بون ـ جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي والإرهاب و رئيس المركز الأوروبي ECCI
تشهد أوروبا شكل جديد من التطرف والإرهاب من الداخل، يتماشى مع متطلبات الجماعات المتطرفة والذي يقوم على استقطاب الشباب عن بعد وعبر الإنترنيت، أكثر من المنابر الحقيقية. تسعى الجماعات المتطرفة إلى تحقيق أهداف سياسية وأيديولوجية مختلفة، ولكنها تتبنى استراتيجيات متشابهة في ممارسة العنف وجميعها تعتمد على نشر الخوف والرعب. تعمل الجماعات المتطرفة بشكل منظم على استغلال وسائل التواصل الإنترنيت واستثمارعولمة الإنترنيت. وهذا مايمثل تحدي كبير إلى الحكومات واجهزة الاستخبارات.
يساهم الاتحاد الأوروبي في جهود مكافحة الإرهاب من خلال الكشف عن مسارات الإرهاب في الاتحاد الأوروبي. وقد أثرت الهجمات الإرهابية بشكل مباشر على الدول الأعضاء خاصة في غرب أوروبا وألقت ونجحت بعض الدول الأوروبية خاصة ألمانيا بتنفيذ عمليات استباقية وأخرى وقائية، لمنع وقوع عمليات إرهابية. لا تزال الدول الأعضاء تنظر إلى الإرهاب الإسلاموي “الجهادي” باعتباره التهديد الإرهابي الأكثر بروزًا للاتحاد الأوروبي . مؤشر الإرهاب في أوروبا لعام 2023
بعد إن كانت الجماعات المتطرفة تعتمد على أن تكون تنظيماتها مركزية وهي من تقوم بأدارة فروعها وتمويلها وترتكز هذه التنظيمات والفصائل على “كارزيما” وعلاقات زعاماتها وقياداتها، الأن نحن أمام إرهاب غير مركزي، مناطقي يترك للتنظيمات، اختيار الأهداف والتشغيل المناطقي والمقصود: إن هذه الجماعات المتطرفة المناطقية هي من تخطط وتنفذ وتحصل على التمويل من مصادرها التي تتركز في “الجزية” والاتاوات وقطع الطرف والرهائن وتهريب البشر وسوق السلاح السوداء والعملات المشفرة. ويتسم مشهد التطرف والإرهاب في أوروبا بضمنه دول الاتحاد الأوروبي، بتنفيذ هذه الجماعات المتطرفة عمليات الذئاب المنفردة، بسبب عدم قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية واسعة، ويعود ذلك بفضل الجهود التي تبذلها الاستخبارات الأروبية في ممكافحة الإرهاب.
أنظر قائمة بعض العمليات الإرهابية لعام 2023… قائمة العمليات الإرهابية في بعض دول أوروبا
إرهاب داعش في أوروبا
شهدت أوروبا خلال عام 2015 موجة إرهاب عابر للحدود، اثرت كثيراً على وواقع الأمن والأستقرار في أوروبا واحدثت الكثير من الانقسامات داخل مجتمعات أوروبا من خلال نشر الكراهية والعنف والتطرف والإرهاب. لكن اليوم شكل الإرهاب اختلف في اوروبا، ليكون في الغالب عمليات “ذئاب منفردة” محدودة وتقليدية، وأصبح تنظيم داعش ، ولاية خراسان تستهدف في عمليات التأثير والتجنيد على جيل جديد من الشباب داخل أوروبا، في الغالب يكونوا من المراهقين وتحت سن العشرين عاماُ وربما يكونوا من اصول مهاجرة، من جنوب ووسط آسيا ومن الشرق الأوسط. وهذا يعني إن الإرهاب في أوروبا اصبح محلياً، من الداخل ، غير مستورد، رغم أنه يقع تحت تأثير الدعاية المتطرفة على الإنترنيت من الخارج.
التطرف الذاتي؟
يبدأ الأمر على منصات الأنترنيت والتي تجذب الشباب جدًا ويتم تشغيلها بشكل كبير من خلال الخوارزميات. إذا قمت بالنقر ثلاث مرات على مقطع فيديو يتعلق بفلسطين، على سبيل المثال، فلن ترى سوى المحتوى ذي الصلة فقط. ولأن هذه المنصات تعمل من أجل السيطرة على محتواها، فمن السهل على المستخدمين استهلاك الدعاية “الجهادية”. وينتهي الأمر بالمستهدفين في مجموعة مغلقة. هناك، داخل المجموعات المغلقة يتبادلون المعلومات المشفرة مع آخرين لديهم اهتمامات مماثلة. يرسلون لبعضهم البعض مقاطع فيديو عن الهجمات ويتحمسون للعنف المصور وينصب التركيز دائمًا على التخيلات العنيفة، حيث تلعب الأيديولوجية دورًا ثانويًا.
“جهاديو” أوروبا في سوريا والعراق
كان هناك حوالي “5500” مقاتل أوروبي في سوريا والعراق كانوا إما قادمين البعض ولدوا لأبوين من مواطني الاتحاد أوروبا. وكشف الباحثان البلجيكيان توما رينار وريك كولسايت، الخبيران بشؤون المتشددين بمعهد إيغمونت في بروكسل تأتي فرنسا على رأس قائمة المعتقلين الأوروبيين، تليها ألمانيا وهولندا والسويد وبلجيكا. لايزال ملف المقاتلين الأجانب في مخيمات سوريا موضع نقاش وجدل بدون حلول جذرية، وهذا يمكن ان يخلق من جديد ” محركات” إرهاب متطورة وجيل جديد من التطرف العنيف. “جهاديو” أوروبا كانوا يحصلون على امتيازات واسعة داخل التنظيم أكثر من المقاتلين المحليين وكان لهم تاثير كبير في عمليات التجنيد، بينهم الألماني : دنيس كوسبرت، وجاسم موازي من بريطانيا.
