الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

تقيم الإستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف والإرهاب في الأردن. بقلم الدكتور سعود الشرفات

يوليو 05, 2019

إعداد الدكتور سعود الشرفات، مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب‎ ـ عمان

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا

الملخص

طال الإرهاب العالمي المعاصر الذي يعتبر  الثمرة المتعفنة للعولمة ؛ معظم دول العالم. فحسب “مؤشر الإرهاب العالمي”(GTI)  لعام 2018 م الذي يصدره “معهد الاقتصاد والسلام ” The Institute for Economics & Peace (IEP ، فقد تعرضت 77 دولة  من أصل 163 دولة  يشملها المؤشر في العالم للإرهاب وزادت نسبة ضحايا الإرهاب خلال العقد الماضي من عام 2006-2016 بنسبة 67%)[1](.

وبالنظر إلى التهديدات التي يشكلها الإرهاب حاليا على الأردن، خاصة في ظل وجود عدد كبير من المقاتلين الأردنيين في سوريا والعراق حيث تقدر بعض الدراسات الصادرة عن دائرة الأبحاث في الكونغرس الأميركي، عدد المقاتلين الأردنيين الذين انضموا لتنظيم “داعش” في كل من سوريا، والعراق، وليبيا،  وبعض المواقع الأخرى،  منذ عام 2011 بنحو أربعة آلاف مقاتل. فأن -احتمال- عودة هؤلاء أو بعضهم يشكل تحدياً كبيراً ومعضلة بالنسبة للأردن، حتى أن الدولة ، وقطاعات شعبية واسعة  تتمنى أن لا يعودوا، إذ أنهم سينقلون خبراتهم العسكرية والقتالة والتنظيمية إلى كل المتعطشين للقتال بالأردن.

ولتجاوز هذه المعضلة قامت الدولة ،  بتعديل قانون مكافحة الإرهاب، وتجريم الانضمام إلى جبهة النصرة وداعش والمنظمات الإرهابية والترويج لها عبر أي وسيلةٍ كانت، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي ، كما سمح القانون برفع حدة الرقابة على المساجد والخطاب الديني بصورة أكثر قوة مما سبق.

وتبع ذلك منذ عام 2014 قيام “مجلس السياسات الوطني” واللجان المتخصصة التابعة له بحملة واسعة على كافة المستويات الحكومية الأمنية، والوزارات المعنية (وزارة الداخلية، وزارة الثقافة، وزارة الأوقاف، وزارة التنمية الاجتماعية، وزارة الخارجية، وزارة التربية) للخروج باستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف تمخضت عن إنتاج “الإستراتيجية الوطنية لمواجهة التطرف العنيف” عام 2014. والتي تم نشر تفاصليها في الصحف المحلية الأردنية عام 2016 تحت اسم “الخطة الوطنية لمواجهة التطرف“. وقامت الحكومة بتشكيل لجنة لمكافحة التطرف قامت بوضع إطار مرجعي يتكون من ثلاثة محاور رئيسية هي المحور الثقافي الديني والمحور الديمقراطي ومحور حقوق الأنسان.

يؤكد المحور الثقافي الديني على ضرورة دعم وترويج ثقافة دينية إسلامية صحيحة أصيلة منطلقة من مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحفظ المقاصد الخمس الأساسية وهي ما يسميها الأصوليون المقاصد الكلية التي جاء الدين لتحقيقها، وهي أن يحفظ للناس (دياناتهم وأنفسهم وعقولهم وأنسالهم وأموالهم).

أما بالنسبة للمحور الديمقراطي، فيرى أن غياب الديمقراطية غالبا ما يؤدى إلى ازدهار ثقافة العنف والتطرف بأشكالها المختلفة. ومن ثم، دعت الإستراتيجية إلى تعزيز القيم الديمقراطية في الحرية والعدالة والمساواة واحترام الأديان والأقليات ونبذ التشدد الديني والطائفي. وفى يخص محور حقوق الأنسان، دعت الإستراتيجية إلى تأصيل قيم التسامح والتعددية وثقافة احترام حقوق الإنسان وترسيخها وقبول الآخر من خلال المؤسسات المعنية بالتوجيه والتربية مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ووزارة الثقافة والمؤسسات الشبابية والإعلامية ودائرة الإفتاء.

أثارت تلك الإستراتيجية منذ نشرها في وسائل الإعلام المحلية الكثير من النقاش، وردود الفعل الواسعة منها الإيجابي، من حيث أنها استراتيجية تشاركية، حيث تتكاتف فيها جهود جميع المؤسسات المعنية الرسمية وغير الرسمية. ومنها السلبي الذي يتعلق بنقد مضمون وشكل الإستراتيجية وتوزيع الأدوار بين الفاعلين فيها، وضعف التنسيق بين الجهات الشريكة في الإستراتيجية.

وتناقش هذه الورقة بشكل مختصرٍ ومكثف أهمية هذه الاستراتيجية ومحاورها الرئيسة في مكافحة التطرف العنيف ومكافحة الإرهاب والجهود الأردنية في مجال بناء برنامج لإعادة التأهيل والإدماج والرعاية اللاحقة للإرهابيين أو المتهمين بالإرهاب.

الكلمات المفتاحية : الإرهاب ، التطرف العنيف ، إعادة التأهيل والإدماج

مدخل الى فلسفة الإصلاح والتأهيل في السجون الأردنية 

تنظر الدول والأطراف الفاعلة من غير الدول  و بعض الخبراء  في العالم الى مسألة منع ؛ ومكافحة التطرف العنيف والارهاب ، وإعادة التأهيل الإرهابين وكانه ممارسة ترفيةٌ ، زائدة عن الحاجة وغير ملحة ، ومعزولة عن مسائل الأمن العالمي في حقبة العولمة الحالية .

إعادة التأهيل الإرهابين  تعني “مساعدة الأشخاص الإرهابيين أو المتهمين بالإرهاب في السجون والمعتقلات على العودة الى الحياة الطبيعية من خلال تزويدهم بالتعليم والتدريب ،والمعالجة ،  والعناية اللاحقة ، بما يمكن أن يساهم في إعادة دمجهم في الحياة واستقرار الأمن والسلم العالمي المعقد في حقبة العولمة المعاصرة “([2]).

