الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

أمن دولي ـ مفاوضات إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا 2025، السياق، الملفات المطروحة، والسيناريوهات المحتملة؟ملف

russia-ukrain2
مايو 15, 2025

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا،ECCI ـ 

بون   جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي ورئيس المركز الأوروبي ECCI https://x.com/home

ملف أمن دولي ـ مفاوضات إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا 2025، السياق، الملفات المطروحة، والسيناريوهات المحتملة؟

نسخة pdf على الرابط التالي ملف أمن دولي ـ مفاوضات إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا 2025

1 ـ أمن دولي ـ مفاوضات اسطنبول بين روسيا واوكرانيا، الملفات والضمانات الأمنية؟

تدخل الحرب في أوكرانيا مرحلة مفصلية مع الإعلان عن مفاوضات مرتقبة في إسطنبول بين الرئيس الأوكراني زيلينسكي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وسط غموض يكتنف إمكانية عقد اللقاء شخصيًا بين الطرفين والمقرر ان يكون في أسطنبول يوم 15 مايو 2025. هذه الخطوة تأتي في ظل ضغوط أميركية وأوروبية متزايدة، ومساعٍ تركية لإحياء مسار السلام. يثير التحضير لهذه المحادثات جملة من التساؤلات حول أهداف كل طرف، والملفات المطروحة، وحدود ما يمكن تحقيقه في ظل استمرار العمليات العسكرية وتصلّب المواقف بشأن السيادة والأمن والحدود. وبينما ترى كييف في اللقاء فرصة لوقف إطلاق نار شامل وتبادل الأسرى، تسعى موسكو لتثبيت مكاسبها الميدانية والتخفيف من وطأة العقوبات. في هذا السياق، يستعرض هذا الملف خلفيات المبادرة، الشكوك المحيطة بها، وأبرز أوراق الضغط الأوروبية والدولية لدفع روسيا نحو طاولة التفاوض.

من المتوقع أن يصل الرئيس الأوكراني زيلينسكي يوم 15 مايو 2025 إلى إسطنبول لإجراء محادثات سلام. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد ألمح في وقت سابق إلى استعداده لإجراء محادثات بوساطة تركية. وكان هناك اتفاق سابق بين أوكرانيا وشركائها الغربيين على أن المحادثات المباشرة لإنهاء الحرب لن تكون ممكنة إلا في ظل هدنة تمتد 30 يومًا. إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبعد أن اطّلع على استعداد روسيا للحوار، مارس ضغوطًا على زيلينسكي من خلال منشوراته. أمن دولي ـ مبادرات السلام الأوروبية في الحرب الأوكرانية: حدود التأثير والضمانات الأمنية

لا يزال من غير الواضح ما إذا كان سيحدث لقاء شخصي فعلي بين الرئيسين. وفي تصريح له أمام الصحفيين في كييف يوم ا13 مايو 2025، أكّد زيلينسكي ـ وفقًا لتقرير لمجلة “دير شبيغل”  أنه يتوقع حضور بوتين إلى إسطنبول ، لكنه أعرب في الوقت نفسه عن شكوكه بشأن قدرة بوتين على الحضور شخصيًا، قائلاً: “لا أعتقد أنه قادر على ذلك”. غير أن الرئيس الأوكراني أقرّ بأن الضغوط من الشركاء الأوروبيين والولايات المتحدة، الذين أعلنوا عن حزمة عقوبات جديدة، قد تدفع بوتين في نهاية المطاف إلى الحضور.

وعند سؤاله من قبل أحد الصحفيين عمّا إذا كان مستعدًا للقاء وفد روسي في إسطنبول، شدّد زيلينسكي على أن لقاءه ببوتين يجب أن يكون له أهداف واضحة. وبحسب رأيه، هناك قضايا مركزية لا يمكن حسمها إلا من خلال حوار مباشر. أما التفاصيل، فيمكن التفاوض بشأنها ضمن صيغ أخرى. وفي حال انعقد اللقاء، فيجب حسب زيلينسكي  أن ينتهي بـ”نصر سياسي”. ويرى أن وقف إطلاق النار أو تبادل واسع للأسرى سيكون مناسبًا. أما في حال عدم قدوم بوتين، فسيُعدّ ذلك بالنسبة لزيلينسكي دليلاً على أن بوتين “لا يسعى إلى نصر سياسي”.

