بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (3)
فاز حزب البديل من أجل ألمانيا بثلث الأصوات في الانتخابات التي جرت في ولايتي “ساكسونيا وتورينجيا” بشرق ألمانيا، وسط توقعات بتحقيق المزيد من النجاح للحزب اليميني الشعبوي في ولاية “براندنبورغ”. أظهرت المكاسب الانتخابية التي حققها حزب البديل من أجل ألمانيا أن اليمين الشعبوي أصبح له القدرة على جذب الأصوات الانتخابية عبر استغلال قضية الهجرة، والتي تعد قضية رئيسية بالنسبة للعديد من الناخبين الذين صوتوا لحزب البديل، بالإضافة إلى استغلال العمليات الإرهابية وحرب غزة وأوكرانيا، وتباطؤ النمو الاقتصادي لتوجيه الناخبين نحو تأييد الحزب.
صعود حزب البديل من أجل ألمانيا
أشارت النتائج في الثاني من سبتمبر 2024 بحصول حزب البديل من أجل ألمانيا على أغلبية الأصوات بفارق كبير في انتخابات ولاية “تورينغن” شرقي ألمانيا، كأقوى حزب في ولاية “تورينغن” في هذه الانتخابات في سابقة هي الأولى للحزب في انتخابات محلية منذ تأسيسه قبل 11 عاما. وجاء في المركز الثاني، الحزب المسيحي الديموقراطي بنسبة تأييد بلغت (5.24%) وفي ولاية “سكسونيا” ، أشارت التقديرات إلى تصدر الحزب المسيحي الديمقراطي انتخابات برلمان الولاية (31,7 %) وذلك بفارق ضئيل عن حزب “البديل من أجل ألمانيا” (31,4 ).
لن يتوقف صعود حزب البديل من أجل ألمانيا، ربما على انتخابات الولايات فحسب، بل قد ينتصر أيضا في الانتخابات العامة على مستوى ألمانيا “انتخابات البوندستاغ الألماني” في العام 2025. وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن حزب البديل من أجل ألمانيا هو ثاني قوة سياسية، حيث تعطيه الاستطلاعات نسبة من (16-19%) خلف حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي.
حث المستشار الألماني “أولاف شولتز” الأحزاب الرئيسية على عدم تقديم الدعم لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي ومنع حزب البديل من أجل ألمانيا من الحكم من خلال الإبقاء على ما يسمى “بجدار حماية”. وأضاف أن “جميع الأحزاب الديمقراطية مدعوة الآن إلى تشكيل حكومات مستقرة دون المتطرفين اليمينيين”، ووصف النتائج بأنها “مريرة” و”مثيرة للقلق”. إستراتيجية أمن ألمانيا .. وتحديات الأمن القومي. بقلم جاسم محمد
استثمار قضية الهجرة واللجوء
يرتكز فكر اليمين المتطرف على مناهضة الهجرة وحشد العداء ضد الأجانب وتحديداً المسلمين والترويج إلى أن ارتفاع معدلات العنف والإرهاب مصدرها بالأساس فتح أوروبا أبوابها أمام اللاجئين والمهاجرين الأعوام الماضية. يستخدم الحزب وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز دعم أيديولوجياته السياسية. يقترح الحزب زيادة عمليات ترحيل المهاجرين والحد من استقبال وافدين جدد، كما يطالب بإنشاء معسكرات احتجاز خارج ألمانيا بهدف منع دخول المهاجرين إلى البلاد.
يتبع اليمين الشعبوي غالبا انتشار حملات التضليل ضد المسلمين والهجرة في أوروبا نمطا معينا خاصة في ألمانيا، حيث ترى السيِّدة “لورينا مارتينيز” وهي رئيسة هيئة تحرير أوروبا في منظمة تدقيق الحقائق “حقائق منطقية”، “إنَّهم يبدؤون بالأخبار الساخنة ويقصفون الجماهير بمحتويات تهدف إلى قيادتهم إلى طريق تكهنات ذات نتيجة حتمية مفادها: أنَّ المسلمين والمهاجرين يشكلون تهديدًا وجوديًا لأوروبا”.
تشير دراسة في 31 أغسطس 2024 إلى أن حزب البديل يستغل “مخاوف الناس من الأجانب وينشر ادعاءات أن الأجانب يستحوذون على فرص العمل بدلا من الألمان، ورغم أن جريمة الطعن في “زولينغن” حدثت في غرب البلاد (في ولاية شمال الراين – ويستفاليا)، إلا أن صداها وصل إلى شرقها. “ليستغل حزب “البديل” صدى الجريمة لصالحه”، ويرفع شعارات الحفاظ على الهوية والقومية الألمانية.
