الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

أزمة أوكرانيا ـ كالينينغراد، الأهمية الإستراتيجية وسيناريوهات التوتر

يوليو 07, 2022

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ ألمانيا  وهولندا

 إعداد: اكرام زيادة، باحثة في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

أزمة أوكرانيا ـ كالينينغراد، الأهمية الإستراتيجية وسيناريوهات التوتر

تحولت كالينينغراد المنطقة المعزولة والمحاطة بكل من ليتوانيا وبولندا إلى أحدث نقطة توتر بين موسكو وبقية أوروبا، ضمن تداعيات الحرب في أوكرانيا.وتوصف كاليننغراد بانها راس حربة روسيا في أوروبا.التوتر جاء على خلفية اتخاذ ليتوانيا قراراً منتصف يونيو 2022  يقضي بمنع عبور عدد من السلع الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي من الأراضي الروسية إلى مقاطعة كالينينغراد؛ الجيب الروسي الواقع على بحر البلطيق، والذي تصل إليه السلع الروسية بواسطة السكك الحديدية عبر بيلاروسيا، وتحديداً عبر المعبر المعروف باسم “سوالكي”.

أهمية كالينينغراد الإستراتيجية بالنسبة لروسيا

يقع جيب كالينينغراد الروسي على بحر البلطيق بين بولندا في الجنوب وليتوانيا في الشمال والشرق، وتقدر مساحته بنحو 223 كيلومتر مربع فيما يبلغ عدد سكانها قرابة نصف مليون نسمة وتحمل عاصمة الإقليم اسم كالينينغراد.

كان هذا الجيب في السابق جزءا من شرق مملكة بروسيا الألمانية السابقة، وعقب هزيمة ألمانيا النازية في نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 جرى التنازل عن هذا الجيب لصالح الاتحاد السوفيتي في ذاك الوقت. وعقب سيطرة الروسي عليه تغير اسم المدينة الرئيسية في الجيب من “كونيغسبرغ” في بادي الأمر إبان الحكم الألماني إلى كالينينغراد فيما جرى إطلاق هذا الاسم على المنطقة بأسرها. والتي تقع على بعد أكثر من (300) كيلومتر إلى الشرق، من قبل جمهوريات الاتحاد السوفيتي آنذاك، ليتوانيا ولاتفيا وبيلاروسيا..

كانت كالينينغراد واحدة من أكثر أجزاء الاتحاد السوفيتي عسكرة وانغلاقاً، وكان الجيش هو الدعامة الاقتصادية الرئيسية للمنطقة خلال الحقبة السوفيتية.  وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبح جيب كالينينغراد جزاء من روسيا الاتحادية. ووجدت كالينينغراد نفسَها معزولة جغرافياً عن روسيا، وقد تراجعَ التواجدُ الروسي العسكري فيها. لكن مع وصول فلاديمير بوتين إلى الحكم، أعاد ضخَ الدمِ العسكري فيها من جديد نظراً لموقعِها الإستراتيجي بالنسبة لروسيا.

تعتبر كالينينغراد ذات أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة لموسكو، إذ تضم أسطول البلطيق الروسي في ميناء بالتييسك، وهو الميناء الأوروبي الوحيد الخالي من الجليد في البلاد. ولطالما تمت الإشارة إليها على أنها “حاملة الطائرات غير القابلة للغرق” وطريق تجاري إلى روسيا عبر بحر البلطيق.

كما يُعتبر الجيب الروسي نقطة عسكرية روسية في أوروبا، إذ يضمّ المقر الرئيسي للأسطول الروسي في البلطيق، لكنه محاط بقوات الناتو المنتشرة في كلّ من استونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا.  ولمواجهة توسّع حلف شمال الأطلسي عززت موسكو وجودها العسكري في كالينينغراد، ونظمت فيها مناورات مهمة عدا عن نصب صواريخ تحمل رؤوساً نووية وأنظمة دفاع جوي

إضافة إلى أهميته الاستراتيجية الاقتصادية، حيث أصبح ميناء كالينينغراد نقطة مهمة من نقاط خط السكك الحديدية المار على طول خط الحزام والطريق، من الصين إلى أوروبا.  ويضم إقليم كالينينغراد مصنعاً للسكك الحديدية، ويوفر الخط الحديدي الرابط بين الصين والإقليم، مروراً بكازخستان وروسيا وبيلاروسيا وليتوانيا، طريقاً تجارياً سريعاً إلى بلدان الشمال الأوروبي. ومن خلال المدينة، تعبر القطارات ليتم تسليم الشحنات مباشرة إلى السفن في ميناء الإقليم، ثم نقلها مباشرة إلى الدول الإسكندنافية أو بريطانيا، وهو ما يقلل تكاليف التشغيل والشحن.

