الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

التوزيع الرأسي للمعلومات داخل أروقة أجهزة الإستخبارات، بقلم بشير الوندي

المقاتلون الاجانب
مايو 30, 2019

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا  و هولندا

كتب بشير الوندي، خبير في علوم الإستخبارات ـ مباحث في الاستخبارات  170

مدخل

الاجهزة الاستخبارية هي اجهزة معلوماتية سواء كانت تنتج المعلومات او تستقبلها , فإنها تعمل على فلترة المعلومات وادخالها في دورة معقدة من التمحيص والتحليل والاضافة والحذف والاستنتاج , ليصل الى معلومات يصلح البناء عليها واتخاذ القرارات وفقها .

الا ان خزين المعلومات هذا على نوعين رئيسيين , معلومات تبقى داخل الجهاز الاستخباري للبناء عليها واستكمالها وانتاج اهداف جديدة منها , ومعلومات لابد من رفعها وتوزيعها , والأخيرة لابد ان تكون معلومات مركزة ومحددة ولاتتجاوز الغرض من ارسالها الى المعنيين .

ان توزيع المعلومات الاستخبارية يكون الى تسعة وجهات رئيسية كنا قد فصلناها في مبحث سابق (انظر مبحث 18 توزيع المعلومات) وهي :

1- توزيع رأسي

2- توزيع قضائي

3- توزيع معالج او ميداني

4- توزيع مرجعي

5- توزيع دوري

6- توزيع تبادلي

7- توزيع خاص او محلي او مقطعي

8- توزيع اعلامي

9- توزيع الملحق

وسنتاول في هذا المبحث والمباحث التالية إن شاء الله , الجهات التسع التي توزع اليها المعلومات الاستخبارية , وسيكون مبحثنا الحالي منحصراً بالنوع الاول المسمى بالتوزيع الرأسي.

المعلومات لسلطة القرار

ان اخطر نوع من انواع المعلومات التسع التي يجري توزيعها هي المعلومات التي تعطى لرأس السلطة والتي نسميها بالمعلومات الرأسية , لأسباب عديدة أهمها :

1- حساسية الجهة التي ستستلم المعلومة .

2- ان من المهم للغاية ان يطلع رأس السلطة على الخبايا والمخاطر ليتخذ القرارات بصددها .

3- ان المعلومات لابد ان تصل بأقصى سرعة الى القيادة دون اية معوقات بيروقراطية .

4-ان تلك المعلومات ستتيح لرأس السلطة اصدار قراراته , وبالتالي فلابد من ان تكون دقيقة ومحددة وواضحة بدرجة مطمئنة وقاطعة, وان لايشوبها شيء من المسايرة والتملق او المبالغة في التقديرات او التقليل منها.

5- ان رأس السلطة مشغول على الدوام , ووقته محدود ومضغوط للغاية , فلابد من الموازنة بين اهمية المعلومات من جهة وبين اختصارها وبسترتها من جهة اخرى .

6- اهمية ضمان عدم تضارب او تكرار المعلومات من جهات مختلفة .

ولاشك , فإن تحقيق المتطلبات الست الآنفة يتطلب ملاصقة للسلطة بلا بيروقراطية ومهارات استثنائية وهيكلية ادارية سلسة وواضحة داخل الاجهزة الاستخبارية المختلفة وتنسيق عالٍ بينها , وسنتطرق لذلك بالتفصيل.

ملاصقة السلطة 

لو تمعنا في سورة النمل والآيات  الكريمات التي تحدثنا عن تفقد النبي سليمان للطير والاستفسار عن الهدهد , سنرى انها تصور لنا ارتباط الإستخبارات برأس السلطة  وتقدم تقاريرها الملخصة والمهمة له .

إنَّ ارتباط الإستخبارات الرئسي مهم جداً ويجعل القيادة متقدمة على الآخرين في نضج القرار السياسي والأمني والعسكري , لذا نرى أنّه في  أغلب الدول المتقدمة فإنّ المجتمع الاستخباري فيها مرتبط برأس السلطه مباشرة  .

ان بعد الاجهزة الاستخبارية عن الرئيس يؤدي الى تعثر المعلومات وضياع فرصة المباغتة او التدخل السريع لمواجهة المخاطر , فمن المهم والضروري ان يكون خط سير المعلومات الاستخبارية الذي يخص القيادة ورأس السلطة سالكاً دون معوقات بيروقراطية او أية حلقات زائدة , فالاستخبارات هي عين القيادة أياً كان نوع النظام السياسي الحاكم .