وفي حال عدم انعقاد اللقاء، شدد زيلينسكي على ضرورة أن يقتنع أيضًا الرئيس الأميركي في البيت الأبيض بأن “غير صادق بوعوده”. وكان ترامب، خلال الأسابيع والأشهر الماضية من ولايته، قد مارس ضغوطًا على طرفي النزاع لحثّهما على الدخول في محادثات سلام. ومع ذلك، أصبح تركيزه منصبًا بشكل متزايد على أوكرانيا، حيث حمّلها مسؤولية اندلاع الحرب واستمرار القتال.

وأكد زيلينسكي أن من المهم بالنسبة له التعامل بعقلانية مع الموقف في الوقت الراهن، لإظهار أن أوكرانيا ليست هي الطرف الذي يُعيق العملية. وإذا لم يتحقق أي تقدم في المفاوضات خلال الأيام المقبلة، فإنه يتوقع من الولايات المتحدة أن تُقرّ حزمة عقوبات جديدة ضد الكرملين. وقال: “أعتقد أنها قوية وخطيرة جدًا بالنسبة للروس”.

هل سيحضر الرئيس بوتن الى مفاوضات أسطنبول؟

إن حضوره شخصيًا سيكون اعترافًا ضمنيًا بمكانة زيلينسكي رئيسًا شرعيًا، وهو أمر حاول الكرملين تجنبه سياسيًا. المشاركة المباشرة قد تُفهم كتنازل أو إشارة ضعف في ظل ضغوط العقوبات الغربية وتطورات الحرب بوتين نادرًا ما يشارك في مفاوضات سلام مباشرة، خاصة مع قادة يعتبرهم خصومًا سياسيين أو ميدانيين مثل زيلينسكي. طوال الحرب، امتنع  بوتن عن عقد لقاء مباشر مع زيلينسكي رغم وساطات متعددة، وفضّل التفاوض عبر وفود أو عبر وسطاء مثل تركيا أو بيلاروسيا. تواجه روسيا حاليًا ضغوطًا دولية متزايدة عقوبات، عزلة دبلوماسية، تطورات ميدانية، مما قد يجعل بوتين أكثر حذرًا في خطواته الدبلوماسية. لكن في المقابل، قد يقرر الحضور المفاجئ لكسر الجمود أو لإظهار انفتاح تكتيكي أمام الغرب.

من سيجتمع في إسطنبول؟

من المؤكد حالياً أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيسافر إلى تركيا يوم 15 مايو 2025، حيث يعتزم الاجتماع في أنقرة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. لو أن بوتين قرر الحضور إلى إسطنبول، لكانا قد سافرا معاً إلى مضيق البوسفور، لكن هذه الفكرة طويت صفحتها. كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد أعلن أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو سيكون حاضراً. كما كان من المقرر أن يحضر أيضاً مبعوثاه الخاصان ستيف ويتكوف وكيث كيلوج. أما روسيا، كما فعلت في ربيع عام 2022، فأوفدت وفداً منخفض المستوى، يرأسه مستشار بوتين للشؤون الثقافية والتاريخية، فلاديمير ميدينسكي، الذي قاد أيضاً مفاوضات الجانب الروسي قبل ثلاث سنوات. ويرافقه نائب وزير الخارجية ميخائيل غالوزين، ونائب وزير الدفاع ألكسندر فومين، ورئيس الاستخبارات العسكرية الروسية (GRU) إيغور كوستيوكوف. من جانبه، قرر زيلينسكي إرسال رئيس ديوانه أندري يرماك، ووزير الدفاع روستم أوميروف، ووزير الخارجية أندري سيبيها، والمستشار الرئاسي إيغور جوفكفا.

