المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
ملف مستقبل البرنامج النووي الإيراني، الدور الأوروبي وتحولات سياسات ترامب
1 ـ أمن دولي ـ مستقبل البرنامج النووي الإيراني في ظل الإدارة الأميركية الجديدة
شهدت استراتيجية الإدارة الأمريكية تجاه إيران تغيرًا ملحوظًا، إذ انتقلت من السياسة التي اتسمت بالعقوبات والتهديدات العسكرية في ظل ولاية ترامب الأولى، إلى الدبلوماسية لإحياء المفاوضات النووية للحد من برنامج التخصيب الإيراني دون تصعيد عسكري. تعكس هذه الاستراتيجية محاولة إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الموازنة بين التحالفات الإقليمية، خصوصًا مع دول الخليج وإسرائيل، وسط مشاركة قوى دولية كروسيا والصين في المفاوضات وتراجع الدور الأوروبي.
لماذا تحولت سياسة “دونالد ترامب” تجاه إيران؟
أعطى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” فريقه الضوء الأخضر للدبلوماسية المتجددة مع إيران بدلاً من إحياء سياسة الضغط القصوى التي انتهجها خلال ولايته الأولى. بل وحتى رفض رغبة إسرائيل في شن ضربات عسكرية ضد طهران. وأوضح “ستيف ويتكوف” المبعوث الأمريكي للشؤون الخارجية بأن “برنامج التخصيب في إيران خط أحمر بالنسبة للولايات المتحدة”. وألمح “ويتكوف” إلى إمكانية السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات منخفضة، لكن في الوقت نفسه، هدد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إيران بالتحرك العسكري إذا لم تتوصل إلى اتفاق.
تقول “سينا توسي” من مركز السياسة الدولية: “إن خطاب ترامب في الرياض يمثل تحولًا واضحًا وذا دلالة مهمة في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط”. وتابعت: “فبالنظر إلى أن ترامب في عام 2018، انسحب من جانب واحد من الاتفاق متعدد الأطراف مع إيران، وقد فرض هذا الاتفاق، الذي تم التفاوض عليه خلال رئاسة أوباما، قيودًا على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات”. وأضافت: “بدلاً من ذلك، لجأ ترامب إلى سياسة تضمنت تشديد الخناق المالي على إيران من خلال تشديد العقوبات، مع إصدار تهديدات عسكرية ضمنية. لكن هذا النهج فشل في تعطيل البرنامج النووي الإيراني”.
ما هي الضغوط الداخلية التي تواجه “دونالد ترامب”؟
جعلت التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن التخصيب المحادثات النووية موضع شك. فمن بين العقبات المتبقية رفض طهران شحن كل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج، أو الدخول في مناقشات بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية. وأشار استطلاع للرأي في فبراير 2025 إلى أن (72%) من الناخبين الديمقراطيين و(82%) من الجمهوريين يؤيدون “تدمير المنشآت النووية الإيرانية”.
يعتقد “جيفري فيلدز” أستاذ ممارسة العلاقات الدولية في كلية “دورنسيف” بجامعة جنوب كاليفورنيا: “أن ترامب لديه فرصة فريدة ليس فقط لإعادة العمل باتفاق نووي مماثل لذلك الذي رفضه، بل ولصياغة اتفاق أكثر شمولًا، وتعزيز العلاقات الأفضل مع إيران في هذه العملية”. ويرى “فيلدز”: “أن هناك دلائل حقيقية تشير إلى أن صفقة محتملة قد تكون في الأفق، لكن التوصل إلى اتفاق ليس مؤكدًا بأي حال من الأحوال”. مشيرًا إلى “أن أي تقدم نحو اتفاق سيواجه تحديات بسبب عدد من العوامل، أبرزها الانقسامات الداخلية والمعارضة داخل إدارة ترامب، وتشكك البعض في إيران”.
ما احتمالية التوصل إلى اتفاق نووي جديد؟
استأنف المفاوضون الإيرانيون والأمريكيون المحادثات في 23 مايو 2025 في روما لحل النزاع بشأن الطموحات النووية الإيرانية، على الرغم من تحذير إيران من أن التوصل إلى اتفاق جديد ربما يكون مستحيلًا وسط خطوط حمراء متضاربة. وتريد إيران التخلص من العقوبات المفروضة على اقتصادها المعتمد على النفط. وأفادت تقارير أن إيران مستعدة لقبول بعض القيود على تخصيب اليورانيوم، الذي تؤكد أنه مخصص لاستخدامات الطاقة النووية المدنية فقط، لكنها تحتاج إلى ضمانات قاطعة بأن واشنطن لن تتراجع عن اتفاق نووي مستقبلي.
يتعرض الرئيس الإيراني “مسعود بزشكيان” لضغوط داخلية شديدة بسبب تدهور الاقتصاد الإيراني، ومعالجة هبوط العملة، والبطالة الهائلة بين الشباب، وانقطاع التيار الكهربائي. وتؤكد الدكتورة “سنام فاكيل” من مركز “تشاتام هاوس” البحثي في لندن: “هناك معسكرات داخل إيران تُفضل المفاوضات، وهناك معسكرات ترى في التسلح النووي أفضل فرصة لإيران لحماية أمنها”. وأضافت “فاكيل”: “إن الثقة في إدارة ترامب أصبحت قليلة للغاية، قد رأوا نهجه المتقلب تجاه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ومقترحاته المتقلبة بشأن غزة، ولا يريدون أن يُوضعوا في هذا الموقف”. أمن دولي ـ المسار الألماني تجاه حل الدولتين في ظل حكومة فريدريش ميرتس
كيف تستفيد موسكو من مشاركتها في المفاوضات؟
ناقش الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في مايو 2025 العلاقات الثنائية واستعادة الاتفاق النووي الإيراني مع نظيره الإيراني “مسعود بزشكيان”. وأكد “بوتين” استعداد روسيا لتسهيل الاتصالات بين إيران والولايات المتحدة بهدف التوصل إلى اتفاق عادل يرتكز على مبادئ القانون الدولي. تستفيد روسيا من مشاركتها في المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، حيث تصبح موسكو جهة فاعلة وضرورية في التوصل إلى اتفاق جديد. ومن أهم المزايا التي ستعود على روسيا، المشاركة في إدارة أو مراقبة مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، وقد اقترح ممثلو الولايات المتحدة الأمريكية ترتيبًا محتملًا يتم بموجبه وضع مخزون إيران من اليورانيوم في دولة ثالثة، مثل روسيا، ما يزيد من نفوذ موسكوأمن دولي ـ هل تم تهميش دول أوروبا في مفاوضات ترامب وبوتين؟
ما هو الدور الصيني في المفاوضات؟
أكد “وانغ يي” وزير الخارجية الصيني لنظيره الإيراني “عباس عراقجي” في أبريل 2025: “أن الصين تؤيد إجراء إيران محادثات بشأن برنامجها النووي مع الولايات المتحدة، وتعارض استخدام القوة والعقوبات الأحادية غير القانونية في محاولة لحل النزاع”. وأضاف “وانغ يي” لنظيره الإيراني خلال محادثات في العاصمة الصينية: “إن بكين مستعدة لتعزيز التنسيق والتعاون مع طهران في الشؤون الدولية والإقليمية”. أوضح “تونغ تشاو” الزميل البارز في مؤسسة “كارنيغي للسلام” الدولي في واشنطن في مارس 2025: “إن الصين لديها دافع متزايد لتعميق مشاركتها في المفاوضات النووية الإيرانية لحماية مصالحها وتوسيع نفوذها الإقليمي وتعزيز صورتها كقوة عالمية وشريك موثوق به”. وتابع “تشاو”: “إن الصين تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية الأساليب غير الغربية في حل التحديات العالمية”.
