بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (27)
الإخوان المسلمون في ألمانيا ـ أبرز القيادات الحالية: شخصيات، أدوار، وشبكات
يشغل حضور جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا موقعًا مثيرًا للجدل داخل المشهد الأوروبي، ليس فقط بسبب حجم الشبكات التي أسستها الجماعة منذ منتصف القرن العشرين، وإنما بسبب الطبيعة المركبة لعلاقتها بالدولة والمجتمع. فبينما يقدم الإخوان أنفسهم كجماعة دعوية وخيرية تعمل في إطار القانون، تكشف متابعة الأجهزة الأمنية أن هذا الوجود يتجاوز النشاط الاجتماعي ليشكّل بنية شبكية متكاملة، قوامها شخصيات قيادية بارزة تتحرك بين المستويات المحلية والإقليمية والدولية. هذه البنية تعتمد على واجهات قانونية ومؤسسات رسمية، لكنها في الواقع ترتبط بخطاب وأهداف الجماعة الأم، وتستفيد من الدعم المعنوي والمادي الذي توفره مراكز القيادة في الخارج.
تمثل دراسة القيادات الحالية للجماعة في ألمانيا مدخلًا رئيسيًا لفهم ديناميات حضور الإخوان في الغرب عمومًا. فالتركيز على الأسماء والأدوار يكشف عن آليات القيادة غير المعلنة، وعن طرق المناورة التي تُمكّن هذه الشبكات من الاستمرار رغم الرقابة والضغوط. كما أن تحليل العلاقة بين هذه القيادات والتنظيم الدولي يوضح كيف يتقاطع المحلي مع الإقليمي، ويبرز التحديات التي ستحدد مستقبل الإخوان في ألمانيا خلال العقد القادم.الإخوان المسلمون ـ كيف تمثل تهديدًا لأوروبا؟
من هم أبرز قيادات الإخوان في ألمانيا؟
– إبراهيم الزيات من أكثر الشخصيات التي ارتبط اسمها بالإخوان المسلمين في أوروبا. وُصف في تقارير هيئة حماية الدستور بأنه “مهندس الشبكات الإسلامية” في ألمانيا، حيث تولى قيادة منظمات شبابية مثل الاتحاد الإسلامي في ألمانيا، ولعب أدوارًا في مؤسسات تعليمية وخيرية لها امتدادات عابرة للحدود.
تشير تقارير عديدة إلى أن الزيات استخدم خبراته في الإدارة والتمويل لبناء شبكة من المؤسسات القانونية الشكل، لكنها متصلة فكريًا بخطاب الإخوان. ورغم محاولاته الظهور بصفة شخصية عامة ملتزمة بالقانون الألماني، فإن المراقبين يربطون بين أنشطته وبين النفوذ المستتر للجماعة.
– حمد طه صبري : يعد من أهم قيادات الإخوان المسلمين في ألمانيا وأحد كوادر “المركز الثقافي للحوار”، والآن هو إمام مسجد السلام في حي “نويكولن” في برلين.
– خضرعبد المعطي : لعب دوراً هاماً في دعم تنظيم الإخوان المسلمين أثناء وصولهم للحكم في مصر. ومن أهم القيادات الإخوانية على المستوى الدولي ويعد المنسق العام للمجلس الأوروبي للأئمة والوعاظ في أوروبا.
– فريد حيدر وخالد صديق: أحد قيادات “المركز الثقافي للحوار” التابع للإخوان المسلمين في ألمانيا. ويلعبا دوراً هاماً في جذب واستقطاب وتجنيد شباب الجاليات المسلمة واللاجئين والمهاجرين.
– جعفر عبدالسلام: ترأس مركز “الرسالة” لتعليم اللغة العربية ومقره برلين وحرص “جعفر” على تنامي أنشطة تنظيم الإخوان وتوسيع نفوذهم من خلال المركز واستغلال الأطفال والجاليات المسلمة.
