بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (3)
تشهد العلاقات بين موسكو وواشنطن تحولات كبيرة مع اتفاقات جديدة بين بينهما، بما في ذلك إعادة تأسيس البعثات الدبلوماسية وتعيين فرق للتفاوض على إنهاء حرب أوكرانيا. أثار هذا التحول قلق القادة الأوروبيين، بالتزامن مع تهديدات ترامب بالتراجع عن التزامات واشنطن الدفاعية تجاه أوروبا. يسعى القادة الأوربيون لتحديد الدور الذي يمكن أن تلعبه أوروبا في مفاوضات السلام من خلال أداوتها الدبلوماسية والسياسية والعسكرية لتقوية موقفهم في محادثات السلام .
هل تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة التعاون مع روسيا على حساب أوروبا؟
اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على عدة مبادئ عقب المحادثات في فبراير 2025، إعادة تأسيس وظائف البعثات الدبلوماسية في واشنطن وموسكو. تعيين فريق رفيع المستوى للتفاوض والعمل على إنهاء حرب أوكرانيا بشكل دائم ومقبول لجميع الأطراف، كذلك تعزيز التعاون الجيوسياسي والاقتصادي بين البلدين. كان التراجع الأميركي واضحًا بشكل لا لبس فيه في فبراير2025، فبعد انتقاد نائب الرئيس “جيه دي فانس” للحلفاء الأوروبيين، قائلًا إن “التهديد من الداخل” مثير للقلق أكثر من روسيا، التقى وزير الخارجية الأمريكي” ماركو روبيو” بوزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف”، وتحدث عن “الفرص المتاحة للشراكة مع الروس” إذا تمكنوا ببساطة من التخلص من حرب أوكرانيا.
يقول “كوري شاك” مدير دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد “أميركان إنتربرايز” وأحد مساعدي الرئيس “جورج دبليو بوش” في مجال الأمن القومي “إن هذا يمثل تراجعاً عن ثمانين عاماً من السياسة الخارجية الأميركية”. وتابع “خلال الحرب الباردة، رفضت الولايات المتحدة إضفاء الشرعية على الغزو السوفييتي لدول البلطيق، والآن نضفي الشرعية على الهجوم الروسي لخلق مناطق نفوذ”.
كيف تحول موقف “ترامب” إلى تهديد للأمن الأوروبي؟
أكد “كيث كيلوج” مبعوث الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى أوكرانيا للأوروبيين في 15 فبراير 2025 إن إدراجهم في المحادثات الرامية إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا “لن يحدث”. أجبرت خطة الرئيس “ترامب” للتفاوض على تسوية سلمية في أوكرانيا مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتن” دون دعوة الأوكرانيين ولا الأوروبيين للمشاركة، الزعماء في حالة من القلق في عواصم مثل برلين ولندن وباريس وسط مخاوف من مواجهة سلسلة من الخيارات الصعبة، والتنازلات، والأعباء الجديدة المكلفة.
يعتقد المسؤولون الأوروبيون أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قد يستجيب لمطالب “بوتن” ويسحب القوات الأميركية المتمركزة في البلدان المجاورة لروسيا. حيث أفادت تقارير في 17 فبراير 2025 أن الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” يعتزم سحب القوات الأميركية من خطوط المواجهة مع روسيا في منطقة البلطيق. كما يسعى الرئيس الأمريكي إلى سحب القوات الأمريكية من أجزاء من أوروبا.
أوضح “أندرو وينر” الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في بولونيا بإيطاليا: “لا ينبغي أن يشكل أي من هذا صدمة لأي شخص استمع إلى ما قاله ترامب أو جي دي فانس قبل انتخابهما”. وأضاف “وينر” أن “الولايات المتحدة لديها تاريخ طويل في مطالبة حلفائها ببذل المزيد من الجهود، وخاصة على صعيد الدفاع الجماعي”. وأشار إلى أنه “في عهد ريغان، أنشأت الولايات المتحدة سفيرا كانت مهمته زيارة الحلفاء الأوروبيين وحثهم على إنفاق المزيد من الأموال أو بذل المزيد من الجهود من أجل الدفاع المشترك”. أمن دولي ـ هل من ضغوطات أوروبية على إيران بعد تغيير النظام في سوريا؟
ما الذي يجعل من نشر قوة حفظ السلام تحديا عسكريًا ولوجستيًا؟
أصبح نشر بريطانيا وفرنسا ودول أخرى قوات لحفظ السلام في أوكرانيا مطروحًا بالفعل. كانت فكرة نشر قوات أوروبية على الأرض في أوكرانيا أول من طرحها الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” في العام 2024. تشير الإحصائيات في فبراير 2025 إن أوروبا ستحتاج إلى حشد ما بين (50 إلى 100) ألف جندي. قد تشارك المملكة المتحدة بما يصل إلى (10) آلاف جندي كحد أقصى. وكشف استطلاع للرأي أجري في ألمانيا أن (59%) سيؤيدون نشر الجيش الألماني، إلى جانب قوات أوروبية أخرى، لدعم وقف إطلاق النار بين أوكرانيا وروسيا.