هل يسمح “ترامب” لإسرائيل بتوجيه ضربات للمنشآت النووية الإيرانية؟
أشار تقرير استخباراتي في 20 مايو 2025 إلى أن واشنطن حصلت على معلومات تفيد بأن إسرائيل تستعد لضرب المنشآت النووية الإيرانية، بالتزامن مع سعي إدارة “ترامب” إلى التوصل إلى اتفاق دبلوماسي مع طهران. يُحذّر المسؤولون من أنه لم يتضح بعد ما إذا كان القادة الإسرائيليون قد اتخذوا قرارًا نهائيًا، بل إن هناك خلافًا عميقًا داخل الحكومة الأمريكية حول احتمالية اتخاذ إسرائيل قرارًا في نهاية المطاف. وقد أظهر استطلاع للرأي في 30 أبريل 2025 أن (45%) من الإسرائيليين يؤيدون توجيه إسرائيل ضربة لإيران، بينما يعارضها (41.5%). تمثل الضربة توترًا كبيرًا مع “ترامب”، وتُنذر بصراع إقليمي أوسع في الشرق الأوسط.
تشير التقديرات إلى أن قرار إسرائيل بشن ضربات، وكيفية تنفيذها، يعتمد على رأيها في المفاوضات الأمريكية مع طهران بشأن برنامجها النووي. أكدت إيران أنه في حال وقوع هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية، فإن طهران سوف تنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها شريكة في الهجوم من الناحية القانونية، وستجعلها تتحمل التبعات. يقول “جوناثان بانيكوف” مسؤول الاستخبارات المتخصص في شؤون المنطقة: “وُضعت إسرائيل بين المطرقة والسندان، حيث يتعرض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لضغوط لتجنب اتفاق أمريكي إيراني لا تراه إسرائيل مُرضيًا، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع ترامب، الذي سبق أن اختلف معه في قضايا أمنية رئيسية في المنطقة”. أمن أوروبا ـ كيف تستعد أوروبا للحرب العالمية الثالثة؟
هل تؤيد دول الخليج الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية؟
تشعر دول الخليج بالقلق من أن أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية قد يتسبب في كارثة في المنطقة ويجرّها إلى حرب إقليمية أوسع. وفي الوقت ذاته، تعتقد دول الخليج أن تنامي قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي قد يُطلق سباق تسلح نووي إقليمي. تأمل دول الخليج في الاستفادة من علاقاتها الوثيقة مع الرئيس “دونالد ترامب” لتوفير جسر دبلوماسي لإيران للوصول إلى البيت الأبيض، وتأمين مقعد على طاولة المفاوضات من أجل صفقة جديدة محتملة. ويرى المسؤولون في دول الخليج أن المشهد الإقليمي يمثل فرصة لتهدئة التوترات مع إيران وتحسين العلاقات، ويصرون على أنهم لا يريدون أن يكونوا جزءًا من أي مواجهة أمريكية أو إسرائيلية مع إيران.
**
2 ـ أمن دولي ـ موقف دول أوروبا “الترويكا” من البرنامج النووي الإيراني
لعبت الدول الأوروبية، ولا سيما أعضاء الترويكا (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا)، لسنوات، دورًا حاسمًا في الجهود الدبلوماسية لتنظيم البرنامج النووي الإيراني ، إلا أن غياب مشاركتها المباشرة في جهود إحياء الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتخدة يُثير الشكوك حول مستقبل المحادثات والدور الذي ستلعبه أوروبا في هذا المشهد الدبلوماسي الجديد.
دول “الترويكا“: الدور الوسيط وتفادي التصعيد
شكلت أوروبا ممثلة بدول الترويكا :المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا (E3) طرفًا محوريًا كمفاوض بين إيران والولايات المتحدة في الفترة التي سبقت خطة العمل الشاملة المشتركة، داعيةً إلى الحوار بدلًا من المواجهة. وعلى عكس موقف الولايات المتحدة الأكثر عدوانية، سعى الاتحاد الأوروبي إلى الموازنة بين المخاوف الأمنية والحلول الدبلوماسية، ويتجلى ذلك في دوره في التوسط في خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015 التي وقعت عليها ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والصين . واعتبر الاتحاد الأوروبي الاتفاق خطوة حاسمة نحو منع الانتشار النووي مع الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إيران. ومع ذلك، فإن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، وما تلاه من تسريع إيران لتخصيب اليورانيوم، قد أثقل كاهل هذه الجهود، مما وضع الاتحاد الأوروبي في موقف صعب بين الحفاظ على نهجه الدبلوماسي ومعالجة المخاوف الأمنية.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها القوى الأوروبية، وخاصة فرنسا، لإعادة الولايات المتحدة وإيران إلى طاولة المفاوضات، إلا أن هذه المحاولات فشلت بسبب انعدام الثقة بين الطرفين. وفي ظل العقوبات الأمريكية الشديدة، أنشأت أوروبا آلية اتصال INSTEX وهي اختصار لـ “أداة دعم التبادلات التجارية”. لتجاوز العقوبات، لكن هذه الآلية فشلت بسبب التحالف الاقتصادي لأوروبا مع الولايات المتحدة.