ولذك يغدو من المهم للسلام العالمي أن يعاد تأهيل المعتقلين والسجناء المتأثرين بالإيديولوجيا الدينية المتطرفة  العنيفة ، والحيلولة   دون تطرفهم ، والعمل على تسهيل عودتهم للمجتمع([3]).

وإعادة ” تأهيل المتطرفين و الإرهابين” يختلف كلياً عن إعادة تأهيل المجرمين . وهو الإجابة المناسبة على أهم تحديين يوجههما العالم المعاصر في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف وهما: الأول وهو أن الجماعات الإرهابية مثل داعش ، وبوكو حرام ، والقاعدة والجماعات التابعة لها تستهدف المجتمعات الإسلامية تحديداً ، ولذلك هناك حاجة ماسة لإعادة تأهيل الأشخاص المعرضين  لتأثير هذه الجماعات الإرهابية من الناحية الدينية اللاهوتية (ثيولوجياً) وإيديولوجياً. وثانياً الظروف في السجون والمعتقلات المعاصرة  ودورها في الحيلولة دون التطرف العنيف أو (الردكلّة)([4]).

والإرهابيون في العالم  يصنعون ، ولا يولدون إرهابيين . ولقد أثبتت التجارب العملية لبعض الخبراء المهتمين بمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف وبرامج إعادة التأهيل وإدماج الإرهابين أن المكونات الضرورية والمعتادة لصناعة الإرهابي هي :

1- توفر الجماعة، 2- إيديولوجيا لهذه الجماعة، 3- دعم اجتماعي، و4- القابلية الفردية للتطرف العنيف، 5- والدوافع الفردية. وهذه المكونات الخمس  تبرز بقوة على ضوء حياة هؤلاء؛ سواءً في مناطق الصراعات أو خارجها  ( [5]).

ونقصد بالإرهاب “عنف سياسي متعمد، أو التهديد به بهدف زرع وبث حالة من الخوف والرعب المستمرين، ويستهدف لأهداف المدنية، وتخطط له وتنفذه أطراف فاعلة ما دون الدول “([6])

في الأردن تزامن الاهتمام  بالحريات والأمن الإنساني وحماية حقوق الإنسان  مع ثورة الاهتمام بقضايا الحريات وحقوق الإنسان والأمن الإنساني الذي فرضته سيرورة العولمة منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين،  وأصبحت جزء ثابتا من القانون الدولي المعاصر وثقافة حقوق الإنسان.

ولهذا فأن فلسفة الإصلاح والتأهيل للسجناء والمعتقلين بكافة أشكالها مسألة سابقة لإشكالية تعامل الدولة مع المعتقلين والسجناء المتهمين بقضايا التطرف العنيف والارهاب . حيث نلاحظ أنه استحدثت في الأردن “إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل”(الاسم الذي يطلق حالياً على السجون في الأردن) والتي أصبحت تمارس إشرافاً مباشراً فنياً وإداريا على مراكز الإصلاح والتأهيل التابعة لها بتاريخ 1/1/1986 ، وقبل ذلك لم يكن هناك إدارة تشرف على مراكز الإصلاح والتأهيل , بل كان هناك مكتب يعنى “بالسجون” ويهتم بالنواحي الفنية فقط , وكانت السجون تتبع إدارياً لمديريات الشرطة(الأمن العام) الموجودة ضمن اختصاصها ([7]).

وهذا يعني أنه لم يعد يستخدم مفهوم “السجون “بعد عام 1986م ،بل “مراكز الإصلاح والتأهيل”؛ وهو مفهوم اكثر إنسانيه وتحضر من مفهوم السجون المُنفر والسلبي ، وهو إجراء إيجابي  يُسجل للدولة الأردنية ، ويمكن أن يعتبر الاستجابة الأولى للدولة في مجال إدراكها لأهمية مسألة الإصلاح والتأهيل .

وتبنت إدارة “مراكز الإصلاح والتأهيل” فلسفة الإصلاح والتأهيل منهجاً وهدفاً لها بدلاً من نظرية العقاب والإيلام في السجون القديمة وذلك انسجاماً مع التوجه العالمي نحو حماية حقوق الإنسان والمحافظة عليها باعتبار أن مراكز الإصلاح والتأهيل صاحبة الدور البارز في هذا المجال.

كما تم إنشاء مراكز إصلاح وتأهيل حديثة من حيث البناء والأجهزة والمعدات تقوم بتقديم جميع الخدمات والبرامج الاجتماعية والصحية والثقافية والرياضية والتدريبية اللازمة لإعادة تأهيل النزيل وتقويم سلوكه.

و تم إصدار قانون مراكز الإصلاح والتأهيل المؤقت رقم 40 لسنة 2001 والذي حل محل قانون السجون رقم 23 لسنة 1953 وقد اصبح قانونا دائماً بعد إقراره من مجلس الأمة واصبح يحمل الرقم ( 9 ) لسنة 2004 والمنشور على الصفحة 2045 من عدد الجريدة الرسمية رقم 4656 تاريخ 29/4/2004. والذي يدعم الإصلاح والتأهيل وحقوق النزلاء ورعايتهم اجتماعياً وصحياً وثقافيا.

وصدر عن القانون تعليمات إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل وحراسة النزلاء وحقوقهم والتي وضعت آلية لتنفيذ القانون المشار إليه وبينت حقوق النزلاء وكيفية ضمانها

وهناك عدد من الواجبات لهذه المراكز؛ من أهمها:

  1. إعداد التقارير اللازمة بموجود مراكز الإصلاح والتأهيل من النزلاء وإعداد إحصائية يوميه بهذا الخصوص.
  2. متابعة جميع المخاطبات الرسمية المتعلقة بالنزلاء فيما يخص قانونية التحفظ عليهم قيد المراكز والإفراجات والمتابعات مع المحاكم ومتابعة تنفيذ العفو الملكي الخاص والعفو العام ومراقبة خطط تطوير البرامج الإصلاحية وتصنيف النزلاء.
  3. وضع الدراسات العلمية والعملية اللازمة للنواحي التعليمية والصحية والرعاية الاجتماعية وتأهيل العاملين وإعداد الإحصائيات اليومية والشهرية والسنوية عن موجود مراكز الإصلاح والتأهيل النزلاء
  4. متابعة أوضاع النزلاء من كافة الوجوه وعلى الأخص حالات الإضراب عن الطعام والمرض والتوقيف الإداري والزيارات والنظر في الشكاوي والتظلمات واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها وإخبار الجهات المسؤولة عن ذلك وما تؤول إليه كل حالة أولاً بأول.
  5. تغيير الصورة النمطية السلبية عن طريق التغطية الإعلامية لجميع الفعاليات والنشاطات التي تقام في المراكز.