أما على المستوى المحلي، فتظهر أسماء متعددة تمثل واجهة المراكز الإسلامية في مدن ألمانية كبيرة. هؤلاء القادة يعملون كرؤساء جمعيات وأئمة ومدراء لمؤسسات تعليمية، ويشكلون ما يمكن تسميته بـ “واجهة الشرعية” لشبكات الإخوان، حيث يتحدثون في الإعلام ويمثلون مجتمعات محلية، بينما يبقى الارتباط الفكري والتنظيمي أوسع من مجرد الدور العلني.
قيادات الإخوان النسائية في ألمانيا
– رشيدة النقزي: تعد أبرز القيادات النسائية لتنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا. تونسية الأصل و تقيم في مدينة “ Bonm” تترأس قسم المرأة باتحاد المنظمات الإسلامية واحد أهم القيادات النسائية قى جماعة الإخوان المسلمين.
– ليديا نوفل: أشار الباحث في شؤون التنظيمات الإسلامية “كارستن فريرك” في 2 أبريل 2021 أن الناشطة ليديا نوفل تلعب أدواراً متشعبة لكنها متكاملة، لخدمة أهداف الإخوان في ألمانيا حيث شاركت في شاركت نوفل في تأسيس مجموعة العمل الإسلامية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لتسمح للإخوان باختراق ثاني أكبر أحزاب ألمانيا.
– نينا موهي: تعد ثاني وجه نسائي في الإخوان يخترق مؤسسة ألمانية. وتلعب موهي دوراً أخطر عبر منظمة “كليم”، التي تُستخدم من قبل جماعة الإخوان في مهاجمة منتقديها وشيطنة مواقفهم، والضغط على الحكومة الألمانية لتحقيق أهدافها، عبر ادّعاء المظلومية والتعرّض لانتهاكات واعتداءات عنصرية.
ما هي آليات القيادة الفعلية؟
بخلاف التنظيمات التقليدية، لا يظهر للإخوان في ألمانيا هيكل قيادي رسمي واضح. بدلاً من ذلك، يعتمدون على آليات قيادة معمّاة، تشمل مجالس استشارية غير معلنة، ومجالس أمناء تتحكم في التمويل والتعيينات داخل الجمعيات، إضافة إلى شبكات طلابية ومهنية تعمل في الجامعات. هذه البنية تتيح للجماعة التكيّف مع الضغوط الأمنية والسياسية، وتمنحها مرونة عالية في استبدال القيادات أو إعادة توزيع الأدوار. يتضح ذلك من خلال ظاهرة الاستبدال المتكرر للأدوار، حيث ينتقل القادة من مواقع محلية إلى إقليمية أو أوروبية، أو من مؤسسات خيرية إلى مؤسسات تعليمية ودينية. هذا النمط يعزز نفوذ الجماعة ويمنع تركيز الانتباه على شخص واحد يمكن استهدافه أو محاسبته. وفي أحيان كثيرة، تُمنح بعض المناصب لشخصيات شابة تتلقى التدريب والتأهيل في مؤسسات فكرية مرتبطة بالتنظيم الدولي.
ما أبرز شبكات التمويل والموارد؟
يصعب فهم أدوار القيادات دون التطرق إلى شبكات التمويل التي تمنح الجماعة قدرتها على البقاء. تعتمد الإخوان في ألمانيا على مصادر متعددة:
– الجمعيات الخيرية التي تجمع التبرعات تحت غطاء العمل الإنساني.
– التمويل القادم من الخارج، سواء عبر تبرعات فردية من رجال أعمال مرتبطين بالجماعة في الخليج أو من خلال دعم غير مباشر من بعض الدول الداعمة للتنظيم.
– المؤسسات التعليمية والثقافية التي تحصل على منح أو رسوم من الطلاب، وتُعاد توجيه جزء منها لدعم الأنشطة التنظيمية.
تقارير هيئة حماية الدستور أكدت مرارًا أن بعض هذه الموارد تُستخدم في تعزيز أنشطة ذات صلة بخطاب الإسلام السياسي، ما يجعلها محل متابعة ورقابة. وتُظهر الدراسات أن التمويل ليس هدفًا اقتصاديًا بحتًا، بل أداة لبناء النفوذ داخل المجتمع المسلم، سواء عبر تقديم خدمات تعليمية أو مساعدة اجتماعية، تمنح الجماعة شرعية محلية وتعزز قدرتها على التجنيد.
