الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

دراسات ما بعد المعركة، بين الامكانيات والتكتيك في الدفاع. بقلم هشام العلي

يونيو 01, 2018

إعداد : هشام العلي ،خبير العلوم العسكرية وشؤون الدفاع ـ بغداد

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا

دراسات ما بعد المعركة ـ الحلقة الثانية عشر، بين الامكانيات والتكتيك في الدفاع

تحدثنا في الحلقة السابقة عن مفهوم تجنب القوة العظمى للعدو, ومنعه من الاستفادة من امكانياته الحقيقية في المعارك والاشتباكات, ومحاولة جعلها خارج نطاق العمليات, وذلك من خلال سلسلة من اجراءات المخادعة والتمويه والمناورات, تكون محصلتها النهائية (تجنب الاشتباك) مع القوة الحقيقية للعدو.

اليوم نرى انه وبالمقابل, يجب التحدث عن القوة العظمى لقواتنا هذه المرة, وكيفية الاستفادة منها الى اقصى حد, لكون المعركة الناجحة, هي التي يتم خلالها استخدام جميع الامكانيات المتاحة, وفي مقدمتها (عديد القوات, التسليح, الارض) لاحراز افضل النتائج الممكنة, اي ضرب العدو ضربات فعالة, باستخدام جميع الامكانيات المتاحة, بعد وضع امكانياته خارج المعادلة الحقيقية للاشتباك.

بين التقنية والتكتيك: يطلق القادة ومنظروا العلم العسكري مصطلح (العقدة بين التقنية والتكتيك) على (مجموعة العوامل التي تحرم الوحدات المقاتلة من الاستخدام الامثل للاسلحة والاعتدة المتاحة, وفق تكتيكات فعاله, من المفترض ان تؤدي الى الاستفادة القصوى منها), وقد تناولنا هذا الموضوع في بحث سابق بعنوان (مواجهة العصابات في الحرب النوعية الدائرة) والذي نشر على شكل حلقات قبل عامين, على صفحة المركز الاوربي لمكافحة الارهاب والاستخبارات, اما اليوم, وبعد الاطلاع على كم هائل من افادات المقاتلين, ضمن مشروع (دراسات ما بعد المعركة), نرى انه من الواجب تصحيح هذا المفهوم, ليشمل جميع الامكانيات المتاحة, بما فيها الارض وعديد القوات, ليصبح عنوانه الجديد (العقدة بين الامكانيات والتكتيك).

سبايكر: من اجل توضيح الفكرة اكثر, فلنتطرق الى مذبحة سبايكر المروعة, ونحاول ان نسأل انفسنا عن الامكانيات المتاحة انذاك, حيث تشير الارقام الى وجود اكثر من الفي فرد في تلك الوحدة, ضمن معسكر محصن, على ارض شبه مفتوحه, تصلح للرصد والمتابعة.. هل كانت تلك الوحدة تخلوا من الاسلحة الخفيفة والمتوسطة؟ كم هي كمية الاحتياطي الخاص بالاسلحة والارزاق التي كانت في مستودعات تلك الوحدة, والتي من الممكن ان تساعد افرادها على مواجهة الحصار لفترة معينة, حتى تتمكن الوحدات الاخرى من اسنادها؟ كم ضابط يشرف على تلك الوحدة؟ وهل كانوا مهتمين بتدريب الافراد على سياقات العمل الثابتة للدفاع؟

هل كانت هناك وحدات قريبة منها, كي يكون بالامكان اجراء فعاليات الاسناد المتبادل؟ كانت هناك وحدات منتشرة في قواطع سامراء وضواحيها, بقيت متماسكة ولم تنسحب اثناء الانهيار, وعلى بعد يقارب حوالي 100كم من قاعدة سبايكر, فكم كان هناك من الوقت اللازم لتحرك تلك الوحدات تحت غطاء جوي لانقاذها؟

ان افضل اجابة على هذه التساؤلات, هو ان القيادات, وعلى مختلف مستوياتها, لم تكن تعي مشكلة العقدة بين الامكانيات والتكتيك, ما جعل الامكانيات بلا فائدة, وبالتالي حول الوحدة وجميع امكانياتها الى فريسة للمسلحين, بدلا من ان تكون مانعا دفاعيا يعول عليه في حماية نفسة وباقي الموضع الدفاعي, علما ان ما جرى في سبايكر هو مجرد مثال من ضمن عشرات الامثلة الاخرى, والتي كانت تحصل بصورة مستمرة, وفي اغلب القواطع, حتى انطلاق عمليات التحرير.

