الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

أمن دولي ـ موقف ألمانيا من حل الدولتين، إسرائيل وفلسطين. ملف

فبراير 25, 2025

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا

أمن دولي ـ موقف ألمانيا من حل الدولتين، إسرائيل وفلسطين . ملف

1 ـ  أمن دولي ـ التطور الدبلوماسي لموقف ألمانيا تجاه حل الدولتين: إسرائيل وفلسطين

تلتزم السياسة الخارجية الألمانية تجاه القضية الفلسطينية بحل الدولتين، وتدعم المفاوضات الدبلوماسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ورفضت الحكومة الألمانية، مقترحات الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لخطة تهجير الفلسطينيين من غزة، مؤكدة أن ذلك يشكل انتهاكاً للقانون الدولي. وتنسق ألمانيا مع شركائها في الاتحاد الأوروبي لطرح مواقف متوازنة في الأمم المتحدة، سعياً للوصول إلى حل دائم يضمن حقوق الفلسطينيين في دولة مستقلة. ومن جهة أخرى تدعم ألمانيا إسرائيل في عدة جوانب سياسية وعسكرية، وهو ناتج عن مسؤوليتها التاريخية تجاه إسرائيل.

ما هو موقف ألمانيا من خطة ترامب لــ”تهجير الفلسطينيين” من قطاع غزة؟

يتصف موقف ألمانيا بالتعقيد والحساسية بالنسبة للقضية الفلسطينية، تتمثل التعقيدات بعدّة زوايا أولها أن ألمانيا لديها نظرة انتقادية لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، كما أن ألمانيا تعد أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي، الذي يدعم بدوره الفلسطينيين سياسياً واقتصادياً. ومن زاوية أخرى فإن ألمانيا تعتبر أهم شريك لإسرائيل، بعد الولايات المتحدة، ولأسباب تاريخية هناك دعم ألماني لإسرائيل.

وصف “أولاف شولتس” المستشار الألماني في يناير 2025 اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أي خطط لإعادة التوطين ونقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول الجوار بأنه “غير مقبول”، وأكد دعمه لحل الدولتين. كما رفض الرئيس الألماني “فرانك فالتر شتاينماير” اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة توطين الفلسطينيين. وأضاف إن “أي حل يتجاهل القانون الدولي أو حتى ينتهكه هو حل غير مقبول”. وأعرب عن شكوكه في أن تقبل الدول العربية الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة وطنهم.

يقول” فريدريش ميرز” مرشح الحزب الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي لمنصب المستشار في العاشر من فبراير 2025 “إنه يشاطر المستشار الألماني أولاف شولتس تقييماته، ويعتبر خطوة ترامب جزءا من سلسلة من المقترحات المزعجة التي قدمتها الإدارة الأميركية”. وتابع “لكن يتعين علينا أن ننتظر لنرى ما المقصود حقا بجدية وكيف سيتم تنفيذه.”

أوضحت “أنالينا بيربوك” وزيرة الخارجية الألمانية أنه “من الواضح أن غزة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية تابعة للفلسطينيين، وهي تشكل نقطة البداية لدولة فلسطين المستقبلية”. وأضافت “إن تهجير السكان المدنيين الفلسطينيين من غزة لن يكون أمراً غير مقبول فحسب، بل إنه مخالف للقانون الدولي. بل إنه سيؤدي أيضاً إلى معاناة جديدة وكراهية جديدة”. تابعت “أنالينا بيربوك”: “أنه لا ينبغي أن يكون هناك حل فوق رؤوس الفلسطينيين وأن حل الدولتين المتفاوض عليه يظل الحل الوحيد”. واختتمت قولها “إن الجميع متفقون على أن غزة يجب إعادة إعمارها في أقرب وقت ممكن، وأن هذا سيتطلب التزاما دوليا ضخما، وأوروبا مستعدة للمساهمة في هذا الالتزام”. مكافحة الإرهاب ـ واقع الجماعات المسلحة الموالية لإيران بعد سقوط نظام الأسد

هل تعتبر ألمانيا إقامة دولة فلسطينية مستقلة هدفًا ثابتًا في سياستها الخارجية؟

تعد إقامة دولة فلسطينية مستقلة هي هدف ثابت للسياسة الخارجية والألمانية عبر اتخاذ خطوات ملموسة من أجل التوصل إلى حل سياسي للصراع في الشرق الأوسط. حيث لاتزال برلين ملتزمة بالهدف الخاص بالتوصل إلى حل الدولتين عن طريق التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين، الذي في نهايته يتم القبول بوجود دولة فلسطينية قائمة بذاتها.

وافقت الحكومة الألمانية من حيث المبدأ في 12 فبراير 2025 على إرسال أفراد من الشرطة للمشاركة في بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة معبر رفح الحدودي والذي يعد المنفذ الرئيسي لدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وتعول وزارة الخارجية الألمانية على دول عربية شريكة في الإبقاء على وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح المزيد من الرهائن الإسرائيليين. حيث أن التعاون مع دول الجوار لفلسطين يعتبر أمراً مهماً للغاية في الوقت الراهن.

أعربت الحكومة الألمانية ألمانيا في الخامس من فبراير 2025 عن شعورها “بقلق بالغ” إزاء العملية العسكرية الإسرائيلية في مدينة جنين بالضفة الغربية. وأكدت على رفض ​​”خطط الحكومة الإسرائيلية” لنشر قوات طويلة الأمد في جنين. وأعلنت ألمانيا في ديسمبر 2024 عن منحة قدرها (23) مليون يورو (24.2 مليون دولار) لدعم البلديات في فلسطين من خلال صندوق تطوير وإقراض البلديات، بهدف تقديم مساعدات طارئة في ظل حرب غزة.