ولكي يتم ذلك , فمن الافضل ان توكل مهمة تنسيق التقرير الاستخباري وتوحيده الى الاجهزة الاستخبارية ذاتها وليس الى سكرتير رئاسي , لأن وجود مثل تلك الحلقة يشير الى تفكك العلاقة بين الاجهزة الاستخبارية وعدم تنسيق تقاريرها , كما يؤشر الى فوضى في تحديد المهام وتداخلها , وهذا يحيلنا الى اهمية الهيكلية الادارية الخاصة بالمعلومات من جهة وتلك الخاصة بمسؤولية اتخاذ القرارات .

ولايقف دور الاستخبارات في تقاريرها المعلوماتية المباشرة للرئيس فقط , وانما يتعداه الى مهام يتطلب معها ان تكون بقربه , فبعض الرؤساء يأخذ ملخص من الاستخبارات عن شخصيات سيقابلها ويحتاج الى احاطة سيكولوجية وشخصية بها , وحتى في لقاءآات الرئيس العامة او زياراته التفقدية فإنه يتلقى النصح فيما يجب تجنبه او التطرق اليه .

كما ان حماية رأس السلطة هو أيضاً من واجب الإستخبارات في تحركاته وتنقلاته وافراد عائلته , إذ يطلب منها إستكشاف الخطر الذي يهدد الرئيس وبرامجه وحياته , مما يجعل الاستخبارات مطلعة بالضرورة على اخبار الرئيس واسراره واسرار عائلته وتشخص نقاط الضعف وتذهب لترميمها او غلقها لدرء الخطر منها ومن خلالها.

وبما ان الإستخبارات هي الطوق الاول لحماية البلاد , فإنها تكون دوما مندفعة بقرب العدو وتحتاج ان يكون لها جسر سريع مع رأس الهرم لإيصال اية معلومة مستعجلة بشكل مباشر دون البيروقراطية الادارية والحكومية.

هيكلية للمعلومة وللقرار

تضع القيادة الحكيمة المجتمع الاستخباري قربها لأنه عينها وتستعين به وتوليه اهتمام وتدعمه , لأنه مجسات القيادة ودائره السمع للواقع وللمستقبل , وبما أن واجب الاستخبارات هي المعلومات وليس اتخاذ القرار , فإن الدول المتقدمة استخبارياً تعمد الى هيكلية تضمن سلاسة المعلومة الموحدة كما تضمن جماعية القرار الاستراتيجي .

ومن هنا نشأ مايطلق عليه بالمجتمع الاستخباري الذي يضم في جنباته كافة الاجهزة الاستخبارية في البلاد , وهو حلقة الوصل بين الجهد الاستخباري الموحد من جهة , والقرار السياسي والبناء الاستراتيجي للبلد.

وتكون للمجتمع الاستخباري امانة عامة ورئاسة واعضاء اساسيين هم رؤساء الاجهزة الاستخبارية , فحتى الاجهزة الاستخبارية المرتبطة ادارياً بوزاراتها كإستخبارات الدفاع او الداخلية , فإنها جزء اساسي من المجتمع الاستخباري .

وتكون للمجتمع الاستخباري مهام كثيرة تضمن التنسيق التام لعمل الاجهزة الاستخبارية ادارياً ومالياً وتخطيطياً كما قد فصلناها في مبحث 12 (ادارة المجتمع الاستخباري) .

الا ان مايهمنا في مبحثنا هذا هو معطى المعلومات الرئسية التي يتم رفد القيادة بها , فوجود المجتمع الاستخباري يعني وجود تنسيق وتوحيد للجهود الاستخبارية وتوزيع للمهام , ومن ثم لابد ان يصل المجتمع الاستخباري الى رؤية موحدة للمخاطر والمعطيات والتحليلات والتوقعات وتقدير المخاطر , ليصل في النهاية الى تقرير معلوماتي موحد دون تضارب .

وتكون للمجتمع الاستخباري – او مجلس الاستخبارات او المركز الوطني للإستخبارات او ما يعرف بالمجلس الاستخباري – اجتماعات دورية ثابتة مع رأس السلطة أياً كان شكل السلطة , اما رئاسة هذا المجتمع فتختلف الدول على اسلوب ادارته , فمنهم من يجعل له سكرتير او امين سر ويكون برآسة الرئيس شخصياً كمجلس الأمن الوطني , وفي دول اخرى تجعل له رئيسا مباشراً كحال الولايات المتحدة الامريكية , بينما تسند دول اخرى رئاسته الى اعلى منصب مابين الاجهزة الاستخبارية ولكن المهم ان ترتبط برأس الهرم.

