المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا
المرأة والإرهاب… ثنائية الكذب والاستغلال
الشرق الأوسط ـ 31 ديسمبر 2017 ـ طالما اتخذت الجماعات الإرهابية من المرأة وسيلة لها للانتشار والتمدد داخل المجتمع الإنساني، فمرة تكون آلة جذبٍ للشباب المتطرف عن طريق إغرائه بالزواج من النساء المهاجرات، أو بسبيهن والتمتع بهن.
وتارة أخرى تكون المرأة هي الرائدة والسيدة التي تربّي المجاهدين وترفع بهم راية الجهاد والإسلام الحق ــ من منظورهم ــ ونجد المرأة في ظروف أخرى تُمثّل للإرهاب “فتنةً” يجب أن تُمنع من الظهور حتى لا تفتن الرجال!
هذه الثنائية المتناقضة عادت للظهور في آخر إصدارات الجماعات الإرهابية التي دُشّنت وبشكلٍ خاصٍ للنساء؛ أكثر من مجلة منها: “بيتكِ” و “ابنة الإسلام”، تختص بالمرأة فقط وتهتم بشئونها، هذه المجلات وبنظرة تحليلية أُعدّت إعدادًا ذكيًّا لائقًا بالجمهور الذي تستهدفه التنظيمات المتطرفة.
فبدايةً بشكل وإخراج المجلات التي تتسم بالألوان المبهجة والرسومات الرقيقة التي تجذب النساء لطبيعتهن، مرورًا بعناوين المقالات التي تُشعِر المرأة أنها مهمةٌ وأن التنظيم فعلًا يُعتبَر لها، بل ويعتمد عليها اعتمادًا كبيرًا.
فمثلًا نجد مقالًا تحت عنوان: “الشيخ أبو قتادة الفلسطيني يحدثكِ أنتِ”؛ يخاطب المرأة ويوجّه العنوان لها فيشعرها بأهميتها وبأنها تشغل حيزًا من عقل هؤلاء المجاهدين، فتبدأ بالقراءة وهي ممتنة!
وقبل الحديث عن هذه الآلية الجديدة وعن محتويات هاتين المجلتين، تجدر الإشارة إلى بعض النقاط المهمة:
1- التناقض والانتقائية مُرْتكَزان أصيلان وأساسيان في عَلاقة الجماعات الإرهابية والمتطرفة بالمرأة؛ فالتعامل معها مرتبط بمصالح التنظيمات ورؤيتها الخاصة، وعلى حسب المصلحة تتغاير المواقف والفتاوى ويتبدل الخطاب التجنيدي للمرأة، وكذلك تتغير آليّة انتقاء النصوص الدينية بحيث تتوافق مع مصالح التنظيمات الإرهابية.
2- الحقيقة أن المرأة دومًا في كل الأنماط والأشكال الإرهابية تُمثّل وسيلةً مستخدَمةً وممتهَنةً لا قيمة لها ولا حقوق، إلا ما تُنعِم به تلك الجماعات عليها!
3- المتابع لعملية تجنيد النساء يجد تغيُّرًا جذريًّا وقويًّا بين ما كانت تنتهجه تلك الجماعات سابقًا، وبين المنهجية الجديدة التي تتبعها منذ أشهرٍ قليلة!
كانت الجماعات الإرهابية (داعش أو القاعدة ) تُجنِّد المرأة عن طريق وعودٍ مكذوبةٍ بحفظها وصيانتها في كنف زوجٍ مجاهدٍ تكون أمًّا لأبنائه، فتُكثِّر من الجهاديين وتساعد بذلك على إقامة دولة الخلافة المنتظَرة، التي ستنعم فيها بالمال والحرية هي وذَووها.
وفي بعض الحالات كانت هذه النساء تُجنَّد للقيام بعملياتٍ نوعيّة كالعمليات الانتحارية التفجيرية، وفي حالاتٍ أخرى تكون المرأة مجرد آلةٍ تُنجِب أطفالًا يقوم التنظيم بتدريبهم على القتل والذبح؛ ليصبحوا أعضاءً فعّالين في منظومة الإرهاب الأسود.لكن الجديد الذي تمارسه التنظيمات الإرهابية اليوم؛ أنها أصبحت تولِي المرأةَ احترامًا زائفًا وتشعرها بقيمتها كعنصرٍ مؤثِّر في المجتمع.
وبالعودة إلى محتويات هذه المجلات؛ نجدها تتلافى الأخطاء السابقة التي وقعت فيها تلك التنظيمات، فلا تهتم فقط بالمرأة باعتبارها مربّيةَ أطفالِ المجاهدين ولا باعتبارها عورةً يجب أن تختفي، بل الاستراتيجية التجنيدية الجديدة اقتضت أن تكون هذه المجلات بمثابة التجنيد الناعم.
فحين تتصفح المرأةُ المجلةَ تجد أبوابًا خُصِّصت لاعتنائها بجمالها من بشرةٍ وشعرٍ ومظهرٍ وملبسٍ، إلى أبوابٍ تساعد المرأة في تربية أبنائها، مرورًا برسائلَ لـ “الأخوات المهاجرات”، و”ابنة الإسلام في خارطة الصراع”، وانتهاءً بوصفات المطبخ!
هذه الآليّة الجديدة تجذب النساء مرةً أخرى، وتجعل المرأة المستهدَفة تُغيِّر نظرتها للتنظيمات الإرهابية؛ فتظن أنها تغيرت وعدّلت من أفكارها وأيدولوجياتها، بما يطمئنها للانضمام إليهم.
الحقيقة المُرَّة التي لا يمكن إغفالها؛ أن هذه التنظيمات لا تُفارِق عادتها من الكذب والزيف والوعد بالوهم، حتى إذا وقعت المرأة في براثنهم وانضمت لهم فعلًا، عاملوها بما يقتنعون به من كونها فتنةً، وأنها وسيلةٌ يستغلها الرجل فيما يراه وَفْقَ مصلحته؛ فتجد الاستعباد والذل والإهانة!
لقد وعدوا النساء من قبلُ بالاستقرار والحفظ والرعاية وبالمال والزوج المُحِبّ، وكانت الحقيقة على خلاف ذلك تمامًا، ففوجئت المنضمات بالتعذيب والامتهان والاستعباد الجنسي وغير ذلك مما افتضحت به تلك الجماعات!
إن المرأة في الإسلام سيدةٌ وقائدةٌ وعظيمةٌ، وهي كالرجل سواءً بسواء؛ لكلٍّ منهما طبيعتُه وحقوقه وواجباته، فالرسول الكريم – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: “النساء شَقائقُ الرجال”، ويقول في آخِر ما قال، وهو يُفارِق أُمَّتَه: “واستوصُوا بالنساء خيرًا..”.
هذا هو الإسلام وهذه هي المرأة فيه، عزيزةٌ مكرمةٌ، أمّا الإرهاب فإنه يَتَّشِح بالسواد ويَمتَهِن النساء، ولا يعرف غيرَ القتلِ والدمويّة والعنف طريقًا.
رابط مختصر https://wp.me/p8HDP0-b5b