وحسب أخر إحصائيات نشرتها إدارة المراكز على صفحة الموقع الرسمي لمديرية  الأمن العام الأردنية وتعود لعام 2016م (لم تنشر إحصائيات بعد ذلك على الموقع ) يتبين لنا أن مجموع الإدخالات الى مراكز الإصلاح والتأهيل بشكل عام بلغ (87442) الف نزيل موزعة على النحو التالي([8]) :

-نزلاء محكومين ( 2117)

-الموقفون قضائياً (36197)

-الموقفون إدارياً ( 30128)

وكما هو واضح هنا فأن إدارة المراكز لا تذكر، أو تنشر عدد الإدخالات بتهمة التطرف الديني العنيف والارهاب  ؟

لكن صفحة المراكز على موقع العام لمديرية الأمن العام يشير الى وجود

برامج رعاية وتأهيل النزلاء التي تقسم الى 3 أقسام هي ( [9]):

الأول : البرامج الموجهة  للنزلاء. وتشمل البرامج التالية :

برنامج تهوين

 برنامج مزايا

 برنامج  مساندة

 برنامج  تهيئة

 مجلس  النزلاء

 مبادرة  اهتمام

برنامج  رعاية النزلاء

الثاني برنامج الرعاية الاجتماعية ويشمل عدة محاور وهي  :

1- الرعاية الدينية

وهنا يمكن أن نلاحظ أن معظم النزلاء ینتمون الى بيئات یحتل فيها الدین مكاناً كبیراً لذلك فان التهذيب  الدیني يطمح الى إعادة النزیل الى الطريق السليم.

ولذلك يوجد في كل مركز إصلاح مرشد دیني یقوم بتوعية وتهذيب النزلاء من خلال محاضرات دینیة ، وعقد الدورات باعتبارها مدخلاً اساسیاً نحو التوبة والإقلاع عن الممارسات الانحرافیة والسلوك الإجرامي حیث تم عقد دورات تحفیظ القرآن للنزلاء في معظم مراكز الإصلاح والتأهيل . بالإضافة الى وجود مسجد أو مصلى داخل كل مركز إصلاح وتأهيل ، كما وتم تزويد مراكز الإصلاح والتأهيل بالوعاظ

والمرشدين وخاصة المتمكنون منهم بالإرشاد الفردي.

وتم توقيع المذكرة تفاهم  مع وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية تهدف إلى تنمية الأخلاق وتوجيه سلوك المواطن نحو معاني الخبر وتعزيز الوحدة الوطنية ،وإنشاء مركز إسلامي لتحفيظ القران ، وتعلیم أصول الدین والفقه في مركز إصلاح وتأهيل (الموقر/١) الذي يقع في شرق العاصمة عمان  وبالتنسيق مع وزارة الأوقاف.

2- برنامج الحوار مع  التكفیریین

في سبيل تفعيل العمل الميداني –العملي مع المعتقلين بتهم الإرهاب ، ودعم الإرهاب ، قامت إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل بتنظيم برنامج من قبل إدارة الإفتاء والإرشاد الدیني التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في مدیریة الأمن العام وعدد من أساتذة الشريعة في الجامعات الأردنية على مدار شهرين تم فيه  مقابلة (٣٦) نزیلاً من حملة الفكر التكفيري من النزلاء الجنائيين من مختلف مراكز الإصلاح وتم محاورتهم  ومناقشتهم  بالأمور الدینیة والفقهية الموجودة لديهم وعمل مناظرة معهم  وقد لاقى هذا  البرنامج ردود فعل إيجابية في أوساط النزلاء والرأي العام والإعلام والمراقبين([10]).

3- الرعاية الثقافية

4- الرعاية الصحية

5-الرعاية النفسية

6– النشاطات الرياضية

الثالث : برنامج تأهيل النزلاء ويشمل ما يلي([11] ):

– التدريب المهني

– المشاغل الحرفية

– الإنتاج النباتي والحيواني

– الضمان الاجتماعي.

للأسف الشديد ؛ عندما نحاول الدخول على صفحة” مراكز الإصلاح والتأهيل”  لعام 2018م لمعرفة تفاصيل عن هذه البرنامج  وطبيعتها،  وهل يشمل بها المعتقلين بتهمة الإرهاب ، لا نجد أية تفصيلات أو معلومات حديثة تم تبريرها لأسباب أمنية!

النموذج الأردني في إعادة التأهيل والدمج والرعاية اللاحقة

ليس هناك نموذج اردني خاص ؛ وواضح المعالم في مكافحة التطرف العنيف والارهاب ، ولا في إعادة تأهيل ودمج الإرهابيين ؛ لكن هذا لا يمنع من محاولة تجميع الكثير من الملامح المبعثرة هنا وهناك في إجراءات وتصريحات المسؤولين والمؤسسات والدوائر الأردنية سواء ً الأمنية الخاصة أو  المنشورة في وسائل الإعلام ؛ في محاولة بناءٍ هيكلية لما يمكن أن أطلق عليه “نموذج أردني”. حتى وأن كان غير واضح المعالم ومعروف للجمهور.

لقد وجد الأردن نفسه وجهاً لوجه مع اهم الانزيحات والتغيرات التي طالت ملف حقوق الأنسان على مستوى العالمي وعولمة الأمن الإنساني واستمرارية الصراع بين الحقوق الشخصية ، والحريات الفردية وقيمة الحرية من جهة ؛ وقيمة الأمن من جهة أخرى .

ويخوض الأردن  الآن صراعاً في هذه المسألة وسيستمر خلال العقد القادم مثله مثل غيره من دول العالم التي تعرضت لخطر التطرف العنيف والارهاب في أوروبا وأمريكا واسيا وأفريقيا.