كما أن الإقليم يمثل جزءاً من الطموح الروسي إلى إكمال طوق الهيمنة على إمدادات الطاقة لأوروبا، وذلك عبر مشروع المحطة النووية “البلطيق”، التي بدأت موسكو إنشاءها في أبريل 2008. ويُنظر إلى هذا المشروع على أنه مشروع جيوسياسي، تريد موسكو من خلاله ضمان السيطرة على إمدادات الطاقة الكهربائية لدول البلطيق، ومن ناحية أخرى مواجهة مشروع ليتوانيا لبناء محطة طاقة نووية. ملف: أزمة أوكرانيا  دول البلطيق، ارتدادات حرب روسيا والناتو

كالينينغراد حصن نووي روسي

يتمتع جيب كالينينغراد في الغرب الروسي بوضع فريد فهو “منطقة عازلة طبيعية” قريبة من أوروبا ويوفر لروسيا فرصة لتهديد أوروبا، إذ تعرف كالينينغراد بخاصرة القارة العجوز الرخوة، ومن المحتمل أن يقدم بوتين على توجيه ضربته الأولى إلى أوروبا، انطلاقاً من تلك المنطقة. حيث تستعرض موسكو ما نشرته من أسلحة ومنظومات صواريخ.

تلك الورقة تلوح بها موسكو تزامناً مع غزوها لأوكرانيا، وتصاعد التشنج مع الغرب وحلف شمال الأطلسي (الناتو) إبّان فرض عقوبات غير مسبوقة على النظام الروسي

نشرت روسيا في عام 2013 صواريخ إسكندر الباليستية قصيرة المدى، القادرة على حمل رؤوس حربية نووية في الإقليم، وقالت حينها إن خطوتها جاءت ردا على خطط الولايات المتحدة لنشر نظام دفاع صاروخي باليستي في أوروبا

وتوفر أنظمة الرادار المراقبة الجوية لوسط أوروبا، وهي أيضا مزودة بنظام الدفاع الصاروخي الروسي “أس-400″، اضافة الى الرؤوس الحربية النووية المحمولة على صواريخ قصيرة أو متوسطة المنشورة في الجيب الموجود بقلب أراضي الناتو لروسيا ميزة ضربة أولى أكثر فاعلية، بسبب الوقت المحدود الذي تستغرقه الصواريخ للوصول إلى أهدافها في أوروبا

رغم أن موسكو لم تعترف بامتلاكها أسلحة نووية في جيب كالينينغراد، لكن في عام 2018 خلص اتحاد العلماء الأمريكيين إلى أن روسيا قامت بتحديث مخبأ لتخزين الأسلحة النووية في المنطقة بشكل كبير، بناءً على تحليل صور الأقمار الصناعية

ولطالما استخدمت روسيا هذا الجيب المعزول لتهديد أوروبا، حيث تستعرض موسكو ما نشرته من أسلحة ومنظومات صواريخ.  تلك الورقة تلوح بها موسكو تزامناً مع غزوها لأوكرانيا، وتصاعد التشنج مع الغرب وحلف شمال الأطلسي (الناتو) إبّان فرض عقوبات غير مسبوقة على النظام الروسي.

أعلنت موسكو في 5 مايو  2022 أن الجيش الروسي أجرى في كالينينغراد محاكاة لعملية إطلاق صواريخ نووية على مواقع معادية متخيلة في أوروبا. وزعم الكرملين أن هذه الخطوة كانت ضرورية لمواجهة الوجود العسكري الأميركي المتزايد في المنطقة.

وبعدما أرسل قواته إلى أوكرانيا في أواخر فبراير 2022، وجه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تهديدات شبه صريحة باستعداده لنشر أسلحة نووية تكتيكية.

وكان ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الرئيس الروسي السابق، قد هدد في 15 أبريل 2022 بنشر “قوات بحرية كبيرة في خليج فنلندا”، وقال “لا يمكن أن يكون هناك مزيد من الحديث عن وضعية لا نووية لبحر البلطيق”، في تهديد صريح بنشر أسلحة نووية في المنطقة خاصة كالينينغراد. أمن دولي ـ احتمالات استخدام الأسلحة البيولوجية أو النووية في الحروب

حصار كالينينغراد.. فتيل جديد للتوتر

أعلنت شركة السكك الحديدية الليتوانية، في 18 يونيو 2022 إن الشركة لن تسمح بعد الآن بعبور البضائع الروسية التي يعاقب عليها الاتحاد الأوروبي عبر الأراضي الليتوانية إلى كالينينغراد.