ورغم هذه المحاولات، أوقفت إيران التزامها عام 2019 ومنذ ذلك الحين، أصبح التصعيد هو السائد. وقد أشار الاتحاد الأوروبي في أكثر من مناسبة إن إيران تخلت تدريجيًا عن التزاماتها المتعلقة بالبرنامج النووي بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة منذ 1 يوليو 2019، وزادت من انتهاكاتها المنهجية للخطة على أساس “القانون النووي الاستراتيجي” الذي صدر في ديسمبر 2020. زادت إيران إنتاجها من اليورانيوم منخفض التخصيب، وبدأت في تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 في المائة، وتخلت عن الحدود المتفق عليها للبحث والتطوير على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، واستأنفت تخصيب اليورانيوم في محطة فوردو تحت الأرض، وقللت من الشفافية فيما يتعلق ببرنامجها النووي من خلال تقييد وصول المفتشين وبدأت تجارب لاستخراج معادن اليورانيوم دون مبرر مدني معقول.
عقب إعلان الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن عزمها على العودة إلى الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات الثانوية المتعلقة بالملف النووي التي فرضتها الإدارة السابقة، عُقدت مفاوضات بين المشاركين في خطة العمل الشاملة المشتركة والولايات المتحدة في فيينا من أبريل إلى يونيو 2021 ومن نوفمبر 2021 إلى مارس 2022، حيث تم خلالها وضع الخطوط العريضة لاتفاق بشأن هذه القضايا. ومع ذلك، رفضت إيران في نهاية المطاف حزم التسوية التي قدمتها هيئة العمل الخارجي الأوروبي في مارس وأغسطس 2022 كمنسق، مما حال دون استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة. ونظرًا لانتهاكات إيران الكبيرة والمستمرة لخطة العمل الشاملة المشتركة، أبقت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث على العقوبات المتعلقة بالملف النووي على مستوى الاتحاد الأوروبي وبموجب قانون المملكة المتحدة، على الرغم من أنه كان من المقرر إلغاؤها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة في يوم الانتقال 18 أكتوبر 2023. ولا تعني هذه الخطوة نهاية خطة العمل الشاملة المشتركة، ولكن يمكن التراجع عنها إذا أوفت إيران بالتزاماتها بموجب الاتفاق.
تدهورت العلاقات الثنائية بين إيران والدول الأوروبية تدريجيًا. وتراجعت الثقة المتبادلة، مع تصاعد التوترات عقب حرب أوكرانيا واتهام طهران بنقل مساعدات عسكرية لدعم روسيا.
التصعيد بالموقف الأوروبي وزيادة الضغط على إيران
أصبح انعدام الثقة بين الجانب الأوروبي والحانب الإيراني واضحًا عندما دفعت دول مجموعة الثلاث في 21 نوفمبر 2025 بمشروع قرار يأمر مفتشية الطاقة النووية بإعداد تقرير شامل عن الأنشطة النووية الإيرانية ــ وهي الخطوة الضرورية لتمكين الدول الأوروبية في خريف 2025 من إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة التي فرضت على إيران قبل توقيعها على الاتفاق النووي لعام 2015.
وقد عبّر رئيسا جهازي الاستخبارات الفرنسي والبريطاني عن قلقهما من برنامج إيران النووي في 30 نوفمبر 2024 ، مُصرّحين بأن برنامج طهران النووي “يُهددنا جميعًا”. قال رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية، نيكولا ليرنر، إنه من المتوقع أن يكون خطر الانتشار النووي الإيراني “التهديد الأشد” في الأشهر المقبلة. وأضاف مور أن طموحات النظام الإيراني النووية “لا تزال تهددنا جميعًا” على الرغم من سلسلة الضربات التي وُجهت في الأشهر الأخيرة إلى أذرع طهران في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
أصدرت ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا في ديسمبر 2024، بيانا أعربت فيه عن قلقها الشديد إزاء قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم. وأضافت “نحن نحث إيران بشدة على التراجع عن هذه الخطوات ووقف التصعيد النووي على الفور”. وجاء هذا البيان بعد أن أعلن رافائيل جروسي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى (60%)، وهو ما يقترب من مستوى (90%) اللازم لإنتاج سلاح.
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يناير 2025، إن تسريع البرنامج النووي الإيراني “يقربنا كثيرا من نقطة الانهيار”، مضيفا أن شركاء الاتحاد الأوروبي في الاتفاق النووي يجب أن يفكروا في إعادة فرض العقوبات إذا لم يكن هناك تقدم من جانب طهران في معالجة المخاوف.
وكانت قد ظلت الرقابة والتحقق المناسبين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لبرنامج إيران النووي غائبتين لسنوات. إلا أن تقرير الوكالة الصادر في مارس 2025 أفاد بأن إيران زادت مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة مقلقة بلغت (50%). علاوة على ذلك، فإن إجمالي مخزون اليورانيوم المخصب لدى إيران يبلغ الآن نحو (40) ضعف الحد الذي وافقت عليه بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.
لم يُجامل وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي في 28 أبريل 2025، حيث قال: “إذا تم المساس بمصالح الأمن الأوروبي، فلن نتردد لحظة واحدة في إعادة فرض جميع العقوبات التي رُفعت قبل عشر سنوات”. وقد فُسّرت هذه العبارة في طهران على أنها إنذار صارم. أمن دولي ـ مستقبل البرنامج النووي الإيراني في ظل الإدارة الأميركية الجديدة
مفاوضات أمريكية إيرانية ثنائية
مع ولاية ترامب الجديدة، تدفع الولايات المتحدة نحو اتفاق شامل مع إيران. وقد هدد ترامب بشن ضربات عسكرية على المواقع النووية الإيرانية إذا فشلت الدبلوماسية. وبدأت المفاوضات رفيعة المستوى في 12 أبريل 2025 في عُمان . ومع ذلك، استمر الجانبان في التهديد باستهداف المواقع العسكرية واللوجستية المهمة لبعضهما البعض. وإذا فشلت الدبلوماسية، فقد أصدر ترامب تهديدات مبطنة بضربات عسكرية من قبل إسرائيل على المواقع النووية الإيرانية تحت إشراف الولايات المتحدة. وفي المقابل، تعهدت طهران بالرد إذا تعرضت مواقعها النووية للتهديد ، مما أثار مخاوف الدول الأوروبية. ومع انشغال أوروبا بحرب أوكرانيا والتعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة، فإن أي حرب جديدة محتملة في الشرق الأوسط تزيد من تهديدات الطاقة والأمن في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.