وقد وجد الأردن نفسه ؛ خاصة بعد الهجمات الإرهابية ضد أمريكا 11 أيلول 2001م وقد انخرط بسرعة وعمق في استراتيجية الحرب العالمية على الإرهاب الذي كان يمثله تنظيم القاعدة ، واستمر في ذك طوال عقد ونصف ، حتى وجد نفسه مرة أخرى  يدخل في تحالف دولي ضد الإرهاب بعد عام 2014م ضد تنظيم داعش هذه المرة  بدرجة أعمق وأخطر من التحالف السابق. ويواجه أخطار أخرى للتطرف الديني العنيف والارهاب ، ولعل أحدثها العمليات الإرهابية التي استهدفت رجال الأمن الأردنيين ، و التي جرت في مدينة الفحيص 11–آب أغسطس 2018م  الى الغرب من العاصمة عمان  وذهب ضحيتها شخص من مرتبات قوات الدرك برتبة وكيل ، وجرح 6 من المدنيين وذلك خلال فعاليات مهرجان الفحيص السنوي  الفني  ، و عملية السلط  بعدها بيوم (12آب –أغسطس) وذهب ضحيتها 4 من مرتبات  العمليات الخاصة ،احدهم برتبة عريف من دائرة المخابرات العامة ، وقتل 3 من الإرهابيين ، وجرح 21 شخصاً واعتقال 5 من الإرهابين .

ولقد تبنى تنظيم داعش عمليات( الفحيص والسلط) وغيرها في إربد والكرك من خلال (إي ديو) الرسالة الصوتية الأخيرة التي نشرتها وكالة الفرقان التابعة للتنظيم عبر تطبيق تليغرام ( الأربعاء 22 آب-أغسطس 2018م ) لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي(حسب تأكيد عدد من الخبراء ) عندما قال “يا أهل السنة في الأردن، ألأجل رغيف خبز تضجّون، وحكم الشرع في أرضكم مبيع مبدل؟ …أقبلوا على ربكم ودينكم، أين أصحاب العزمات منكم، كفوارس السلط والفحيص، وليوث الكرك والزرقاء وإربد ومعان؟”([12]).

ثم هناك الخطر، والتهديد المحتمل في المستقبل من عودة الكثير من المقاتلين الأردنيين الذين يقاتلون مع تنظيم داعش  في سوريا والعراق وغيرها من ساحات القتال.

وبالنظر إلى التهديدات التي يشكلها الإرهاب حاليا على الأردن، سنكتشف أن عمليات الفحيص والسلط وقبلها اربد والكرك لا تمثل أحداثاً منفردة ،  ووفقا لبعض الدراسات الصادرة عن دائرة الأبحاث في الكونغرس الأميركي، يقدر عدد المقاتلين الأردنيين الذين انضموا لتنظيم “داعش” في كل من سوريا، والعراق، وليبيا،  وبعض المواقع الأخرى،  منذ عام 2011 بنحو أربعة آلاف مقاتل. ويمثل-احتمال- عودة هؤلاء أو بعضهم  مشكلة كبيرة بالنسبة للأردن، حتى أن الدولة الأردنية  تتمنى لو أنهم لم يعودوا، إذ أنهم ينقلون خبراتهم العسكرية والقتالة والتنظيمية إلى كل المتعطشين للقتال بالأردن.

وقد قام الأردن لمواجهة خطر الإرهاب العالمي ، وتطبيقاً لقرار مجلس الأمن رقم (2178) سبتمبر 2014م الذي حذر من ظاهرة “المقاتلين الإرهابيين  الأجانب” على الأمن الوطني والإقليمي والدولي بتحديث وتعديل تشريعاته القانونية ، فقام بتعديل قانون مكافحة الإرهاب، وجرّم الانضمام إلى جبهة النصرة وداعش والمنظمات الإرهابية، والترويج لهذه المنظمات عبر أي وسيلةٍ كانت، ومنها شبكة الإنترنت، وراقب المساجد والخطاب الديني بصورة أكثر قوة مما سبق ([13]).

-الإستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف العنيف(countering violent extremism,CVE)

قام “مجلس السياسات الوطني” واللجان المتخصصة التابعة له منذ عام 2014م بحملة واسعة على كافة المستويات الحكومية الأمنية، والوزارات المعنية (وزارة الداخلية، وزارة الثقافة، وزارة الأوقاف، وزارة التنمية الاجتماعية، وزارة الخارجية، وزارة التربية) للخروج باستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف تمخضت عن إنتاج “الإستراتيجية الوطنية لمواجهة التطرف العنيف” عام 2014. والتي تم نشر تفاصليها في الصحف المحلية الأردنية عام 2016 تحت اسم “الخطة الوطنية لمواجهة التطرف”. وقامت الحكومة بتشكيل لجنة لمكافحة التطرف قامت بوضع إطار مرجعي يتكون من ثلاثة محاور رئيسية هي المحور الثقافي الديني والمحور الديمقراطي ومحور حقوق الأنسان.

ونقصد بمكافحة التطرف العنيف “الإجراءات الاستباقية في مواجهة جهود المتطرفين في سعيهم لتجنيد وتعبئة المؤيدين للتطرف والعنف ،ثم الحد من العوامل التي من المرجح أن تساهم في عملية التجنيد والتطرف من قبل المتطرفين العنيفين“([14]).

يؤكد المحور الثقافي الديني في الاستراتيجية الأردنية على ضرورة دعم وترويج ثقافة دينية إسلامية صحيحة أصيلة منطلقة من مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحفظ المقاصد الخمس الأساسية وهي ما يسميها الأصوليون المقاصد الكلية التي جاء الدين لتحقيقها، وهي أن يحفظ للناس (دياناتهم وأنفسهم وعقولهم وأنسالهم وأموالهم). أما بالنسبة للمحور الديمقراطي، يرى الأردن أن غياب الديمقراطية غالبا ما يؤدى إلى ازدهار ثقافة العنف والتطرف بأشكالها المختلفة. ومن ثم، دعت الإستراتيجية إلى تعزيز القيم الديمقراطية في الحرية والعدالة والمساواة واحترام الأديان والأقليات ونبذ التشدد الديني والطائفي. وفى يخص محور حقوق الأنسان، دعت الإستراتيجية المطروحة إلى تأصيل قيم التسامح والتعددية وثقافة احترام حقوق الإنسان وترسيخها وقبول الآخر من خلال المؤسسات المعنية بالتوجيه والتربية مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ووزارة الثقافة والمؤسسات الشبابية والإعلامية ودائرة الإفتاء.