أوروبا، بؤرة التقاء المتطرفين
كشفت التقارير الكثير من الحقائق حول خلية هامبورغ ـ 11 سبتمبر 2001 ومنها العوامل التي تدفع قيادات “جهادية” من اتخاذ المانيا وبعض دول أوروبا نقطة انطلاق لأنشطتها وعملياتها الإرهابية. كانت مدينة هامبورغ ، نقطة أنطلاق خلية هامبورغ الإرهابية. وكان “الداعية” “أبو ولاء ” يخطب علناً ويعطي دروساً دينية في مسجد بمدينة هيلدسهايم الألمانية خلال عام 2014. ويقوم بعمليات التجنيد المباشر والتحاق الشباب من داخل أوروبا بتنظيم داعش في العراق وسوريا. شهدت دول أوروبا خاصة، إستقطاب و ترحيب الى “الجهاديين” رغم تورط هذه العناصر والجماعات في عمليات إرهابية في اوطانهم. أوراراق الإستخبارات البريطانية على سبيل المثال كشفت الكثير عن اسرار علاقة الإخوان بالاستخبارات البريطانية،أبرزهم : صطفى كمال مصطفى الشهير بـ ” أبو حمزة المصري و”أنجم تشودري” في بريطانيا. بالتفصيل المقاتلون الأجانب في سوريا، مواقعهم، وجنسياتهم وعديد المعتقلين والفارين
جيل “داعش أوروبا” الجديد
في الوقت الحالي، لايحتاج تنظيم داعش إرسال مقاتلين جدد إلى أوروبا كما فعل في عامي 2014 و2015 لكن يتم استثمار المتعاطفين مع التنظيم. خطاب تنظيم داعش يقول:[” أنتم يمكنكم أن تصبحوا مقاتلين ولا تحتاج إلى القدوم إلى سوريا أو الانضمام إلى داعش، كل ما عليك فعله هو تسجيل مقطع فيديو والاعتراف بتنظيم داعش قبل اتخاذ أي إجراء، ثم نعترف لك، وأنت مقاتل داخل التنظيم يحق لك العمل و”الشهادة”]. وبهذه الطريقة، يعمل تنظيم داعش على زيادة قدراته وامكانياته. وهناك استراتيجية أخرى تتمثل في قيام قيادات تنظيم داعش بالبحث عن المجندين المحتملين في مساحات الإنترنت ومن ثم توجيههم كموجهين. التنظيم يستخدم الخوارزميات والذكاء الأصطناعي من أجل فرز والوصول إلى أشخاص لديهم ميول ونزوح نحو التطرف العنيف عبر الإنترنيت. مكافحة الإرهاب دولياً ومحلياً.. القواعد الأساسية
النتائج
ـ تظل أوروبا عرضة للتهديد الإرهابي ونشر الدعاية “الجهادية” ضمن مساعي الجماعات المتطرفة لتجنيد عناصر جديدة وكسب أنصار جدد من داخل أوروبا. استهداف أوروبا، تنفيذ عمليات إرهابية فيها يعني الكثير لهذه الجماعات، يعطيها الكثير من “المصداقية اولحضور في المشهد الجهادي” والحصول على مزيد من التمويل.
ـ مايحصل الآن من تطرف وإرهاب في أوروبا هو نتيجة سياسات أوروبية متراخية ولينة سابقة والبعض منها ربما كانت مقصودة، لتفريغ أوروبا من “الجهاديين” واستقطاب الإرهاب في منطقة الشرق الوسط وأحياناً تداخل ذلك في اجندات جيوسياسية
ـ بات متوقعاُ أن يكون مشهد الإرهاب في أوروبا على غرار الذئاب المنفردة، وتكون عمليات محدودة مثل بالطعن بالسكين، ومن المستبعد ان تنجح الجماعات المتطرفة بتنفيذ عمليات واسعة في اوروبا ويعود ذلك إلى الجهود التي تبذلها الحكومات والاستخبارات في مكافحة الإرهاب في أعقاب موجة الإرهاب عام 2015.
التوصيات
ـ إيجاد آلية لمعالجة ذلك ابرزها : الأستجابة وارد السريع لتحييد المهاجمين، باعتماد مفارز متحركة في المناطق العامة واعتماد الاجراءات التقليدية في حماية التجمعات عند المناسبات.
ـ تعزيز ميزانية اجهزة الأمن وتعزيز مواردها البشرية من أجل تمكينها في مواجهة التهديدات المتطورة. تعتمد ألمانيا بشكل كبير على المعلومات والتحذيرات الواردة من الخارج، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، لذا يجب أن يكون الهدف تطوير ودعم إلى وكالات الاستخبارات من أجل ضمان الوقاية والملاحقة القضائية الفعالة.
ـ تعزيز صلاحيات اجهزة الأمن ـ الاستخبارات أكثر وبشكل لا يتعارض مع قواعد حقوق الإنسان.
ـ معالج تفعيل تطبيقات مقاربات لمعالجة “التطرف الكامن” داخل أوروبا، اكثر من عسكرة الأمن.
ـ تبقى محركات الإنترنيت وسيلة فاعلة عند الجماعات المتطرفة من خلال استهداف الشباب عبر وسائل التواصل الأجتماعي وغرف الدردشة المغلقة أكثر من المنابر على الأرض، وهذا يتطلب من دول أوروبا دوماً مراجعة اتفاقاتها مع محركات الأنترنيت.
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=96158