ماهي الملفات التي سوف يناقشها بوتن وزيلنسكي في مفاوضات أسطنبول ؟

إذا انعقد لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي في إسطنبول، فستكون القضايا المطروحة ثقيلة ومعقدة، وسيجري التركيز على الملفات الكبرى ذات الطابع السياسي والعسكري، بينما تُترك التفاصيل لفرق التفاوض. وفيما يلي أبرز الملفات المتوقعة:

ـ وقف إطلاق النار الشامل أو المؤقت : هدف زيلينسكي فرض هدنة طويلة نسبياً (30 يومًا على الأقل) لوقف العمليات الروسية  وقد يوافق على هدنة جزئية أو مشروطة بمكاسب ميدانية أو اعترافات سياسية.

ـ تبادل الأسرى: صفقة تبادل واسعة تشمل أسرى الحرب من الجانبين، خاصة الطيارين، والضباط، وأسرى معارك باخموت وماريوبول. ملف إنساني يلقى دعمًا دوليًا ويمكن أن يكون بوابة لإجراءات بناء الثقة.

ـ الوضع الميداني على الرض :سوف لن يعترف زلينسكي بأي سيطرة روسية على أراضٍ أوكرانية دونيتسك، لوغانسك، زابوريجيا، خيرسون، والقرم. وسوف يسعى بوتن على الأقل تثبيت خطوط التماس الحالية كمرحلة أولى.هذا الملف هو الأكثر تعقيدًا والأبعد عن التفاهم، لكن قد يُناقش بشكل تمهيدي أو يُحال لاحقًا إلى مفاوضات أوسع.

ـ الضمانات الأمنية المستقبلية :تطالب أوكرانيا بضمانات من دول غربية أو تركيا بعدم تكرار الغزو. أما روسيا قد تطرح شروطًا مثل “الحياد العسكري لأوكرانيا” أو عدم انضمامها للناتو.

ـ رفع العقوبات أو تجميدها : سيطالب بوتن بتجميد أو تخفيف بعض العقوبات الغربية، مقابل خطوات مثل الهدنة أو السماح بتصدير الحبوب. لكن زيلينسكي سيربط هذا الملف بالتقدم الملموس في السلام واستعادة الأراضي.

ـ مستقبل الموانئ والطاقة والغذاء: أمن موانئ البحر الأسود (مثل أوديسا) لضمان تصدير الحبوب، أي ستكون محادثات حول تصدير الغاز والنفط الروسي عبر أوكرانيا أو بوساطة تركية.

ـ الدور التركي في الضمانات أو الرقابة : تسعى تركيا للعب دور الضامن أو المراقب لأي اتفاق محتمل. قد تُطرح فكرة إنشاء لجنة رقابة ثلاثية تركيا – روسيا – أوكرانيا.

يمكن القول إن المفاوضات ، إن حدثت ، ستدور حول وقف النار، تبادل الأسرى، والتمهيد لاتفاق أوسع. أما قضايا السيادة والحدود، فستظل عقبات مركزية يصعب حلها في لقاء واحد، لكنها قد تُفتح كبداية لمسار دبلوماسي طويل.

**

2 ـ أمن دولي ـ ماهي أوراق الضغط الأوروبية على بوتن للجلوس حول طاولة المفاوضات؟

تمتلك أوروبا مجموعة من أوراق الضغط الفعالة، التي يمكن أن تُستخدم لدفع الرئيس الروسي بوتين إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. هذه الأوراق تتنوع بين اقتصادية، عسكرية، دبلوماسية وإنسانية، ويجري استخدامها بشكل تدريجي ومتناسق مع الحلفاء، خاصة الولايات المتحدة. أبرز هذه الأوراق:

ـ العقوبات الاقتصادية المتصاعدة : العقوبات الأوروبية أدت إلى عزل قطاعات واسعة من الاقتصاد الروسي عن النظام المالي العالمي، وفرضت حظرًا على النفط والغاز والفحم، وتجميد الأصول الروسية. أي تصعيد إضافي سيُقابل بمزيد من العقوبات، مثل استهداف قطاع الطاقة بالكامل، أو حظر كامل على سويفت، أو حظر على المعادن والمنتجات النووية.

ـ دعم أوكرانيا بالسلاح والمال ، الدور الأوروبي: استمرار تدفق الأسلحة النوعية (مثل دبابات ليوبارد، وصواريخ دفاع جوي، وطائرات بدون طيار)، ودعم مالي كبير للبنية التحتية والمؤسسات الأوكرانية.