أثارت تلك الإستراتيجية منذ نشرها في وسائل الإعلام المحلية الكثير من النقاش، وردود الفعل الواسعة منها الإيجابي، من حيث أنها استراتيجية تشاركّية، حيث تتكاتف فيها جهود جميع المؤسسات المعنية الرسمية وغير الرسمية في البلد. ومنها السلبي الذي يتعلق بنقد مضمون وشكل الإستراتيجية وتوزيع الأدوار بين الفاعلين فيها، وضعف التنسيق بين الجهات الشريكة في الإستراتيجية.

 – تقيم الاستراتيجية الوطنية الأردنية لمكافحة  التطرف العنيف

  أهم الانتقادات التي وجهت لتلك الإستراتيجية هو أنها تعاني من ضعف شديد في إدراك الأسباب والمداخل التي يتسرب منها الفكر المتطرف، كما أخفقت أيضا في إيجاد روابط قوية متينة بين المؤسسات والوزارات ودفعهم على التنسيق في ما بينهم لبناء خارطة متكاملة. فعلى الرغم من تأسيس “وحدة مكافحة التطرف الديني العنيف والإرهاب” في الأردن المنبثقة عن الاستراتيجية الوطنية  ، إلاّ أنّ التصور الرسمي لها بقي متذبذباً غير مدرك للدور الذي يمكن أن تؤديه على الصعيد المدني، فتم ربطها بداية بوزارة الداخلية، ثم نقلها إلى وزارة الثقافة ،  ثم نقلها مرة أخرى الى رئاسة الوزراء ،حيث قرّر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها ، الأحد، 19/8/2018 برئاسة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزّاز، نقل “وحدة مواجهة التطرّف” من وزارة الثقافة إلى رئاسة الوزراء، وذلك لتوسيع نطاق عملها، وتفعيل دورها في مواجهة أفكار التطرّف ، علماً بأن هذه الوحدة لم تخصص لها موارد مالية  حقيقية، ولم تعط نفوذاً للدخول إلى عمل المؤسسات والوزارات المعنية والتنسيق الكامل معها([15]).

وعلى الرغم من أن اهم ما يميز الإستراتيجية الوطنية هو أنها تشاركّية، إلا أن ملفها لا زال يصنف على انه “سري” ويخضع لإشراف دائرة المخابرات العامة، مديرية الأمن العام، وزارة الداخلية، وزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة الأوقاف. كما يؤخذ على الإستراتيجية أيضا أنها لم تطرق الإستراتيجية إلى الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدى إلى التطرف منها فشل مشاريع التنمية، وتفشى الفقر والبطالة، وغياب العدالة الاجتماعية، والفساد، واحتكار الثروة، بل سلكت الطريق السهل والمتمثل في إصدار بعض القوانين الملائمة مثل قانون صندوق الاستثمار الأردني، وفى تعديل الدستور وفقا لمتطلبات الموسم الانتخابي.

تطرقت الإستراتيجية أيضا لدور وزارتي التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي وتناولت موضوع تحديث لمناهج بشكل يتوافق مع “الإسلام الوسطى” وهو مصطلح غير مضبوط علميا ولا يوجد له تعريف دقيق. وبدلاً من أن تقوم الإستراتيجية المقترحة بتقييم أداء وزارة الأوقاف التي تشكل “المنظومة الفكرية الإسلامية” التي ترعاها أحد مصادر التطرف، قامت الإستراتيجية بمحاولة تبرئة الوزارة من تلك الاتهامات وعمدت إلى تعزيز قدراتها وتمكينها من خلال زيادة عدد الوعاظ والأئمة والمؤذنين([16]).

بالإضافة إلى ذلك، تبنت الإستراتيجية مقاربة لمواجهة التطرف تمكن كلا من وزرارة الأوقاف ودائرة الإفتاء من احتكار شرعية الحديث باسم الإسلام وتفسيره وتأويله، حيث قدمت بعض الخطوات الإجرائية التي  تتحكم في منظومة الوعظ، والإرشاد والخطابة والمساجد لضمان الالتزام بالخطاب الديني للسلطة. ومن الجدير بالذكر أن تلك الشرعية التي يُراد احتكارها لا تعترف بها تيارات الإسلام السياسي العنيفة وغير العنيفة مما يساهم في تعزيز حجج تلك التيارات من خلال متناقضة الاعتدال التي تتبناه تلك الإستراتيجية.

وعلى ضوء هذه المحاور الثلاثة  تم تقديم  اطر عمل مجموعة من هذه المؤسسات وأدوارها، إضافة إلى مصفوفة سياسات أجهزة الدولة الأردنية وإجراءاتها التنفيذية.

ومن وجهة نظري الخاصة ؛ أعتقد أن بِنّية الخطة صيغت بطريقة دينية وعظّية. ومعظمها له علاقة مباشرة بتحسين ظروف وبيئة العمل في الوزارات والمؤسسات المشاركة في الخطة، وليس في كيفية معالجة الإرهاب والتطرف العنيف.

وأظن أن البعض في المؤسسات والوزرات ؛ أعتقد أن حماس الدولة والنظام لمكافحة التطرف العنيف والارهاب وإعداد استراتيجية فعالة بهذا الشأن ، فرصة مناسبة لطرح متطلباته (التي قد تكون حقة ومشروعة) خاصة بالدعم المالي وتحسين ظروف العمل لديها.