ردّ وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، على المفاوضات غير المباشرة الجارية في عُمان في 29 ابريل 2025 بأنّ فرنسا، بالتعاون مع ألمانيا والمملكة المتحدة وحلفاء آخرين، ستضمن توافق أي اتفاق بين إيران والولايات المتحدة مع المصالح الاستراتيجية الأوروبية، لا سيما فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وأضاف: “ننتظر تقرير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأسابيع المقبلة، وهو تقرير من شأنه أن يُوضّح بدقة مستوى التقدم المُحرز في هذا البرنامج”، مُشدّدًا على ضرورة الشفافية والرقابة في هذه العملية.
المخاوف الأوروبية من المفاوضات الأمريكية الإيرانية
لدى مجموعة الترويكا (E3) مخاوف جدية بشأن المفاوضات الأمريكية الإيرانية. من ناحية، يخشون أن يكون الاتفاق النووي المستقبلي ضعيفًا للغاية من الناحية الفنية. قد تسمح القيود الغامضة على التخصيب أو إجراءات التحقق الضعيفة لإيران ببناء أسلحة نووية دون اكتشافها. كما يعتقدون أن إدارة ترامب قد تفوت فرصة وضع ضوابط على الأنشطة الإيرانية الأخرى، بما في ذلك صواريخها ومنع نقل الأسلحة إلى روسيا. على العكس من ذلك، تخشى مجموعة الترويكا الأوروبية أيضًا من أن تنهار هذه المفاوضات بسبب المطالب الأمريكية المتطرفة والرسائل المتضاربة ونقص الخبرة الفنية وتراجع اهتمام ترامب. قد يمهد هذا الطريق لهجمات عسكرية إسرائيلية أمريكية مشتركة ضد إيران، والتي قد تكون عواقبها مزعزعة للاستقرار مثل الغزو الأمريكي غير المدروس للعراق عام 2003. أمن دولي ـ ما أسباب تهميش الأوروبيين في محادثات أميركا وإيران حول الملف النووي؟
الترويكا الأوروبية واستئناف المحادثات مع إيران
في ظل المفاوضات النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن، التقى نائبا وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي وكاظم غريب آبادي، بنظرائهم الأوروبيين من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ما يُعرف بمجموعة الترويكا الأوروبية في الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) في 16 مايو 2025 في إسطنبول. وقد ركّزت النقاشات على مستقبل الاتفاق النووي لعام 2015، ووضع المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، والجهود الجماعية لتفادي مزيد من التصعيد عبر الدبلوماسية.
رغم أن ثلاث جولات سابقة من المشاورات بين طهران والترويكا الأوروبية عُقدت في 29 نوفمبر 2024، و13 يناير و24 فبراير 2025، شكّل اجتماع إسطنبول لحظة محورية: أول تواصل منذ استئناف الحوار غير المباشر بين إيران والولايات المتحدة. الأمر الجوهري هو أن الاتحاد الأوروبي، تمامًا كما في عملية السلام الأوكرانية، وجد نفسه مُستبعدًا من قِبل واشنطن. وقد زاد هذا الإقصاء من إلحاح بروكسل لاستعادة دورها ضمن إطار المفاوضات النووية، حتى ولو عنى ذلك لعب دور المخرّب.
في صميم قمة إسطنبول تكمن “آلية العودة التلقائية” (الزناد)، أداة مضمّنة في الاتفاق النووي تتيح لأي طرف موقّع إعادة فرض جميع العقوبات الأممية التي كانت قائمة قبل توقيع الاتفاق عام 2015. وقد كان من المفترض أن تكون هذه المادة ضمانًا، لكنها باتت اليوم تهديدًا جيوسياسيًا.
ومع اقتراب انتهاء أمد الاتفاق في تشرين الأول/أكتوبر 2025، تخشى طهران أن تبادر الترويكا الأوروبية إلى تفعيل الآلية هذا الصيف، متذرعة بتجاوز إيران نسبة تخصيب 60% وتراكم مخزونها من اليورانيوم المخصب.
سيناريو تفعيل “آلية العودة التلقائية“
مع اقتراب موعد أكتوبر 2025، سرّعت إيران وتيرتها في الانخراط مع أعضاء مجموعة 4+1 المتبقين—الصين، روسيا، فرنسا، بريطانيا، وألمانيا. وقد عززت الاجتماعات الثلاثية مع موسكو وبكين استراتيجية طهران لبناء مظلة دبلوماسية متعددة الأطراف في وجه الضغوط الأمريكية والأوروبية.
ومع ذلك، تبقى آلية العودة التلقائية أقوى ورقة في يد الترويكا الأوروبية. فبحسب المادة 36 من الاتفاق النووي، يمكن لأي طرف تصعيد نزاع يتعلق بالامتثال إلى مجلس الأمن الدولي، دون الحاجة إلى تصويت أو توافق، ما يُبطل فعليًا أي فيتو روسي أو صيني. وإذا ما تم تفعيل الآلية، فستُعاد تلقائيًا جميع العقوبات الأممية السبعة التي كانت قد رُفعت، وهو سيناريو ستكون له تداعيات كارثية على الاقتصاد الإيراني واستراتيجيتها الإقليمية الأشمل.ونظرا لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران فإنها لا تستطيع تفعيل آلية “العودة السريعة” للعقوبات، المعروفة باسم “سناب باك”، في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهذا يجعل الترويكا الأوروبية، بريطانيا وألمانيا وفرنسا، الدول الوحيدة المشاركة في الاتفاق القادرة على السعي إلى تفعيل هذه الآلية.