ـ الضغط على روسيا: زيادة كلفة الحرب على الجيش الروسي، واستنزافه ميدانيًا، ما يخلق دافعًا للتفاوض قبل الانهيار أو الجمود العسكري.

ـ توسيع الناتو وتحصين الجبهة الشرقية  : نشر قوات إضافية في دول البلطيق وبولندا ورومانيا. وسوف يستعد الغرب لصراع طويل.

ـ الدور التركي ـ الأوروبي المشترك ورقة مزدوجة:  تشجع  أوروبا تشجع تركيا كوسيط مقبول من روسيا على الضغط على موسكو للدخول في مسار تفاوضي، وتلعب باريس وبرلين دورًا دبلوماسيًا نشطًا بالتنسيق مع أنقرة وروما.

ـ التهديد بمحاكمات دولية: أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بالفعل مذكرة توقيف ضد بوتين.

ـ التلاعب بالهامش الروسي في آسيا عبر الصين والهند: تضغط أوروبا بشكل غير مباشر على شركاء روسيا التجاريين خاصة الصين للحد من انخراطهم في دعم موسكو، وهو ما يقيّد حركتها الجيوسياسية والاقتصادية.

ـ تهديد الأمن الداخلي الروسي : وذلك من خلال دعم المعارضة الروسية، والمنظمات المستقلة، وتسريب معلومات لغرض زعزعة الأمن الداخلي أوضاع الجبهة، التضحيات البشرية، الفساد.أمن دولي ـ هل تستطع دول الناتو تحمل 5% من الناتج القومي للدفاع؟ العوامل والتوصيات

إن أوروبا لا تملك وحدها “ورقة حاسمة”، لكنها تملك مجموعة من أوراق الضغط المتراكبة، التي تهدف إلى جعل الحرب عبئًا طويل الأمد على روسيا. وعبر ربط العقوبات بالدبلوماسية وتوظيف شركاء مثل تركيا والولايات المتحدة، تحاول دفع بوتين نحو خيار المفاوضات كأقل الخيارات تكلفة بالنسبة له.

**

ماذا سيحدث في حال فشل التوصل الى اتفاق في مفاوضات أسطنبول؟

في حال فشل مفاوضات إسطنبول وعدم التوصل إلى اتفاق بين روسيا وأوكرانيا، فإن تداعيات ذلك ستتوزع بشكل مختلف على الفاعلين الثلاثة الأساسيين: الأوروبيون، ترامب، وزيلينسكي.  كل طرف سيتخذ مسارًا خاصًا في إدارة الفشل، بناءً على مصالحه السياسية والاستراتيجية. السيناريوهات المحتملة:

الأوروبيون

ـ توسيع العقوبات على روسيا:  رد تلقائي على فشل بوتين في التفاوض، بفرض حزمة جديدة من العقوبات تستهدف: قطاع الطاقة المتبقي (الغاز الطبيعي المُسال). شركات دفاعية روسية. مصارف وشخصيات نافذة جديدة قائمة العقوبات الفردية. بهدف زيادة الضغط الاقتصادي على موسكو لدفعها إلى طاولة المفاوضات في مرحلة لاحقة.

ـ زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا : تقديم أسلحة هجومية جديدة ربما صواريخ بعيدة المدى من فرنسا أو بريطانيا،  تسريع وتيرة التدريب والتسليح تحسبًا لتصعيد روسي على الجبهات. وتبني خطاب أكثر تشددًا داخل الاتحاد الأوروبي . دفع الدول المترددة مثل المجر وسلوفاكيا إلى موقف موحد عبر خطاب “بوتين لا يريد السلام”. وتقوية الجبهة الداخلية الأوروبية أمام الضغوط السياسية والاقتصادية.

ـ محاولة إحياء مسار تفاوضي بديل : عبر الأمم المتحدة أو عبر دول ثالثة مثل الصين أو الفاتيكان، لتجنب الانزلاق نحو التصعيد الشامل.

