المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا
هل تنتهي داعش؟!
مرصد الأزهر ـ 2 بناير 2018 ـ سقط تنظيم داعش على أرض الواقع بعد أن خسر الأراضي التي سيطر عليها منذ عام 2014 وزعم أنه دولة ومارس دور الدولة في مشهد عبثي أقرب إلى الأحلام منه إلى الواقع؛ ولا يزال حتى اليوم يوهم أتباعه والمتابعين لقضايا الإرهاب عالميًّا بأنه متواجد وبقوة كدولة لها حدود وأركان.
لكن في حقيقة الأمر خسر التنظيم أكثر من 90% من الأراضي التي كان يسيطر عليها، طبقًا لتقرير صدر عن فوكس نيوز مؤخرًا، مع ذلك هل هذا يعني بالضرورة انتهاء الإرهاب الداعشي؟
ربما تكون الإجابة صادمة، فداعش لم تنته بعد، وربما يكون من الواقعي أن نقرر أنها لن تنتهي حتى على مدى المستقبل القريب إلا من خلال التعاون والتضافر لمقاومة أفكارها المنحرفة والمغلوطة وإعادة تأهيل العائدين من داعش بعد أن ينالوا العقوبات التى تقررها قوانين الدول التى يعود لها هؤلاء المارقون على ما اقترفوه من جرائم.
فالمشكلة تكمن داخل عقول بعض الشباب الذين اقتنعوا بذلك الفكر المنحرف والمتطرف، إضافة إلى بعض الخلايا الإرهابية التي اختبأت في جحورها وتنتظر حتى تنتهز الفرصة لتلدغ كالعقرب السام.
وقد رصدت وحدة اللغة الإنجليزية مقطعًا مصورًا لفرع داعش في الصومال يحث أتباع التنظيم داخل الغرب على شن هجمات إرهابية داخل الغرب خلال أعياد الميلاد، والملفت للنظر في ذلك المقطع الناطق بثلاث لغات مختلفة وهي الإنجليزية والعربية والصومالية؛ أن المتحدث يحاول التأكيد على رسالة واحدة مفادها أنه لن يثنيهم أحد عمّا يقتنعون به وأن خلافتهم المزعومة ستتمدد إلى أمريكا وأوربا.
كل ذلك رغم أنه يتحدث من صحراء جرداء لا يُعرف مكانها بالتحديد، وهو ما يوضح فكرة أن المقتنعين بذلك الفكر المزيف يرون في قتل الأبرياء والأطفال والعجزة طريقًا للجنة، وأن تخلي هؤلاء عن سلاحهم وأرضهم لا يعني بتاتًا تركهم التطرف والإرهاب.
هذا إضافة إلى عدد من التقارير التي تابعتها وحدة رصد اللغة الإنجليزية، والتي تؤكد على أن هزيمة الإرهاب والتطرف عسكريًّا في موقع ما، لا يعني بالضرورة انتهائه ودحره، بل على العكس تزداد خطورته؛ حيث لم يعد معلومًا مكانُه أو إستراتيجيته، أو الأماكن التي قد يستهدفها أحدهم في المستقبل القريب.
من هذه التقارير ما أوردته صحيفة Foreign Affairs التي أكدت على أنه رغم قرب هزيمة التنظيم الداعشي على أرض الواقع، فإن الولايات المتحدة ليست في مأمن من هذا التهديد الجهادي؛ حيث إن داعش ما هي إلا مجرد جماعة واحدة من مئات الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تشكلت منذ عام 2011.
وكل هذه الجماعات لها أهداف مماثلة تتمحور حول إعلان الخلافة الإسلامية باستخدام القوة العسكرية،وتتفق هذه الجماعات على أن الولايات المتحدة لا تزال تقف حجرة عثرة أمام طموحاتهم، وذكرت الصحيفة أيضًا أنه في حالة هزيمة داعش، فإن العديد من المنظمات الجهادية السلفية الأخرى ستكون على استعداد لتحل محلها.
ومنها أيضًا التحليل الذي قام به موقع” The National ” والذي يتناول حالة تنظيم داعش بعد إعلان جهات عديدة سقوطه، جاء فيه أن التنظيمات الإرهابية هزمت عدة هزائم من قبل، لكن التاريخ أثبت أنها ظلت باقية، بل وعادت مرة أخرى بعد مغادرة قوات التحرير، فرغم أن هذا العام ينتهي بنجاحات في المعركة ضد التطرف في بلدين رئيسين في المنطقة.