ما أبرز موجات الخلاف والانشقاق بين الإخوان في ألمانيا؟
لم يكن المشهد الإخواني في ألمانيا موحدًا دائمًا. فقد أدت التباينات الأيديولوجية والتكتيكية إلى انقسامات داخلية، حيث اتجهت بعض المجموعات نحو مسارات أكثر اندماجًا مع المجتمع الألماني، بينما تمسكت مجموعات أخرى بخطاب أكثر انغلاقًا ومحافظة. هذه الانقسامات انعكست على مستوى القيادة، حيث ظهرت خلافات حول طرق التعامل مع السلطات الألمانية، أو حول مسألة التعاون مع جمعيات إسلامية غير إخوانية. في بعض الحالات، أفرزت هذه الخلافات انشقاقات واضحة، كان أبرزها انسحاب بعض المراكز من الأطر التمثيلية، أو انتقال شخصيات إلى العمل المستقل. ورغم ذلك، فإن الجماعة أظهرت قدرة على تجاوز هذه الأزمات، من خلال إعادة تدوير القادة وتوزيع الأدوار بما يحافظ على التماسك العام للشبكة.مكافحة الإرهاب ـ كيف يستغل المتطرفون منصات التواصل لنشر محتواهم؟
ما علاقة الإخوان في ألمانيا بالتنظيم الدولي؟
تُظهر الدراسات أن الإخوان في ألمانيا ليسوا مجرد فرع مستقل، بل جزء من التنظيم الدولي للجماعة، مع روابط فكرية وتنظيمية واضحة. وتتمثل هذه الروابط في:
– المشاركة في المؤتمرات الدولية التي تنظمها الجماعة في أوروبا وتركيا.
– الدعم المعنوي والمادي عبر شخصيات قيادية في لندن وإسطنبول.
– التنسيق في إعداد الكوادر ونقل الخبرات.
وتُعد بريطانيا مقرًا تاريخيًا لقيادات التنظيم الدولي، حيث استقرت شخصيات بارزة في لندن منذ التسعينيات. في المقابل، صعدت تركيا خلال العقد الأخير كمركز بديل، خصوصًا بعد “الربيع العربي”، حيث قدمت أنقرة دعمًا سياسيًا وإعلاميًا مباشرًا للجماعة. هذا التنافس التركي ـ البريطاني انعكس على الفروع الأوروبية ومنها ألمانيا، إذ وجد بعض القادة أنفسهم أقرب إلى التوجه التركي الأكثر صدامًا، بينما فضّل آخرون التمسك بالواجهة البريطانية الأكثر انفتاحًا على العمل القانوني.
ما تداعيات الانشقاقات الدولية على ألمانيا؟
الانقسامات بين التيارين التركي والبريطاني لم تبقَ على المستوى الدولي فحسب، بل انعكست مباشرة على الساحة الألمانية. فقد أدى اختلاف الخطاب إلى ارتباك في التمثيل المؤسسي للجماعة أمام السلطات، كما أثر على توزيع الموارد المالية. بعض الجمعيات تبنّت خطابًا أكثر تصعيدًا قريبًا من النهج التركي، بينما سعت أخرى للحفاظ على الاعتدال النسبي لتأمين استمرارها القانوني في ألمانيا. هذا الانقسام قلل من وحدة الإخوان في ألمانيا، لكنه في الوقت نفسه لم يُضعف حضورهم بالكامل، بل جعلهم أكثر مرونة في توزيع الأدوار وتجنب الاستهداف المباشر. ومع ذلك، تشير التقديرات الأمنية إلى أن استمرار هذه الانقسامات قد يضعف قدرة الجماعة على تقديم نفسها كفاعل إسلامي موحد داخل ألمانيا.إبراهيم الزيات وزير مالية الإخوان في ألمانيا. جاسم محمد
تقييم وقراءة مستقبلية
– يرجح أن يستمر تصاعد الضغوط الأمنية على جماعة الإخوان في ألمانيا خلال السنوات القادمة، خاصة مع تزايد المخاوف الأوروبية من ظاهرة الإسلام السياسي وارتباطها بالتطرف غير المباشر. هيئة حماية الدستور (BfV) تضع أنشطة الإخوان تحت المراقبة الدائمة، وتعتبر الجماعة تهديدًا طويل المدى للنظام الديمقراطي، ليس من خلال العنف المباشر، بل عبر السعي لتغيير البنية المجتمعية تدريجيًا.