الولايات المتحدة ـ الرئيس ترامب

تحميل زيلينسكي المسؤولية :  سوف يستثمر ترامب فشل المفاوضات ، سيستخدم الفشل لتعزيز خطابه الانتخابي بأن “أوروبا وأوكرانيا لا يريدون إنهاء الحرب”. وزيادة الضغوط على الطرفين لمفاوضات جديدة . وقد يطرح ترامب “خطة سلام جديدة” تقترح تنازلات إقليمية من أوكرانيا مقابل انسحاب روسي. هو يسعى لتقديم نفسه كـ”الوسيط الوحيد القادر على إنهاء الحرب”. إذا بقي زيلينسكي على موقفه، قد يبدأ ترامب بالترويج علنًا لفكرة تجميد الدعم العسكري الأميركي، ما يربك الخطط الأوروبية.

أوكرانيا ـ الرئيس زيلينسكي

تعزيز الخطاب الدفاعي والهجومي: سيؤكد أن فشل المفاوضات نتج عن تعنت بوتين، وليس رفضًا أوكرانيًا. سيحشد الدعم الشعبي والدولي، ويبرر استمرار الحرب بكونها “دفاعًا عن السيادة”. استثمار الفشل للدفع بمزيد من الأسلحة من الناتو والاتحاد الأوروبي. محاولة تحصين أوكرانيا من أي تراجع في الدعم الأميركي المحتمل في حال فاز ترامب لاحقًا. قد يبادر زيلينسكي بطرح صيغة تفاوضية بديلة، ولكن بشروط أكثر وضوحًا مثل انسحاب روسي أولي من بعض المناطق. من أجل  تحويل الموقف السياسي إلى هجوم دبلوماسي.

**

3 ـ أمن دولي ـ هل تريد دول أوروبا بالفعل ايقاف الحرب مع روسيا؟

هل تريد أوروبا إنهاء الحرب، أم استنزاف روسيا؟ وهل هناك نية حقيقية في الإعداد لمواجهة عسكرية مباشرة مستقبلًا؟

ربما تريد أوروبا إنهاء الحرب، ولكن بشروط لا تُعد انتصارًا لروسيا، وبطريقة تحفظ النظام الأوروبي القائم على الأمن الجماعي، وليس عبر “استسلام دبلوماسي”. الدلالات:

التكلفة الاقتصادية الباهظة: ألمانيا وفرنسا تضررتا من أزمة الطاقة، التضخم، وأزمة الصناعات.

هناك ضغط داخلي شعبي ونقابي لإنهاء الحرب واستعادة الاستقرار. خطابات متكررة تدعو إلى “حل دبلوماسي.ألمانيا رفضت حتى الآن إرسال صواريخ توروس البعيدة المدى، تجنبًا لـ”توسيع الحرب”. إن أوروبا بحاجة لعلاقات مستقرة مع روسيا ولو بعد سنوات في مجال الطاقة والحدود الشرقية. عكس الولايات المتحدة التي تنظر للحرب من زاوية الجغرافيا البعيدة والمصالح الاستراتيجية الأوسع.

هل تريد أوروبا استمرار الحرب لاستنزاف روسيا؟

تستثمر أوروبا الحرب لربح الوقت وإعادة بناء قدرتها الدفاعية والعسكرية. ألمانيا أعلنت عن رفع ميزانية الدفاع إلى أكثر من 2% من الناتج القومي. فرنسا أطلقت خطط تسليح حتى 2030، أبرزها برنامج “سكوربيون” ورفع الجاهزية النووية. بولندا أعلنت عن مضاعفة عدد الجيش وتحديثه بأسرع وتيرة في أوروبا. الناتو أصدر تحذيرات تقول إن “روسيا قد تشكل خطرًا مباشرًا على دول الناتو في غضون 3-5 سنوات”. هذا يعكس استعدادًا على المدى المتوسط لاحتمال مواجهة روسية، حتى إن لم تكن حتمية. دول البلطيق، بولندا، وسلوفاكيا تدفع باتجاه نشر قوات دائمة للناتو على الخط الشرقي. تم فتح مصانع ذخيرة أوروبية بتمويل ضخم، يعكس رغبة في بناء صناعة حربية مستقلة.