ويُرجّح محللون أن تسعى الترويكا الأوروبية إلى تفعيل الآلية في يوليو أوأغسطس، بهدف تعظيم الضغط الدبلوماسي وكسب الوقت للتأثير على الرأي العام الدولي. وإن حدث ذلك، فمن المرجّح أن تفعّل طهران تهديدها بالخروج من معاهدة حظر الانتشار، وهو تهديد تكرّر منذ عام 2019. أمن دولي ـ محادثات أوروبية إيرانية بشأن البرنامج النووي
**
3 ـ أمن دولي ـ ما خيارات إيران النووية في ظل الضغط الأقصى: الانفجار أم التفاوض؟
رغم انطلاق جولة المفاوضات حول الملف النووي الإيراني في 12 أبريل 2025، فإن إيران تواجه ضغوطاً جسيمة تتعلق بسير هذه المباحثات مع الولايات المتحدة، التي تبدو منفتحة بشأن التوصل لاتفاق معها، ولكن المفاوضات الحالية لا يمكن فصلها عن باقي العوامل الداخلية والخارجية التي تشهدها إيران والساحة الدولية، ما يجعل توقيت ومعادلة المباحثات مع واشنطن في الوقت الحالي، لا تخدم مصالح طهران كما يبدو في ظاهر الأمر، ما يجعل خياراتها محدودة ومحاطة بالكثير من التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية، في ظل خسائر متتالية تكبدتها بمنطقة الشرق الأوسط، وتلويح إسرائيل بتوجيه ضربات ضد منشآتها النفطية والنووية.
ما خيارات الرد الإيراني في حال التصعيد الأمريكي؟
رد عسكري مماثل
لم يتوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إطلاق تحذيراته لإيران، حول شن عمل عسكري ضدها في حال عدم التوصل لاتفاق، وتوعدت إيران برد حاسم، ووجه الحرس الثوري الإيراني تحذيراً، من ارتكاب أي أخطاء في الحسابات تجاه إيران، وحذر مندوب طهران بالأمم المتحدة، الولايات المتحدة وإسرائيل من أي عمل عسكري ضد بلاده.
ووصلت التهديدات الإيرانية إلى التلويح باستهداف جزر تشاغوس التي تضم قاعدة “دييغو غارسيا” الأمريكية -البريطانية، إذا تعرضت طهران لهجوم أمريكي. وتوعد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي برد قوي على التهديدات الأمريكية، وقال مستشار المرشد الإيراني علي لاريجاني، إن بلاده قد تسعى لامتلاك سلاح نووي في حال تعرضت لضربة عسكرية.
غلق مضيق هرمز
قبل بدء المباحثات مع واشنطن، هددت طهران بإغلاق مضيق هرمز في فبراير ومارس 2025، وأكد قائد القوات البحرية بالحرس الثوري الإيراني، أن بلاده قادرة على إغلاق المضيق، الذي تمر به ثلث إمدادات النفط بالعالم، حيث يقع بجنوب الخليج العربي ويفصله عن مياه خليج عمان وبحر العرب، ويحده من الشمال إيران ومن الجنوب سلطنة عمان، ما يجعله نقطة استراتيجية في أي صراع جيوسياسي.
الأذرع الإقليمية
تصبح إيران مضطرة لصياغة أدوات ضغط بديلة، عقب تراجع نفوذها الإقليمي في سوريا ولبنان، ما يجعل الحوثيين الورقة الأخيرة لإيران وأهم ركائز وجودها بالمنطقة، نظراً لتطور العلاقة بينهما لشراكة عملياتية بدلاً من مجرد دعم سياسي ولوجستي. رغم نفي إيران صلتها بأي هجمات يشنها الحوثيون في البحر الأحمر، فإنها تنظر لهذه الهجمات كوسيلة ضغط فعالة منخفضة التكلفة، تعزز من دورها التفاوضي بالملف النووي، وترسل رسالة للولايات المتحدة، مفادها أن استقرار هذه الممرات المائية ومنطقة الشرق الأوسط، لا ينفصل عن معالجة الملف النووي الإيراني.
معاهدة منع الانتشار (NPT)
لوحت إيران بالخروج من معاهدة منع الانتشار النووي قبل المحادثات في 5 مارس 2025 وبالتزامن مع تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشأن انتهاك إيران للالتزامات النووية، إذا اقتربت الدول الغربية من آلية “سناب باك” التي تعيد فرض العقوبات عليها، أو شنت واشنطن ضدها هجوماً، خاصة وأن إيران تمتلك إحدى أكبر ترسانات الصواريخ الباليستية، ما يعني أن تطويرها لبرنامجها النووي والانسحاب من المعاهدة، يتيح لها بناء قوة ردع أقوى ضد خصومها.أمن دولي ـ سياسات ألمانيا تجاه الملف النووي الإيراني في ظل حكومة ميرتس؟
ما الحسابات الإيرانية بين الداخل والخارج؟
الأزمة الاقتصادية بإيران
وقع الاقتصاد الإيراني بين العقوبات الأمريكية والضغوط الداخلية، وفي 2 مارس 2025 صوت البرلمان الإيراني على إقالة وزير الاقتصاد والمالية عبد الناصر همتي، بعد أن فقد الريال الإيراني أكثر من (50%) من قيمته وزاد معدل التضخم وتدهور الاقتصاد بصورة غير مسبوقة، ما أدى لارتفاع أسعار الغذاء والسكن وتراجع الأجور.
تتخوف طهران من فشل المفاوضات وتطبيق عقوبات جديدة عليها، وانعكاساتها على الأزمة الاقتصادية، ورغم إلقاء اقتصاديين اللوم على خطة الحكومة الحالية وسوء الإدارة وانتشار الفساد، فإن سياسيين إيرانيين أرجعوا الأمر إلى حملة “الضغط الأقصى” التي تشنها واشنطن، بتقييد وصول النفط الإيراني للأسواق الدولية، واستهداف ناقلات النفط الإيرانية ومؤسساتها المالية، ما يضع قيوداً على النفوذ الإيراني بالسوق العالمي. كما أدى التوتر بين طهران وتل أبيب، إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية بإيران وعدم استقرار الاقتصاد الإيراني.
الانقسام بين التيارين المتشدد والإصلاحي
تمثل المفاوضات مع واشنطن نقطة خلاف بين المعسكرين الإصلاحي والمتشدد بإيران، ويتخوف المتشددون من أن الاتفاق المرتقب سيكون أسوأ من خطة العمل الشاملة المشتركة، خاصة وأن طهران لا تريد التنازل عن برنامجها الصاروخي أو تخفض تخصيب اليورانيوم. بينما يرى المعسكر الإصلاحي في المفاوضات فرصة لتحسين الوضع الاقتصادي ورفع العقوبات تدريجياً عن بلادهم، ويقود هذا المعسكر الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، ويسعى الرئيس الحالي مسعود بيزشكيان لاستمالة هذا التيار، بإطلاق المباحثات مع الولايات المتحدة بقيادة وزير الخارجية عباس عراقجي، الذي أكد على صعوبة وأهمية المفاوضات.