استغلال العمليات الإرهابية الإسلاموية
يستغل اليمين الشعبوي هجمات الطعن التي وقعت مؤخرًا في “زولينغن” من أجل نشر نظريات المؤامرة والكراهية ضد المسلمين والأجانب، مستخدما وسائل التواصل الاجتماعي. واستخدمت أطراف يمينية شعبوية مثل حزب البديل من أجل ألمانيا هذا الهجوم في المقام الأوَّل من أجل انتقاد السياسة التي تنتهجها الحكومة الاتحادية.
تركت جريمة الطعن في “زولينغن” بولاية “شمال الراين ويستفاليا”، والمشتبه بارتكابها لاجئ سوري رفض طلب لجوئه وتبناها تنظيم “داعش”، أثرها لا محال على الانتخابات في ولايتي “تورينغن و سكسونيا”، فقد أعادت الجدل حول الهجرة والأمن إلى الواجهة، وخلطت الأوراق أكثر إنها هدية مقدمة لحزب البديل في الانتخابات”.
وجدت دراسة أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AFD) كان أكثر الأحزاب السياسية نشاطا في ألمانيا على تويتر، ومن بين ملايين التغريدات التي تم تحليلها في الدراسة، كانت (30%) منها مرتبطة بحزب “البديل من أجل ألمانيا”. ويمكن على حسابات تويتر الخاصة بالحزب قراءة عبارات لاستغلال الجرائم المتعلقة بهجمات السكاكين كـ”وباء السكاكين يتفشى” لجذب العديد من الأصوات الانتخابية. مكافحة الإرهاب في ألمانيا ـ واقع أجهزة الأمن و استراتيجية داعش الجديدة
استثمار حرب غزة في صعود اليمين الشعبوي
سعى حزب البديل من أجل ألمانيا استثمار حرب غزة واكتساب النفوذ السياسي. وكان قد اتهمت الأحزاب الألمانية كالحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني (SPD) حزب البديل من أجل ألمانيا باستخدام حرب غزة للتحريض على معاداة الإسلام ومعاداة السامية. تشرح “مارتا لوريمر” زميلة السياسة الأوروبية في كلية لندن للاقتصاد وخبيرة في اليمين الشعبوي، “يميل اليمين الشعبوي إلى الازدهار في الأزمات. يمكنهم دائما إيجاد طريقة لإعادته إلى أساسياتهم”. وتقول “سارة دي لانج” باحثة في الشعبوية وأستاذة في العلوم السياسية ومقرها أمستردام أن “بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة الشعبوية اتجهت بالفعل على مدار السنوات الماضية نحو المزيد من معاداة السامية”
استغلال المخاوف بشأن حرب أوكرانيا
يستغل حزب البديل من أجل ألمانيا المخاوف بشأن تأثير الحرب في أوكرانيا، والتزام ألمانيا التاريخي بالنهج السلمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى التعاطف المستمر لدى بعض سكان أقاليم ألمانيا الشرقية تجاه الكرملين، نتيجة للفترة التي خضعت فيها المنطقة لسيطرة الاتحاد السوفييتي. تبنى الحزب مواقف مؤيدة لروسيا، ويطالب الحكومة بالامتناع عن إرسال المزيد من المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا.
يقول “ماتيا نيلز” المؤسس المشارك للمكتب الألماني الأوكراني، وهي شركة استشارية سياسية مقرها “دوسلدورف” في الثالث من سبتمبر 2024 “إن نتائج الانتخابات المحلية لن تؤثر على تمويل الحكومة الفيدرالية للمساعدات المقدمة لأوكرانيا في الأمد القريب، “لكنك ترى بالفعل تغييرًا طفيفا في خطاب الأحزاب الوسطية تجاه أوكرانيا. لدينا أربعة أحزاب وسطية، وبعضها تبنى بالفعل بعض السرديات أو الأطر التي كانت تستخدمها الأحزاب الشعبوية”. أمن ألمانيا ـ ماذا عن مواقف الحكومة والأحزاب السياسية حول صادرات الأسلحة؟
تنامي الصراعات الداخلية في الائتلاف الحاكم
أعلن زعماء حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي في 29 يونيو 2024 عن زيادة في عدد أعضائه، حيث يضم الحزب نحو (40) ألف عضو، بينهم (77) عضوا في البرلمان الاتحادي من إجمالي (733) عضوا. بالتزامن مع تنامي الصراعات الداخلية في الائتلاف الحاكم، ماساهم في ارتفاع شعبية الحزب. انجرف العديد من السياسيين في اليمين المعتدل إلى نقاش بشأن أمور الهجرة وتعدد الأعراق في البلاد، لدرجة أن زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيح “فريدريك ميرز” الذي ينتمي إلى يمين الوسط، أثار مؤخراً ضجة عندما وصف حزبه بأنه بديل مقبول لـ”البديل لأجل ألمانيا”.