موقف بولندا مختلف

بولندا لا تسعى لإنهاء الحرب الآن، بل تعتبر أن انتصار أوكرانيا يمثل حماية مباشرة لأمنها القومي. تدفع باتجاه تصعيد وتسليح واسع النطاق، وتعمل كـ”قوة دفع أطلسية” داخل أوروبا. هي تعتبر أن أي وقف للحرب دون انسحاب روسي كامل هو هدنة مؤقتة فقط.أوروبا لا تريد استمرار الحرب لذاتها، بل تجد نفسها مضطرة لدعم أوكرانيا كآلية ردع ومواجهة استراتيجية مؤقتة. في الوقت نفسه، هي تستغل هذه المرحلة لبناء قوة عسكرية أوروبية تستطيع، خلال خمسة أعوام قادمة . المعضلة الأوروبية هي في أنها لا تستطيع الآن فرض سلام دون خسارة استراتيجية، ولا تستطيع الدخول في مواجهة مباشرة بعد.

**

هل أوروبا تعتبر حرب أوكرانيا حرب “عقائدية” ؟

أوكرانيا تُرى على أنها دولة حدودية بين نموذجين: أوروبا الديمقراطية الليبرالية وروسيا الاستبدادية القومية التوسعية خسارة أوكرانيا تعني أن النموذج الروسي نجح في تقويض الترتيب الأمني الأوروبي لما بعد الحرب الباردة. المسألة ليست دعم أوكرانيا كدولة، بل الدفاع عن النظام الأوروبي نفسه. لو سقطت أوكرانيا، سيتعرض الناتو لضربة استراتيجية هائلة رغم أنها ليست دولة عضوة، لأنه فشل في حماية دولة تقع ضمن مجال نفوذه. الأمر ذاته ينطبق على الاتحاد الأوروبي الذي قدم لأوكرانيا “وعدًا أوروبيًا” بالانتماء، وإذا خذلها، سيتلقى ضربة لمصداقيته العالمية وداخل البلقان والشرق الأوروبي. ولهذا، تعتبر أوروبا أن خسارة أوكرانيا ، يعني بداية تفكك تأثيرها الجيوسياسي.

الأوروبيون، خصوصًا ألمانيا وبولندا، يخشون من أن فوز روسيا في أوكرانيا سيُطلق شهية موسكو نحو مولدوفا، جورجيا، وربما حتى دول البلطيق. وما يُغذي هذا الخوف هو الخطاب الروسي المتصاعد . يمكن القول بإن أوروبا تخوض حربًا عقائدية أكثر من كونها حربًا جيوسياسية. وإن خسارة أوكرانيا تعني كسر العمود الاستراتيجي لأوروبا، وهذا ما يدفعها إلى المضي قدمًا رغم عدم رغبتها المباشرة في صدام طويل أو مكلف.

**

أوروبا والدعم العسكري لأوكرانيا: حدود الالتزام والرهان على الشراكة مع الولايات المتحدة؟

منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، لعبت أوروبا دورًا فاعلًا في دعم كييف سياسيًا وعسكريًا، إلا أن هذا الدور بقي دومًا مرتبطًا بسقف القدرة والاعتماد المتبادل، لا سيما في ظل التفوق الأميركي كمصدر أساسي للمساعدات العسكرية النوعية.

ـ الاعتماد المتبادل في الدعم العسكري : رغم أن الدول الأوروبية قدمت مساعدات عسكرية معتبرة لأوكرانيا، إلا أن الولايات المتحدة تظل الطرف الأبرز في تزويد كييف بالأسلحة المتطورة والتمويل العسكري المباشر. فمن الصواريخ بعيدة المدى إلى المقاتلات الحديثة، يعتمد الجيش الأوكراني في جزء كبير من عملياته على الأسلحة الأميركية، التي لا تمتلك أوروبا بدائل فاعلة عنها في المدى القصير. ويكشف هذا الواقع عن معضلة حقيقية:  أوروبا لا تستطيع الاستمرار في تقديم الدعم لأوكرانيا على نفس الوتيرة أو النوعية، إذا قررت الولايات المتحدة تقليص مساهمتها. إذ أن تعويض هذا النوع من الدعم يتطلب قدرات تصنيعية وتقنية لا تزال أوروبا تفتقر إليها.

