الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

ملف: أمن دولي – أزمة أوكرانيا و الرهان على الدور الأوروبي

الإسلام السياسي
فبراير 07, 2022

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ المانيا  و هولندا

إعداد : وحدة الدراسات والتقارير

يمكنكم الأطلاع على الملف بصيغة pdf على الرابط التالي: ملف: أمن دولي – أزمة أوكرانيا والرهان على الدور الأوروبي

ملف: أمن دولي – أزمة أوكرانيا و الرهان على الدور الأوروبي

 

أمن أوروبا ـ الأزمة الأوكرانية، ماذا عن الموقف الألماني؟

تُواجه الحكومة الألمانية الجديدة ضغوطاً كثيرة لإتخاذ موقف أكثر حزماً وصرامة ضد روسيا. حيث تُعد الأزمة الأوكرانية هي أول اختبار رئيسي للمستشار الألماني الجديد “أولاف شولتس”. بالتزامن مع وجود تعهدات من الحكومة الائتلافية المُكونة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر “بالحوار والصلابة” مع روسيا.

الموقف الألماني من توريد أسلحة لأكرانيا 

أعلنت الحكومة الألمانية في 24 يناير 2022 عدم نيتها “المشاركة في تكهنات” بشأن توريد برلين أسلحة لأوكرانيا، في المقابل وعلى لسان “كريستياني هوفمان” المتحدثة باسم مجلس الوزراء الألماني أكدت بذل الحكومة بالتعاون مع حلفائها جهوداً كبيرة لمنع التصعيد حول أوكرانيا، وتجنب وصول الأمر إلى تدخل روسيا أم غزو الأراضي الأوكرانية.

إن قضية نقل الأسلحة لا تزال تمثل مشكلة صعبة على صانعي السياسة الألمان لاتباع نظرائهم في حلف شمال الأطلسي ويُنظر إلى تسليم الأسلحة بوضوح شديد في البلدان الأخرى على أنه إجراء ردع، بينما يُنظر إليه في الخطاب السياسي الألماني على أنه يساهم في مزيد من التصعيد. أن عمليات نقل الأسلحة قد تكون غير مطروحة على الطاولة من الناحية السياسية، ولا تستبعد اتخاذ مزيد من الإجراءات لطمأنة الحلفاء، مثل عندما قادت ألمانيا كتيبة تابعة لحلف شمال الأطلسي إلى ليتوانيا في عام 2016.

خلافات ألمانية أوكرانية 

سبق وأن صرح الفريق البحري “كاي أخيم شونباخ” قائد القوات البحرية الألمانية في حينه، إن شبه جزيرة القرم “راحت ولن تعود أبداً” إلى أوكرانيا، مقللاً من من أهمية التهديد المتمثل في حشد (100) ألف جندي روسي على طول الحدود الأوكرانية، لكن الحكومة الألمانية سارعت إلى النأي بنفسها عن قائد البحرية الذي استقال في وقت لاحق، بعد أن وبخ وزير خارجية أوكرانيا علناً ألمانيا، معتبراً أن هذه الأقوال والأفعال تقوض الوحدة وتشجع فلاديمير بوتين على شن هجوم جديد على أوكرانيا.  أمن دولي ـ هل يدعم الناتو أوكرانيا ضد روسيا؟

أشار”كريستوف هيوسجن” مستشار السياسة الأمنية لـ”أنجيلا ميركل” والرئيس المستقبلي لمؤتمر ميونيخ الأمني وفقاً لـ”DW” في 24 يناير 2022، إلى أن ما تريده ألمانيا هذه المرة هو وضع رد فعل قوي، حتى تعرف روسيا بالضبط ما سيحدث إذا اتخذت بالفعل خطوة مهاجمة اوكرانيا، إذ يجب أن تلعب ألمانيا دوراً رئيسياً في ذلك.

الخيارات العسكرية الروسية في أوكرانيا 

إن تحشيد روسيا قواتها بهذا الحجم لم يشهده العالم منذ عام 2003، سيحتاج على الأقل ما بين (150) ألف إلى (200) ألف جندي وستحتاج روسيا إلى جندي لكل (20) مواطن أوكراني، بحيث تكون القوات الروسية قادرة على الاحتفاظ بالمدن الكبرى في أوكرانيا، وهو ما يعني أن ما يزيد على (325) ألف جندي روسي يجب أن ينتشروا في أوكرانيا. يذكرأن عدد الجنود في الجيش الأوكراني يبلغ (145) ألف جندي لكن هناك ما يزيد عن (300 ) ألف شخص من قدامي العسكريين.

 يُبدي المستشار الألماني حول ذلك تأكيداً دائماً أن كل تعدّ روسي على أوكرانيا ستدفع موسكو ثمناً باهظاً. لكن حتى الآن، فإن موقف المستشار بشأن التوتر مع روسيا هو ضمن الحد الأدنى : تصريحات عامة قصيرة جداً ومُنمّطة وغالباً فقط رداً على أسئلة. لكن شولتس رفع من نبرته إذ رفض مطالب روسيا بوقف توسع حلف شمال الأطلسي (ناتو) في شرق أوروبا.

 ساد الارتباك بشأن تحديد من يوجّه سياسة برلين تجاه روسيا منذ تسلّم شولتس  المستشارية، فهل المستشارية التي يقودها الاشتراكيون، أو الخارجية التي يقودها الخضر؟! يذكر أن النتيجة كانت مواقف متضاربة أوحت أن برلين تفتقر إلى القيادة. الاتحاد الأوروبى .. تأزم العلاقات الروسية و تمديد العقوبات المفروضة عليها

ضغوط أمريكية على برلين 

 أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في 23 يناير 2022 إنه “لا شك لديه” بشأن تصميم ألمانيا على الوقوف في وجه روسيا – بعد أن أثارت برلين الغضب في أوكرانيا بسبب رفضها تزويد كييف بالأسلحة – وحافظ كبير الدبلوماسيين الأمريكيين على ثقته في الوحدة بين حلفاء واشنطن، قائلاً إن أي اعتداء روسي على أوكرانيا سيقابل برد سريع وحاد وموحد من جانبنا ومن أوروبا. ذكر رئيس وكالة الاستخبارات الخارجية الأمريكية بصراحة في 21 يناير 2022 أنه إذا هاجمت روسيا أوكرانيا، فإن الضغط على برلين لاتخاذ موقف واضح ضد موسكو سيزداد.

التداعيات على أسعار الغاز و “نورد ستريم 2”

تواجه ألمانيا قرارات صعبة بشأن نورد ستريم 2​​، إذ تظهر استطلاعات الرأي التي تظهر أن حوالي (60٪) من الألمان يدعمون “نورد ستريم 2”. هناك قلق أيضاً بشأن الإنصاف: الولايات المتحدة مستورد رئيسي للخام الروسي لكنها لم تلتزم بوقف الواردات بينما من المتوقع أن تلغي ألمانيا نورد ستريم 2. ارتفعت أسعار الطاقة في ألمانيا في ديسمبر2021 بنسبة (69٪) مقارنة بشهر ديسمبر 2020. ومن المرجح أن تؤدي الأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا إلى دفعها أعلى، في حالة حدوث غزو.

**

أمن أوروبا – الأزمة الأوكرانية، أي دور لِفرنسا؟

يتصاعد التوتر في أوروبا الشرقية مرة أخرى بعد زيادة القوات الروسية مؤخراً بالقرب من الحدود الأوكرانية حيث يُقاتل الانفصاليون المدعومون من روسيا القوات الأوكرانية. وتمثل الأزمة التي أُعيد تنشيطها تحدياً كبيراً للاتحاد الأوروبي أيضاً؛ لأنها تختبره والدول الأعضاء فيه -خاصة فرنسا- لمعرفة ما إذا كانوا قادرين على أن يكونوا فاعلين دوليين حاسمين، إذ تُظهر التجارب السابقة، وكذلك الوضع الحالي أن الاتحاد الأوروبي يمارس تأثيراً ضئيلاً إلى حد ما في المنطقة.

أزمة أوكرانيا – من الناحية الجيوسياسية – يجب أن تكون أزمة أوروبية تشمل القوى الأوروبية بشكل مباشر ومصير ملايين الأوروبيين، ومع ذلك يتم التعامل معها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، مثلما تجسد في المحادثات الثنائية الأمريكية-الروسية في  جنيف في 10 يناير 2022. فعلى الرغم من إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن التوصل إلى اتفاق تام مع القادة الأوروبيين حول الأزمة الأوكرانية، فإن جملة من الإشارات تدل على حجم التعارض بين الرؤى الأميركية والأوروبية، إذ إن الموقف الأميركي الداعي إلى التصعيد في أوروبا الشرقية لم يُقابل بإيجابية لدى الجانبين الفرنسي والألماني.

هناك فجوة واحدة واضحة: لا ترى فرنسا وألمانيا خطر الغزو الروسي لأوكرانيا بنفس الإلحاح مثل واشنطن ولندن. فرنسا، بالنظر إلى المعلومات الاستخباراتية نفسها التي قدمتها وكالة المخابرات المركزية، لا ترى غزواً وشيكاً، أو تجمعًا للقوات المجهزة للغزو في الأسابيع الثلاثة المقبلة – وهو تقييم يشاركه أفضل محللي الدفاع الأوكرانيين. وفقاً لـ”رويتز” في 27 يناير 2022.

الموقف الفرنسي – وقف التصعيد

القرار الفرنسي يفترض الحوار مع الدولة الروسية والوصول إلى حلول دبلوماسية تضمن من خلال رؤيتيه: الحفاظ على تماسك الاتحاد الأوروبي في الدرجة الأولى، وَوحدة الأراضي الأوكرانية وسلامتها في الدرجة الثانية، مع الإشارة إلى أن هذا القرار لا يستبعد خيار العقوبات، إنما يضعها في خانة الخيار الاحتياطي، كي يقيها من تأثيره السلبي المتبادل.

ماكرون أكد عزم فرنسا على مساعدة أوكرانيا في الحفاظ على سيادتها وسلامة أراضيها خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم 28 يناير 2022. وفي ذات الوقت، تحدث إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل التوسط بين الطرفين. وهي خطوة وضعت الزعيم الفرنسي على وجه التحديد في المكان الذي يسعى فيه إلى أن يكون قبل الانتخابات الرئاسية (أبريل 2022) في نقطة ارتكاز دبلوماسية الأزمة بشأن مستقبل أوروبا.

إن الوضع الحالي يبرز مدى التعقيد الذي سيكون عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمنح أوروبا “استقلالية استراتيجية” كما أعلن خلال مؤتمر صحفي في ديسمبر 2021 إنه يريد أن يجعل “أوروبا قوية في العالم، وذات سيادة كاملة، وحرة في خياراتها وسيد مصيرها”. وذلك بمناسبة تولى فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر حتى يونيو 2022 .

التوسط في الأزمة الأوكرانية، قد تكون فرصة لفرنسا في صراعها القيادي مع ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، فهي منخرطة في بعض المبادرات لتبني أدوار دبلوماسية في الأزمة، أهمها محادثات “صيغة النورماندي”، التي شارك فيها ممثلو ألمانيا وروسيا وأوكرانيا وفرنسا منتصف عام 2014.

خلال خطابه أمام البرلمان الأوروبي في 19 يناير2022، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاتحاد الأوروبي إلى وضع اللمسات الأخيرة على اقتراح للتفاوض مع روسيا، قائلاً “يجب أن تقودنا الأسابيع القليلة القادمة إلى تحقيق اقتراح أوروبي يبني نظاما جديدًا للأمن والاستقرار. يجب أن نبنيها بين الأوروبيين، ثم نشاركها مع حلفائنا في إطار حلف شمال الأطلسي. ثم اقترحه على روسيا للتفاوض”.

منذ بداية رئاسته، دفع ماكرون برؤيته لأوروبا القوية مما جعل ثقلها محسوساً على الساحة الدولية، ووعد أنه في دوره كقائد لفرنسا سيبذل قصارى جهده لتحقيق ذلك. وفي خطاب تاريخي ألقاه في جامعة السوربون بباريس في سبتمبر 2017، حدد خطة من ستة ركائز يسميها “مفاتيح” لإصلاح أوروبا وجعلها “ذات سيادة وموحدة وديمقراطية”، وهو على استعداد للمراهنة بإعادة انتخابه بناءً على هذا الوعد. وفي مواجهة انعزالية ترامب، دعا ماكرون في خطاب رئيسي في عام 2019 إلى إنهاء “النزاعات المجمدة” مع روسيا.  وفي حديثه إلى أعضاء البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ في 18 يناير 2022، قال إن خطة الأمن والاستقرار “يجب أن تُبنى أولاً بين الأوروبيين، ومن ثم تقاسمها مع حلفاء الناتو”. ومن هنا جاءت المكالمة الهاتفية مع بوتين، وهي مكالمة قد تثير توتر بايدن والأمريكيين، حيث أن المعنى الضمني هو أن حل الأزمة الأوكرانية يمكن أن يتم خارج الناتو وبالتالي خارج أمريكا.

وبالفعل، جاءت هذه المحاولة الفرنسية أحادية الجانب لحل الأزمة الأوكرانية على رأس اجتماع “صيغة نورماندي” الذي عقد في باريس، في 26 يناير 2022، وهو منتدى غير رسمي يجمع بين المتنافسين الرئيسيين روسيا وأوكرانيا مع فرنسا وألمانيا في دور صانعي السلام. هذه هي المرة الأولى التي تُعقد فيها مثل هذه المحادثات – التي جرت بصفة استشارية – منذ عام 2019، وهي أيضاً المرة الأولى منذ بدء الحشد العسكري الأخير لموسكو على الحدود الأوكرانية. حسبما جاء في “DW”.

الهدف الفرنسي من الأزمة واضح: “وقف التصعيد”، وهي كلمة كثيراً ما تتكرر. ويبدو أن النهج الدبلوماسي الفرنسي الأكثر هدوءً يؤتي ثماره، حيث أدت المحادثات الرباعية إلى تجديد وقف إطلاق النار في الحرب في شرق أوكرانيا، إذا تبين أن الرئيس قد لعب دوراً مركزياً في تحقيق ذلك، فإنه بذلك سيُعزز موقعه في الانتخابات، حيث يحظى حالياً  بما بين 24 و27% من نوايا التصويت (المنشورة على “فرانس 24” في يناير 2022)، مع تقدّم بعشر نقاط على منافسيه الرئيسيين.

دوافع تجنب التصعيد

يتضح من الاعتبارات سابقة الذكر، أن ما يريده ماكرون من استراتيجيته الدبلوماسية في التعامل مع الأزمة الأوكرانية-الروسية، هو تطوير قدرة دفاعية أوروبية قوية، ونظام استقرار جديد تشارك فيه روسيا. فمن مصلحة أوروبا تطوير حوار مع روسيا وتجنب تعزيز الشراكة الروسية الصينية.  إن محاولة ماكرون لإعطاء تجسيد سياسي لصيغة “ركيزة الاتحاد الأوروبي داخل الناتو”، التي لا يزال يدافع عنها، لا تتعلق باستبدال حلف شمال الأطلسي- الناتو ، بل تتعلق بجعل الأوروبيين يؤمنون لأنفسهم مكاناً على طاولة المفاوضات الكبيرة.

فيما يُعد أهم الدوافع لتجنب فرنسا سياسة المواجهة مع روسيا يتعلق بالانتخابات الرئاسية التي ستجرى في أبريل 2023. سيكافح إيمانويل ماكرون، الرئيس الحالي في منصبه، الآن للعودة إلى منصبه للمرة الثانية، مع تراجع شعبيته في السنوات الأخيرة. لذلك، لا يريد ماكرون اتباع سياسة محفوفة بالمخاطر والهزيمة في الانتخابات. علاوة على ذلك، لا يمكن لفرنسا أن تشارك بشكل مباشر في هذه الأزمة وأن تواجه روسيا وجهاً لوجه كقوة سياسية وعسكرية كبرى.

بالإضافة لما سبق، تحاول فرنسا إلى جانب ألمانيا تجنب التصعيد ضد روسيا بسبب تمتعهما بعلاقات تجارية عميقة مع روسيا، وسيعانيان من الآثار المترتبة على أي عقوبات. فقد يؤدي تهديد بوتين بقطع الغاز عن أوروبا إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل أكبر، ودفع التضخم، وتقويض الانتعاش الاقتصادي في أوروبا. بشكل عام، توفر روسيا حوالي ثلث استهلاك الغاز الطبيعي في أوروبا، والذي يستخدم للتدفئة الشتوية بالإضافة إلى توليد الكهرباء والإنتاج الصناعي. كما يلجأ الاتحاد الأوروبي أيضًا إلى روسيا لأكثر من ربع وارداته من النفط الخام، أكبر مصدر منفرد للطاقة في الاتحاد. وبينما تحصل فرنسا على معظم احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة النووية لكنها لا تزال تعتمد على الواردات الروسية لتلبية احتياجاتها من الوقود الأحفوري. وفقاً لتقرير لـ”مجلس العلاقات الخارجية” بعنوان “دور روسيا في مجال الطاقة في أوروبا: ما هو على المحك في أزمة أوكرانيا”.

 يصف الكثير من المحلّلين الموقف الفرنسي الداعي إلى الحوار ورفض الدولة الألمانية بيع السلاح لأوكرانيا بـ”المتردّد”، يمكن القول إن هذا الوصف يفتقر إلى فهم الرؤية الأوروبية لكيفية التعاطي مع الجار اللدود، فالخيارات الأوروبية أضيق بكثير من نظيراتها الأميركية في هذا الملف، إذ إن مواجهة الدولة الروسية على الأراضي الأوكرانية، وبالتالي الأوروبية، ستكون مكلفة أكثر للجانب الأوروبي مقارنة بالجانب الأميركي.

دبلوماسية حذرة

لم تترك فرنسا القضية للدبلوماسيين فحسب، بل تُعيد التأكيد على تهديد روسيا بالرد في حالة اعتداء الأخيرة على أوكرانيا. وبهذا الصدد، يقول إيمانويل بون، المستشار الدبلوماسي والأمن القومي للرئيس الفرنسي في حديث لـ “إذاعة NPR ” في 21 يناير2022: “في حالة الاعتداء على أوكرانيا، سنرد بقوة شديدة، لكن قبل الوصول إلى هذه النقطة، نحتاج إلى استخدام جميع أدوات الدبلوماسية، ونعتقد أنه لا يزال لدينا مساحة وقدرة كافية لممارسة الدبلوماسية “.

وهو ما يتوافق مع ما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحفي عقب محادثاته مع المستشار الألماني أولاف شولتز في برلين يوم 25 يناير 2022، إن فرنسا وألمانيا مستعدتان لمواصلة الحوار مع روسيا، لكن إذا هاجمت موسكو أوكرانيا، فإنهم يعدون لرد مشترك، و”سيكون الثمن باهظاً”.

في هذا السياق، اقترحت فرنسا قيادة قوة تابعة لحلف شمال الأطلسي في رومانيا كإجراء ضمان، حيث أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي في تصريح وفقاً لـ “يورونيوز” في 29  يناير2022 أن بلادها تنوي إرسال عدة مئات من الجنود إلى رومانيا في إطار نشر محتمل لقوات من حلف شمال الأطلسي وأوضحت أن الأمر يتعلّق بالطمأنة في إطار تحالف دفاعي.

وإذا كان الاتحاد الأوروبي – ومن ضمنه فرنسا وألمانيا- سوّق لإمكانية فرض عقوبات على الدولة الروسية، في حال قيامها بأي عمل يهدد سيادة الدولة الأوكرانية، فإنَّ تقييم هذا الموقف يندرج في خانة إظهار التكافل الأوروبي في الدفاع عن حدوده الشرقية، ومحاولة حث الدولة الروسية على تبني خيارات يصنفها الاتحاد الأوروبي خيارات عقلانية. ولذلك، إنَّ الفرق سيظهر شاسعاً بين المسارين الأوروبي والأميركي لفرض العقوبات.

**

أمن دولي ـ أزمة أوكرانيا، خلفيات الموقف البريطاني

تزايد قلق الولايات المتحدة والناتو ودول أوروبا، من تحشيد موسكو مايقارب مائة الف جندي عند حدودها مع أوكرانيا، المخاوف تأتي خشية تكرار سيناريو توغل موسكو في جزيرم القرم عام 2014، وحينها وضعت موسكو الولايات المتحدة والناتو أمام أمر الواقع. بعض المراقبين حذروا بإن موسكو ممكن ان تقوم بعمليات عسكرية واسعة ضد أوكرانيا مع مطلع شهر فبراير 2022 .

تشير الحقائق خط المواجهة إلى أن العديد من الأوكرانيين يتوقعون أن تأتي بريطانيا و(الولايات المتحدة) لمساعدتهم، بما في ذلك عسكرياً، إذا تحركت روسيا أكثر في دونباس. وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس تجلس على دبابة وتحذر بوتين من ارتكاب “خطأ استراتيجي”. وزير الدفاع ، بن والاس، يسخر من بوتين مع المدمرات التي تحلق في أعلى وأسفل ساحل القرم. وجونسون يرسل إلى أوكرانيا بعض الصواريخ المضادة للدبابات.

وكانت واشنطن وحلفاؤها في الناتو قد حذرت خلال الأشهر الماضية، من تحرك القوات الروسية إلى المنطقة الحدودية الأوكرانية، مُلوحة بعقوبات شديدة على الاقتصاد الروسي إذا حصل أي غزو للأراضي الأوكرانية، وعلي الرغم من نفي موسكو وجود أي نية للاجتياح، إلا أنه هناك  عشرات آلاف العناصر من القوات العسكرية الروسية تحتشد على الحدود.

ويقف الاتحاد الاوروبي إلى جانب أوكرانيا في أزمتها الحالية، حيث حذرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا روسيا من شن هجوم على أوكرانيا، وأعلن الأتحاد الأوروبي أنه مستعد لفرض عقوبات على روسيا، من ضمنها عقوبات اقتصادية لها تأثير سياسي علي روسيا وتقوم بريطانيا بدور فعال تجاه الأزمة الأوكرانية حيث تقف بقوة وحزم مع الحكومة الأوكرانية، وذلك من خلال القيام بإتخاذ الإجراءت والزيارات وإجراء الاتصالات، بالأضافة إلى إمداد أوكرانيا بالأسلحة الدفاعية العسكرية، مما أدي الي ارتفاع منسوب التوتر السياسي بين روسيا وبريطانيا على خلفية الأزمة مع أوكرانيا. 

دور بريطانيا تجاه أزمة أوكرانيا

علي الرغم من خروج المملكة المتحدة الأن من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها ليست خارج القارة الأوروبية، وتسعي المملكة المتحدة إلى تقديم الدعم السيبراني والاستخباراتي والعسكري إلى أوكرانيا، وتزود الأوكرانيين بالأسلحة الدفاعية والتدريب، وكذلك تعمل على نشر القوات العسكرية والأسلحة والسفن حربية والطائرات المقاتلة في أوروبا، إلى جانب ذلك تعمل المملكة المتحدة من خلال شبكة دبلوماسية بهدف الوصول إلى الحل الأمثل للأزمة الأوكرانية.

المواقف التي اتخذتها بريطانيا تجاه الأزمة الأوكرانية

أعلن نائب وزير الدفاع البريطاني جيمس هيبي يوم 19 يناير عام 2022، إن بلاده سلمت أوكرانيا عدة آلاف من الصواريخ الخفيفة المضادة للدبابات، وأضاف هيبي أنه تم تزويد القوات المسلحة الأوكرانية بآلاف الصواريخ الخفيفة المضادة للدبابات وكذلك صرح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوم 24 يناير عام 2022 بأن بريطانيا تسبق غيرها في وضع حزمة من العقوبات الاقتصادية لمواجهة روسيا، وأنها تمد أوكرانيا بالأسلحة الدفاعية، وتقف بحزم وثبات مع شعبها.

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أعلن  يوم 29 يناير عام 2022 أن بلاده ستقترح على حلف شمال الأطلسي نشر قوات وأسلحة وسفن حربية وطائرات مقاتلة في أوروبا، في إطار عملية انتشار عسكري كبيرة، رداً على تصاعد “العداء الروسي” تجاه أوكرانيا، واعتبر رئيس الوزراء البريطاني أنه إذا اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “إراقة الدماء والدمار” في أوكرانيا، فسيكون ذلك “مأساة لأوروبا”، قائلاً إن “أوكرانيا يجب أن تكون حرّة في اختيار مستقبلها.

أعلنت الخارجية البريطانية  يوم 30 يناير عام 2022  أنها ستسحب بعض موظفيها وأقاربهم من سفارتها في أوكرانيا رداً على «التهديد الروسي المتصاعد» باجتياح كييف. وقال بيان الحكومة البريطانية وفقاً لـ”اندبنتنت عربية” يوم 30 يناير عام 2022 :”لطالما كانت المملكة المتحدة من أشد الداعمين للسيادة الأوكرانية، ومنذ عام 2015 دربت القوات المسلحة البريطانية أكثر من 22 ألف جندي أوكراني للدفاع عن أنفسهم”

وعرضت بريطانيا بتاريخ 31 يناير 2022 إن المملكة المتحدة قامت بنشر قوات برية وجوية وبحرية لتعزيز الدفاع عن دول الناتو على حدودها الشمالية والشرقية مع اشتداد التوترات بشأن الطموحات العسكرية الروسية في أوكرانيا. وأكد وزير الدفاع البريطاني “بن والاس” على أنه من المهم نزع فتيل الأزمة الروسية الأوكرانية، إذ أن نشوب حرب قد يقود إلى زعزعة الاستقرار بدرجة أكبر ورفع أسعار الوقود وزيادة تدفقات المهاجرين. وأبدى والاس دعمه للجهود الدبلوماسية مع روسيا، من ضمنها الزيارة التي يعتزم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان القيام بها لروسيا، لإجراء محادثات مع الرئيس فلاديمير بوتين، وأضاف أنه “يتعين علينا خفض التصعيد والوقوف إلى جانب حق أوكرانيا في السيادة على أراضيها”. بالأضافة إلي أن المندوب البريطاني قد صرح خلال جلسة مجلس الأمن الدولي بشأن أوكرانيا المنعقدة يوم 31 يناير عام 2022 “أن بلاده تسعى للحوار مع روسيا ومستعدون لمعالجة شواغلها الأمنية”.

قام رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون”، في 1 فبراير عام 2022 بزيارة إلى أوكرانيا لإجراء محادثات مع الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي”، حذر من خلالها روسيا حال التفكير في غزو أوكرانيا، مشدداً على ضرورة الحل الدبلوماسي وتقديم دعم سيادة أوكرانيا في مواجهة أولئك الذين يسعون إلى تدميرها . كما أعلنت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس يوم 1 فبراير عام 2022 أنّ الحكومة ستتقدّم بمشروع قانون يشدّد حزمة العقوبات التي يمكن لبريطانيا أن تفرضها على موسكو في حال شنّ الكرملين هجوماً عسكرياً ضد أوكرانياً، محذّرةً من في الكرملين بأنه “لن يكون لديهم مكان للاختباء”.

إن الحرب في منطقة دونباس الأوكرانية التي تمزقها الصراعات أصبحت قريبة جدًا، وشيكة وربما حتمية. وبدون شك ان اي غزو روسي محتمل الى أوكرانيا إن يمكن أن يؤدي إلى صراع على نطاق لم نشهده في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. شكلت أوكرانيا مع بيلاروسيا   لقرون مركزًا خارجيًا لموسكو في مواجهة السياسات المضطربة دائمًا في أوروبا الغربية. لكن بوتين كرر أيضًا التزامه بتسوية مينسك 2 التي تهدف إلى إنهاء القتال في دونباس ، بوساطة مع كييف في عام 2015 بين فرنسا وألمانيا ولكن لم يتم تنفيذها مطلقًا.

**

أمن دولي ـ أزمة أوكرانيا، المحور الفرنسي الألماني ومساعي للخروج من الأزمة

تعيش القارة الأوروبية حالة من القلق بسبب تصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما ينذر بتعمق أزمات جديدة في أوروبا. وتتصاعد التوترات في منطقة شمالي البحر الأسود مع زيادة روسيا لأنشطتها العسكرية على الحدود الأوكرانية والدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، التي زادت مؤخراً من شحنات الأسلحة المرسلة لدعم أوكرانيا.

القلق الأوروبي لايشمل دولة بعينها بقدر مايشمل دول أوروبا بدون إستثناء، وكأن دول أوروبا اليوم تعيش حالة “الحرب الباردة من جديد”. وهذا ماعبر عنه جوزيب بوريل، مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والسياسة الخارجية، بالقول بأن الأزمة الأوكرانية الحالية هي “أسوأ أزمة في أوروبا” منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

الأزمة الروسية الأوكرانية

تصاعد التوتر التوتر العسكري والدبلوماسي بين البلدين عامي 2021 و 2022 واشتد في خريف عام 2021 عندما أفاد مسؤولون أوكرانيون أن الحكومة الروسية وضعت 100 ألف جندي بالقرب من الحدود مع أوكرانيا.  أصدرت الإدارة الروسية خلال شهر ديسمبر 2021  قائمة مطالب تجاه الدول الغربية ، كان أحدها ضمانة ملزمة قانوناً بأن منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لن تتوسع إلى الشرق.

وعُقدت محادثات متعددة على المستوى الدولي، بمشاركة الناتو والولايات المتحدة في يناير 2022 ، قدمت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ردوداً مكتوبة على مطالب روسيا، وحثت على استخدام الوسائل الدبلوماسية لحل النزاع.  أعادت الولايات المتحدة تأكيد إلتزامها بمبدأ “الباب المفتوح” لحلف شمال الأطلسي، والذي بموجبه وافق حلفاؤها في قمة بوخارست عام 2008 على انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الكتلة في مرحلة ما.

روسيا مواقف وردود أفعال

صرح بوتين في 30 نوفمبر 2021، أن توسيع وجود الناتو في أوكرانيا، وخاصة نشر أي صواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب المدن الروسية أو أنظمة الدفاع الصاروخي المماثلة لتلك الموجودة في رومانيا وبولندا، ستكون مسألة “خط أحمر” لروسيا.

وفي هذا السياق، التقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في 2 ديسمبر 2021 ونفى الكرملين مراراً وتكراراً أن يكون لديه أي خطط لغزو أوكرانيا. ونفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه المخاوف ووصفها بأنها “مثيرة للقلق”. اتهم وزير الخارجية سيرجي لافروف تحالف شمال الأطلسي العسكري بالتصرف بطريقة هجومية. وقال نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي، خلال يناير 2022،  إن فكرة تهديد روسيا إلى أوكرانيا “كانت سخيفة تماماً” وأضاف: “لا نريد الحرب ولسنا بحاجة إلى ذلك على الإطلاق”.

وعلق الكرملين يوم 22 يناير 2022 بالقول: انه لا توجد “أرضية كافية للتفاؤل” لحل الأزمة بشأن أوكرانيا بعد أن رفضت الولايات المتحدة المطالب الرئيسية لروسيا، لكن هذا الحوار لا يزال ممكناًً.

صيغة “نورماندي”

تسعى ألمانيا إلى إحياء “صيغة نورماندي” الرباعية، التي تضم طرفي الأزمة روسيا وأوكرانيا بوساطة فرنسا وألمانيا، في محاولة لنزع فتيل حرب يرها البعض قريبة الاندلاع أطراف الصراع الأوكراني والوسطاء حول طاولة واحدة، عُقد الاجتماع الأول من هذا النوع في 6 يونيو 2014 في النورماندي بشمال فرنسا.

إتفاقية “مينسك “

وقعت رباعية روسيا واوكرانيا وألمانيا وفرنسا خلال شهر فبراير 2015 إتفاق مينسك في العاصمة البيلاروسية مينسك، الاتفاقية نصت على إيجاد طريقة  لنزع فتيل النزاع من خلال وقف إطلاق النار وسحب الأسلحة الثقيلة تحت إشراف منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والاتفاق على الدخول في حوار ووضع آليات لإجراء الانتخابات المحلية في أوكرانيا، تبادل الأسرى وتقديم المساعدات الإنسانية وغير ذلك.

 ألمانيا بين “المطرقة والسندان”

ذكرت صحيفة، “Süddeutsche Zeitung” يوم 03 فبراير 2022 أن المستشار الألماني، أولاف شولتس، ينوي زيارة روسيا يوم 15 فبراير في سياق التوتر حول أوكرانيا وأن شولتس سيصل إلى موسكو بعد زيارات مرتقبة إلى كل من واشنطن وكييف حيث سيجري محادثات ترتكز على تسوية الأزمة الأوكرانية. مشدداً على أن ألمانيا تتعاون بشكل نشط مع الحلفاء حول الملف الأوكراني. وسبق أن أكد شولتس رفض بلاده بيع أي أسلحة فتاكة لأوكرانيا، لكنه جدد استعداد ألمانيا للمشاركة في رد غربي موحد على “الغزو المحتمل لأوكرانيا من قبل روسيا”.

أعلنت ألمانيا بأن أي غزو لأوكرانيا ستكون له عواقب خطيرة على روسيا، مشيرة إلى عقوبات قد تستهدف خط أنابيب “نورد ستريم 2” المخصص لإيصال الغاز الروسي إلى أوروبا. وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك للبرلمان “نعمل على حزمة عقوبات قوية” مع الحلفاء الغربيين تغطي جوانب عدة “بما يشمل نورد ستريم 2”. أمن أوروبا- الأزمة الاوكرانية، ماذا عن الموقف الألماني؟

فرنسا ـ خطوات نحو خفض التصعيد

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون،  يوم 03 فبراير 2022 ، أنه سيتوجه إلى موسكو في محاولة لإيجاد حل دبلوماسي وقال ماكرون “أنا قلق بشدة بإزاء الوضع على الأرض”. وأضاف أن “الأولوية بالنسبة لي في شأن القضية الأوكرانية والحوار مع روسيا تكمن في احتواء التصعيد وإيجاد السبل السياسية للخروج من الأزمة، وهذا يستدعي القدرة على المضي قدما على أساس اتفاقات مينسك”. أمن أوروبا – عودة الأزمة الاوكرانية، أي دور لفرنسا؟

**

التقييم 

– إن المعطيات الجارية تفرض على الاتحاد الأوروبي الخروج من عباءة “القوة الناعمة” التي تقتصر على الجوانب الاقتصادية والتجارية إلى أن يصبح  “قوة صلبة” من الناحية الجيوسياسية. يتطلب هذا التحول الوصول إلى إجماع أوروبي بالغ أهمية وتجاوز الخلافات بين بلدان الاتحاد. ولا يزال هناك تباينا في رؤى دول الاتحاد الأوروبي حيال التهديدات التي يواجهها التكتل فعلى سبيل المثال لا يساور إيطاليا نفس القلق الذي ينتاب بولندا حيال الوضع الأمني ​​شرقاً.

تُعد ألمانيا هي نقطة الوصل بين دول أوروبا ووالولايات المتحدة الأمريكية من منظور واشنطن، في الوقت الذي تتمتع العلاقات الألمانية الروسية ببعض الاستقرارفهناك تبادل اقتصادي وثقافي وعلمي  كبير فالإدارة الأمريكية  تريد فرض عقوبات قاسية على موسكو في حالة غزو أوكرانيا.

لكن برلين تضغط لعدم فرض عقوبات قاسية بسبب قلقها الشديد من العواقب الاقتصادية التي يترتب عليها الضرربإمدادات الطاقة واحتياجاتها من الغاز من موسكو لاسيما أن برلين تستورد من روسيا (40%) من حاجتها من النفط و(50%) من الغاز الطبيعي. فيبقى الخيار الدبلوماسي هو المرجح، لأن كل الأطراف تدرك جيداً نتائج وتداعيات الحرب، فمن المرجح أن يؤدي أي غزو إلى فرض عقوبات دولية فقط جديدة على روسيا.

**

تبدى فرنسا موقفاً وسطياً فى علاقاتها مع روسيا؛ ففى الوقت الذى تتخذ فيه تجاهها موقفاً حازماً وتساهم فى فرض العقوبات الدولية عليها؛ فإنها تشجع موسكو فى الوقت ذاته على إبداء مواقفها بشأن القضايا الدولية المختلفة.

تسير فرنسا ماكرون على خط حساس، يريد أن يُظهر أن لأوروبا دوراً أساسياً تلعبه في نزع فتيل الأزمة، وإثبات قيادته الأوروبية لناخبيه، والتأكد من أن ألمانيا والعديد من الدول الأوروبية المتشككة تدعم رؤيته الاستراتيجية الطموحة.

الدعوات الفرنسية إلى البحث عن استقلالية القرار الأمني الأوروبيّ لا تُعبر عن  ترف الاستقلال عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، إنّما تشكّل ترجمة لاختلاف المعايير والمصالح الاستراتيجية التي ظهرت منذ احتلال العراق، والإنسحاب من افغانستان، والتي يمكن القول أنها لن تلتقي مع انتهاء الأزمة الأوكرانية.

**

إن طبيعة العلاقات مابين موسكو ولندن ـ الحرب الباردة والتجسس والهجمات السيبرانية ـ  تضرب بتداعياتها على الموقف البريطاني المتمثل، وقوف بريطانيا بشدة الى جانب أوكرانيا. بريطانيا مازالت حاضرة في” أزمة أوكرانيا” داخل الناتو وحليف واشنطن، ماعدا ذلك هي تعتبران أمنها لايتجزأ من أمن أوروبا، وربما هذا وراء الأندفاع البريطاني في هذه الأزمة، عكس بقية دول أوروبا، خاصة ألمانيا و فرنسا، التي كانت دما تدعو الى إعتماد اتفاق “نورماندي” ولعب دور سبه وسيط بالأزمة. لكن ربما طرأ تغيير نسبي في الموقف البريطاني عندما شجعت بريطانيا تبادل الزيارات، وهذا ممكن ان يعمل على خفض حدة التوتر بين الأطراف.

يُعد من أهم أسباب اهتمام بريطانيا بالأزمة الأوكرانية هو أن الأمر يتعلق بالهيكل الأمني ​​الأوروبي بأكمله، فقد تبدو الحلول حول الأزمة الاوكرانية معقدة بعض الشئ، ولا يمكن لأحد أن يدّعي استحواذ الفوز، وليس من مصلحة الأطراف المتصارعة تأجيج النزاعات التي تؤدي إلى مزيد من الانقسامات.

الحل الأقل تكلفة لتلك الأزمة يتمثل في الطرق الدبلوماسية بين الأطراف الداخلة في الأزمة كافة، ذلك بأنه لا يمكن أن يكون هناك بديل للدبلوماسية والحوار فى حل الأزمة الأوكرانية، والتسوية السلمية للنزاع الدائر حالياً مع روسيا، وتهدئة الوضع من خلال سحب قواتها المتمركزة على طول الحدود بين البلدين، وكذلك تجنب اراقة الدماء، وتكثيف الجهود للتواصل الي الحلول الدبلوماسية لمواجهة هذه الأزمة.مايحصل الأن هو تصعيد عسكري مابين موسكو والناتو، ولكن يمكن ان يكون هذا التصعيد من أجل رفع سقف مطالب الطرفين، وهناك ميول لتجنب الحرب واعتماد الحوار.

**

تسعى فرنسا من خلال رئاستها الى الاتحاد الأوروبي، ربما لعب دور الوسيط اكثر ماتكون الى جانب الولايات المتحدة، وذلك من خلال العودة الى صيفة نورماندي الرباعية، لكن مهمة الرئيس الفرنسي ، يمكن وصفها وبالتوازي مع مساعي، المستشار الألماني  ـ هو الأخر أعلن بأنه سيعمل بزيارة إلى واشنطن وموسكو وكييف ـ  من أجل خفض حدّة التوتر وإيجاد حوار، وهي أيضاً مهمة غير سهلة، لكن وجود رؤية ألمانية فرنسية مشتركة أو متقاربة، ممكن أن تكبح اندفاع واشنطن وتخفض من تحشيد الناتو في البحر الأسود، وليس مستبعد أن تنجر بريطانيا إلى مساعي المحور الفرنسي الألماني، وتكمن الصعوبة بسبب طلب موسكو “الضمانات الأمنية” وحوار بناء مع الناتو مقابل رفض واشنطن والناتو.

ـ تعمل ألمانيا بالمشاركة مع فرنسا على تعزيز جهود للوساطة بين روسيا وأوكرانيا في سبيل نزع فتيل صراع قد تكون لها تداعيات مدمرة على أوروبا والمنطقة.  ويبدوأن موقف ألمانيا ليس بالوضع المستريح في هذه الأزمة، فهي بين تصعيد موسكو العسكري عند الحدود الأوكرانية من جهة، وإتجاه الحلفاء الغربيين للرد على موسكو من جهة أخرى. ولحسابات برلين اعتبارات سياسية أمنية واقتصادية يمكن وصفها بأنها صعبة جداً.

ـ تبقى موسكو وبرلين قريبة من بعضها البعض، بسبب عدة عوامل، الجغرافية والتاريخ والعامل الديموغرافي إلى جانب العامل الأقتصادي، رغم أن برلين ضمن الناتو، لكنها قريبة جداً من موسكو. وفرنسا هي الأخرى تشارك موسكو بالكثير من الملفات الإقليمية والدولية، أبرزها الملف السوري وأمن الخليج وملف ليبيا، بإستثناء ملف أفريقيا.

ـ بات متوقعاً، أن تبذل باريس و برلين مساعي أكثر، بإتجاه خفض التصعيد، على مستوى سياسي وكذلك عسكري عملياتي على الأرض، ويبدو أن ألمانيا سوف تكون هي الخاسر الأكبر أيضاً في حال إندلاع أي مواجهة عسكرية ضد موسكو، بسبب احتمالات توقف خط نورد ستريم 2 ومهما كان يبدو أن باريس وبرلين أقرب إلى موسكو من واشنطن.

رابط مختصر …..https://www.europarabct.com/?p=79746

*المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ المانيا  و هولندا

الهوامش

Why Germany’s Ukraine Approach Differs From Western Allies’
https://bit.ly/3IyDkR9

Ukraine: Blinken defends Germany after Kyiv criticises Berlin over Russia stance
https://bit.ly/3FYSsph

Germany vows financial aid for Ukraine after diplomatic row
https://politi.co/3qWlodi

Germany Has Little Maneuvering Room in Ukraine Conflict
https://bit.ly/3rV5HT4

Analysis: In Ukraine crisis, Germany faces tough decisions over Nord Stream 2
https://bit.ly/3qXeHYi

**

COLUMN-Ukraine-Russia crisis is now a complex global confrontation: Peter Apps
https://reut.rs/3IUzQZu

هل ما زالت “صيغة نورماندي” صالحة لحل الأزمة الأوكرانية؟
https://bit.ly/3IXRmfr

Emmanuel Macron Walks a Fine Line on Ukraine
https://nyti.ms/3ogqiQr

?Is France Making Its Own Russia Play
https://bit.ly/3rjhxr2

Russia, Ukraine agree to uphold cease-fire in Normandy talks
https://bit.ly/34rOPec

French diplomat talks about the stakes of the ongoing Ukraine conflict. https://n.pr/3HemmXY

Russia’s Energy Role in Europe: What’s at Stake With the Ukraine Crisis
https://on.cfr.org/3HlkSLx

Why are Germany and France at odds with the Anglosphere over how to handle Russia?
https://bit.ly/3B2b2w1

?Does France Have a Russian Policy
https://bit.ly/3ISoRzB

**

أزمة أوكرانيا: بوريس جونسون يحذر من أن الغزو الروسي لأوكرانيا سيكون “شيشاناً جديدة”
https://www.bbc.com/arabic/world-60106691

استنفار بريطاني في أوروبا الشرقية بمواجهة تصاعد “العداء الروسي” تجاه أوكرانيا
https://www.independentarabia.com/node/299026/

بريطانيا تسحب بعض الموظفين وأقاربهم من سفارتها في أوكرانيا
https://aawsat.com/home/article/3433056/

روسيا وأوكرانيا: هل تستعد القوات الروسية لغزو أوكرانيا؟
https://www.bbc.com/arabic/world-59450489 

جونسون بكييف لـ”دعم سيادة أوكرانيا” ولافروف يعلن موافقة واشنطن على “مناقشة” المخاوف الأمنية الروسية
https://www.france24.com/

بريطانيا: سلمنا أوكرانيا آلاف الصواريخ الخفيفة المضادة للدبابات
https://arabic.rt.com/world/1315967

**

Russia-Ukraine crisis 2021-2022 – statistics & facts
bit.ly/3AXCGdn

أزمة أوكرانيا.. ماكرون سيتشاور مع بايدن ولا يستبعد زيارة روسيا
arbne.ws/3J7euIy

Russia sees ‘little ground for optimism’ in US response on Ukraine crisis
bit.ly/3GmlTBS

2021–2022 Russo-Ukrainian crisis
bit.ly/3GwF8sm

 

 

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...