورونا إلى فرصة جديدة لتسويق صورة ايجابية عن نفسها.

أن تنجح الصين في تطوير لقاح “فعال و موثوق” سيكون فرصة لتغيير صورة الدولة، من “المصدر” المتصور للفيروس إلى “المنقذ” الذي سيكبح انتشار الفيروس. بالنسبة للصين فإن الوقت ملائم جدا -لاسيما مع انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من دورها القيادي في العديد من المنظمات و المؤسسات الدولية-  لإقناع  الرأي العام الصيني و العالمي أن الصين “دولة قوية”.

الجدل حول مصدر الفيروس التاجي و انعكاساته الكارثية، خلق توترا بين الصين و الولايات المتحدة الامريكية ، هذا التوتر أدى إلى ضغوطات بشأن من يثبت أن الطرف الآخر هو “المخطأ” ،  وقال لورانس غوستين، أستاذ قانون الصحة العالمية في جامعة جورجتاون ومستشار منظمة الصحة العالمية حول ما يحدث بين الصين و الولايات المتحدة : “إنها تقريباً نوع من المنافسة بين ترامب وشي جين بينغ. إنها منافسة ليس فقط على الصحة، ولكن من أجل الهيبة الوطنية، و أي نظام هو الأفضل.” و قالت تشن Chen البالغة من العمر 54 عاما في تعليق على ما يحدث بشأن الصراع الدولي حول اللقاح: ” اذا كانت الصين اول من يطور هذا السلاح بحقوق الملكية الفكرية الخاصة بها ، فإن ذلك لن يظهر تقدم العلوم والتكنولوجيا الصينية فحسب ، وإنما أيضا صورتنا كقوة كبرى ” .

عندما يتعلق الأمر بالمكانة الدولية لا وجود للمنظمات الدولية

سعت منظمة الصحة العالمية إلى إدخال مجموعة الدول الرائدة في البحث العلمي-الطبي في برنامج كوفاكس Covax للتعاون و التنسيق فيما بينها بهدف الاسراع في ايجاد لقاح فعال لفيروس كورونا، لكن البرنامج كان دون جدوى و لم يلقى الدعم المتوقع. كندا و النرويج أظهرا نيتهما في التعاون مع المنظمة، و لكن الدول الكبرى و حتى المتوسطة لم تعد مهتمة بالبرنامج و لا بالتنسيق فيما بينها. أصبح الأمر يتعلق “بلعبة تحمل فائزا واحدا و عدة خاسرين” ، و كل دولة تسعى للحصول جائزة رمزية تشبه رمزية السباق نحو الفضاء في فترة الحرب الباردة ، للتموقع في النظام الدولي و ضمان مكانة دولية مستقبلية.

 

رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=72968

المصادر

The global race for a coronavirus vaccine could lead to this generation’s Sputnik moment

https://wapo.st/3kQUi0F

China aims to ‘lead the world’ by winning the coronavirus vaccine race

https://lat.ms/3fjcy1U

In Coronavirus Vaccine Hunt, a Race to Be First

https://bit.ly/35MdBUF

The race to find a Covid vaccine has become a global power struggle

https://bit.ly/2Kqh7fl

 

*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات