الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

ملف أزمة أوكرانيا وانعكاساتها على اقتصاديات أوروبا

أوكرانيا والاتحاد الأوروبي
يونيو 08, 2022

ملف أزمة أوكرانيا وانعكاساتها على اقتصاديات أوروبا

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والإستخبارات ـ المانيا  و هولندا

1 ـ أزمة أوكرانيا وتداعياتها على اقتصاديات ألمانيا

لم تقتصر تداعيات الحرب الأوكرانية على سياسات أوروبا الدفاعية فحسب، بل امتدت إلى النواحي الاقتصادية لاسيما في ظل عقوبات الغرب المفروضة على الاقتصاد الروسي ما يجعل القارة الأوروبية في حاجة ملحة للبحث عن بدائل عن وارادات الطاقة الروسية مع احتمالية استمرار الصراع الروسي – الأوكراني إلى أمد أطول.

وتأتي ألمانيا في مقدمة الدول الأوروبية المتضررة من الأزمة الأوكرانية نظرا لأن وارادات الغاز الروسي وصلت لنحو 55% والنفط الروسي إلى 48% من احتياجاتها، الأمر الذي يضع الحكومة الألمانية في مأزق لعدم تمكنها من الاستغناء عن وارادات الغاز الروسي بحلول عام 2024 إضافة إلى كونها أكبر شريك تجاري مع روسيا.

ـ التضخم وارتفاع الأسعار ـ أزمة أوكرانيا

رغم تحقيق الاقتصاد الألماني نموا واضحا خلال السنوات الماضية، إلا أن الأزمة الأوكرانية ألقت بظلالها على معدلات التضخم والأسعار التي وصلت إلى أرقام لم تصل إليها طوال الـ 4 عقود الماضية. وسجل مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني التضخم في شهر مارس 2022 نحو 7.3%، وفي فبراير 2022 تجاوز التضخم 5%، وزادت تكلفة الوقود إلى 25.8% على أساس سنوي والغاز الطبيعي بنسبة 35.7%، وزيت التدفئة بنحو 52.6% والكهرباء 13%. وتشير توقعات الاقتصاديين الألمان إلى استمرار ارتفاع معدلات التضخم لتصل إلى 6.1% الفترة المقبلة وانخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.2%.

وترى كبيرة الاقتصاديين لدى بنك التنمية الألماني ” كيه إف دابليو”، فريتسي كولر-غايب، أن تأثيرات الحرب ستؤدي لارتفاع مستمر في التضخم، وتتوقع الخبيرة لدى مجموعة “أليانز” الألمانية للتأمين كاتارينا أوترمول، نمو الاقتصاد الألماني العام الجاري بنسبة 1.8% وتضخم بنسبة 6% في المتوسط، بينما يستهدف البنك المركز الأوروبي وصول التضخم لـ 2% فقط.

نورد ستريم 2 ـ كيف تختبر واشنطن صبر ألمانيا وأوروبا

ونتيجة للعقوبات الاقتصادية على روسيا، ارتفعت أسعار السلع الغذائية مثل زيوت الطعام والقمح نظرا لأن روسيا وأوكرانيا لديهما أكثر من 14% من إنتاج القمح عالميا، وارتفعت أسعار زيوت الطعام والخبز والحليب والخضر ومواد البناء من الخشب والحديد أضعاف أسعارهم خلال شهر مارس 2021، ما يتسبب في أزمات مالية للذين تتراوح دخولهم ما بين 1000 إلى 1500 يورو شهريا، بحسب موقع ” دويتشه فيله” وبعد ارتفاع سعر البنزين بنسبة أكثر من 15% وسعر الديزل 30% خلال شهرين مارس وأبريل 2022، أطلقت الحكومة الألمانية برامج مساعدات وقروض لمواجهة الزيادة المتوقعة.

ويتضرر سوق العمل الألماني من وقف إمدادات الغاز الروسي لاحتمالية تراجع نسبة التوظيف في القطاعات الصناعية الأكثر اعتمادا على الطاقة، وفقدان عمال لوظائفهم في الشركات الكيميائية والثقيلة التي تصبح مجبرة على الإغلاق لتراجع الطلب على هذه الصناعات بحوالي 5% خلال شهر أبريل 2022، وانخفاض الطلب من خارج أوروبا بحوالي 13%، بحسب ما أعلنه الاتحاد الألماني في 1 مايو 2022.

وكشف الاتحاد عن انخفاض صادرات ألمانيا لروسيا إلى 57.5%، لتحتل روسيا المرتبة الـ 12 بدلا من الـ 5 في أسواق ألمانيا خارج أوروبا خلال مارس 2022. وتسبب ارتفاع الأسعار والتضخم بشكل مفاجئ وإقبال المستهلكين الألمان غير العادي على شراء السلع الغذائية بعد الحرب، إلى تراجع تجارة التجزئة في مارس 2022 بنسبة 0.1%، وتراجع تجارة الملابس والمنسوجات بنسبة 8.4%، وانخفاض مبيعات البنزين بنسبة 11.5%.

ـ انتقادات إلى ألمانيا من الداخل والخارج

بالهجوم الروسي على أوكرانيا تجددت الانتقادات إلى برلين لاعتمادها على مصادر الطاقة الروسية بشكل كبير واستمرارها في شراء الوقود الأحفوري الروسي، ما يخيف أوروبا من استغلاله كورقة ضغط في المفاوضات بشأن أوكرانيا خاصة وأن المورد الوحيد للطاقة لأوروبا هي شركة “غازبروم” الروسية المملوكة للدولة.

وتعالت الأصوات الرافضة لسياسات برلين الاقتصادية، مطالبة بضرورة مراجعة استراتيجيتها في تنويع مصادر الطاقة نظرا لتعارض المصالح مع موسكو، وإبرام اتفاقيات تجارة جديدة مع دول أخرى حتى تجد الشركات الألمانية بديل عن الشركات الروسية المصدرة لها البلاديوم والنيكل والكروم.

ورغم وقف الحكومة الألمانية مشروع خط الغاز ” نورد ستريم 2″ مع روسيا، إلا أن بولندا اتهمت الدولتين بعدم مراعاة مصالح دول العبور السابقة لخط الغاز لربط المشروع البلدين مباشرة وتجنب الطريق البري عبر أوكرانيا وبيلاروسيا، لاسيما وأن الموافقة على المشروع تمت بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم بأوكرانيا، النقطة التي سمحت للمسؤولين الأوكرانيين انتقاد ألمانيا بحدة لوصف سياسة ألمانيا تجاه روسيا بـ ” غير الحازمة” بعد منعها للاتحاد الأوروبي من تشديد العقوبات على قطاعات الطاقة الروسية.

ـ موقف المستشار الألماني من وقف واردات الطاقة الروسية

تباين موقف الحكومة الألمانية بشأن وقف وارادات الطاقة الروسية، حيث تبنى المستشار الألماني أولاف شولتز، في بداية الأزمة سياسة التهدئة بشأن العقوبات على الطاقة الروسية، وشدد خلال تصريحاته في 7 مارس 2022، على أن الفحم والنفط والغاز الروسي أساسيات لحياة الأوروبيين وأن أوروبا تعمدت استثناء إمدادات الطاقة من العقوبات، نظرا لأن 40% من احتياجات القارة العجوز من الغاز قادم من موسكو لذا العقوبات ستنعكس على اقتصاد الدول الأوروبية.

وربما كانت الضغوط السر وراء تحول موقف ألمانيا مؤخرا، لذا أبدى وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك في 7 مايو 2022، استعداد بلاده لحظر نفطي على روسيا وأنها ليست ضد القرار رغم ما يسببه من اضطرابات في الأسعار، وتعهد شولتز بعدم رفع العقوبات حتى التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا.

وجاءت هذه التصريحات تعليقا على اقتراح رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين، بشأن توقيع أشد حزمة عقوبات جديدة ضد روسيا والتخلص التدريجي من إمدادات النفط الخام الروسي خلال 6 أشهر والمنتجات المكررة بحلول نهاية عام 2022، ورغم أن موقف برلين مؤثر بشكل كبير داخل الاتحاد الأوروبي، إلا أن اعتراض المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك على المفاوضات عطل مسار العقوبات.

ـ ماهي البدائل عن الطاقة الروسية ـ أزمة أوكرانيا

تبحث ألمانيا عن مصادر أخرى للطاقة بعد إعلان خطتها لتقليل الاعتماد على واردات الطاقة الروسية إلى النصف بحلول الصيف المقبل، فما هي الخيارات المتاحة؟

الاعتماد على شركات طاقة ألمانية في إقامة 3 محطات للغاز الطبيعي المسال بمواقع محتملة في بحر البلطيق وبحر الشمال، وتوقع موقع ” شبيغل أونلاين” الألماني أن المحطات ربما تبدأ في شتاء 2022/ 2023 ويمكنها توريد 7.5 مليار متر مكعب من الغاز.

الاعتماد على مصادر أخرى مثل الولايات المتحدة التي تعتزم توريد 15 مليار متر مكعب من الغاز للاتحاد الأوروبي، وتصبح منطقة البحر المتوسط من المصادر المحتملة مثل الجزائر التي توفر نحو 10% من الغاز والنفط لأوروبا، إضافة إلى مصر وليبيا.

تصبح أفريقيا بديل آخر، وأعلن شولتز خلال زيارته للسنغال في 22 مايو 2022 عن تعاون بين البلدين لاستكشاف حقول غاز قبال سواحل الدول الواقعة غرب أفريقيا، بحسب موقع ” دويتشه فيله”.

إبرام اتفاقيات طويلة الأجل في قطاع الطاقة بين قطر وألمانيا في تجارة الغاز المسال والهيدروجين، رغم الاختلاف حول شرط الوجهة الذي يمنع الثانية من إعادة شحن الغاز لدول أخرى في أوروبا.

**

2 ـ أزمة أوكرانيا وتداعياتها الأقتصادية على فرنسا

بالتزامن مع الولاية الثانية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تتصاعد التحديات التي تواجه الاقتصاد الفرنسي جراء الحرب الروسية على أوكرانيا التي اندلعت في 24 فبراير 2022 ونتج عنها اختناق في سلاسل توريد السلع الغذائية والنفط ما أدى لارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية تدريجيا. وتعد خطوات تقليص نسبة التضخم ووقف ارتفاع أسعار السلع الغذائية والبنزين والغاز هي أكثر الإجراءات التي شدد عليها ماكرون خلال حملته الانتخابية لتفادي الأزمة الاقتصادية الراهنة، ما يجعل الحكومة الفرنسية الجديدة برئاسة إليزابيث بورن أمام معضلة حقيقة لتحقيق التوازن بين ضبط معدلات الإنفاق وتمويل هذه الإجراءات التي أقرها ماكرون وتعزيز القوة الشرائية ورفع الأجور للفرنسيين.

  التضخم وارتفاع الأسعار ـ أزمة أوكرانيا

لم تنجو فرنسا من تداعيات أكبر زيادة عالمية في الأسعار حدثت خلال نصف قرن، وحذر البنك الدولي من أكبر ارتفاع في أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، متوقعا زيادته بنسبة الضعف خلال عام 2022. وأشار مكتب الإحصاءات الفرنسي في 15 أبريل 2022، إلى ارتفاع معدل التضخم أكثر من المتوقع ووصل إلى مستوى قياسي خلال مارس 2022 بنسبة 5.1% مقارنة بشهر مارس 2021، وتعد هذه النسبة الأعلى منذ عام 1997 لذا اتجهت التوقعات إلى أن معدلات التضخم في منطقة اليورو تدفع إلى رفع معدلات الفائدة.

شهدت الأسواق الفرنسية زيادة في الأسعار هي الأعلى منذ فبراير 2020، حيث سجلت في فبراير 2022 زيادة بنسبة 0.6% وفي مارس 2022 زيادة بنسبة 1.1%. وأعادت الأزمة الاقتصادية الحالية التي يعيشها العالم بشكل عام وأوروبا على وجه الخصوص للأذهان أزمة النفط التي وقعت في سبعينيات القرن الماضي، حيث أكد وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، أن حدة أزمة الطاقة الراهنة الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط والغاز تشبه الصدمة النفطية التي وقعت في عام 1973، خاصة وأن سعر برميل النفط وصل 120 دولارا عقب حظر الولايات المتحدة النفط والغاز الروسيين.

وتتمثل تبعات هذه الزيادة في ارتفاع معدلات التضخم وزيادة معدلات الفائدة وانخفاض النمو الاقتصادي، ومن المتوقع عدم تجاوز نسبة النمو 0.2% في السداسي الثاني المقبل، ووصول التضخم 5.4% شهر يونيو 2022، بحسب المعهد الوطني للإحصائيات. ولجأت السلطات الفرنسية إلى إجراءات في مارس 2022، لخفض الضرائب المطبقة على الوقود بعد تصاعد سعر لتر البنزين إلى 2 يورو، بضخ مساعدات بقيمة ملياري يورو لدعم الطاقة وخفض فاتورة تعبئة خزانات السيارات في محطات تزويد الوقود بنحو 15 سنتيما للتر الواحد وتعويض أصحاب المحطات لاحقا فرق السعر.

 موقف الرئيس الفرنسي من وقف واردات الطاقة الروسية

اتسمت مواقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ اللحظة الأولى لتفاقم الصراع بين روسيا وأوكرانيا بالتوازن فيما يخص ملف وارادات الطاقة الروسية. وفي القمة الأوروبية المنعقدة في فرساي 25 فبراير 2022، أكد ماكرون على أن الحرب الراهنة أثبتت أن القارة العجوز بحاجة إلى أن تصبح قوة حقيقة ومستقلة في مجالي الطاقة والأمن. وقال ماكرون ” بينما أدين وأفرض عقوبات على روسيا، من المفيد ترك هذا الطريق مفتوحا للحوار مع موسكو حتى نتمكن في اليوم الذي تتوافر فيه الشروط من أجل التوصل إلى وقف الأعمال العدائية”.

وتشير هذه التصريحات إلى إدراك السلطات الفرنسية خطورة وقف إمدادات الغاز والنفط الروسي بشكل فوري على أوروبا، رغم المطالبات المتزايدة بضرورة فرض حظر كامل على وارادات الطاقة الروسية، الأمر الذي وضع ماكرون في محل انتقاد من قبل رئيس وزراء بولندا ماتيوس مورافيسكي، معتبرا محادثات ماكرون مع نظيره الروسي وموقفه من العقوبات الأوروبية ضد روسيا نقطة خلاف بين باريس ووارسو من بداية الحرب.

وعقب أحداث بلدة بوتشا الأوكرانية التي تتهم فيها موسكو بقتل مدنيين، جاء موقف باريس مغايرا بعض الشيء، وأعرب ماكرون في 4 أبريل 2022، عن تمنيه بأن تتوقف صادرات النفط والغاز الروسيين إلى أوروبا بشكل كامل. أما عن مقترح رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بشأن استهداف العقوبات حظر توريد الطاقة الروسية، أوضحت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية آن كلير لوغاندر في 29 أبريل 2022، أن الضغط على موسكو لا يتمثل فقط في الإمدادات العسكرية لأوكرانيا بل يجب أن يشمل أيضا العقوبات التي تستهدف ممارسة ضغط اقتصادي ضد روسيا.

ماهي البدائل عن الطاقة الروسية  ــ أزمة أوكرانيا

ترى السلطات الفرنسية أن الاستقلال التام في مجال الطاقة والتخلص بشكل تدريجيا من التبعية لموسكو في الغاز والنفط هو المخرج من المأزق الاقتصادي الراهن وحالة الركود التضخمي، لذا وجه وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، دعوته للفرنسيين والأوروبيين من أجل تنويع مصادر إمدادات الطاقة وزيادة احتياطات الغاز لفصل الشتاء المقبل بنسبة 90% بهدف حماية الأسر ذات الدخول المنخفضة.

وخلال القمة الأوروبية غير الرسمية التي انعقدت يومي 10 و11 مارس 2022، شددت فرنسا على أهمية اتخاذ قرارات بشأن الشق الاقتصادي للاتحاد لتعزيز استقلاليتها وسيادتها. وتتوافق رؤية فرنسا مع غيرها من دول الاتحاد الأوروبي بشأن أهمية خفض الانبعاثات عبر تسريع المفاوضات حول سياسات مكافحة تغير المناخ، لتقليل استهلاك دول الاتحاد للغاز الروسي ليصل 23% بدلا من 40% بحلول عام 2030.

يعد الغاز الحيوي بديل آخر للغاز الروسي بالنسبة لفرنسا لريادتها في إنتاج الميثان الحيوي أوروبيا، حيث يعمل قطاع الطاقة الفرنسي على زيادة إنتاج الغاز الحيوي ” الغاز الأخضر” باستخدام منتجات زراعية غير غذائية أو التحلل الحيوي للمواد العضوية وتشغيل محطات التحلل العضوي واستقطاب شركات الطاقة، خاصة وأنه مازال استهلاك الفرنسيين منه لا يتجاوز 2% من حجم استهلاك الغاز، بحسب صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية.

وأجبرت الحرب الأوكرانية كلا من فرنسا وإسبانيا على إعادة التفكير في خط أنابيب غاز ” ميد كات” الذي انطلق بين البلدين في عام 2003 لنقل الغاز من الجزائر عبر إسبانيا ومنها إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي، قبل أن يتوقف في عام 2019 لاعتراض بعض هيئات الطاقة على مطابقة المشروع للشروط البيئية.

**

3 ـ أزمة أوكرانيا وانعكاساتها على أوروبا وروسيا

منذ بداية الحرب الأوكرانية أصبحت العقوبات الاقتصادية أداة الغرب للرد على الخطوة الروسية تجاه أوكرانيا، حتى طالت العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا من جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة كيانات وأشخاص وبنوك إضافة إلى بعض السلع والصناعات الروسية. ولم يتوقف تأثير تلك العقوبات المشددة على الاقتصاد الروسي فقط، بل امتد إلى دول الغرب التي يصل نصف استهلاكها من النفط والبنزين ومصادر الطاقة الأخرى من روسيا. ومع تزايد أسعار السلع والطاقة تبحث أوروبا عن بديلة لـ 3.5 مليون برميل من النفط الروسي يوميا، خاصة مع تصاعد الرد الروسي على هذه العقوبات باشتراط دفع ثمن الغاز بالروبل الروسي وإيقاف صادرات 200 سلعة للدول الغربية حتى نهاية 2022.

حزمة العقوبات منذ بداية الحرب

قبل أن تطرح المفوضية الأوروبية في 11 أبريل 2022، حزمة العقوبات السادسة المتعلقة بحظر واردات الطاقة الروسية وإقصاء مصارف روسية من نظام ” سويفت” للمناقشة بين الدول الأعضاء، حظرت أوروبا بإجماع الأعضاء الـ 27 في الاتحاد واردات الفحم الروسي في إطار حزم العقوبات الـ 5 المفروضة على موسكو. وطبقت أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة في 25 فبراير 2022، عقوبات على كيانات اقتصادية ومؤسسات مالية روسية لفرض قيود على احتياطات روسيا من العملات الأجنبية والذهب المقدرة بنحو 630 مليار دولار.

وتتبنى كل من واشنطن ولندن موقف متشدد في العقوبات ضد موسكو مقارنة بأوروبا، حيث صعدت الأولى بحظر النفط والغاز الروسيين في 9 مارس 2022، كما أعلنت لندن وقف الاعتماد على واردات النفط الروسي تدريجيا بحلول نهاية عام 2022. ومنعت الدول الغربية الشركات والمواطنين لديها من إجراء أي تعامل مالي مع البنك المركزي الروسي ووزارة المالية وصندوق الثروة السيادي بروسيا، بجانب تجميد أصول البنك المركزي الروسي وإبعاد بعض البنوك الروسية من نظام “سويفت” لإعاقة موسكو من تحصيل عائدات بيع الغاز والنفط، وفقا لـ “شبكة بي بي سي” البريطانية.

واستهدف الاتحاد الأوروبي بعقوباته 70% من الأسواق المصرفية بروسيا والشركات الكبرى المملوكة للدولة الروسية، وشددت المملكة المتحدة قيود إيداع الروس أموالهم في البنوك البريطانية مع تجميد كافة أصول البنوك الروسية ومنع الشركات والحكومة بموسكو من الحصول على أموال من أسواق بريطانيا. وامتدت العقوبات إلى تجميد الغرب أموال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف إضافة إلى 8 مسؤولين روس وأكثر من 300 عضو بالبرلمان الروسي.

واتفقت بروكسل وواشنطن في 11 مارس 2022، على إلغاء وضع روسيا التجاري ” الدولة الأولى بالرعاية” التي تتمتع به في منظمة التجارة العالمية، بحسب وكالة ” الأنباء الألمانية” وردا على أحداث بوتشا الأوكرانية التي اتهمت فيها موسكو بارتكاب جرائم حرب، فرض البيت الأبيض في 6 أبريل 2022، عقوبات على أكبر مصرف روسي حكومي ” سبيربنك” وأكبر مصرف روسي خاص ” ألفا بنك”، مع منع كافة الاستثمارات الأمريكية في روسيا.

انعكاسات العقوبات على اقتصاديات أوروبا وروسيا

تأثرت أوروبا كثيرا بالعقوبات التي فرضتها على موسكو بارتفاع التضخم 7.5% لشهر مارس 2022، و5.9% لشهر فبراير 2022، وارتفعت أسعار المواد المستهلكة 7.5% في أبريل 2022 في منطقة اليورو، ما يدفع البنك المركزي الأوروبي لرفع سعر الفائدة، بحسب مكتب الإحصاء الأوروبي.وقال نائب المستشار ووزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، في منتدى دافوس الذي انطلق في 23 مايو 2022، ” لدينا 4 أزمات ما بين تضخم مرتفع وأزمة طاقة وفقر غذائي ومناخ” محذرا من حدوث ركود عالمي، لاسيما وأن الأزمة لم تلقي بصداها فقط على أسعار الطاقة والسلع الغذائية بل طالت أيضا قطاع السلع الفاخرة نظرا لأن الروس كانوا يشكلون ما بين 2%- 3% من عملائه.

ويعد الاقتصاد المجرى نموذجا لتضرر أوروبا من الوضع الراهن، حيث حذر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في 6 مايو 2022، من حزمة عقوبات جديدة بشأن الطاقة الروسية نظرا لعواقبها الوخيمة على اقتصاد بلاده. وردا على العقوبات الغربية حظرت روسيا في 9 مارس 2022، الفوائد عن المستثمرين الأجانب الذين يحملون سندات حكومية ومنعتهم من بيع الأسهم والسندات الروسية، ودفعت بعض الأثرياء الروس لتحويل مدخراتهم من الروبل للعملات المشفرة مثل ” البيتكوين” هربا من تداعيات العقوبات.

وامتد التصعيد بين الغرب وروسيا إلى وقف شركة غازبروم الروسية في 26 أبريل 2022، إمدادات الغاز إلى بلغاريا وبولندا لعدم التزامهما بشرط الدفع بالروبل، ما يزيد المخاوف من أن يشمل القرار دول أوروبية أخرى أو تخضع لشرط روسيا.ورغم تجميد نحو 300 مليار دولار من احتياطات روسيا بالعملات الصعبة بالخارج، أشارت وكالة ” بلومبيرغ الأميركية” في 12 مايو 2022، إلى أن الروبل الروسي أفضل عملة عالمية من حيث درجة التعزيز مقابل الدولار خلال عام 2022، منوهة إلى نمو الروبل بنسبة 11%، نتيجة الإجراءات التي اتخذتها موسكو للتصدي لمخاطر العقوبات واشتراطها دفع ثمن الغاز بالروبل.

بينما حذر معهد ” كيل للاقتصاد العالمي” من انخفاض في الناتج المحلي لروسيا بنسبة 3% في حال توقف تجارة الغاز، وانخفاض 1% في حال توقف تجارة النفط، وتسببت العقوبات في مارس 2022 في هبوط الروبل إلى أدنى مستوياته ما أدى لرفع معدل الفائدة إلى 20%، مع توقعات بانكماش الناتج المحلي الإجمالي الروسي إلى 11.2% خلال عام 2022.

قراء مستقبلية في العقوبات الاقتصادية

مع تصاعد الضغوط على الغرب لتشديد العقوبات الاقتصادية على موسكو لاسيما وأن البعض يرى أن حزم العقوبات التي وقعت على الاقتصاد الروسي لم تحقق المرجو منها حتى الآن، وأن العقوبات المنتظرة من أوروبا هي حظر واردات الطاقة الروسية بشكل كامل، يطرح السؤال نفسه إلى أي مدى تتجه العقوبات الأوروبية؟

وتصبح مسألة تشديد العقوبات أمر غير وارد في ظل معطيات المشهد الراهن من زيادة أسعار الطاقة والركود التضخمي، وصعوبة تخلي أوروبا عن النفط والغاز الروسيين في هذا التوقيت لعدم وجود مصدر بديل للطاقة الروسية بشكل دائم وارتباط بعض الشركات الأوروبية بعقود مع شركات روسية في مجال الطاقة، كما أن وقف إمدادات الطاقة فورا قد يضر ببعض الصناعات التي تقوم عليها خاصة بعد منع دول البلطيق ” إستونيا ولاتفيا وليتوانيا” استيراد الغاز بداية من أبريل 2022.

كما تتجنب ألمانيا وفرنسا فرض عقوبات صارمة رغبة في تهدئة الأوضاع بين الغرب وروسيا، نظرا لأن هذا القرار يعد تصعيد نوعي في الأزمة بعد أن شملت العقوبات مصادر بنكية روسية ومنعت تصدير بعض المنتجات الأوروبية إلى روسيا، الأمر الذي يهدد موسكو بالعزلة على المدى البعيد من جانب ويضر باقتصاديات دول الاتحاد بشكل غير مسبوق من جانب آخر. لذا ربما تكتفي أوروبا بإدراج أشخاص جديدة مقربة من الرئيس الروسي على قائمة العقوبات وإقصاء مصارف روسية جديدة من نظام “سويفت” والتلويح بورقة وقف إمدادات الطاقة الروسية كوسيلة ضغط فقط.

التقييم

تؤكد الحرب الأوكرانية ونتائجها من فرض عقوبات أوروبية ضد موسكو، على أهمية تغيير ألمانيا استراتيجيتها الاقتصادية وتنويع مصادر الطاقة، نظرا لأن البدائل المتاحة للغاز والنفط والفحم الروسي ليست مضمونة بشكل كافي لسد الفجوة أو ربما تفرض البدائل بعض الشروط التي تتعارض مع الاتحاد الأوروبي.

وتصبح ألمانيا أمام خيارين، الخيار الأول مقاطعة الغاز الروسي في حال إذا قررت فسخ عقود طويلة الأجل مع الشركات الروسية ومررت حزمة العقوبات الأوروبية الأخيرة ضد موسكو، ما يترتب على الاقتصاد الألماني عواقب وخيمة نظرا لأن العقود تلزمها بدفع ثمن الغاز حتى في حال التوقف عن شرائه.

والخيار الثاني يرتبط بقبولها شرط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن دفع ثمن الغاز بالروبل الروسي، ما يجعلها في موضع انتقاد جديد من قبل الشركاء الأوروبيين بعد أن صعدت روسيا من موقفها ضد بلغاريا وبولندا بوقف إمدادات الغاز لهما.

لذا من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الألماني مرحلة صعبة لاستمرار التصعيد في أوكرانيا وبالتالي استمرار ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية وتزايد معدلات التضخم، الأمر الذي يدفع برلين إلى اتباع إجراءات احترازية للحد من نسب البطالة وانهيار الصناعات التي تعتمد بشكل أساسي على الغاز والفحم، واتباعها سياسة ” مسك العصا من المنتصف” بين الغرب وروسيا لتحقيق توازن في الصراع الراهن وتجنب امتداد آثاره بشكل أوسع إلى الاقتصاد العالمي.

**

تصبح فرنسا أمام معضلتين، الأولى تتعلق باحتواء الأزمة الاقتصادية الداخلية من ارتفاع أسعار السلع والبنزين وزيادة معدلات التضخم التي تنعكس سلبا على بعض الصناعات في السوق الفرنسي ما يزيد من أعباء الفرنسيين ذات الدخول الضعيفة.

أما المعضلة الثانية ترتبط بتوليها الرئاسة الدورية الحالية للاتحاد الأوروبي وتحملها مسؤولية كبيرة لإدارة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها دول الاتحاد، فضلا عن إيجاد البدائل للتخلص من التبعية لروسيا في وارادات الطاقة بشكل كامل ونهائي بحلول عام 2030، لاسيما وأن بدائل الغاز والنفط الروسيين الآن سواء أمام فرنسا أو باقي دول الاتحاد ليست متاحة بالقدر الكافي نظرا لأن إعادة تشغيل بعض خطوط الغاز محفوف بالعوائق. ويلعب ماكرون دورا محوريا مهما في فتح قنوات الاتصال مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين من أجل تحجيم حدود الأزمة الأوكرانية الراهنة، قبل أن تمتد نيرانها إلى دول أخرى وتزيد من حدة تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية في ظل تهديدات موسكو لدول أوروبا بدفع ثمن الغاز بالروبل الروسي أم القطيعة.

**

تعيش أوروبا تحديات خطيرة خلال عام 2022، بداية من الإجراءات التي يجب اتخاذها للتعامل مع الزيادة المتوقعة في الأسعار والتضخم في منطقة اليورو، مرورا بإدارة ملف العقوبات الاقتصادية ضد موسكو وأبعادها، وصولا إلى تغيير سياساتها في ملف الطاقة وإيجاد بدائل سريعة للغاز والنفط الروسيين نظرا لأن الحرب الأوكرانية بدأت في أخذ منحى جديد تجاوز حدود العلاقات بين كييف وموسكو.

وتتوافق رؤية الدول الأوروبية على الإجراءات الواجب اتباعها من رفع سعر الفائدة، خاصة وأن برلين وباريس المحركان الرئيسيان بالاتحاد يتبعان سياسات حاسمة لمراعاة الفرق بين الأجور والأسعار.

بينما يظهر التباين في التعامل مع حزمة العقوبات السادسة على روسيا وحظر استيراد النفط والغاز منها، فألمانيا قاطرة الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي تتحفظ على هذه الاستراتيجية التي تهدد أمن الطاقة في القارة العجوز وتزيد من التوتر بين الغرب وروسيا، وتنضم إليها في الموقف كل من المجر والتشيك وسلوفاكيا خوفا من التداعيات السلبية على الاقتصاد الأوروبي ما يعرقل إقرار هذه العقوبات.

كما يصبح ملف استبدال الوقود الأحفوري الروسي ببدائل من مصادر متنوعة والاتجاه نحو الطاقة المتجددة، مهمة التكتل الأوروبي المرحلة المقبلة تفاديا لتكرار خطأ الاعتماد على موزع محدد للطاقة، رغم العراقيل التي تواجه هذه الخطوة فيما يخص بتمويل إعادة تشغيل بعض خطوط الغاز بين دول أوروبا وشروط العقود المتوقع إبرامها لاستيراد الغاز من مصادر جديدة.

 

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والإستخبارات

رابط مختصر للنشر ..https://www.europarabct.com/?p=82353

**

الهوامش

ألمانيا قادرة على وقف شراء الغاز الروسي – اقتصاد الشرق مع بلومبرغ

bit.ly/3msgPEF

في تحول عن موقفها.. ألمانيا تدعم حظر النفط الروسي على الفور – اقتصاد الشرق مع بلومبرغ

bit.ly/3tbrUxo

ألمانيا تتقدم نحو تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية!

bit.ly/3NUenT4

ألمانيا: مجموعة السبع ترفض دفع ثمن الغاز الروسي بالروبل

http://bit.ly/3x1dC3H

الاقتصاد الألماني وتحديات تضخمية نادرة تضعه على مفترق طرق

http://bit.ly/3tcczg7

**

الهوامش

الحرب في أوكرانيا: فرنسا تشبه أزمة الطاقة الحالية بـ”الصدمة النفطية” لعام 1973

http://bit.ly/3PZJVsg

الحكومة الفرنسية تضخ مساعدات بملياري يورو لتخفيف آثار ارتفاع أسعار المحروقات

bit.ly/3tcebqb

فرنسا: أهم الملفات التي تنتظر رئيسة الوزراء الجديدة إليزابيث بورن

bit.ly/3maQNp8

فرنسا: غاز حيوي للتخلص من التبعية للغاز الروسي بحلول 2030

bit.ly/3zbekhq

خلافات غربية حول حظر الطاقة الروسية.. أوروبا تبحث بدائل للاستقلال

bit.ly/3PWuxwQ

**

الاتحاد الأوروبي يبحث عن توافقات لحظر شراء النفط الروسي والمجر ترفض الاقتراحات

bit.ly/3GTwiHa

روسيا وأوكرانيا: ما هي العقوبات المفروضة على موسكو؟

http://bbc.in/3aFdQWH

“عقوبات مدمرة” على روسيا. واشنطن تستهدف ابنتي بوتين أيضا

http://bit.ly/3Nkmecw

عقوبات أوروبية جديدة ضد روسيا ومساعدات عسكرية لأوكرانيا

http://bit.ly/3GLusYB

الاتحاد الأوروبي يسعى للحفاظ على وحدة الصفّ في عقوباته الجديدة على روسيا

http://bit.ly/3Nt5cc4

تقرير أداء الروبل الروسي أمام 31 عملة يثير تفاعلا مع تجاوزه حاجز الـ64 للدولار

http://cnn.it/3m8ZmRi

توقعات بانهيار دفاعات روسيا الاقتصادية تحت ضغط العقوبات

http://bit.ly/3aFdhfu

ما هي تبعات العقوبات الاقتصادية على روسيا؟

http://bit.ly/3x77Op7

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...