السؤال : بعد هذا الاستعراض يجب ان نسأل انفسنا, ما هي العوامل التي حرمت قواتنا من الاستخدام الامثل للامكانيات المتاحة سابقا؟ وما هي نسبة تلافي تلك العوامل والمعوقات حاليا؟
اهم العوامل: اعتقد انه من اهم العوامل التي يجب دراستها والالمام بها, من اجل استثمار كافة الامكانيات لصالح قواتنا المدافعة حاليا, واستنادا على التجارب السابقة والمعطيات الحالية هي :

1. اساليب قتال المسلحين واسلحتهم واستراتيجياتهم المتغيرة باستمرار.
2. القيادة وتنظيم القوة والتحصين والتدريب فيما يخص قواتنا.

من خلال افادات المقاتلين المتيسرة, توصلنا الى عدت نتائج بهذا الشأن من اهمها:

اساليب قتال المسلحين: يقوم المسلحون بهجماتهم على مساحة الجبهة المفتوحة لكل قاطع, على خلاف الجيوش النظامية التي تحاول الاختراق من خلال مقتربات ضيقة, تؤمن الخرق العميق, اضافة الى تركيز المسلحين دائما على استهداف خطوط المواصلات, وهو اسلوب يهدف الى انتزاع التفوق النفسي من قواتنا, كما يدل على صبغة عقائدية تميز العدو الحالي عن غيره, وهنا يجب تنظيم نقاط المقاومة لقواتنا بما يؤمن الغش والاختفاء, كما يؤمن النار الجانبية للاسلحة المتوسطة, من خلال مبادئ تنظيم الدفاعات المعروفة, مع التركيز على حماية خطوط المواصلات, بواسطة الدوريات المزدوجة التي تؤمن الاسناد المتبادل, والتركيز على اجراء الكمائن والرصد والمتابعة المستمرة.

اغلب الافادات المتيسرة تؤكد وجود خلل كبيرا في هذا الجانب, ما يعني عدم استفادة وحداتنا من طبيعة الارض والتحصين والاسلحة بنسبة معقولة, كما تدل الافادات على اهمال واضح لخطوط المواصلات.

الاستراتيجيات: تواجه القوات المشتركة تغيرات مستمرة في تكتيكات الحرب التي يشنها المسلحون واستراتيجياتهم, ما يجعلها تعيش تحت وطأة معارك يتم فرضها من قبل المسلحين بظروفها وزمانها ومكانها وتغيراتها, وبالمقابل ومنذ أعوام, لم نجد أية تكتيكات حربيه تضعها قياداتنا, وعلى جميع المستويات, للتعامل مع مستجدات الحرب وتفاصيلها, بالاستفادة من التفوق الجوي او التقني او عديد القوات, ما يعني جمود قاتل, يجعل التفوق في التقنيات والامكانيات غير ذي جدوى, وبالتالي يحرم قواتنا من تاثير هذا التفوق.

الاستطلاع: بسبب التركيبة الديموغرافية لقواطع العمليات, يتمكن المسلحون من جمع المعلومات عن دفاعاتنا بسهولة, وبالمقابل لم نجد مصادر استخبارات يعول عليها لدى قواتنا العاملة, ما يعني ان المسلحين يتفوقون على قواتنا, من حيث المباغتة وضمان التخطيط المبني على معلومات اقرب الى الصحة, ولذلك تبقى الامكانيات المتاحة لقواتنا قليلة الفائدة, في درئ الخطر عن المواضع الدفاعية, واستشعار الخطر او التنبؤ به.
فقه العصابات: الفقه العسكري التقليدي الخاص بالعصابات, يعتمد دائما على مشاغلة القوات في كافة القواطع, والضغط المستمر, وبوتيرة متصاعدة, مع عدم اجراء التعرض الحاسم, الا بعد شل قدرة الوحدات المدافعة على رد الفعل, او التنبؤ بالهدف الرئيسي لعمليات المسلحين, حيث يصل القادة الى مرحلة تختفي لديهم القدرة على حشد القوة, وتوجيهها التوجيه الامثل, الذي يلائم متطلبات الوضع الدفاعي, وهنا تنهار الدفاعات, رغم كل ما لديها من امكانيات واحتياطات.