ولذلك نلاحظ أن وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، ودائرة الإفتاء العام  تصدرت قائمة الأطراف الفاعلين المشاركين في الخطة البالغ عددها (14) طرفاً ، والتي قدمت ما مجموعة (195) مقترحاً إجرائياً،  30% منها قُدم من وزارة الأوقاف ودائرة الإفتاء ،  حيث قدمّتا (59) مقترحاً،( 10) منها لدائرة الإفتاء ؛ أذكر من أهمها : معالجة النقص الحاصل في الخطباء والأئمة والمؤذنين بما يضمن سد النقص المقدر بـ: (3300) وظيفة إمام و(700) وظيفة مؤذن بحجة ضمان التوجيه السليم وعدم السماح بتحويل هذه المساجد مرتعاً للفكر المتطرف. وضبط عمليات جمع التبرعات المالية والعينية في المساجد بشكل تام وسليم واقتصارها على اللجان المرخص لها حسب الأصول، وإجراء المقتضى القانوني بحق المخالفين. وضع برنامج للإشراف على الأنشطة الوعظية والدينية في مخيمات اللاجئين السوريين. وتفعيل التنسيق مع وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية لوضع البرامج والخطط اللازمة لإطلاق برنامج حوار مع المتطرفين في مراكز الإصلاح والتأهيل . وتقديم رؤية تتضمن آليات اطلاق حوار مع المعتدلين من اتباع التيار السلفي المعتدل وجماعة الدعوة والتبليغ والمتصوفة لغايات كسب تأييدهم وضمان عدم انحيازهم إلى الصف المقابل، وذلك لتفويت الفرصة على المتربصين، بما يضمن إيجاد تقارب ديني وطني بين هذه الجهات، على أن تكون وزارة الأوقاف مرجعية العمل الدعوي. وتكثيف الجهود ووضع الخطط اللازمة لنشر الفكر المستنير وبيان صورة الإسلام بوسطية واعتدال وخاصة في المدن التي تشهد تمدداً للفكر التكفيري (معان، الزرقاء، الرصيفة، إربد، السلط، الكرك). ومتابعة الفتاوى الصادرة عن الأحزاب والأفراد والتنظيمات المتطرفة التي تخالف النصوص الشرعية ودراستها والرد عليها وبيان بطلانها ودحضها،  وإنشاء مرصد متخصص لهذه الغاية ،وعقد الندوات والملتقيات العلمية والمؤتمرات والمشاركة في الندوات الداعية إلى الوحدة ونبذ العنف والتطرف وجميع مظاهر الإرهاب بأشكاله المختلفة.

أما أبرز اقتراحات الأطراف الأخرى(على سبيل المثال) فهي: اقتراح وزارة الثقافة مواصلة البرنامج الثقافي لمراكز الإصلاح والتأهيل بالتعاون مع مديرية الأمن العام. وتبني تأليف كتب وأبحاث ومسابقات في التأليف حول الفكر المتطرف وجذوره وسبل معالجته والإرهاب وأسبابه وسبل مقاومته. وعقد المؤتمرات المتخصصة في إشاعة الفكر المعتدل ومقاومة الفكر المتطرف. واقترحت وزارة الداخلية عدم السماح بترخيص أحزاب ذات طابع ديني، سواء أكانت إسلامية أو مسيحية أو غيرها.

أما وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فاقترحت الطلب إلى المركز الوطني لتكنولوجيا المعلومات السيطرة على مواقع التنظيمات المتطرفة والتكفيرية التي تبث فكر التكفير أو تشجع عليه أو تدعو له أو تشكل وسيلة تواصل بين عناصره على شبكة الإنترنت العالمية.

فيما اقترحت القوات المسلحة تعديل منهاج العلوم العسكرية الذي يدرس في الجامعات الأردنية وكليات المجتمع ومدارس الثقافة العسكرية المنتشرة في محافظات المملكة كافة وتطويره والتركيز على مناهضة التطرف والفكر التكفيري
واستمرار “كلية الدفاع الوطني” في إجراء المزيد من الدراسات عن التطرف والفكر التكفيري وأثره على الأمن الوطني. وضع منهاج لمكافحة الفكر المتطرف لغاية تدريسه في جامعة مؤتة (الجناح العسكري) وجميع الكليات والمعاهد العسكرية.

وبالفعل قامت “كلية الدفاع الوطني” بطرح برنامج ماجستير لمدة سنه يتكون من 36 ساعة دراسية بعنوان” استراتيجيات مواجهة الإرهاب والتطرف” تخرج الفوج الأول منه عام 2018م.وتم تأسيس مركز لمكافحة التطرف تابع إدارياً  لكلية الدفاع بتمويل من الحكومة اليابانية .

واقترحت مديرية الأمن العام استحداث شعب وأقسام متخصصة مهنياً لمكافحة الفكر المتطرف ومتابعة مستجداته لدى إدارة الإفتاء ولدى الأمن الوقائي. وتطوير مهارات المحاورين في مجال مواجهة المتطرف والفكر التكفيري سواء أكان ذلك لدى مرتبات إدارة الإفتاء أو الأمن الوقائي من خلال دورات متخصصة. تعزيز دور “مراكز الإصلاح والتأهيل” في مكافحة الفكر المتطرف من خلال، والاستمرار في سياسة عزل النزلاء المتطرفين عن باقي النزلاء، وتفعيل برامج الحوار مع النزلاء المنتسبين إلى الجماعات المتطرفة  التنظيمات الإرهابية ، مع إمكانية والاستفادة من المتعافين من الفكر المتطرف نتيجة الحوار في محاورة النزلاء ، ووقاية وتحصين باقي النزلاء من الانخراط في هذا الفكر، وشمول المتعافين من الفكر التكفيري بعد خروجهم من تلك المراكز بخدمات “الرعاية اللاحقة” بالتعاون مع الجهات المعنية مثل: وزارة العمل ووزارة التنمية الاجتماعية وصندوق الزكاة.
وعدم السماح للمنظمات الحقوقية غير الحكومية بزيارة “مراكز الإصلاح والتأهيل” إلا بعد التنسيق مع “المركز الوطني لحقوق الإنسان”.

بشكلٍ عام هناك الكثير من الاقتراحات التي تم تنفيذها بالفعل خاصة على الجانب العسكري والأمني ، وهناك مقترحات أخرى لم تنفذ بعد ، وأخرى قيد المتابعة والتنفيذ لكن لم يصرح عنها كبرنا وتنفيذاً لهذه الاستراتيجية هناك برنامج ممول بالكامل  من” برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” للحوار مع المتهمين بقضايا الإرهاب والمتطرفين دينياً في “مراكز الإصلاح والتأهيل “، حيث أكد وزير التنمية السياسية السابق / خالد الكلالدة (2015) بأن وزارة الداخلية بدأت برنامجًا داخل مراكز الإصلاح والتأهيل للحوار مع من يحملون الفكر التكفيري مع رجال الدين المتخصصين لمناقشتهم بالنصوص الدينية التي يتذرعون بها .

ويصنف ملف ” الاستراتيجية الوطنية لمواجهة التطرف العنيف” الذي يتكون من 400 صفحة  على أنه “سري”( [17] ) وانه يخضع لإشراف دائرة المخابرات العامة ، مديرية الأمن العام ، وزارة الداخلية ، وزارة التنمية الاجتماعية ، ووزارة الأوقاف.