أكدت المملكة المتحدة إنها مستعدة لإرسال قوات إلى أوكرانيا لردع روسيا على المدى الطويل. وأعربت السويد عن استعدادها لإرسال قوات بمجرد إحلال السلام. أبدى “أولاف شولتز” المستشار الألماني تردده في إبداء أي التزام قبل الانتخابات الوطنية التي ستُعقد في فبراير 2025 على الرغم من أن المنافس الرئيسي لحزبه، الديمقراطيون المسيحيون المحافظون، أشاروا إلى أنهم منفتحون على الفكرة. كما ذكرت بولندا إنها لن تنشر جنوداً بولنديين كجزء من أي ترتيب متعدد الجنسيات.
تواجه أوروبا العديد من التحديات لنشر قوات حفظ السلام في أوكرانيا منها، موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يزيد الأمور تعقيداً، لأن أي قرار سوف تعارضه روسيا والصين، سوف يكون مصيره الفشل منذ البداية. كذلك افتقار دول الاتحاد الأوروبي إلى القوى البشرية الكافية، وقد تواجه القوات البرية تهديداً على الأرض، كما تواجه البلدان التي ستنشرها تهديدات، وخاصة التهديدات الهجينة. بالإضافة الحاجة إلى الدعم الاستخباري الأمريكي من خلال الاستطلاع المتفوق عبر الأقمار الصناعية.
تقول “كلوديا ميجور” المحللة في مؤسسة “SWP” البحثية الألمانية “إن تجميع مثل هذه القوة للسلام أمر يصعب تحقيقه بالنسبة للأوروبيين بمفردهم”. وأضافت “ميجور”: “إن تقديرات القوة المطلوبة تتراوح بين (40 إلى 150) ألف جندي، بالإضافة إلى القوات الأوكرانية. وعلى سبيل المقارنة، بدأت قوة حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي في كوسوفو بـ (48) ألف جندي في عام 1999، وقامت بتأمين منطقة مساحتها (11) ألف كيلومتر مربع ، وفقًا لدراسة شاركت في تأليفها ميجور، في حين أن مساحة أوكرانيا تبلغ حوالي (55) ضعف هذا الحجم.
إلى أي مدى تؤثر العقوبات على روسيا والمساعدات العسكرية لأوكرانيا على المفاوضات؟
أعلنت دول الاتحاد الأوروبي في 18 فبراير 2025 تقديم حزمة مساعدات عسكرية بقيمة (6) مليارات يورو على الأقل لأوكرانيا في إطار سعيها إلى تعزيز موقف كييف الاستراتيجي في بداية المحادثات التي تقودها الولايات المتحدة مع روسيا. من المفترض أن تشمل كل شيء بدءًا من (1.5) مليون قذيفة مدفعية إلى أنظمة الدفاع الجوي، وهي واحدة من أكبر حزم المساعدات العسكرية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي منذ بداية حرب أوكرانيا في عام 2022.
وافق الاتحاد الأوروبي في 19 فبراير 2025 على فرض حزمة جديدة من العقوبات على روسيا وسط مساعي الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” لإجراء مفاوضات بشأن مصير أوكرانيا، وهو ما أثار شكوكا حول جدوى القيود الصارمة على المدى الطويل. كما وافق الاتحاد الأوروبي في يناير 2025 على تمديد العقوبات التي تهدف إلى حرمان روسيا من الأموال لتمويل حربها ضد أوكرانيا لمدة ستة أشهر. وستظل العقوبات سارية على الأقل حتى 31 يوليو 2024.
يعتقد “كلود فرانس أرنولد” الدبلوماسي الفرنسي السابق والمستشار الخاص لرئيس الشؤون الأوروبية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية “أنه كان ينبغي للاتحاد الأوروبي أو بعض الدول الأوروبية أن تقترح إجراء محادثات قبل أن يطلق ترامب مبادرته، ربما مع دول أخرى غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي”. أمن دولي ـ التطور الدبلوماسي لموقف ألمانيا تجاه حل الدولتين: إسرائيل وفلسطين
من هو الأوروبي الأوفر حظًا للعب دور رئيسي في مفاوضات أوكرانيا؟
بدأ “أنطونيو كوستا” رئيس المجلس الأوروبي في فبراير 2025 “مشاورات ثنائية” مع زعماء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتحديد ما هم على استعداد للقيام به فيما يتعلق بالمساعدات لأوكرانيا ومواقفهم بشأن الضمانات الأمنية. وباتت مسألة تعيين “مبعوث أوروبي خاص” لأوكرانيا قد تتم مناقشتها خلال المحادثات التي يجريها “كوستا” مع الزعماء.