اثناء الهجوم الرئيسي: بعد قناعة المسلحين بضعف الدفاعات الخاصة بقواتنا, يتم نقل الجهد الرئيسي للهجوم على محورين, الاول للمخادعة, حيث يتم الهجوم على هدف كبير يتسبب في توجيه اذهان القادة وامكانياتهم اليه, فيما يتم الهجوم الرئيسي على قاطع اخر بعد يومين الى ثلاثة ايام, فيتسبب في انهيار الدفاعات في عمق الجبهة, وسلب قابلية الاستفادة من الاحتياطات المتاحة والامكانيات المتيسرة للمدافعين, بسبب حالة الفوضى والانهيار التي تحدث, حدث هذا خلال انتكاسة منتصف عام 2014م, حيث شن المسلحون هجوما عنيفا غير متوقع على قاطع سامراء, بعد هدوء نسبي قصير الامد في كافة القواطع, ذلك الهجوم الذي شكل صدمة للقادة على كافة المستويات, كما دعاهم الى التركيز على قاطع سامراء فقط, لتحدث المفاجئة بعد يومين, حيث شن المسلحون هجومهم الرئيسي على قواطع الموصل والانبار وصلاح الدين وجميع القواطع الاخرى, فانهارت الدفاعات تماما, وفقد القادة قابليتهم على الاستفادة من عديد القوات والاسلحة والمعدات والارض والتحصينات لدرئ الخطر, حتى اصبحت جميع الامكانيات بلا فائدة, بل تحولت الى فريسة, بدلا من ان تكون عامل ردع ومقاومة يعول عليه.

الدروع: يتم عادة استخدام المشاة في تامين وحماية محاور التقدم للدروع, اثناء المناورات والتعرضات التي تشنها قواتنا, وهو ما تقضي به مبادئ مكافحة العصابات, لكن المشكلة ان انتشار اسلحة القنص والعبوات المعادية, يجعل جندي المشاة هدف واهن امام المسلحين, وهو ما يشكل خطرا كبيرا على الدروع وطواقمها وافراد المشاة على حد سواء, كما يجعل الفائدة من الدروع وطواقم حمايتها ضئيلة الفائدة.
الافادات تدل على ان فرق النخبة اصبحت مدربة بشكل جيد على مواجهة النار في مثل تلك الفعاليات, لكن هناك خلل واضح في التدريب لدى افراد الحشد وباقي الوحدات المدافعة.

القتال الليلي: لا زال هناك وهن كبير في عمليات التدريب على القتال الليلي, واجراء الكمائن والدوريات الليلية لدى القوات المشتركة, ما يعني خلل واضح في المناورة الليلية, والتي من المفترض ان تستفيد منها قواتنا, في ظروف معينة, لاكمال الاستعدادات لاي تعرض تشنه نهارا, بامكانيات وخسائر اقل, كما يعني خلل واضح في اجراء الكمائن والدوريات الليلية الظرورية في حرب العصابات.
مع ذلك هناك بعض الافادات التي ترى ان قوات النخبة والحشد الشعبي اصبحت متميزة نسبيا في هذا الجانب.

الارض: لا زالت هناك مشاكل في انتخاب الارض التي تصلح للدفاع, وتحصينها واجراء عمليات الرصد والمتابعة والمعالجة, كما ان هناك وهن كبير في قدرة الوحدات على اجراء التحصينات الضرورية لاعاقة اجتياز دروع واليات المسلحين للمنحدرات والحفر والحواجز العمودية وعبور الخنادق.