– متوقع أن تؤدي هذه الرقابة إلى تضييق متزايد على المؤسسات المرتبطة بالإخوان، سواء عبر تقييد التمويل، أو فرض شفافية أكبر في إدارة الجمعيات، أو حتى حل بعض المراكز إذا ثبت استخدامها لأغراض سياسية مخالفة للقانون. هذا التوجه الأمني سيشكل تحديًا استراتيجيًا للجماعة، لأنه يضرب أحد أهم مصادر قوتها: العمل المؤسسي القانوني. بينما تُظهر المؤشرات أن الانقسام بين مراكز الإخوان في تركيا وبريطانيا سيظل عاملًا رئيسيًا في تحديد مستقبل الجماعة في ألمانيا.
– يلعب السياق الديمغرافي دورًا حاسمًا في مستقبل الإخوان. فالمسلمون في ألمانيا يزدادون عددًا وتنوعًا، مع صعود أجيال جديدة وُلدت داخل البلاد ولم تعد مرتبطة بشكل مباشر بخلفيات المهاجرين الأوائل. هذه الأجيال غالبًا ما تبحث عن أطر تمثيلية أكثر اندماجًا مع المجتمع الألماني، وهو ما قد يضعف جاذبية الخطاب الإخواني التقليدي القائم على فكرة الهوية المنفصلة.
– إذا تمكنت مؤسسات دينية مستقلة أو مبادرات شبابية غير مرتبطة بالإخوان من توفير بدائل مقنعة، فقد تخسر الجماعة تدريجيًا قاعدتها الشعبية. لكن في المقابل، قد تستغل الإخوان هذا التنوع عبر تحديث خطابها وتقديم نفسها كصوت “معتدل” يمثل المسلمين أمام الدولة، مما يعزز فرص استمرارها في لعب دور سياسي غير مباشر.
– يظل التمويل نقطة الارتكاز في بقاء الإخوان داخل ألمانيا. ومع ازدياد الرقابة على التحويلات المالية والأنشطة الخيرية، يُتوقع أن تواجه الجماعة صعوبات متزايدة في الحفاظ على تدفق الأموال من الخارج، خصوصًا من تركيا وبعض شبكات رجال الأعمال المرتبطين بها في الشرق الأوسط. هذا التضييق قد يدفعها إلى التركيز على التمويل المحلي عبر تبرعات الجاليات، أو توسيع نشاطاتها الاقتصادية القانونية مثل المدارس والمراكز التعليمية.
– رغم التحديات الأمنية والتمويلية والانقسامات الداخلية، تُظهر تجربة الإخوان في ألمانيا قدرة عالية على التكيف والمناورة. فمنذ عقود، نجحت الجماعة في إعادة تدوير أدوارها وقياداتها، واستفادت من القوانين الألمانية التي تحمي حرية التنظيم والعمل الخيري. ومن المرجح أن تستمر هذه القدرة على المناورة، سواء عبر استخدام شخصيات شابة أقل شهرة لإدارة الجمعيات، أو عبر تقديم خطاب علني أكثر اعتدالًا مع الإبقاء على الارتباط الفكري بالتنظيم الدولي.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109656
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
هوامش
THE MUSLIM BROTHERHOOD IN EUROPE
EU funding for the organisation Islamic Relief Germany
Germany’s Well-Timed Crackdown on the Muslim Brotherhood
Aims and Methods of Europe’s Muslim Brotherhood