أكدت السلطات الألمانية في الثالث من ديسمبر 2024 أن على إسرائيل يجب أن تتعاون مع الأمم المتحدة في برنامج إنساني وكذلك فتح المعابر، حيث إن الناس في غزة يحتاجون إلى المزيد من المساعدات الإنسانية بموجب القانون الإنساني الدولي وضمان حماية السكان المدنيين، وإجراء الإصلاحات على البنية الأساسية الحيوية. ركزت المساعدات الألمانية منذ بداية حرب غزة على الاحتياجات الأكثر إلحاحاً ونشر فرق الطوارئ الطبية والدعم النفسي والاجتماعي للأسر. وبالمجمل، زادت المساعدات الألمانية للأراضي الفلسطينية بما يزيد عن (300) مليون يورو منذ السابع من أكتوبر 2023.

يقول د. “ماتياس كيتيمان” الأستاذ الجامعي الألماني والخبير في شؤون الشرق الأسط “أن القانون الدولي ينص بوضوح على ضرورة حماية المدنيين أثناء النزاع، وأن المقاتلين وحدهم هم الأهداف المشروعة لأي عمل عسكري”. ويضيف الخبير الألماني “لذا، يتعين على أطراف النزاع تجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين بأي ثمن، وإذا كانوا يخططون لمهاجمة مدرسة أو مستشفى، فسيتعين عليهم اتخاذ إجراءات حذرة للغاية لضمان عدم تعرض المدنيين للأذى. ويعتقد أن هذا رأي غالبية خبراء القانون الدولي الإنساني”. أمن دولي ـ هل من ضغوطات أوروبية على إيران بعد تغيير النظام في سوريا؟

كيف تنظر الحكومة الألمانية إلى مسؤوليتها التاريخية تجاه إسرائيل؟

أصبحت شحنات الأسلحة إلى إسرائيل أكثر إثارة للجدل، وتبرر الحكومة الفيدرالية ذلك بالقول إن أمن إسرائيل هو سبب الدولة بالنسبة لألمانيا بسبب مسؤوليتها التاريخية تجاه إسرائيل. حيث تعد إسرائيل من بين أهم (10) دول متلقية لصناعة الدفاع الألمانية في العام 2024، ومع ذلك، انخفض حجم الصادرات إلى النصف مقارنة بالعام 2023، مسجلا (161.1) مليون يورو.

كانت برلين أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل بين عامي 2019 و2023، حيث استحوذت على (30%) من الواردات، حيث كانت ألمانيا مسؤولة العام 2023 عن (47%) من إجمالي واردات إسرائيل من الأسلحة التقليدية، بعد الولايات المتحدة. تندرج (53%) من تراخيص التصدير التي منحتها ألمانيا بين عامي 2003 و2023 بقيمة (3.3) مليار يورو، تحت فئة “الأسلحة الحربية” بينما كانت بقية التراخيص معدات عسكرية أخرى.

كشف استطلاع للرأي في أكتوبر 2024 عن مستويات مختلفة من الدعم لصادرات الأسلحة إلى إسرائيل، بين مؤيدي الأحزاب السياسية، إذ أشارت النتائج إلى أنه بين الناخبين المؤيدين للأحزاب الحاكمة، تفوق الرفض على التأييد، حيث رفض (60%) من ناخبي حزب شولتس الاشتراكي الديمقراطي ، و(52%) من ناخبي الحزب الديمقراطي الحر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ومن بين مؤيدي حزب الخضر، عارض (50%) الصادرات، بينما أبدى (56%) من ناخبي الحزب المسيحي الديمقراطي/الحزب المسيحي الاجتماعي معارضتهم. وكانت المعارضة أقوى بين ناخبي حزب “تحالف سارا فاجنكنشت” الشعبوي، حيث عارض (85%) منهم إرسال الأسلحة، تلاهم (75%) من ناخبي الحزب اليميني البديل من أجل ألمانيا.

بدأت ألمانيا وإسرائيل تنفيذ اتفاقية ثنائية بشأن الرقمنة والابتكار في الخامس من فبراير 2025 تركز الاتفاقية على الذكاء الاصطناعي والهويات الرقمية وإدارة البيانات والبنية التحتية السحابية الحكومية. تمثل الاتفاقية تعميقا للشراكة الاستراتيجية بين ألمانيا وإسرائيل تعزيز التعاون الاقتصادي وتعميق العلاقة الوثيقة بين البلدين.

كيف تساعد استراتيجية التفاوض المشتركة بين ألمانيا والاتحاد الأوروبي في التأثير على القضية الفلسطينية؟

تنسق ألمانيا بشكل وثيق مع الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي في المفاوضات والتصويت على قرارات الشرق الأوسط. تُمكِّن استراتيجية التفاوض والتنسيق المشتركة بين ألمانيا وشركائها في الاتحاد الأوروبي من التأثير على صياغة النصوص. من خلال مفاوضات مكثفة مع الجانب الفلسطيني ينجح الاتحاد الأوروبي عادة في تجنب القرارات غير المتوازنة أو في منع الصياغات غير المقبولة في القرارات التي يكون فيها بالفعل تحقيق أغلبية في الجمعية العامة مضموناً.