تكاد تجمع الافادات على ان القادة والضباط منغلقين على اسلوب توزيع الافراد على شكل نقاط متباعدة على المرتفعات والابراج, بعد تزويدهم بالاسلحة المتيسرة, وبصورة فوضوية تدل على انعدام في الالمام بمبادئ هندسة الدفاع, وتقنين كثافة النار واتجاهها, هذا فيما يرى الضباط ان خشية التجاوز على الممتلكات الخاصة, وقلة الافراد والامكانيات المتاحة, هي ما تجعلهم عاجزين عن وضع تكتيكات ملائمة للدفاع ونقاط المقاومة.
اسلحة مقاومة الدروع: تختفي القدرة حاليا على تنظيم اسلحة الاسناد والاسلحة المتوسطة واسلحة مقاومة الدروع, بشكل يؤمن مساحة رمي جيدة, وزاوية رمي جانبية, واسناد متبادل بين النقاط والوحدات, كما تختفي القابلية على تبادل الادوار بين نقاط المقاومة, ونشر النقاط في الاتجاهات الصحيحة, ما يؤدي الى فوضوية عمليات المقاومة, وعدم استهداف الاهداف الاكثر خطورة للعدو خلال تلك العمليات.

القيادة: القائد المحترف هو من يستطيع أن يتعامل مع طبيعة الحرب وتطوراتها ومفاجئاتها, ويفهم تكتيكات خصمه لاستخدامها ضده, مع القابلية على التنبؤ, والقدرة الدائمة على الاستعداد للتحول من مرحلة إلى مرحلة أخرى, من مراحل الدفاع والهجوم, أو تبادل الأدوار بين الاسلحه والتشكيلات, لضمان التفوق والاسناد والاحتفاظ بالمبادئه, والاستخدام الامثل للامكانيات والموارد, كما ان التحركات التي ترغم العدو على رد الفعل المخطط له من قبل قائد الوحدة المدافعة, تجعل فعاليات المقاومة التي تقوم بها تلك الوحدة تجري باقل الامكانيات, وتاتي بافضل النتائج, هذا الامر يتطلب دراية واسعة, ومعلومات دقيقة عن طبيعة الأرض وعديد قوات العدو وتسليحه, وهذا كله لا يمكن تحقيقه الا من خلال هيئات ركن محترفه, ذات صلاحيات وامكانيات مناسبة, وقادة وضباط مهنيين وكفوئين.

الافراد: يجب أن يكون هناك مجال لإظهار الجهود والكفائات الفردية للأشخاص, وعلى مستوى القادة والضباط والافراد على حد سواء, الافادات تدل على وجود خلل كبير في هذا الجانب, حيث لا يسمح القادة والضباط الحاليين للافراد بالمناقشة وابداء الراي الا بنسبة محدودة, ما يجعل روح الابداع تختفي لدى الافراد, ويحولهم بالتالي الى مجرد عناصر حراسة روتينية, تفقد روح التعاون, وتصبح مجرد ادات لاطلاق النار بدون ادنى مستوى من الضبط اثناء عمليات المقاومة.

اخيرا من المعروف عسكريا ان التفوق المطلق لا يكمن في امتلاك الأسلحة والمعدات وعديد القوات, بقدر ما يكمن في الاستخدام الصحيح لها, وقد دلت الكثير من التجارب, ومنها انتكاسة منتصف عام 2014م, على ان العبرة ليست في الامكانيات المتاحة, وانما في تقنينها وتوجيهها والتخطيط السليم لاستخدامها, وهو امر ملقى على عاتق القيادات العسكرية, وشخصية كل قائد او ضابط.
ولكون العامل النفسي للقيادات, وشخصية القادة والضباط, هي مفتاح الحلول للمعضلات وعقد المعارك والاشتباكات, والاداة الفعالة لتوجيه جميع الامكانيات المتاحة توجيها صحيحا وفعالا, سوف نخصص المقالة القادمة للتطرق الى موضوع سيكولوجيا شخصية القائد والضابط, وكيفية تطويرها.

رابط مختصر   https://wp.me/p8HDP0-bSn

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

الكاتب هشام العلي

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...