نورد ستريم..مصالح روسيا وألمانيا تصطدم بضغوطات أمريكية
إعداد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا-
وحدة الدراسات والتقارير “14”
يثير مشروع الغاز (نورد ستريم2) الخلافات بين الإدارة الأمريكية الرافضة لاستكماله وبين روسيا وألمانيا العازمتين على الاستفادة منه، فالمشروع هو مثال حديث لمدى تشابك العلاقات السياسية وارتباطها بالمصالح الاقتصادية، فمن جهتها تستهدف الإدارة الأمريكية وقف المشروع بشكل كامل حفاظًا على مكاسبها بالمنطقة الأوروبية، في حين تسعى ألمانيا لإتمام إمدادات الغاز عبر هذا الخط المباشر بينها وبين روسيا بغض النظر عن العقوبات المفروضة بينهما مسبقًا.
تصاعد الضغوط الأمريكية قبل اكتمال نورد ستريم 2
تُضاعف الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطها لتعطيل استكمال خط الغاز (نورد ستريم 2) بعد انتهاء 95% من بنائه، محاولة إيقافه بشتى الطرق، إذ صرح نائب وزير خارجية روسيا، ألكسندر بانكين بأن واشنطن تزيد ضغوطها على خط الغاز المُقام بين روسيا وألمانيا لأنه على وشك الانتهاء.
وقال بانكين في 5 أبريل 2021، إن خط (نورد ستريم 2) على وشك الانتهاء من التشييد ولذلك فأن الإدارة الأمريكية تزيد ضغوطها عبر التهديد بفرض عقوبات جديدة على المشروع لتعطيل استكماله، ولفت نائب وزير الخارجية الروسي إلى أن الإجراءات الأحادية لواشنطن ضد المشروع تتجاوز دور مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة.
وشدد بانكين وفقًا لتقرير شبكة سبوتنيك المعنون بـ(مع اقتراب اكتماله… أمريكا تزيد الضغوط على “التيار الشمالي 2″( على أن (نورد ستريم 2) هو مشروع اقتصادي يهدف إلى تحقيق مصالح روسيا وأوروبا وضمان توصيل الغاز بأسعار تنافسية عبر أقصر طريق جغرافي ممكن، إلى جانب توفير استثمارات اقتصادية بالمستقبل، وتحقيق لأمن الطاقة بالمنطقة. أمن دولي هل من مقاربة أمنية بين ضفتي الأطلسي مع إدارة بايدن؟
اكتمال نورد ستريم بنسبة 95%
تعول الضغوط الأمريكية الأخيرة على قرب الانتهاء من بناء المشروع، فطبقًا لوكالة الأنباء الروسية (Tass) في 1 أبريل 2021 فأن خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 اكتمل بنسبة 95% وتبقى على انتهائه 121 كم فقط، وأشارت وكالة الأنباء إلى مد 2339 كم من أصل 2460 من خط أنابيب الغاز أي يتبقى فقط 5% لإعلان الانتهاء من بناء الخط بالكامل.
يشمل مشروع (Nord Stream 2) سلسلتين من خطوط الغاز بسعة تصل إلى 55 مليار متر مكعب سنويًا، وينقل الغاز من أكبر خزان له بالعالم في روسيا عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا دون المرور بأوكرانيا باستثمارات تصل إلى حوالي 12 مليار دولار، وشيدت روسيا في ديسمبر 2020 خطوط الأنابيب الخاصة بالمشروع في المياه الإقليمية للدنمارك، فيما افتتح خط الأنابيب نورد ستريم 1 على طريق مشابه لإمدادات نورد ستريم 2 في 2011.
خط الغاز نورد ستريم 2 بين دونالد ترامب وجو بايدن
أن توجه الولايات المتحدة الأمريكية تجاه خط نورد ستريم 2 لم يتغير باختلاف الإدارات سواء بين دونالد ترامب أو جو بايدن، إذ حرص الأخير على مواصلة ضغوط بلاده لتعطيل المشروع، وفي 18 مارس 2021 نقل وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن عبر بيان رسمي مطالبة الرئيس جو بايدن للمشاركين في مشروع خط الغاز الروسي بالانسحاب الفوري وإلا فُرضت عليهم العقوبات.
ووصف بلينكن المشروع بالاتفاق السيئ لألمانيا وأوكرانيا ودول أوروبا الوسطى، مشيرًا إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية تتابع بحرص عمليات الانتهاء من تشييد نورد ستريم 2، وتُقيم البيانات الخاصة بالكيانات المشتركة به، لافتًا إلى أن المشروع هدفه تقسيم أوروبا وتهديد أمن الطاقة.
تتسبب الضغوط الأمريكية المتزايدة من الإدارة الأمريكية على الشركات العاملة في مشروع نورد ستريم 2 في انسحاب البعض منها، وفي 4 يناير 2021 أعلنت شركة نرويجية الانسحاب من المشروع على خلفية التهديد بالعقوبات، وذلك وفقًا لتقرير شبكة (مونت كارلو) والتي أشارت في تقريرها المعنون بـ(العقوبات الأمريكية تدفع شركة نروجية لوقف مشاركتها في مشروع “نورد ستريم 2”) إلى أن الشركات التي لا تزال تعمل بالمشروع هي الشركة الروسية صاحبة الحصة الأكبر شركة غاز بروم إلى جانب شركات أوروبية أخرى مثل شل الهولندية البريطانية ويونيبر ونترشال الألمانيتين، وأو ام في النمساوية وانجي الفرنسية.
وانسحبت حوالي 18 شركة من المشروع تحت التهديدات الأمريكية في فبراير 2021، إذ أشارت شبكة الشرق الأوسط في تقرير بعنوان («نورد ستريم 2» يتأزم مع انسحاب 18 شركة أوروبية) إلى انسحاب شركات عديدة من المشروع خوفًا من العقوبات الأمريكية التي تتضمن مصادرة أصول الشركات ومنع إعطائها التأشيرات اللازمة.
وأدى انسحاب الشركات العاملة في مد خطوط أنابيب نورد ستريم 2 إلى توقف المشروع لفترة من الوقت، ففي ديسمبر 2019 توقفت الشركة السويسرية اليسايز عن العمل بالمشروع لفترة بعد دخول العقوبات الأمريكية التي أقرها الرئيس السابق دونالد ترامب آنذاك على الشركات العاملة في المشروع حيذ التنفيذ ما تسبب في تعطيل مد الخطوط، وقد أدانت حينها موسكو العقوبات الأمريكية كما تحفظت برلين على الإجراء الأمريكي مؤكدة أنها لن ترد عليه، مشددة على أن المشروع اقتصادي بحت.
استؤنف العمل على المشروع في ديسمبر 2020 وأعلنت ألمانيا موافقتها على المواصلة الفورية لبناء الخطوط، ولكن لا تزال الأزمات مثارة حول نورد ستريم 2، إذ تتهم الإدارة الأمريكية نظيرتها الألمانية بأنها آسيرة روسيا وتقع تحت رحمة إمداداتها من الغاز الطبيعي، إذ تعتمد ألمانيا وأغلب الدول الأوروبية على الغاز الروسي، فيما تريد الولايات المتحدة بيع احتياطيتها من الغاز الطبيعي في المنطقة بدلا من موسكو.
أدت المناوشات السياسية بين ألمانيا وواشنطن بشأن نورد ستريم 2 إلى تنامي تيار داخل برلين ينادي بتعطيل المشروع، إذ طالب بيتر باير منسق الحكومة الألمانية للعلاقات عبر الأطلسي بمراجعة موقف بلاده من مشروع نورد ستريم 2 وتأخير توقيت استكماله، وذلك على خلفية الضغوط الأمريكية المتصاعدة.
مستقبل علاقات الاتحاد الأوروبي وروسيا في ظل إدارة بايدن
أن ضغوط الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن على الملف الروسي وبالأخص في إطار العلاقات بين روسيا وأوروبا وهو ما يظهر في مشروع الغاز نورد ستريم 2 يؤثر على قيم المصالح السياسية والاقتصادية بين اللاعبين الأبرز في المنطقة. الاتحاد الأوروبي ـ مستقبل العلاقات مع واشنطن في ظل إدارة بايدنس
وتحرص ألمانيا على استمرار العلاقة مع روسيا في ظل ظروف شائكة فهي من جهة تواجه ضغوط أمريكية لإيقاف مشروع الغاز ولكنها ترى أن المشروع اقتصادي بحت وسيوفر لها الطاقة وبالتالي تتجاهل مطالبات واشنطن دون الدخول معها في صدام مباشر حفاظًا على العلاقات بين الطرفين.
وتشترك برلين في ذات الوقت في فرض عقوبات أوروبية على روسيا بسبب بعض الملفات، ما يجعل الأمر معقد للغاية، فالتعاون الأوروبي الأمريكي في حلف الناتو ترتكز أبرز أسسه على معاداة روسيا والتعاون العسكري ضدها وبالتالي فأن الجميع في هذا الإطار لديها ملفات معقدة وشديدة التشابك ستجعلهم يحافظون على مصالحهم بدقة دون تصعيد واضح أو صداقة.
مراجعة ـ نهى العبادي
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=74897
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
الهوامش
مع اقتراب اكتماله… أمريكا تزيد الضغوط على “التيار الشمالي 2”
Nord Stream 2 pipeline 95% complete, roughly 121 km left to construct
العقوبات الأمريكية تدفع شركة نروجية لوقف مشاركتها في مشروع “نورد ستريم 2”
«نورد ستريم 2» يتأزم مع انسحاب 18 شركة أوروبية