أشار استطلاع للرأي في فبراير 2025 حول من يستحق الحصول على دعوة على طاولة المفاوضات بشان حرب أوكرانيا، حيث جاء “كوستا” والممثلة الأعلى للاتحاد الأوروبي “كايا كالاس” في المقدمة بسبب المسؤوليات الموكلة إليهما من خلال أدوارهما المختلفة. كما أن هناك احتمالية لاختيار رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” قد تكون الإيطالية “جورجيا ميلوني” التي يُنظَر إليها على أنها قريبة من “ترامب” من بين المرشحين.
كيف يسعى الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على واشنطن؟
يبحث الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء عن سبل لجعل استراتيجيتهم الدفاعية أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة وأكثر مرونة وكفاءة. ومن الممكن أن يلعب تعزيز صناعة الدفاع وشراء أنظمة الأسلحة بشكل مشترك دورًا رئيسيًا في هذا الصدد. يتفق أغلب المسؤولين في الاتحاد الأوروبي على ضرورة استثمار المزيد في الدفاع. وقد قدرت المفوضية الأوروبية أن الإنفاق الدفاعي سوف يتطلب خلال السنوات العشر المقبلة ما قيمته (500) مليار يورو. وتعتزم المفوضية الأوروبية تقديم استراتيجية بحلول شهر مارس 2025 ليناقشها زعماء الاتحاد الأوروبي في يونيو 2025.
أجرى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية استطلاعا في نوفمبر 2024 شمل (14) دولة أوروبية، ثلاث منها ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي (المملكة المتحدة وسويسرا وأوكرانيا). أكد (50%) من المشاركين إن الولايات المتحدة “شريك ضروري” وليس حليفاً، مع وجود أعلى عدد من الذين يتبنون هذا الرأي في البلدان القريبة تقليدياً من الولايات المتحدة، مثل أوكرانيا (67%) وإستونيا (55%) والدنمارك (53%). واعتبر ما يزيد قليلًا على الخمس (21 %) الولايات المتحدة حليفة، مع تسجيل أرقام أقل في ألمانيا (19 %)، وفرنسا (14 %)، وبلغاريا (11 %). أمن قومي ـ أهم التهديدات الأمنية الحالية لدول الاتحاد الأوروبي
تقييم وقراءة مستقبلية
– يرى الأوروبيون أن التوصل إلى اتفاق سلام بشان أوكرانيا دون ضمانات قد يعزز من قوة روسيا، ومن شأنه أن يترك أوروبا في مواجهة مباشرة معها، ما يعكس التوجه الأوروبي لتقوية موقف أوكرانيا في محادثات السلام
– يمتلك الاتحاد الأوروبي العديد من الأوراق السياسية للتأثير على المفاوضات بشأن أوكرانيا منها، المساعدات العسكرية والعقوبات على روسيا، ما قد يعزز من حجة الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى المفاوضات الأميركية الروسية.
– يريد “ترامب” تركيز انتباهه بعيدا عن الأمن الأوروبي للدول الأوروبية وتركيز طاقات الولايات المتحدة الأمريكية على الأميركيتين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة الصين.
– يمكن القول أن الهدف من وجود قوات حفظ السلام الأوروبية هو إرسال رسالة إلى الأوكرانيين مفادها أنهم ليسوا وحدهم. ولإظهار أن أوروبا “تقوم بدورها” في الدفاع عن نفسها، وتحذير موسكو أنها إذا خالفت شروط وقف إطلاق النار المحتمل، فلن تتعامل مع كييف بمفردها.
– من المرجح أن يكون من الصعب على زعماء الاتحاد الأوروبي تعيين واحد من أعضائهم في مفاوضات حرب أوكرانيا، بسبب المخاوف من أن ذلك قد يفضل مصالحهم الوطنية أو مواقفهم.
– ينبغي على الاتحاد الأوروبي تحديد أولويات السياسة الخارجية الأوروبية بما يتماشى مع تحديات المستقبلية كالهجمات السيبرانية، وملف الأمن والهجرة. كذلك تطوير سياسة أوروبية مستقلة في بعيدًا عن الولايات المتحدة، وإعادة تقييم العلاقات مع الولايات المتحدة. كذلك تعزيز دور دول التكتل كوسيط في حل النزاعات الدولية في الشرق الأوسط.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=101223
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
هوامش
Trump’s Pivot Toward Putin’s Russia Upends Generations of U.S. Policy
https://tinyurl.com/y5s9fved
Trump’s rush for a deal with Putin leaves Ukraine and Europe scrambling
https://tinyurl.com/yvkdzser
EU targets €6B Ukraine military aid package
https://tinyurl.com/2p9xwkxk
Can Europe and UK persuade Trump they’re relevant to Ukraine’s future?
https://tinyurl.com/hxrhvt8k