يقول “هانز جاكوب شندلر” الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مشروع مكافحة التطرف، إن “عملية التوازن لم تكن مثالية، ولكن القيام بها بأي طريقة مختلفة عما تم القيام به حتى الآن كان ليكون صعبا”. ويشير “شندلر” إلى أنه منذ السابع من أكتوبر 2023، لم يعد لألمانيا أي وزن في المحادثات، عندما يتعلق الأمر بالقرارات. “لذا كان الأمر في الواقع حوارًا أمريكيًا إسرائيليًا، وكان الأوروبيون – على الأكثر – متفرجين، يقدمون تعليقات من على الهامش”، ومع تولي ترامب منصب الرئيس الأمريكي، فإن السؤال هو: كيف سيوفق بين موقفه المؤيد لإسرائيل وهدفه المتمثل في إنهاء الصراعات؟. أمن قومي ـ أهم التهديدات الأمنية الحالية لدول الاتحاد الأوروبي

 **

2 ـ أمن دولي ـ التحديات المستقبلية لموقف ألمانيا من حل الدولتين: إسرائيل وفلسطين

تمثل ألمانيا أحد أبرز الفاعلين الأوروبيين في دعم حل الدولتين كإطار لإنهاء الصراع بين إسرائيل وفلسطين، حيث تعتمد سياستها الخارجية على نهج متوازن يجمع بين دعم حقوق الفلسطينيين وأمن إسرائيل. غير أن هذا الموقف يواجه تحديات مستقبلية معقدة تتعلق بالجغرافيا السياسية، والتحولات الإقليمية، والتغيرات في موازين القوى العالمية. في ظل هذه التحديات، تحتاج ألمانيا إلى تطوير استراتيجية متكاملة تضمن استمرار دورها المؤثر في عملية السلام.

ما أبرز التحديات الجيوسياسية والإقليمية؟

يشهد الشرق الأوسط ديناميكيات متغيرة تؤثر بشكل مباشر على قدرة أي قوة دولية، بما في ذلك ألمانيا، على التأثير في مسار عملية السلام. فالصراعات المستمرة في سوريا واليمن وليبيا، وتزايد نفوذ الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل الجماعات المسلحة، تعرقل جهود تحقيق استقرار إقليمي يمكن أن يدعم حل الدولتين. بالإضافة إلى ذلك، أدت اتفاقيات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل وبعض الدول العربية (مثل اتفاقيات أبراهام) إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي، ما يجعل الموقف الألماني أكثر تعقيدًا، إذ تحتاج برلين إلى التوفيق بين دعم هذه التحولات والحفاظ على موقفها التقليدي الداعم لحل الدولتين.

أكد المستشار الألماني أولاف شولتس التزام بلاده بحل الدولتين كوسيلة لتحقيق السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين. في تصريح عقب لقائه بالرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، في فبراير 2024، شدد شولتس على أهمية هذا الحل لضمان تعايش سلمي وأمن مستدام في المنطقة، معربًا عن استعداد ألمانيا لبذل كل الجهود الممكنة لتحقيقه. ويؤكد توماس أوفتشا، رئيس الممثلية الألمانية في فلسطين، على التزام ألمانيا بحل الدولتين كسبيل لإنهاء الصراع. يشير أوفتشا إلى أن برلين تدعم جهود الإصلاح التي تقودها الحكومة الفلسطينية، مع التشديد على ضرورة نبذ العنف من جميع الأطراف. كما يبرز أهمية استمرار الحوار والتعاون الدولي لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. أمن دولي ـ مؤتمر ميونخ للأمن، من سيشارك في المفاوضات المحتملة للسلام في أوكرانيا ؟

ما طبيعة المنافسة بين القوى العالمية والإقليمية؟

يتأثر موقف ألمانيا بالمنافسة الجيوسياسية بين القوى الكبرى، حيث تلعب الولايات المتحدة وروسيا دورًا حاسمًا في تحديد ملامح الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. في الوقت الذي تميل فيه واشنطن إلى تقديم دعم غير مشروط لإسرائيل، تسعى موسكو إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط عبر علاقاتها مع مختلف الأطراف، بما في ذلك الفصائل الفلسطينية. كما أن نفوذ إيران في المنطقة، ودورها في دعم بعض الفصائل الفلسطينية واللبنانية، يزيد من تعقيد المشهد. في هذا السياق، تواجه ألمانيا تحديًا في إيجاد توازن بين سياساتها التقليدية القائمة على التوافق الأوروبي، وبين ضرورة التفاعل مع هذه القوى لتحقيق تقدم في عملية السلام.

ما دور الاتحاد الأوروبي في دعم حل الدولتين؟

تلعب ألمانيا، باعتبارها إحدى الدول القائدة في الاتحاد الأوروبي، دورًا رئيسيًا في رسم سياسة الاتحاد تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. تسعى برلين إلى توحيد الموقف الأوروبي حول دعم حل الدولتين، لكنها تواجه تحديات داخلية نتيجة تباين مواقف الدول الأعضاء، حيث تتبنى بعض الدول مواقف أكثر تقاربًا مع إسرائيل، بينما تدعو أخرى إلى إجراءات أكثر صرامة ضد الاستيطان الإسرائيلي. في ظل هذه التباينات، تعمل ألمانيا على تحقيق توازن داخل الاتحاد الأوروبي لضمان موقف موحد يدعم تحقيق السلام العادل.

ما طبيعة التفاعل مع المجتمع الدولي؟

تلعب ألمانيا دورًا دبلوماسيًا نشطًا في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، لدعم قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ومع ذلك، تواجه برلين تحديات في دفع القوى الكبرى للالتزام بتلك القرارات، خاصة في ظل الانقسامات داخل مجلس الأمن بشأن هذه القضية. كما أن الموقف الألماني تجاه إسرائيل، الذي يتأثر بعوامل تاريخية، يجعلها أقل قدرة على ممارسة ضغوط سياسية فعالة على تل أبيب فيما يتعلق بمسائل مثل الاستيطان أو انتهاكات حقوق الفلسطينيين. ومع ذلك، تحاول ألمانيا تعزيز تعاونها مع الشركاء الدوليين، مثل الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، لتجاوز العوائق الدبلوماسية وتعزيز فرص استئناف المفاوضات.