لجأ المرشد الإيراني علي خامنئي إلى خطابات دينية تدعو لضرورة التفاوض لإسكات المتشددين، حتى وصل الانقسام إلى داخل مكتب خامنئي، وتبنت صحيفة “كيهان” الإيرانية موقفاً معارضاً للمفاوضات، ودعت للتصعيد ضد الإدارة الأمريكية، واستعرض موقع “دفا برس” التابع للحرس الثوري الإيراني، قدرات إيران الصاروخية لمهاجمة القوات الأمريكية.
الحرس الثوري الإيراني
يبدو موقف الحرس الثوري الإيراني متشدداً تجاه المفاوضات والتهديدات الأمريكية، وحذر الحرس الثوري من أي هجمات محتملة من جانب الولايات المتحدة أو إسرائيل، وشدد رئيس هيئة الأركان الإيرانية محمد باقري، من أن جيش بلاده سيرد بقوة على أي اعتداء، وخلال ذكرى تحرير “خرمشهر” قال المتحدث باسم الحرس الثوري إن قوات بلاده باتت هجومية، في إشارة إلى امتلاك طهران القدرة للرد على أي سيناريو تصعيد.أمن دولي ـ ما أسباب تهميش الأوروبيين في محادثات أميركا وإيران حول الملف النووي؟
ما سيناريوهات التصعيد من جانب إيران؟
تصبح إيران أمام خيارين التصعيد أو التفاوض، فالخيار الأول يعني الرهان على ورقة الحوثيين وإعادة توظيف وكلائها الباقيين بالمنطقة، لضبط نفوذها من جديد بالمنطقة، عقب خسارة قيادات في حزب الله اللبناني وفقدانه التأثير بالمشهد السياسي اللبناني، وسقوط نظام بشار الأسد بسوريا وتراجع نفوذ الحرس الثوري هناك.
لكن إبرام صفقة بين الحوثيين وواشنطن لوقف العملية العسكرية الأمريكية ضدهم، مقابل وقف الهجمات على السفن الأمريكية، ستجعل إيران أقرب للسيناريو الثاني باحتواء التصعيد، وطرح شروط للتعامل مع الملف النووي، خشية أن تتحول إلى هدف مباشر للهجمات الأمريكية والإسرائيلية أو إعادة فرض العقوبات ضدها، لذا تبحث طهران عن سياسة تجنب دخولها في صدام مع واشنطن، وتحافظ على علاقاتها مع الحوثيين، حتى لا تفقد آخر ورقة ضغط لديها بالمنطقة أمام خصومها، ولا ترسل إشارات لحلفائها بالتخلي عنهم الآن.
ما احتمالات توجيه ضربة عسكرية محدودة لإيران؟
هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مارس 2025، المرشد الإيراني علي خامنئي، باللجوء للعمل العسكري في حال فشلت المباحثات. وقال مسؤولون أمريكيون، إن إيران تمر بأضعف وضع عسكري لها منذ عقود، لذا تكثف واشنطن جمع المعلومات استعداداً لأي تطورات بشأن توجيه ضربة لها.
اتجهت التكهنات إلى أن الولايات المتحدة لا تفضل القيام بعمل عسكري ضد إيران، أو مساعدة إسرائيل في الأمر نفسه. وقال مصدر مطلع لـ “سي إن إن” من المرجح توجيه ضربة من إسرائيل لإفشال الصفقة، إذا قبل ترامب بصفقة سيئة من وجهة نظر إسرائيل.
نقلت شبكة “سي إن إن” عن مسؤولين أمريكيين، في 21 مايو 2025، أن واشنطن حصلت على معلومات استخباراتية تشير إلى أن تل أبيب تستعد لضرب منشآت نووية إيرانية.
أشار المسؤولون الأمريكيون إلى أن الخطوة تعتمد على موقف إسرائيل من المفاوضات حول البرنامج النووي، وأن المخاوف تتزايد في الأشهر الأخيرة من هذه الضربة، خاصة وأن المعلومات قادمة من مسؤولين إسرائيليين ورصد لتحريك ذخائر واتصالات عسكرية لإسرائيل.واعتبر خبراء هذه المؤشرات بمثابة وسيلة ضغط على إيران بشأن المفاوضات.
أشار ترامب في 28 مايو 2025، إلى إمكانية التوصل لاتفاق مع إيران خلال الأسبوعين المقبلين، محذراً نتنياهو من تعطيل المحادثات النووية مع إيران. ويصبح تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل أمراً صعب حدوثه، ما يعني أن أي هجمات أمريكية ضد إيران ستلحق ضرراً جزئياً بمنشآت تخصيب اليورانيوم، ومواقع للحرس الثوري وإنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة، لمنع أي رد إيراني على هذه الهجمات.
ما فرص نجاح الوساطات الدولية بشأن الملف النووي الإيراني؟
استضافت مسقط وروما الجولات الخمس للمباحثات حول الملف النووي الإيراني، ويظل تخصيب اليورانيوم نقطة خلاف في المفاوضات. وحرصت إيران على إبراز روسيا والصين كوسطاء محتملين، وفي 17 أبريل 2025 رحبت موسكو بلعب دور أكبر لتسهيل اتفاق نووي بين واشنطن وطهران، خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني لموسكو. وفي 23 أبريل 2025 بحث وزير الخارجية الإيراني في الصين، تطور المفاوضات الحالية حول البرنامج النووي.
انتهت الجولة الخامسة من المفاوضات في 23 مايو 2025 دون تقدم ملموس. وتلعب عمان دور الوسيط في استضافة المباحثات وتقريب وجهات النظر بين الفريقين الأمريكي والإيراني، وتسعى لإبرام اتفاق جديد حول ملف إيران النووي، وتخفيف العقوبات الدولية عليها. وأجرى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، زيارة لمسقط، يومي 27 و28 مايو 2025، لمناقشة تطورات المباحثات الراهنة.