ويأتي قرار الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “ناتو (NATO) “في وقت يخشى فيه سكان الإقليم -المعزول عن روسيا وليس له حدود برية مشتركة معها- من نقص السلع بسبب تعطل الخدمات اللوجستية بالحد الأدنى إلى حين إيجاد سلاسل نقل جديدة في بحر البلطيق، كون هذا الإقليم تتوفر لديه إمكانية الوصول إلى البحر.

وتشمل السلع المدرجة في قائمة البضائع الروسية المحظورة من قبل الإتحاد الأوروبي (50%) من المواد التي تستوردها كالينينغراد، تتضمن الفحم والمعادن ومواد البناء والتكنولوجيا المتقدمة، وذلك إجراء تقول ليتوانيا إنّها لجأت إليه بسبب العقوبات التي فرضها الإتحاد الأوروبي، والتي هي عضو فيها.

وكان قد توصل الاتحاد الأوروبي وموسكو في عام 2002، إلى اتفاق بشأن السفر بين روسيا وكالينينغراد، قبل انضمام بولندا وليتوانيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004. ومنذ انضمام ليتوانيا إلى الاتحاد الأوروبي، بات من المستحيل السفر بين إقليم كالينينغراد وبقية روسيا برا من دون عبور أراضي دولة واحدة على الأقل في الاتحاد الأوروبي. وكانت هناك مناوشات، خاصة مع ليتوانيا، بشأن لوائح العبور.

الجدير بالذكر أن الحفاظ على العبور بين روسيا الاتحادية وجيب كالينينغراد عبر أراضي ليتوانيا كان أحد الشروط الأساسية لحصول ليتوانيا على عضوية الاتحاد الأوروبي؛ كما أن اتفاقية الشراكة والتعاون بين روسيا والاتحاد الأوروبي في 24 يونيو 1994، لم يتم إلغاؤها، وأن حرية العبور هي أحد المبادئ الأساسية لمنظمة التجارة العالمية.

توالت التهديدات الروسية لليتوانيا والاتحاد الأوروبي، على إثر ذلك، إذ لوح الكرملين باتخاذ إجراءات إنتقامية، معتبراً أن ما حصل هو حصار غير مسبوق وانتهاك للقوانين، مستنداً بذلك على البيان المشترك بين روسيا والإتحاد الأوروبي والذي صدر العام 2002، بشأن المرور بين ليتوانيا وكالينينغراد. ولم يتوقف الأمر عند حدّ التصريحات، بل استدعت موسكو مبعوث فيلنيوس وسفير الإتحاد الأوروبي لديها، للإعراب عن احتجاجها الشديد.

وصفت روسيا حظر العبور بأنه “حصار” وخطوة غير قانونية، حسب تعبير المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، حيث يعتمد جيب كالينينغراد بشكل كبير على الواردات من روسيا لتوفير الاحتياجات الأساسية، ووفقاً للقانون الدولي الحصار عمل من أعمال الحرب.

وقال رئيس لجنة حماية سيادة الدولة في مجلس الاتحاد الروسي، أندريه كليموف، إن حلف الناتو يبدأ حصاراً لأحد الكيانات الروسية، بيدَي ليتوانيا، وهو ما يُعد عدواناً مباشِراً على روسيا، يجبرها على اللجوء إلى الدفاع عن النفس. وإذا لم يقم الاتحاد الأوروبي حالاً بتصحيح الإجراء الوقح الذي قامت به فيلنيوس -عاصمة ليتوانيا-، فإنه بذلك يتبرّأ لنا من شرعية جميع وثائق عضوية ليتوانيا في الاتحاد الأوروبي، ويطلق أيدينا لاتخاذ قرار بشأن المشكلة التي تسبّبت بها ليتوانيا عبر فرضها حصار النقل على كالينينغراد، وفق أي وسيلة نختارها نحن”.

كما أكد رئيس مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن روسيا سترد على مثل هذه الأعمال “العدائية” والتي سيكون لعواقبها أثر سلبي خطير على سكان ليتوانيا، حسب توصيفه. لكنه لم يحدد كيف سترد روسيا، واكتفى بالقول إنها ستكون مشتركة بين الوكالات الروسية.

فيما قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: “آمل أن يكون لدى الليتوانيين بعض بقايا الاحتراف في تقييم الوضع، يجب أن يفهموا العواقب، وستأتي العواقب للأسف”.

كما هدد الجنرال الروسي يفجيني بوزينسكي الغرب وبريطانيا، قائلاً ” إن الغرب يلعب بالنار في محاصرة كالينينغراد، وإذا أدت المواجهة في ليتوانيا إلى اندلاع حرب نووية عالمية ثالثة فلن يبقى لبريطانيا وجود”

إن روسيا تجد حصار كالينينغراد – كجَيب روسي على البلطيق – اعتداءً كامل الأوصاف على سيادتها مباشرة، يتخطى كثيراً ناحية اختراق سيادتها، أو ناحية اختراق القانون الدولي، الأمر الذي عدته استهدافاً لها ولمصالحها، حين وضعت حماية مواطني جمهوريتي الدونباس (لوغانسك ودونيتسك)، مبرراً رئيساً من ضمن المبررات الأخرى، لقيامها بتنفيذ عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا، متجاوزة بذلك كثيراً من التقييدات والتعقيدات والصعوبات الدولية.

قالت الخبيرة إيما أشفورد لمجلة فورين بوليسي إن روسيا والاتحاد الأوروبي ليسا في حالة حرب حالياً، لكن حصار كالينينغراد يمكن أن “يغير هذا التوازن”. وأشارت إلى أنه يتعين على ليتوانيا والاتحاد الأوروبي وقف إجراءاتهما ضد كالينينغراد، لأن نقل البضائع إلى المنطقة ينتمي إلى التجارة الداخلية لروسيا. هذه ليست تجارة مع الاتحاد الأوروبي، إنها تجارة داخلية … روسيا مجبرة على عبور الأراضي الأوروبية. ”

الناتو وتحييد كالينينغراد

دعت العديد من مراكز الأبحاث الأمريكية إلى الاستيلاء على كالينينغراد وذكرت أن الاستيلاء على المنطقة أمر أساسي إذا أراد التحالف حرمان روسيا من التفوق البري والجوي المحلي، واستخدام ميناء أسطول البلطيق الروسي.  وكانت قد ذكرت مؤسسة جيمس تاون في 10 مارس 2022 أنه يجب على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الاستيلاء على كالينينغراد، بدءاً من حصار الأوبلاست عن طريق إغلاق الطرق والسكك الحديدية عبر ليتوانيا وبولندا ، وكذلك قطع أنابيب الغاز الطبيعي إليها ، على أمل لإحداث اضطرابات بين السكان يمكن أن يتبع ذلك هجوم مباشر. الهدف هو إخراج روسيا من قاعدتها البحرية الرئيسية التي تحمي وصول روسيا إلى بحر الشمال والمحيط الأطلسي.

هذا التقرير ليس المرة الأولى التي يقترح فيها مركز أبحاث أمريكي “تحييد” كالينينغراد الروسية في صراع. في عام 2017، أصدرت مؤسسة RAND تقريرها الخاص حول احتمالات نشوب صراع في كالينينغراد، متسائلة عما إذا كانت روسيا ستتعامل حتى مع هجوم على كالينينغراد على أنه “هجوم على الوطن الروسي”.

قبل أيام قليلة من بدء روسيا عملياتها في أوكرانيا، نفذت قاذفة استراتيجية أمريكية من طراز B52H محاكاة لقصف قاعدة كالينينغراد لأسطول البلطيق الروسي.

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، حثت ليتوانيا الناتو على زيادة انتشار قواته على أراضيها. في أبريل2022، قال الرئيس اللتواني جيتاناس نوسيدا إن كتيبة التواجد الأمامي المعزز التابعة لحلف الناتو يجب أن تتحول “على الأقل” بحجم لواء، ودعا إلى تعزيز الحماية لممر سوالكي.

عززت الولايات المتحدة في مارس 2022 وجودها في ليتوانيا، ليصل عدد الجنود المتمركزين في البلاد إلى حوالي (1000) جندي.

سيناريوهات الرد الروسي

ليتوانيا في خطوتها بحصار كالينيغراد تحرج موسكو أمام مواطنيه، وروسيا بين خيار التصعيد الذي قد يخرج عن السيطرة، أو الصمت المهين، أو محاولة حل الأزمة لوجستياً عبر تسريع عملية الإمدادات عبر البحر، وهي مسألة مرهقة ومكلفة وسوف تستغرق وقتاً، فيما يبدو الخيار الأكثر ترجيحاً، التفاوض مع الاتحاد الأوروبي للضغط على لتوانيا للتراجع عن خطوتها الخطرة.