تعاني السياسة الخارجية الألمانية من تعقيدات ناجمة عن الاستقطاب الدولي الحاد بين القوى الكبرى، وهو ما ينعكس على موقفها من النزاع بين إسرائيل وفلسطين. تلتزم برلين بسياسات الاتحاد الأوروبي التي تدعم حل الدولتين، لكنها في الوقت ذاته لا تريد الدخول في صدام مع الولايات المتحدة، الحليف الأهم لها، والتي تواصل دعم إسرائيل بشكل غير مشروط. علاوة على ذلك، فإن المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا تعيد تشكيل النظام الدولي، مما يجعل برلين بحاجة إلى التحرك بحذر شديد في القضايا الجيوسياسية الحساسة، بما في ذلك القضية الفلسطينية. من ناحية أخرى، يفرض تصاعد نفوذ دول مثل إيران وتركيا في الشرق الأوسط تحديات إضافية على ألمانيا، حيث تسعى هذه الدول لاستغلال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لتحقيق مكاسب سياسية إقليمية. في ظل هذه التعقيدات، من المتوقع أن تستمر ألمانيا في تبني نهج دبلوماسي مرن، يركز على تعزيز التعاون مع الأطراف المعتدلة داخل إسرائيل وفلسطين، مع محاولة عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تؤدي إلى توتر علاقاتها مع القوى الكبرى. أمن دولي ـ هل تستفيد روسيا من الدعم الصيني في ظل العقوبات الغربية؟

ما الاستراتيجية المستقبلية لتعزيز الدور الألماني؟

يتطلب الحفاظ على دور ألماني فعال في دعم حل الدولتين اعتماد دبلوماسية متوازنة تجمع بين الدعم السياسي للفلسطينيين وضمان أمن إسرائيل. يمكن لألمانيا أن تستثمر في مبادرات وساطة جديدة، بالشراكة مع الدول الأوروبية والعربية، لدفع عملية السلام قدمًا. كما يمكنها الاستفادة من علاقاتها الجيدة مع الطرفين لتعزيز الحوار وبناء الثقة. يمكن لألمانيا توظيف مساعداتها التنموية لدعم الاستقرار في الأراضي الفلسطينية، من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية وتعزيز قدرات المؤسسات الفلسطينية، بما يساهم في تحسين الظروف المعيشية وتقوية مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية. لضمان تأثير أكبر في عملية السلام، ينبغي على ألمانيا تعزيز شراكاتها مع الدول العربية المؤثرة، مثل مصر والأردن والسعودية، بهدف بناء توافقات إقليمية تدعم حل الدولتين. كما يمكنها لعب دور الوسيط في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، خاصة في ظل انقسامات الساحة الفلسطينية. أمن دولي ـ  مؤشر مؤتمر ميونخ للأمن 2025 والتقرير السنوي

**

3 ـ أمن دولي ـ ما الآفاق المستقبلية لموقف ألمانيا تجاه حل الدولتين: إسرائيل وفلسطين؟

تسير سياسة ألمانيا بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على حبل مشدود، فألمانيا الدولة ذات الثقل السياسي والاقتصادي داخل التكتل الأوروبي، تحرص على التوازن في العلاقة مع إسرائيل و التعامل مع الوضع داخل الأراضي الفلسطينية، من حيث الالتزام بنصوص القرارات التي تصب في مصلحة السلام الدائم في الشرق الأوسط، ومراعاة المسؤولية التاريخية تجاه إسرائيل، بجانب التأكيد على أن حل الدولتين القائم على التفاوض، هو السبيل الوحيد الذي يضمن السلام الدائم للفلسطينيين والإسرائيليين.

كيف تعزز ألمانيا المبادرات الدبلوماسية والوساطة بشأن حل الدولتين؟ 

تعد ألمانيا ضمن اللجنة الرباعية للشرق الأوسط التي تضم (الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) التي قدمت في 2003، خريطة طريق تتضمن معايير للمفاوضات بشأن القضايا المتنازع عليها بالمنطقة. ويعتمد الاتحاد الأوروبي على هذه الخريطة في جهوده الرامية للسلام بالمنطقة، ونظراً لأن ألمانيا ترتكز على السياسة الأوروبية في هذه المسألة، لذا تطالب بوضع حل للقدس باعتبارها العاصمة المستقبلية للدولتين، وتقديم حلاً عادلاً لقضية اللاجئين، واحترام السيادة الفلسطينية وأن تصبح الترتيبات الأمنية نهاية للاحتلال، مع ضمان أمن إسرائيل ومنع الإرهاب، وأن أي اتفاق بشأن الحدود المستقبلية ينبغي أن يستند لحدود الرابع من يونيو 1967.

منذ هجمات 7 أكتوبر 2023، وتبعاتها على قطاع غزة، تشدد ألمانيا على موقفها من إقامة دولة فلسطينية مستقبلية كجزء من حل الدولتين، وتركز على التعاون مع الجانب الفلسطيني في مجال التنمية والاستقرار، وحماية سلامة الأراضي والسكان في الضفة الغربية، وإنشاء الشرطة المدنية الفلسطينية.

قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، في 22 يناير 2024، إن بلادها متمسكة بمبدأ حل الدولتين كالحل الوحيد لإنهاء الصراع بالشرق الأوسط، رداً على رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لدعوات حل الدولتين. تضامنت وقتها ألمانيا مع وثيقة داخلية بالاتحاد الأوروبي، أكدت على أنه لا يوجد حل شامل سوى بإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً لجنب مع إسرائيل، وتطوير ضمانات أمنية لإسرائيل ودولة فلسطين المستقلة المستقبلية، بشرط الاعتراف الدبلوماسي المتبادل ودمج كل من إسرائيل وفلسطين بالمنطقة.