وكان  مدير مديرية مكافحة التطرف والعنف الأسبق/ شريف العمري قد أكد في تصريحات لصحفية الغد الأردنية (18 أكتوبر 2016م ) الانتهاء من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف مع نهاية2017 ، مؤكداً أن الاستراتيجية ممولة من” برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”([18]).

وتشمل  الاستراتيجية عدة محاور أبرزها: الشباب و ، الأسرة،  والعمل، بحيث يعد فريق العمل خطته التنفيذية القابلة للعمل.
وكان مسؤولون رسميون اعتبروا أن الخطة الوطنية لمكافحة التطرف القديمة 2014م مطبقة على أرض الواقع، ضمن جداول زمنية محددة، لكنها واجهت  ضعف في  التنسيق بين الجهات الشريكة في الاستراتيجية([19]).
وقد أشاد تقرير لوزارة الخارجية الأميركية حول الإرهاب، بجهود وإجراءات الأردن في مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف وسعيه لإضعاف الإيديولوجية العنيفة، التي تدعم “داعش” وغيرها من المنظمات المتطرفة العنيفة، لكنه؛ سجل بعض الانتقادات لسير وشروط تنفيذ بعض محاور الاستراتيجية الوطنية الأردنية([20]).

وستكون هذه الاستراتيجية ؛ التي تبدو من حيث الشكل غاية في الأهمية والبساطة والوضوح ، هي المرشد و”كتالوج” النموذج الأردني في كيفية مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف ، وعليها تم تصميم التجربة الأردنية في ملف السلم المجتمعي وإعادة التأهيل والاندماج والرعاية اللاحقة للمتهمين بقضايا الإرهاب والتطرف العنيف في “مراكز الإصلاح والتأهيل الأردنية”.

لكن مشكلة هذا البرنامج – حسب مصادر إعلامية – أن نتائجه ما تزال محدودة، وغير مكتمل، في طريقة التعامل مع المستنكفين عن هذا الفكر، سواء داخل السجن أو خروجهم من السجن وإعادة تأهيلهم، مقارنةً ببرامج أكثر فعالية، مثلاً، في السعودية وفي المغرب العربي في التعامل مع أفراد هذه الجماعات، أو حتى برامج أوربية لإعادة تأهيلهم.

وعلى الرغم من التقييم الإيجابي لنتائج هذا البرنامج من قبل الأشخاص (الذين تحدثت معهم) في الأجهزة الأمنية، و وزارة الثقافة ، لكن ؛ وللأسف الشديد فأن  النتائج الحقيقية لهذا البرنامج ، ليست معروفة لدى الخبراء والمتابعين والدارسين والإعلاميين ، وليس هناك شفافية وحرية للوصول للمعلومات حول تفاصيل هذا البرنامج وإنجازاته حتى الآن.

في النهاية؛ أعتقد بأنه من الضروري إخضاع البرنامج لمبدأ الشفافية و للتقييم النقدي، والتغذية الراجعة، وتعزيزه بخبراء في علم نفس والسياسة، والاجتماع والشريعة، وأشخاص خبراء في الإرهاب والتطرف العنيف مؤهلون للحوار والنقاش مع حملة الأفكار الإرهابية، وتقيم البرنامج باستمرار. وتسهيل حصول الباحثين والدارسين والإعلاميين على المعلومات اللازمة حوله ضمن إطار  المبدأ الاستخباري المعروف  “الحاجة الى المعرفة”  بما يساهم في النهاية في تشارك كافة الأطراف الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في مسيرة مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف. دون المساس بالأمن الوطني أو الدولي أو كشف أي عمليات استخبارية جارية .

في ضوء الارتفاع المحتمل للعمليات الإرهابية على المستوى المحلى ، واحتمال عودة المزيد من المقاتلين الأردنيين الى الأردن ؛ أعتقد بأنه  يجدر بنا إعادة النظر في تلك الإستراتيجية الوطنية وتقيمها، نظرا لان بنية تلك الإستراتيجية قد صيغت بطريقة دينية وعظّية، ومعظم بنودها مرتبطة فقط بتحسين ظروف وبيئة العمل في الوزارات والمؤسسات المشاركة في الإستراتيجية، وليس في كيفية معالجة الإرهاب والتطرف.

وحتى يتسنى لتلك الإستراتيجية أن تنجح، فمن الضروري إخضاعها لمبدأ الشفافية والتقييم النقدي، والتغذية الراجعة، وتسهيل حصول الباحثين والدارسين والإعلاميين على المعلومات اللازمة حوله ضمن إطار المبدأ المعروف “الحاجة إلى المعرفة” بما يساهم في النهاية في تشارك كافة الأطراف الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في مسيرة مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف دون المساس بالأمن الوطني أو الدولي. كما يجب تعزيز تلك الإستراتيجية بخبراء في علم نفس والسياسة، والاجتماع والشريعة، وأشخاص خبراء في الإرهاب والتطرف العنيف مؤهلون للحوار والنقاش مع حملة الأفكار الإرهابية. ومن ثم، فإن إشراك قطاعات واسعة من المجتمع الأردني بشكل يتجاوز القنوات الحكومية التقليدية، سيساعد السياسية الأردنية في مجال مكافحة الإرهاب لأن تصبح أكثر فعالية وأكثر مراعاة للتهديدات الحالية والمستقبلية.

المراجع العربية

1- الشَرَفات ، سعود (2011)،العولمة والارهاب :عالم مُسطح أم وديان عميقة ، دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع ،عمان –الأردن ، الطبعة الأولى ، مطبعة السفير ، ص61.

2- حسن أبو هنيّة، محمد أبو رمان وأخرون (2016)، مؤسسة فريدريش ايبرت مكتب عمان، وسائل منع ومكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والغرب 32-42.

3- حامد السعيد(2014)، إصلاح المتطرفين، مجلة يونيباث العسكرية، على الرابط :

 http://unipath-magazine.com/ar/%D8%A5%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81%D9%8A%D9%86/

4- حسين هزاع المجالي، محمد أبو رمان (2016). صحيفة الغد الأردنية، مركز الدراسات الاستراتيجية في- الجامعة الأردنية، سلسلة أوراق العمل. دروس من الحدث في مكافحة الإرهاب والتطرف، على الرابط :

http://www.alghad.com/articles/1025072-%D8%AF%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81.