  1. عملية عسكرية

من الناحية العسكرية، وكي تقوم بكسر الحصار عن كالينينغراد، على روسيا أن تسيطر عسكرياً على المعبر الحدودي البري بين كل من بولندا وليتوانيا وكالينينغراد وبيلاروسيا، بحيث تحتاج إلى موافقة الأخيرة أيضاً، وبيلاروسيا أعربت، في أكثر من مرة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وعبر رئيسها لوكاشينكو، عن استعدادها لاتخاذ كل الإجراءات التي تمنع محاصرة روسيا أو استهدافها.

إن أكثر ما يخشاه الناتو هو هجوم روسيا على ثغرة أو ممر سوالكي، وهو شريط من الأرض بطول (50) ميلاً من الأراضي الحدودية البولندية والليتوانية الذي يقع بين كالينينغراد الروسية في الغرب وبيلاروسيا الصديقة للكرملين في الشرق.

ويتوقع الناتو أن الممر قد يكون هدفاً محتملاً لبوتين في حالة نشوب أي صراع، واستيلاء الروس عليه يمكن أن يعزل ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا في الشمال عن بقية الاتحاد الأوروبي، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

المشكلة بالنسبة لروسيا هي أن ليتوانيا عضو في الناتو، وبالتالي فإن أي عمل عسكري مباشر ضدها يفترض أن يؤدي إلى تفعيل المادة (5) من المعاهدة، ما قد يعني أن الحلف بأكمله سيخوض حرباً مع روسيا، قد تتحول لحرب نووية تدمر العالم.

وخلال خطاب حالة الاتحاد الأخير، تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالدفاع عن “كل شبر” من أراضي الناتو.

  1. فك الحصار بطرق سلمية، عقوبات روسية اقتصادية وبدائل لوجستية

تستطيع روسيا احتلال ممر سوالكي وليتوانيا بسهولة، ولكن تخشى رد فعل الناتو، ومن جهة أخرى، قد تقتنع روسيا بأن خطوة لتوانيا في حصار كالينينغراد هي مبادرة ذاتية من دون تنسيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لاقحام الناتو والاتحاد الأوروبي في الصراع. لذا قد تلجأ روسيا لضبط النفس، وتستعين ببدائل أخرى لفك الحصار عن كالينينغراد كالنقل البحري والجوب من أجل ضمان تلبية حاجيات سكان الإقليم، ولكنه أكثر تكلفة وأقل قدرة على نقل البضائع والبشر.

وكانت قد نشرت صحيفة “فزغلياد” الروسية في 22 يونيو 2022 تقريرا تحدثت فيه عن حاجة روسيا إلى أسطول ضخم من السفن التجارية من أجل التغلب على العقوبات المفروضة عليها من قبل دول الاتحاد الأوروبي. وقالت الصحيفة، إن مساعد الرئيس الروسي إيغور ليفيتن أشار في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي المنعقد مؤخرًا إلى ضرورة عودة روسيا إلى بناء السفن المدنية من أجل تجنب تكبد المزيد من الخسائر.

من جهة أخرى قد تسعى روسيا لاستخدام ورقة العقوبات الاقتصادية في حال رفضت ليتوانيا التراجع عن قرارها، عبر فرض عقوبات على جميع السلع الليتوانية، إذ تعد روسيا بالنسبة لها شريكا تجاريا واقتصاديا رئيسيا في كل من الصادرات والواردات. إضافة إلى تعليق حركة مرور الطاقة من بيلاروسيا إلى أوروبا.

علاوة على ذلك، قد تلجأ روسيا إلى الإبطال القضائي لمراسيم غورباتشوف الصادرة 5 سبتمبر 1991 بشأن استقلال ليتوانيا، والانسحاب من الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي بشأن ليتوانيا، كون روسيا اعترفت بحدود الجمهورية البلطيقية مقابل ضمانات بالعبور المستمر للمواطنين الروس والبضائع الروسية إلى كالينينغراد، وبفضل هذا الاعتراف، تمكنت ليتوانيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. أزمة أوكرانيا  دول البلطيق والتداعيات الاقتصادية. بقلم إكرام زياده

  1. تراجع لتوانيا عن قرار محاصرة كالينينغراد بضغط أوروبي لمنع توسع نطاق الحرب

والبداية كانت مع برلين التي لمست جدية التهديدات الروسية، وتخشى التصعيد والحرب المباشرة بين موسكو وحلف الناتو؛ وهو ما يفاقم أزمة الطاقة والتضخم في أوروبا. وفي 3 يوليو 2022، طالب المستشار الألماني أدولاف شولتز ليتوانيا والاتحاد الأوروبي برفع القيود المفروضة على نقل البضائع الروسية في كالينينغراد، مشيرًا في ختام قمة الناتو بمدريد، إلى أن العقوبات الأوروبية تجاه روسيا يجب ألا تطبق تجاه الإقليم التابع للأراضي الروسية.