خلال اتصال هاتفي بين المستشار الألماني أولاف شولتز، و رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 5 فبراير 2024، شدد شولتز على أن حل الدولتين يجب أن يشمل غزة والضفة الغربية، وتلعب فيه السلطة الفلسطينية دوراً محورياً، وتحسين وصول المساعدات لغزة. وجدد شولتز دعوته لحل الدولتين التفاوضي، خلال مؤتمر مشترك مع نتنياهو، في 17 مارس 2024.

بالتعاون مع مصر وفرنسا والأردن، عملت ألمانيا في إطار صيغة ميونيخ، على تقديم مقترحات ملموسة لكلا طرفي الصراع بشأن خطوات إعادة تعزيز الحوار والمفاوضات. وأكدت برلين في 6 فبراير 2025، على العمل مع الشركاء الدوليين للتوصل لحل الدولتين، في ظل الترقب لاستئناف مفاوضات المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.أمن أوروبا ـ هل يلعب الاتحاد الأوروبي دورا فعالا في الصراع في الشرق الأوسط؟

كيف تدعم ألمانيا حل الدولتين في المحافل الدولية؟

أدانت ألمانيا في 9 أبريل 2024، أمام محكمة العدل الدولية، أي عمل يعرقل حل الدولتين ويزيد من توسع بناء المستوطنات، وأكد الفريق القانوني الألماني، أهمية الالتزام بالقانون الدولي وحماية المدنيين بغزة، معلناً رفض بلاده هجمات 7 أكتوبر ومعاناة الفلسطينيين.

بررت ألمانيا في 10 مايو 2024، امتناعها عن التصويت لصالح عضوية فلسطين بالأمم المتحدة، بأن المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وحدها التي ستؤدي للسلام وواقع الدولتين، مشددة على دعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ورفضها للتدابير الأحادية الجانب التي تقوض آفاق حل الدولتين.

في خضم اعتراف (3) دول أوروبية بدولة فلسطين، قالت الحكومة الألمانية في 22 مايو 2024، إن التسوية على أساس حل الدولتين، تتم بالتفاوض بين الجانبين وقبول جميع الأطراف بوجود دولة فلسطينية قائمة بذاتها. ودعت الخارجية الألمانية، إلى حل سياسي للصراع بالشرق الأوسط بدلاً من السياسات الرمزية، منوهة إلى أن إقامة دولة فلسطينية هدف ثابت للسياسة الخارجية الألمانية.

حول قرار الأمم المتحدة بشأن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، الخاص بالعواقب القانونية لممارسات إسرائيل، قالت ألمانيا في 18 سبتمبر 2024، إنها تحترم القانون الدولي، وترى أن التفاوض هو السبيل الوحيد للتوصل لحل الدولتين. تعقد ألمانيا محادثات سياسية مع ممثلي الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بانتظام، وتحرص أن يكون حل الدولتين هو أساس المحادثات، ما يجعلها داعم بشكل رئيسي لجهود الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة ومصر وقطر، بشأن تثبيت قرار وقف إطلاق النار في غزة، ومنع اشتعال الوضع بالضفة الغربية. محاربة التطرف في ألمانيا ـ هل تساهم الأيديولوجيات المتطرفة في تصاعد معاداة السامية؟

كيف تطور ألمانيا الشراكات مع المجتمع الدولي لدعم السلام بالشرق الأوسط؟

تؤمن ألمانيا بأن وصول المساعدات الإنسانية جزءاً لا يتجزأ من سبل حل الدولتين، عبر التعاون مع الشركاء الدوليين والمنظمات الأممية، وأشارت ألمانيا إلى أنها قدمت، (5) مليارات يورو على مدار العقود الماضية لدعم الفلسطينيين.

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، استهدفت المساعدات الألمانية الأشخاص الأكثر احتياجاً. وبالدعم الألماني، تقدم منظمة “اليونيسف” وبرنامج الأغذية العالمي مكملات غذائية، لحماية الأطفال من سوء التغذية.

زادت المساعدات الألمانية للأراضي الفلسطينية بما يزيد عن (300) مليون يورو في الفترة من (7 أكتوبر 2023- 10 سبتمبر 2024). وساهم التمويل الألماني في تعزيز دور برنامج الأغذية العالمي في غزة خلال 2024، بتلقي أكثر من مليون شخص مساعدات غذائية عاجلة كل شهر، ومنح التمويل المرن للبرنامج، الاستجابة السريعة للأزمة الإنسانية في غزة.

تتولى المبعوثة الخاصة لألمانيا لشؤون المساعدات الإنسانية بالشرق الأوسط دايك بوتزيل، مسؤولية التواصل مع المنظمات الإغاثية الأممية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، لإيصال المساعدات الإنسانية وإنهاء المعاناة التي يعيشها سكان غزة. يعد هذا الدور جزءاً من التزام ألمانيا، بالمساهمة في الجهود المبذولة للتوصل لحل سلمي بالشرق الأوسط، وتعزيز التعاون التنموي لخلق أسس بناء دولة فلسطينية ذات مؤسسات فعالة.

الاتهامات الإسرائيلية لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، وضعت الدبلوماسية الألمانية في مأزق، خاصة وأن ألمانيا وفرت للوكالة (40) مليون دولار في يناير 2024، وقدمت (45) مليون يورو كمساهمة لدعم الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا والأردن والضفة الغربية، لتصبح أكبر مانح للوكالة.

استأنفت ألمانيا تمويل الأونروا في 24 أبريل 2024، وأعلنت وزيرة الخارجية الألمانية  أنالينا بيربوك عن تخصيص (10) ملايين يورو  للوكالة، في زيارتها للأراضي الفلسطينية المحتلة في 25 يونيو 2024، وخصصت (14) مليون يورو لبرنامج الأغذية العالمي. و شددت بيربوك، على أهمية توفير وصول كامل وآمن للمساعدات الإنسانية للفلسطينيين.

وقعت ألمانيا والاتحاد الأوروبي مع السلطة الفلسطينية، في 17 سبتمبر 2024، اتفاقية دعم للفلسطينيين في مناطق “ج” بالضفة الغربية، بقيمة (6) ملايين يورو، وتشكل المناطق نحو (60%) من الضفة الغربية، ويسكنها أكثر من (300) ألف فلسطيني. تأتي أهمية الاتفاقية لتعزيز قدرة (12) مجتمعاً فلسطينياً لمواجهة القيود الإسرائيلية المفروضة على هذه المناطق، التي تمثل ضرورة للتواصل الجغرافي للضفة الغربية ولتحقيق إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

رحبت ألمانيا في 15 يناير 2025، بقرار وقف إطلاق النار في غزة وعدم فقدان الثقة في الدبلوماسية. وفي 13 فبراير 2025، أعلنت ألمانيا عن مباردة بقيمة (10) ملايين يورو لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني، لتستفيد منها (1400) مؤسسة وتوفر (10) آلاف و(500) فرصة عمل خلال (4) سنوات المقبلة.

تعليقاً على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن تهجير سكان عزة، قالت الخارجية الألمانية في 27 يناير 2025، إنه يجب عدم طرد الفلسطينيين من غزة. وفي 6 فبراير 2025، رفض الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير المقترح، معتبراً أي حل ينتهك القواعد الدولية غير مقبول. ووصف المستشار الألماني أولاف شولتز، في 10 فبراير 2025، مبادرة ترامب بالـ “فضيحة”، وأن إعادة توطين السكان مخالف للقانون الدولي.

ما مدى استجابة ألمانيا للتحديات الداخلية بشأن القضية الفلسطينية؟

تباينت المواقف في الداخل الألماني بشأن الحرب على غزة، وشهد حزب اليسار “دي لينكه” خلافات بين أعضائه لتأييد البعض للفلسطينيين، واتهمهم آخرون بمعاداة السامية. بينما طالب حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني، بخفض المساعدات للفلسطينيين ووقف التبرعات للأونروا، وقوبلت هذه المطالب بالرفض في البرلمان الألماني واتهمه الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بتحريضه على الإسلاموفوبيا.

ارتفعت الحوادث المعادية للسامية في ألمانيا بنسبة (240%) في 2023، مقارنة بـ 2022، وألقى مهاجمون قنبلتين على كنيس يهودي في برلين. وتلقت (8) مساجد طروداً تحتوي على أجزاء ممزقة من القرآن. وعلى الفور  خرج نائب المستشار الألماني روبرت هابيك، بخطاب ينتقد فيه هذه الحوادث المحرضة على العنف، للتصدي للانقسامات بالمجتمع الألماني.

خرجت مظاهرات داعمة للفلسطينيين منذ 7 أكتوبر 2023، وحاولت الشرطة الألمانية وضع قواعد لهذه التظاهرات، تتمثل في اقتصار الهتافات على اللغة الألمانية والإنجليزية، منعاً لاستغلال الأحزاب اليمينية الاحتجاجات لصالحهم وتأجيج حوادث عنف ضد المهاجرين.

فرضت حرب غزة على ألمانيا، اتباع سياسة تجمع بين الالتزام التاريخي تجاه إسرائيل، بزيارات المسؤولين الألمان لتل أبيب وتقديم الدعم العسكري، والالتزام بالقانون الدولي و الإنساني تجاه الفلسطينيين، بإرسال المساعدات والمطالبة بحماية المدنيين واستدامة قرار وقف إطلاق النار في غزة ورفض تهجير سكان القطاع.أمن أوروبا ـ ما هو الدور الذي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يلعبه بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ؟

 **

تقييم وقراءة مستقبلية

– تظهر السياسة الخارجية الألمانية تجاه القضية الفلسطينية مزيجا من التحديات والتوازنات الدقيقة بين المبادئ السياسية والاعتبارات التاريخية والاقتصادية. على الرغم من تأكيد ألمانيا على التزامها بحل الدولتين ودعم حقوق الفلسطينيين، فإن علاقتها التاريخية مع إسرائيل تُشكل عاملا حاسما في سياستها.

– تلتزم ألمانيا بتقديم الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل، حيث تؤكد الحكومة الألمانية على أن أمن إسرائيل جزء من مسؤوليتها التاريخية بسبب الهولوكوست ولكن هذا الدعم يواجه انقساما داخليا ملحوظا.

– بات متوقعاً أن تظل ألمانيا تحت ضغط داخلي وخارجي فيما يتعلق بمواقفها تجاه تصدير الأسلحة ودعم إسرائيل السياسي والتصعيد العسكري في غزة. ، خاصة في ظل تزايد الانتقادات الداخلية لهذه السياسات.

– من المرجح أن تواصل ألمانيا الضغط من أجل إيجاد حل شامل وعادل عبر دعمها لحل الدولتين، وقد تزداد المراجعات للسياسات الحالية الألمانية تجاه إسرائيل.

– من المحتمل أن تظل العلاقة الثنائية بين ألمانيا وإسرائيل تتمتع بالعمق الاستراتيجي، مع التركيز على التعاون الاقتصادي والتكنولوجي في مجالات مثل الرقمنة والذكاء الاصطناعي، وهو ما يعكس الطابع متعدد الأبعاد للعلاقة.