تبادل الجانبان الإيراني والأمريكي التصريحات، حول تمسك كل طرف بموقفه، وفي 22 مايو 2025 طبقت واشنطن عقوبات على قطاع البناء الإيراني، وانتقدت طهران العقوبات، وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن “التوصل لاتفاق ليس بالصعب، صفر أسلحة نووية يعني وجود اتفاق، بينما صفر تخصيب لا يوجد اتفاق”.
فسر الباحث بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن برايان كاتوليس، عودة الإدارة الأمريكية لسياسة “الضغط الأقصى” بتدابير اقتصادية وقانونية لمواجهة أنشطة إيران، امتلاك واشنطن لأدوات ضغط أكثر مقارنة بعام 2018، ما يعزز من أهمية دخول وسطاء جدد سواء من جانب حلفاء إيران أو حلفاء الولايات المتحدة.أمن دولي ـ هل يمكن أن تؤدي المحادثات “الأمريكية ـ الإيرانية” إلى اتفاق نووي جديد؟
**
تقييم وقراءة مستقبلية
– يواجه نهج ترامب في التعامل مع السياسة الخارجية، والذي يعتمد على عقد الصفقات، اختبارًا صعبًا مع بدء استعداده للسعي إلى التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي.
– تجد إسرائيل نفسها أمام معضلة استراتيجية، إما القبول بصفقة نووية غير مرضية لمخاوفها الأمنية، أو شن ضربات على إيران، وهو خيار محفوف بالتبعات الإقليمية والدبلوماسية، خاصة في ظل عدم دعم الإدارة الأمريكية لهذا الخيار.
– تدرك دول الخليج أن امتلاك طهران لسلاح نووي قد يفتح الباب أمام سباق تسلح إقليمي نووي . بات متوقعا أن تستمر دول الخليج في لعب دور الوسيط للحوار بين طهران وواشنطن لتجنب سيناريوهات التصعيد العسكري في المنطقة.
– من المحتمل أن تُعيد روسيا والصين تموضعها كوسيط محوري بين طهران وواشنطن. مايُعزز نفوذهما في الشرق الأوسط كجهة “ضامنة”، وذلك بالتزامن مع تراجع الدور الأوروبي في هذا الملف.
– قد يتجه الملف النووي الإيراني نحو مزيد من التعقيد في ظل إدارة أمريكية متشددة، مع تصاعد احتمالات الانهيار الكامل للاتفاق النووي، ومخاطر انزلاق نحو مواجهة مفتوحة، خاصة إذا اقتربت إيران من “العتبة النووية”.
**
ـ تلعب الترويكا الأوروبية دورًا محوريًا في الملف النووي الإيراني بصفتها طرفًا رئيسيًا في اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015. ورغم العقوبات والنكسات الدبلوماسية، بدءًا من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، وما تلاه من تسريع إيران لتخصيب اليورانيوم، واصل الاتحاد الأوروبي الدعوة إلى الحوار، مُدركًا أن استقرار إيران أمرٌ حيويٌّ للأمن الأوروبي والمصالح الاقتصادية.
ـ تحاول أوروبا الترويكا الحفاظ على خط التوازن بين منع انهيار الاتفاق النووي ومنع إيران من تطوير سلاح نووي، إلا أن تشدد واشنطن ومراوغة طهران يضعفان أدواتها ويقيدان تأثيرها، مما يرجّح تراجع دورها مستقبلاً لصالح المحور الأميركي-الإسرائيلي.
ـ شكلت رئاسة ترامب الثانية تحديًا لأوروبا بشأن المخاوف الأمنية المتعلقة بحلف الناتو وأوكرانيا، وفرضت في الوقت نفسه رسومًا جمركية على الدول الأوروبية. ورغم أن أوروبا والولايات المتحدة تتشاركان مخاوف مشتركة بشأن حرب غزة والبرنامج النووي الإيراني، إلا أن الرئيس ترامب فضّل المحادثات الأحادية الجانب مع إيران على الدبلوماسية متعددة الأطراف. وبما أن سياسات ترامب تعكس بشكل متزايد أولويات التعامل، ينبغي على أوروبا تبني سياسة أكثر حزمًا واستقلالية في الشرق الأوسط.
ـ في غياب خطة العمل الشاملة المشتركة واتفاق بديل، قد تُقرر طهران المضي قدمًا في برنامجها النووي. ويبدو هذا الاحتمال أكثر ترجيحًا بعد عام شهد تقويضًا حادًا لقدرة إيران على الردع، حيث ضعفت قوى “محور المقاومة” بقيادة طهران، مثل حماس وحزب الله، بشكل ملحوظ بسبب صراعاتها مع إسرائيل. وانهار نظام الأسد الموالي لإيران في سوريا. وأظهرت الضربات الإسرائيلية في أبريل وأكتوبر 2024، التي استهدفت الدفاعات الجوية الإيرانية، مدى انكشاف طهران نفسها. فيما زادت إدارة الرئيس دونالد ترامب الجديدة من حدة التوتر بعدما أعاد فرض عقوبات الضغط الأقصى في أسابيعه الأولى في منصبه. في غضون ذلك، ضغطت إسرائيل على إدارته لدعم توجيه ضربات مباشرة للبرنامج النووي الإيراني، مما يُنذر بتصعيد عسكري كبير.
ـ تهميش الأوروبيين في المحادثات الأميركية-الإيرانية قد يؤدي إلى اتفاقات منفصلة لا تأخذ بعين الاعتبار المصالح الأوروبية، ويضعف قدرة الاتحاد الأوروبي على التأثير في قضايا الأمن الإقليمي. ومع ذلك، فإن الأوروبيين يستطيعون استعادة دورهم من خلال استثمار أوراقهم الاقتصادية والشرعية الدولية، والتحرك بفعالية كمجموعة موحدة في أي تسوية مستقبلية.رغم الدور التقليدي الذي لعبته أوروبا، ولا سيما الترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا)، في المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى تهميش متزايد للدور الأوروبي في أي مفاوضات أميركية-إيرانية محتملة، خصوصًا في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية. وقد بدا واضحًا أن واشنطن وطهران تتجهان إلى صيغة محادثات ثنائية، تتجاهل إلى حد بعيد الأوروبيين الذين يمتلكون ورقة ضغط اقتصادية ودبلوماسية مهمة.