وهما العراق وسوريا؛ حيث حققت الحملة الرامية إلى إسقاط ما يسمى بمشروع الخلافة المزعومة الذى أسسه تنظيم داعش في العراق والشام في يونيه 2014، أهدافها إلى حد كبير، فقد تمكن التحالف الدولي خلال ثلاث سنوات ونصف من استعادة السيطرة على 98 في المائة من الأراضي التي استولت عليها داعش من قبل، لكنه من الناحية العملية.
فإن هذا يعني أن العالم لم يعد يواجه تهديدًا على نفس النطاق، ولم يتمكن التنظيم من اجتذاب آلاف المقاتلين الأجانب وأسرهم، وأن قدرة التنظيم قد تقلصت بشكل كبير في السيطرة على بلدان أخرى وتهديدها، لأن المكسب الحقيقي ضد تنظيم داعش في العراق والشام لا يعني القضاء على التنظيم فحسب، بل الحيلولة دون قيامه مرة أخرى.
وهو ما يجعلنا نقول إن الولايات المتحدة وشركائها قد فازوا في الحرب التي بدأت في صيف عام 2014، لكنهم لم يفوزا في الحرب على الإرهاب التي بدأت قبل ذاك التاريخ بسنوات.
وقد أشارت إحصائيات مهمة لمجلة فورين بولسي أنه في عام 2016، شكلت الجماعات السلفية الجهادية حوالي 35 في المائة من جميع الجماعات المسلحة الرئيسية في العراق، و 50 في المائة من الجماعات المسلحة الرئيسية في الصومال، و 70 في المائة من هذه الجماعات في سوريا.
وأشارت الصحيفة إلى أن السبب الرئيسي لهذا الارتفاع في المنظمات الجهادية هو الزيادة الحادة في عدد الحروب الأهلية في البلدان الإسلامية منذ عام 2001، وقد ثبت أن الحروب الأهلية في بلد ما يجعلها أرضًا خصبة لهذا النوع من التطرف. وهو ما يؤكد أنه طالما استمرت الصراعات الحالية في تشاد والعراق وليبيا ومالي ونيجيريا وباكستان والصومال وسوريا، فإن أطرافًا مثل داعش والقاعدة الذين برزوا في هذه الحروب سوف يستمرون في ذلك.
وعلى الجانب الآخر تخلق الحروب الأهلية دولاً ضعيفة أو فاشلة وهو ما يمكن التطرف والإرهاب من الظهور والاستمرار ويجعل من مجابهته أمرًا غير محتمل، فالحروب بالوكالة لن تنفع أو تستمر؛ وهو ما يوضح لنا سبب الجهود التي تبذلها الجماعات المتطرفة لزعزعة استقرار الدول الأكثر استقرارًا في المنطقة مثل مصر والأردن والمغرب والمملكة العربية السعودية.
وهذه الملاحظة على التحديد تؤكد أن الحل الأمثل للقضاء على الإرهاب والتطرف لا بد أن يكون من داخل دول المنطقة المستقرة، وأن الحفاظ على هيبة الدولة والقانون داخل تلك الدول هو أقوى علاج لمكافحة التطرف، وأن كل عمل عسكري يأتي من خارج دول الشرق الأوسط يزيد من الوضع سوءً.
إن القضاء على التطرف والإرهاب في العالم يتطلب إرادة عالمية قوية من عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية مع دعم البلاد التي تشهد حروبًا وصراعات داخلية لحل مشاكلها داخليًّا، وتقوية جيش وطني يستطيع محاربة الإرهاب بنفسه، كما هو الحال في الدول الأكثر استقرارًا بالشرق الأوسط.
وكما أوضحنا من قبل، فإن المواجهات العسكرية وحدها لن تفي بالغرض العالمي للقضاء على الإرهاب، فعقول بعض الشباب التي تسممت بالتطرف لا بد أن تجد طريقها نحو الفكر الوسطي الصحيح للإسلام مطروحًا وبقوة حتى تتخلى عن تلك المعتقدات الخاطئة.
لكن التحدي الحقيقي الذي ينبغي أن نتعاون جميعًا على مجابهته هو كيفية الوصول بشكل كبير لأكبر عدد ممكن من هؤلاء الشباب الذين وقعوا بالفعل فريسة للتطرف والإرهاب، وإقناعهم بالحجة أن ما يعتنقونه من أفكار لا يمت لتعاليم الإسلام بصلة؛ بل ويخالف كل ما جاء به نبي الرحمة من تسامح وصفح وسلام وعيش مشترك وإقرار بالتنوع وبحق الإنسان فى اختيار الدين أو العقيدة التى تريح عقله وقلبه وضميره.
رابط مختصر https://wp.me/p8HDP0-b4M