وعقب تصريحات شولتز بساعات، أجرى مسؤولو الاتحاد الأوروبي مباحثات مع ليتوانيا لإعفاء البضائع الروسية المارة عبر كالينينغراد من العقوبات.

ووفقاً لهذا السيناريو وهو الأرجح، سيكون أمام الاتحاد الأوربي خيارين، إما أن تُعفى حركة الشحن بين روسيا وكالينينغراد من عقوبات الاتحاد الأوروبي، أو قد تجعل الأسباب الإنسانية استثناءً للمنطقة الواقعة بين ليتوانيا وبولندا وبحر البلطيق.

التقييم

توحي التطورات الحالية بأن تفاصيل المشهد السياسي والعسكري لن تكون واضحة في المستقبل، لاسيما مع تلويح موسكو باتخاذ إجراءات إنتقامية رداً على حصار كالينينغراد.

من غير المرجح أن تتخذ روسيا إجراءات عسكرية لحسم الأزمة، فقد تستطيع روسيا احتلال ممر عسكرياً بسهولة، ولكن تخشى رد فعل الناتو وتفعيل المادة الخامسة.

يسعى الأوروبيون جاهدين إلى منع توسّع نطاق الحرب إلى دول أوروبية أخرى، خصوصاً مع وجود حلف روسي – بيلاروسي، وجود خاصرة رخوة للأوروبيين في مولدوفا بوجود انفصاليين موالين لروسيا، إضافةً إلى كالينينغراد روسيا، فيما يعتبر قرار ليتوانيا قرار انتحاري وذريعة جاهزة لموسكو لعبور ممر سالوكي.

حتى الأن ليس من المعروف هل قرار ليتوانيا مبادرة فردية منها، أم اتخذته باتفاق مع الأمريكيين أو شركائها الأوروبيين، خاصة أن الطرفين حريصان على عدم التصعيد، والاقتراب من سيناريو الحرب. ولكن هناك مؤشرات قوية أن دول البلطيق وبولندا تقوم بتصعيد مع روسيا أحياناً بمبادرة ذاتية، وأنها تريد مزيداً من إقحام للناتو والاتحاد الأوروبي في الصراع، الأمر الذي يثير تساؤلاً هل الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية على استعداد لرفع مستوى استفزاز بوتين عبر إحراجه أمام مواطنيه.

هناك مخاوف من وقوع سلسلة من ردود الأفعال والأفعال المضادة غير المحسوبة بين الجانبين. فقد ترد روسيا بعمل عسكري محدود مثل انتهاك أجواء ليتوانيا، فيقابل ذلك برد فعل من الناتو يخرج الأمور عن السيطرة، والمفارقة أنه في تاريخ المواجهة بين الناتو مع الاتحاد السوفييتي وروسيا على مدار نحو سبعة عقود، لم يختبر الطرفان النوويان أزمات يحدث فيها اشتباكات أو حرب محدودة.

يعي الطرفان -الروسي والنانو- أن طلقة واحدة يمكن أن تؤدي إلى تراشق بالقنابل النووية، وهو الأمر الذي منع إطلاق الطلقة الأولى التي لا يعرف أحد عقباها على العالم برمته.

رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=82790

* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات      

الهوامش

Why Kaliningrad, Russia’s toehold in Europe, could be the next flashpoint in its war against Ukraine
https://cnn.it/3OOJb8s

جيب كالينينغراد.. شوكة روسية نووية في ظهر أوروبا
https://bit.ly/3ykMwoP

Is Kaliningrad, Russia’s exclave surrounded by EU countries, an asset or a liability?
https://econ.st/3nD5X7g

NATO blockades Kaliningrad
https://bit.ly/3InaYuf

شولتس يطالب برفع القيود الأوروبية على نقل البضائع من روسيا إلى كالينينغراد
https://bit.ly/3P3zoLl

Kaliningrad: before the EU and Lithuania reconcile?
https://bit.ly/3IhkSxF

 

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...