ـ تخوض الترويكا الأوروبية سباقاً بين الحل الدبلوماسي، أو فرض عقوبات جديدة على إيران، إذا لم تصل المحادثات النووية بين طهران والولايات المتحدة من جانب، والأوروبيين من جانب آخر إلى “نهاية سعيدة”. إذ يهدّد الأوروبيون بفرض عقوبات عليها من دون الحديث عن أي عمل عسكري، وهو ما يتمايزون به عن واشنطن، التي ما زالت تستخدم سياسة العصا والجزرة مع طهران.
ـ بعد استئناف المحادثات الأوروبية الإيرانية، فإن الدول الأوروبية في وضع جيد لإعادة ترسيخ دورها التاريخي كوسيط بين إيران والولايات المتحدة. وبالبناء على خبرتها الممتدة لعقود في التعامل مع طهران، وإيجاد أرضية مشتركة مع الولايات المتحدة، يمكن لأوروبا أن تبدأ مفاوضات جديدة حول اتفاق جديد. ويمكن لعلاقاتها القوية مع إسرائيل ودول الخليج العربية أن تساعد في تحقيق توافق إقليمي لتجنب مآزق الماضي وبناء اتفاق أكثر مرونة.
ـ كل ما سبق يجعل عام 2025 عامًا حاسمًا لبرنامج إيران النووي ولأمن منطقة الشرق الأوسط عمومًا. فبدون مخرج، قد تُسارع إيران إلى تسليح برنامجها النووي، أو قد تتعرض لهجوم، أو كليهما.
**
– تظل ملابسات المباحثات الحالية بين واشنطن وطهران، أكثر تعقيداً وصعوبة بالنسبة للأخيرة مقارنة بمفاوضات 2015، خاصة أن تداعيات حرب غزة في منطقة الشرق الأوسط، طالت حلفاء طهران أيضاً في لبنان وسوريا واليمن، ومنحت لإسرائيل الفرصة لتوجيه ضربات إلى إيران، وإدخالها ضمن معادلة التصعيد، وفي الوقت نفسه تصبح إيران أمام معضلة بشأن التعامل مع جماعة الحوثيين، فهي أداة ضغط ولاتزال تمثل نفوذاً لها، ما يعني صعوبة التخلي عنها حتى لا تضعف استراتيجية طهران أمام الرأي العام الداخلي والعالمي، كما تدرك خطورة الاعتماد عليهم بشكل واضح للضغط في المفاوضات، حتى لا تثير غضب واشنطن ودول الجوار في هذا التوقيت الراهن.
– ترتكز إيران على التصعيد اللفظي فقط، رداً على تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات أو شن هجوماً ضدها، ما يعني أن خياراتها محدودة للضغط على واشنطن، وتحرص على عدم تخطي الخط الأحمر معها، للتمسك بمسألة تخصيب اليورانيوم ورغبتها في تقليص العقوبات المفروضة عليها، وعدم التوسع في فرض عقوبات جديدة بعد أكتوبر 2025، الأمر الذي يرجح احتمالية التوصل لتسوية مرحلية، دون استبعاد تفاقم المشهد بين طهران وواشنطن في حال فشل المفاوضات بشكل نهائي.
– الانقسام في الداخل الإيراني يخدم المباحثات حول البرنامج النووي، ولكن يضع طهران أمام تحديات داخلية تتعلق بقوة نفوذ التيار المتشدد، لعرقلة خطوات المفاوضات والدفع نحو التصعيد، لذا نتائج المحادثات مع واشنطن ستظهر مدى قوة التيار الإصلاحي، خاصة وأن المؤشرات تتجه إلى اتفاق مرتقب الأيام المقبلة، ويريد دونالد ترامب تسوية هذا الملف واحتواء أي تصعيد تخطط له إسرائيل، لتنفيذ وعوده المتعلقة بإنهاء جميع الحروب وعدم تأجيج أي صراعات جديدة.
– تستغل إيران المباحثات الراهنة بين روسيا والولايات المتحدة حول حرب أوكرانيا، والتحول في العلاقات الروسية الأمريكية، من أجل إدخال روسيا على خط الوساطة بشكل غير مباشر، كما تستعين بالصين كحليف آخر، للضغط على الولايات المتحدة في ملفات شائكة مع الصين، مثل الاقتصاد والتكنولوجيا والفضاء، خاصة وأن مساحة الثقة بين طرفي المباحثات لم يتم ترميمها بشكل كامل مرة أخرى، وتنظر طهران إلى القوى الأوروبية الثلاث ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بأنهم أقرب إلى واشنطن في التفاهمات بشأن الملف النووي، رغم أن الثلاث دول تعتمد استراتيجية متوازنة معها على عكس واشنطن.
– رغم عدم وجود اتفاق فعلي بين إيران والولايات المتحدة، على تجنب الهجمات العسكرية، فإن الطرفين يتفقان بشكل ضمني على “سياسة التنازلات الدبلوماسية” المتعلقة بتبادل التحذيرات والتهديدات، ولجوء الأولى إلى التلويح بتطوير برنامجها الصاروخي، واستمرار دعمها للحوثيين وتزويد روسيا بطائرات مسيرة في حربها ضد أوكرانيا، بينما تهدد الثانية بالعقوبات الاقتصادية، وفرض شروط تفاوضية عالية السقف، للتوصل إلى اتفاق كما ترغب إدارة ترامب.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=104838
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
هوامش
Trump reshapes US Mideast policy. Can deals work instead?
https://tinyurl.com/3hduwt4w
China backs Iran’s nuclear talks with US, opposes ‘illegal’ sanctions
https://tinyurl.com/3bdp9ar2
High stakes as Iran nuclear issue reaches crunch moment
https://tinyurl.com/34x9rsda
Israel preparing to strike Iran fast if Trump’s nuclear talks break down
https://tinyurl.com/4k7ndz28
**
Recent US-Iran talks on a new nuclear deal
Iran, Europeans hold nuclear talks, agree to more, diplomats say
Iran, European powers meet amid tensions over nuclear deal
The US and Iran are on the road to escalation. Europe can and should create an off-ramp
How Europe can influence Trump’s deal-making with Iran
**
Iran would view US as ‘participant’ in any Israeli attack on its nuclear sites
https:/linkcuts.org/yhkuank6
‘Red lines’ stalk fifth round of Iran-US nuclear talks
Divide over Iran-US negotiations spreads to Khamenei’s office
Iran’s middle class bears brunt of economic crisis