ان عدم وجود مجتمع استخباري يؤدي الى تشتت وتضارب المعلومات ويجعل القيادة ورأس السلطة مشوشة ومشغولة بكثرة منابع التقارير الاستخبارية التي تصل اليها مما يُعجزها عن اتخاذ القرارات , وهو حال الكثير من الدول المتخلفة التي تقوم فيها الاجهزة الاستخبارية كل على حدة بكتابة تقاريرها الى رأس السلطة او الى سكرتاريته , كما ان عدم وجود مجتمع استخباري يجعل توزيع المهام ضبابياً فتصبح المحاسبة صعبة عند التقصير , فمثلاً لايستطيع احد في العراق ان يحدد الجهة المختصة بمكافحة الارهاب , فكل جهة في العراق ستجيبك انها تكافح الارهاب وهذا هو عنوان للفوضى لأنه في حالة حصول خرق ارهابي سيتنصل الجميع على عكس تقسيم المهام  الذي يحصر كل مهمة  بجهاز معين .

وتعمد الدول المتقدمة الى هيكلية معلوماتية وهيكلية للقرار الامني , فالهيكلية المعلوماتية تتمثل كما قلنا بالمجتمع الاستخباري الذي ينوب عنهم احد رؤساء الاجهزة في تقديم التقرير الاستخباري المعلوماتي اليومي , اما الهيكلية الثانية فتتمثل بالحكومة الامنية المصغرة التي يتولى رأس السلطة قيادتها والتي يقع على عاتقها اتخاذ القرار الامني استناداً على مايقدمه المجتمع الاستخباري .

فبوجود هذين الهيكلين , المجتمع الاستخباري والحكومة المصغرة , تضمن السلطة وجود انسيابية للمعلومات الاستخبارية الموحدة المحكمة , وتضمن المشاركة الفعلية للقرار الامني المبني على معلومات المجتمع الاستخباري دون تضارب ودون تلكؤ.

ماقلَّ ودل 

من طبائع الامور ان يكون رأس السلطة دائم الانشغال ومتنوع المهام ومواعيده مزدحمة ويتابع كافة القضايا في البلاد , وفي هذه الحالة فإن اطلاع الرئيس يومياً على تقارير استخبارية من عشرات الصفحات وملفات ضخمة هي مهمة مستحيلة. ومن هنا , فإن التحدي الذي لابد ان يؤخذ بنظر الاعتبار في التقرير الاستخباري هو ان يكون مركزاً ومختصراً وشاملاً في ذات الوقت لطرح كافة المخاطر , وهي مهمة عسيرة وتحتاج الى حنكة وثقافة عالية وقرب من عقلية رأس السلطة وانسجام تام معه .

فرأس السلطة لايحتاج الى تفاصيل المعلومات والمعطيات وانما يحتاج الى الاستنتاجات المبنية على التحليل ويحتاج الى الاحتمالات والاستشعارات والتهديدات والى المقترحات .

وفي هذا السياق هنالك قصة ذات مغزى يرويها الجنرال حسين فردوست في مذكراته , وهو الذي رافق شاه ايران منذ طفولته حتى سقوط نظامه , فيقول انه حضر مع الشاه دعوة افطار مع ملكة بريطانيا , فدخل سكرتير الملكة ووضع ملف امامها وخرج وكان الملف من ورقتين فقط يتلخص فيه الموقف الاستخباري لكل الامبراطورية البريطانية , الامر الذي أثار حنق الشاه الذي عنف فردوست لاحقاً على الملفات بمئات الصفحات التي ترهقه بها الإستخبارات الشاهنشاهية يوميا , وامره بأن يبقى ببريطانيا لتعلم طريقة اختصارهم للتقرير الاستخباري , وبرغم ذلك لم يستطع فردوست ولا ضباطه رغم مختلف الدورات في بريطانيا من الوصول الى هذا المختصر الرائع للتقرير المعلوماتي اليومي , وانهم بعد محاولات عدة استمرت 37 عام من حكم الشاه نجحوا في آخر سنة من حكمه ان يختصروا التقرير الى 18 صفحة فقط !!!!!.

لعل هناك معلومه يجب ان يعرفها راس السلطة في الساعه ٢ فجرا ويجب ايقاضه واخرى ليست مستعجله ويطلع عليها بعد يوم او اسبوع.

ان الملخص الذي يطلع عليه الرئيس يومياً يكون فائق السرية لذا يجب ان يصل بآلية قصيرة وقريبة وان يكون مختصراً يحوي زبدة المعلومات والمخاطر والاستنتاجات والمشورة , فالغاية من إعلام الرئيس هي الاطلاع والاستعداد والتمكن من صناعه القرار.

خلاصة

ان قرب الاجهزة الاستخبارية ممثلة بمجتمع استخباري منسجم من رأس السلطة وتزويده بتقرير معلوماتي يومي مركز ومختصر , كل ذلك يعني ان الإستخبارات قد ادت واجبها في ان تكون عين النظام امام المخاطر , والله الموفق.

رابط مختصر… https://www.europarabct.com/?p=51743

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...