عدم الثقة في الأحزاب المعتدلة
أشار تقرير في سبتمبر 2024 إلى أن الألمان الشرقيين قد سئموا من عدم أخذ مخاوفهم على محمل الجد حيث تتصدر الهجرة قائمة المخاوف، تليها أسعار الطاقة والحرب والاقتصاد. صرّح “ألكسندر غاولاند ” رئيس الحزب “AFD” بأن هذه النتائج تعكس رغبة الشعب في تغيير جذري للسياسات الحالية”. ويضيف “غاولاند”: “سئم الناخب الألماني من السياسات التقليدية التي فشلت في معالجة قضايا الهجرة والأمن والاقتصاد، نحن مستعدون لتحمل المسؤولية والمساهمة في بناء مستقبل أفضل لألمانيا”
أقرّ رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي “فريدريش ميرتس “بالهزيمة، وأكد على ضرورة إعادة تقييم إستراتيجيات الحزب قائلًا “علينا أن نتواصل بشكل أفضل مع المواطنين، ونستمع إلى مخاوفهم وتطلعاتهم. لا يمكننا تجاهل الرسالة التي أرسلها الناخبون من خلال هذه الانتخابات”. وأضاف فقد صوت (37%) من الناخبين الشباب في “تورينجيا” لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا. وفي “ساكسونيا” كانت النسبة (31%). ورغم أن هذا أعلى من المتوسط الوطني، فإنه لا يزال يتماشى مع ما حدث في الانتخابات البرلمانية الأوروبية في يونيو 2024 عندما تغلب حزب البديل لألمانيا على الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحاكم.
أشار استطلاع للرأي في الثالث من سبتمبر 2024 للناخبين الألمان أن (54% ) من المشاركين في الاستطلاع إنهم لا يثقون بأي حزب لحل مشاكل البلاد، وقال (16%) فقط إنهم يثقون بالحكومة، وذلك بعد أن أظهر استطلاع سابق أجراه معهد الدراسات السياسية في باريس بين الناخبين في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا أن (60%) من المشاركين في الاستطلاع لا يثقون بالمؤسسات السياسية، وقالت النسبة نفسها إن الديمقراطية لا تعمل.
الاستفادة من التدهور الاقتصادي وقضايا تغير المناخ
يستثمر حزب البديل من أجل ألمانيا القلق بشأن تباطؤ النمو في أكبر اقتصاد في أوروبا والقضايا الاقتصادية بشكل رئيسي، التي شهدت تحولا ملحوظا في أولوياته، منذ تزايد أعداد اللاجئين عام 2015، حين استقبلت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ. ويستغل “حزب البديل من أجل ألمانيا”، استياء جزء مهم من الألمان من السياسات البيئية الحالية للدعوة للتراجع عن التزامات البلاد في مجال الانتقال نحو الطاقة النظيفة والمتجددة والحياد الكربوني.
تقييم وقراءة مستقبلية
– يواصل حزب البديل من أجل ألمانيا الصعود على الرغم من الجهود المبذولة من الأحزاب الألمانية لوقف صعود الحزب داخل الولايات خاصة في الولايات الشرقية، عبر تحذير الناخبين من التطرف المتزايد للحزب.
– كانت الهجرة قضية رئيسية تدفع الأصوات الألمانية لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا، مع توجيه الحزب الكثير من الخطابات الدعائية الشعبوية إلى المهاجرين غير الأوروبيين، وخاصة المسلمين.
– تستفيد الأحزاب الشعبوية في جميع أنحاء أوروبا لاسيما ألمانيا من الناخبين الذين يريدون ببساطة التعبير عن استيائهم من الأحزاب السائدة. ولكن في شرق ألمانيا، يبدو أن الناخبين يتبنون حزب البديل من أجل ألمانيا بشكل متزايد ليس من باب الاحتجاج، بل من باب القناعة السياسية الجادة.
– بات متوقعا أن تتخذ الأحزاب المعتدلة الألمانية سياسات أكثر صرامة بشأن قضايا مثل الهجرة والأمن والاقتصاد، وتدفع بإجراءات لتسهيل ترحيل طالبي اللجوء الذين تم رفض طلباتهم، من أجل استعادة ناخبي حزب البديل من أجل ألمانيا.
– من المستبعد أن يتولى حزب البديل من أجل ألمانيا السلطة بعد الانتخابات، لأن جميع الأحزاب السياسية الألمانية لاسيما أحزاب الائتلاف الحاكم، لن تشكل ائتلافات معه. على الرغم من الأداء القوي لحزب البديل لألمانيا في كل من “ساكسونيا وتورينجيا”.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=96666
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
Where does Europe’s far right stand on the Israel-Hamas war
https://tinyurl.com/5dj97n24
There’s only one way to keep Germany’s far-right AfD at bay. Address the concerns it exploits
https://tinyurl.com/4tbufjxh
The firewall against the German far right is crumbling
https://tinyurl.com/5azt5u37
German far-right surge raises doubts about Berlin’s support for Ukraine
https://tinyurl.com/bdcfu5cf