  5- الطراونة ، محمود(2016)، استراتيجية وطنية جديدة لمكافحة التطرف، صحيفة الغد الأردنية، على الرابط:             

http://www.alghad.com/articles/1194092-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81.

6- المصري، ريم 2015). موقع حبر الإلكتروني الأردني،  قانون منع الإرهاب: بين ملاحقة الفكر الإرهابي والرأي المعارض، على الرابط:      

https://www.7iber.com/2015/07/charges-under-anti-terrorism-law-jordan/.

7- الموقع الرسمي لمديرية الأمن العام، إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل (2018)- على الرابط https://www.psd.gov.jo/index.php/ar/2015-01-19-08-25-06/2015-03-16-07-08-32-

8- -صحيفة عربي 21، لندن (2018) ماذا قال البغدادي عن هجوم الفحيص وعملية السلط؟ على الرابط:

https://arabi21.com/story/1117609/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%82%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%B9%D9%86-%D9%87%D8%AC%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AD%D9%8A%D8%B5-%D9%88%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7:

المراجع الإنجليزية

– 1Al-Sharafat, Saud (2018) Assessing Jordan’s National Strategy to Combat Violent Extremism, The Washington Institute for Near East Policy. https://www.washingtoninstitute.org/fikraforum/view/assessing-jordans-national-strategy-to-combat-violent-extremism.

-2 Angell, Ami and Rohan Gunaratna (2011) Terrorist Rehabilitation: The U.S. Experience in Iraq. Boca Raton, FL: CRC Press: 230–233, 270.

-3 Anne, Speckhard (2017) The Jihad in Jordan: Drivers of Radicalization into Violent Extremism in Jordan, The International Center for the Study of Violent Extremism (ICSVE), http://www.icsve.org/research-reports/the-jihad-in-jordan-drivers-of-radicalization-into-violent-extremism-in-jordan/.p.

-4 Rohan Gunaratna (2011) Terrorist rehabilitation: a global imperative, Journal of Policing, Intelligence and Counter Terrorism, 6: 1, 65-82, DOI: 10.1080/18335330.2011.553182.

-5 Rohan Gunaratna (Author, Editor), Mohamed Bin Ali (Editor)(2015), Terrorist Rehabilitation: A New Frontier in Counter-terrorism (Imperial College Press Insurgency and Terrorism),p5.

-6The Washington Institute for Near East Policy) 2018), Taking Stock of U.S. Counterterrorism Efforts Since 9/11, https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/policy-forum-july-10-2018.

– 7Official website of the Department of Homeland Security,(2016) Countering Violent Extremism Task Force, What is CVE?, https://www.dhs.gov/cve/what-is-cve.

– 8The Institute for Economics & Peace (IEP) http://visionofhumanity.org/app/uploads/2017/11/Global-Terrorism-Index-2017.pdf.

[1] – The Institute for Economics & Peace (IEP) http://visionofhumanity.org/app/uploads/2017/11/Global-Terrorism-Index-2017.pdf.

[2] – Rohan Gunaratna (Author, Editor), Mohamed Bin Ali (Editor)(2015), Terrorist Rehabilitation: A New Frontier in Counter-terrorism (Imperial College Press Insurgency and Terrorism),p5.

[3] – Ami ,Angell and Rohan, Gunaratna ()Terrorist Rehabilitation: The U.S. Experience in Iraq

[4] – Rohan Gunaratna (2011) Terrorist rehabilitation: a global imperative, Journal of Policing, Intelligence and Counter Terrorism, 6:1, 65-82, DOI: 10.1080/18335330.2011.553182

[5] – Anne, Speckhard(2017) The Jihad in Jordan: Drivers of Radicalization into Violent Extremism in Jordan, The International Center for the Study of Violent Extremism (ICSVE), http://www.icsve.org/research-reports/the-jihad-in-jordan-drivers-of-radicalization-into-violent-extremism-in-jordan/.p.

[6]الشَرَفات ، سعود (2011)،العولمة والارهاب :عالم مُسطح أم وديان عميقة ، دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع ،عمان –الأردن ، الطبعة الأولى ، مطبعة السفير ، ص61.

   [7] – الموقع الرسمي لمديرية الأمن العام، إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل(2018)،على الرابط                                         

https://www.psd.gov.jo/index.php/ar/2015-01-19-08-25-06/2015-03-16-07-08-32

2-  الموقع الرسمي لمديرية الأمن العام، إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل(2018)،على الرابط :

: https://www.psd.gov.jo/index.php/ar/2015-01-19-08-25-06/2015-03-16-07-08-32

3-  المرجع السابق                                                                                                                                                               

[10] -المرجع السابق

[11] -المرجع السابق .

[12]–   -صحيفة عربي 21، لندن (2018) ماذا قال البغدادي عن هجوم الفحيص وعملية السلط؟

على الرابط

https://arabi21.com/story/1117609/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%82%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%B9%D9%86-%D9%87%D8%AC%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AD%D9%8A%D8%B5-%D9%88%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7:

[13] – Al-Sharafat, Saud (2018) Assessing Jordan’s National Strategy to Combat Violent Extremism, The Washington Institute for Near East Policy, https://www.washingtoninstitute.org/fikraforum/view/assessing-jordans-national-strategy-to-combat-violent-extremism.

[14]–  Official website of the Department of Homeland Security,(2016) Countering Violent Extremism Task Force, What is CVE?, https://www.dhs.gov/cve/what-is-cve.

[15]الشرفات ،سعود (2018)مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب https://web.facebook.com/%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2-%D8%B4%D9%8F%D8%B1%D9%8F%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-720413651425203

[16] – Al-Sharafat, Saud (2018) Assessing Jordan’s National Strategy to Combat Violent Extremism, The Washington Institute for Near East Policy, https://www.washingtoninstitute.org/fikraforum/view/assessing-jordans-national-strategy-to-combat-violent-extremism.

[17] -المرجع السابق

[18] -[18]  محمود الطراونة(2016) استراتيجية وطنية جديدة لمكافحة التطرف ،  صحيفة الغد الأردنية ، على الرابط :

         http://www.alghad.com/articles/1194092-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81

[19]المرجع السابق .

[20] -المرجع السابق

رابط مختصر…. https://www.europarabct.com/?p=48271

* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

الدكتور سعود الشرفات

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...