– يبقى الدور الأوروبي في المفاوضات بين فلسطين وإسرائيل غير كافي في مواجهة الهيمنة الأمريكية على السياسة الإسرائيلية، وخاصة بعد مقترح ترامب “ريفيرا الشرق الأوسط”، مما يعني أن ألمانيا ستستمر في مواجهة صعوبة في التأثير المباشر على القرارات الكبرى.

**

– يواجه موقف ألمانيا من حل الدولتين تحديات جيوسياسية وإقليمية معقدة، تتطلب منها اتباع نهج أكثر ديناميكية يجمع بين الدبلوماسية الفاعلة والتعاون مع القوى الإقليمية والدولية. ورغم هذه التحديات، تظل ألمانيا لاعبًا محوريًا في دعم عملية السلام، لكن نجاحها في هذا الدور يتوقف على قدرتها على التكيف مع التحولات السياسية في الشرق الأوسط، والحفاظ على نهج متوازن يعزز فرص تحقيق حل دائم للصراع.

– تمثل السياسة الألمانية تجاه القضية الفلسطينية تحديًا دبلوماسيًا معقدًا، إذ تحاول برلين الموازنة بين التزامها التاريخي بدعم إسرائيل ومسؤوليتها تجاه دعم الحقوق الفلسطينية في إطار حل الدولتين.

– رغم التصريحات الألمانية المتكررة حول ضرورة تحقيق حل عادل للصراع، إلا أن الواقع السياسي يشير إلى صعوبة تنفيذ سياسات متوازنة على الأرض، خاصة في ظل الضغوط الداخلية والخارجية التي تواجهها الحكومة الألمانية. مع استمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، والتوترات في غزة والضفة الغربية، يصبح موقف ألمانيا أكثر حرجًا، حيث تواجه انتقادات من الأوساط الفلسطينية والعربية بشأن عدم اتخاذها مواقف أكثر صرامة ضد الانتهاكات الإسرائيلية، بينما تتعرض لضغوط أمريكية وإسرائيلية لمواصلة دعم تل أبيب دون شروط. لذلك، فإن قدرة ألمانيا على تبني سياسة أكثر استقلالية بشأن حل الدولتين تظل مرهونة بعوامل داخلية، مثل توجهات الرأي العام الألماني، والخطوط الحمراء التي يضعها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

– تلعب العوامل الداخلية في ألمانيا دورًا رئيسيًا في تشكيل سياستها الخارجية، لا سيما فيما يتعلق بحل الدولتين. فالرأي العام الألماني متباين تجاه القضية الفلسطينية؛ إذ تدعم شرائح واسعة من المجتمع المدني حقوق الفلسطينيين، بينما ترى تيارات سياسية أخرى أن مسؤولية ألمانيا التاريخية تجاه اليهود تحتم عليها دعم إسرائيل بشكل غير مشروط. كما أن الأحزاب السياسية الألمانية الكبرى تختلف في مواقفها، حيث تميل الأحزاب اليسارية مثل حزب الخضر إلى انتقاد سياسات إسرائيل، بينما يدعم التيار المحافظ العلاقات الوثيقة مع تل أبيب.

– في الوقت نفسه، يؤثر تزايد اليمين المتطرف في ألمانيا، والذي يعادي المهاجرين والمسلمين، على السياسة العامة تجاه الشرق الأوسط، مما قد يقلل من الحماس لدعم الحقوق الفلسطينية. ومع استمرار هذه الانقسامات الداخلية، فإن قدرة ألمانيا على تبني سياسة أكثر وضوحًا وجرأة في دعم حل الدولتين ستظل محدودة، ما لم تحدث تغيرات جذرية في التوجهات السياسية أو الرأي العام المحلي.

– رغم التحديات التي تواجهها، تمتلك ألمانيا أدوات يمكن أن تعزز دورها في دعم حل الدولتين، إذا قررت تبني نهج أكثر فاعلية. أحد السيناريوهات المستقبلية يتمثل في تعزيز برلين لدورها كوسيط دبلوماسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مستفيدة من ثقلها الاقتصادي والسياسي داخل الاتحاد الأوروبي.

– يمكن لألمانيا أن تستخدم نفوذها في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، للضغط من أجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، كما تستطيع لعب دور في دعم المشاريع التنموية في الضفة الغربية وقطاع غزة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وهو عنصر أساسي لأي عملية سلام ناجحة. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الدور يتطلب من برلين تجاوز بعض القيود التي تفرضها علاقاتها مع إسرائيل، والتعامل بحذر مع التوازنات الدولية المعقدة. في حال تمكنت ألمانيا من توظيف قوتها الاقتصادية والدبلوماسية بشكل أكثر استقلالية، فقد تصبح لاعبًا رئيسيًا في تحريك عملية السلام.

**

– تراعي ألمانيا التنسيق مع الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، في التصويت على قرارات مجلس الأمن، والمفاوضات في أروقة الأمم المتحدة، وتسهم في تعزيز استراتيجية الدبلوماسية والحوار في تناول القضية الفلسطينية، وعدم تبني مواقف منحازة ضد إسرائيل في صياغة القرارات التي تتبناها الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلساتها، خاصة وأنها تحرص على الحفاظ على مصداقيتها في الساحة الدولية، والتوازن بين مسؤوليات الماضي تجاه إسرائيل، والاستمرارية في الدور الإنساني بتقديم المساعدات للأراضي الفلسطينية، كون أن هذه الخطوات تدعم تطبيق حل الدولتين على أساس تفاوضي.

– سوف يبرز دور ألمانيا كوسيط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، خلال الفترة الحالية وفي السنوات المقبلة، خاصة وأنه من المتوقع خلال ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن تصدر واشنطن عدد من القرارات المنحازة لإسرائيل نوعاً ما، سواء بشأن المرحلة المقبلة لإدارة قطاع غزة، أو فيما يخص التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية، الأمر الذي يتطلب وجود صوتاً أوروبياً وغربياً متوازناً، لضمان السير في خطوات تطبيق حل الدولتين، ومنع تفاقم الأوضاع الميدانية والإنسانية في فلسطين.

– تحرص ألمانيا أن تكون قراراتها ومواقفها، متماشية ومتطابقة مع قرارات الأمم المتحدة بشأن الأوضاع في غزة والضفة الغربية، وأن يستمر دعمها لعملية التنمية التي تحافظ على الوجود الفلسطيني، ويعد لهذا الدور الألماني أبعاد أخرى غير الأبعاد الإنسانية والسياسية المقروءة في الوقت الراهن، بل تضع سياسات ألمانيا الخارجية الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، إطاراً دولياً لمنع أي محاولات تعرقل مسألة حل الدولتين، وتهدد بقاء الفلسطينيين في غزة والقدس والضفة الغربية، في ضوء تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تطالب بضم أجزاء من الضفة لإسرائيل خلال 2025، والتصعيد الراهن في مخيمات طولكرم وجنين وطوباس ونور شمس بالضفة.

– ستلعب ألمانيا دوراً رئيسياً على المستوى الإنساني في الساحة الدولية، في ضوء عزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية، وستوسع ألمانيا شراكاتها مع المنظمات الإغاثية والأممية، لتقديم المساعدات الإنمائية للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية وخارجها، حيث تضم سوريا ولبنان والأردن عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات تابعة لوكالة الأونروا.

– رغم ترقب ألمانيا لتشكيل حكومة جديدة، بعد الانتخابات العامة المقررة في 23 فبراير 2024، فإن مواقف الأحزاب المتباينة تجاه القضية الفلسطينية، لن تسمح بأن ينفرد حزب باتخاذ القرارات بشأن هذا الملف، وستظل هناك ثوابت في السياسة الخارجية لألمانيا، وفقاً لما يحدده الدستور والقانون الألماني، بجانب الاتفاقيات المشتركة المبرمة بين السلطة الفلسطينية من جانب، والمؤسسات الأممية والدولية الإغاثية من جانب آخر، الأمر الذي يؤكد على أن برلين ستصبح لها دوراً محورياً وهاماً عبر الدبلوماسية، للدفع  بقوة نحو اتجاه حل هذا الصراع الممتد لعقود، وإحلال عملية السلام بشكل تدريجي في المنطقة.

– تستند دول الاتحاد الأوروبي على ألمانيا، في قيادة أي مباحثات دبلوماسية لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، نظراً لأنها مازالت تحتفظ بعلاقات جيدة مع الجانب الإسرائيلي ، في ظل التوترات بين باريس وتل أبيب، والتي ظهرت واضحة في تبادل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تصريحات وانتقادات حادة بشأن الوضع في غزة ولبنان، لذا ستتصدر ألمانيا المشهد المرحلة المقبلة، في المشاورات مع الأطراف الإقليمية والدولية لاستكمال مراحل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وطرح حل الدولتين والتفاوض من جديد خلال جلسات الأمم المتحدة.

– الرفض الألماني الواضح لمسألة توسع بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، يعد حجر الأساس الداعم للقرار الأممي (2334) الذي تم إصداره في 2016، والذي جرم الاستيطان وطالب إسرائيل بوقف بناء المستوطنات في الضفة والقدس، ودعت ألمانيا في 6 مارس 2024، حكومة إسرائيل، لسحب موافقتها على بناء المزيد من المستوطنات في الضفة، معتبرة الأمر انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي. وخلال 2025 أصدرت إسرائيل عدد من القرارات، تزيد من عدد سكان المستوطنات وتوسع عملية بناء الوحدات الاستيطانية، الخطوات التي تنظر لها برلين بأنها ستعيق مسار حل الدولتين، ما سيدفعها للضغط على حكومة نتنياهو للتراجع عن هذا التصعيد الفترة المقبلة.

رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=101351

حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI

 هوامش 

Germany’s Scholz calls Trump’s Gaza resettlement plans unacceptable

https://tinyurl.com/yjj2t9c7

Middle East: Trump’s Gaza takeover remarks met with backlash

https://tinyurl.com/ycydk8sz

Ceasefire in Gaza – Germany continues its assistance

https://tinyurl.com/5ak938ue

رقم قياسي جديد في صادرات الأسلحة الألمانية عام 2024

https://tinyurl.com/yntbm667

** 

Germany’s Middle East policy has reached a dead end

https://bit.ly/3X3vPLO

How Germany Lost the Middle East

https://bit.ly/3CWJgWV

Germany says two states ‘only solution’ to Israeli-Palestinian conflict

https://bit.ly/4gMkgQ5

Germany’s fall from grace

https://bit.ly/3QkPCT3

**

Statement delivered by Ambassador Leendertse, Permanent Representative of Germany to the United Nations.

https://bit.ly/3QEaxkp

ألمانيا: الاعتراف بفلسطين في نهاية عملية حل الدولتين

https://bit.ly/41gZbZu

Germany’s Scholz describes Trump’s Gaza proposal as a ‘scandal’ in election debate

https://bit.ly/40RmF5W

Explanation of Vote by Germany: Admission of new Members to the United Nations

https://bit.ly/4hYbJua

🔗 رابط مختصر: https://www.europarabct.com/?p=101351

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...