ـ محدودية القدرات الصناعية الدفاعية الأوروبية: تواجه أوروبا تحديًا هيكليًا يتمثل في ضعف قدرتها الصناعية على إنتاج الأسلحة المتقدمة بكميات كبيرة وفي أوقات قصيرة. وعلى عكس الولايات المتحدة التي تحتفظ بقاعدة صناعية دفاعية قوية، تعاني أوروبا من تباطؤ في عمليات التوسعة والإنتاج، رغم الخطط المعلنة لتطوير الصناعات الدفاعية. وبالتالي، فإن أي تراجع أميركي في الدعم سيؤدي إلى فجوة يصعب سدّها في الوقت الراهن، ما يعني أن الحفاظ على مستوى الدعم الحالي مرهون باستمرار الالتزام الأميركي.

هل ستُبقي أوروبا على مستوى دعمها لأوكرانيا؟

هذا يعتمد على عدد من العوامل:

ـ الضغوط الاقتصادية الداخلية: ارتفاع التكاليف الاقتصادية الناجمة عن الحرب ـ مثل زيادة الإنفاق الدفاعي، أزمة الطاقة، وارتفاع معدلات التضخم ـ بات يشكل عبئًا متزايدًا على بعض الحكومات الأوروبية. فعلى سبيل المثال، تجد دول مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا نفسها أمام معادلة صعبة: التوفيق بين دعم أوكرانيا والحفاظ على التوازنات الاقتصادية والاجتماعية داخليًا. من غير المرجح أن تقدم هذه الدول على تقليص مفاجئ للدعم العسكري، ولكن من المرجح أن تشهد هذه المساعدات تراجعًا تدريجيًا يخضع لمعادلات الاقتصاد الداخلي وموقف الرأي العام.

ـ الاعتبارات السياسية الداخلية:  في بعض الدول مثل إيطاليا وإسبانيا، بدأت التيارات السياسية المناهضة للحرب بالتوسع، ما يشكل ضغطًا سياسيًا لتقليص الدعم. كما أن نتائج الانتخابات المقبلة قد تُفضي إلى صعود قوى تشكك في جدوى الانخراط العسكري في الحرب، وتدفع نحو تقليل المساعدات، لا سيما العسكرية منها.

ـ تحوّل في نوعية المساعدات: في ظل تلك الظروف، من المرجح أن تتجه أوروبا نحو تقديم أسلحة أقل تكلفة وأقل تطورًا مقارنة بصواريخ باتريوت أو الطائرات المقاتلة. قد تلجأ بعض الدول إلى إرسال مخزونات من الدبابات القديمة أو أنظمة الدفاع الجوي ذات التكنولوجيا التقليدية، كخيار دفاعي لا يثير المخاوف من التصعيد مع روسيا، وفي الوقت نفسه يناسب القدرات الاقتصادية.

ـ تظل أوروبا بحاجة ماسة إلى الولايات المتحدة:  سواء على مستوى التسليح المتطور أو التمويل المباشر، لضمان استمرار الدعم الشامل لأوكرانيا.تشير المؤشرات الاقتصادية والسياسية إلى أن الدعم الأوروبي قد يستمر، لكنه سيتجه نحو التراجع التدريجي، بما يتماشى مع تطورات الداخل الأوروبي. مع استمرار الضغوط، من المتوقع أن يعاد توجيه الدعم نحو أسلحة دفاعية أقل تكلفة وأقل تعقيدًا، بما يسمح بمواصلة الدعم دون استنزاف الموارد أو إثارة صدام مباشر مع موسكو.

4 ـ أمن دولي ـ فرص الاستثمار الدولي في حرب أوكرانيا، قراءة تحليلية

أفرزت الحرب الروسية في أوكرانيا مجموعة واسعة من التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية التي لم تقتصر آثارها على حدود المنطقة، بل امتدت إلى ملفات دولية باتت تشكل مجالات محتملة للاستثمار السياسي والاستراتيجي من قبل الولايات المتحدة ودول فاعلة إقليمياً ودولياً. ومن أبرز هذه الملفات:

ـ أمن الطاقة والموارد الطبيعية: شكّلت أزمة الطاقة في أوروبا، نتيجة تقليص الإمدادات الروسية، فرصة استراتيجية للولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في أسواق الغاز العالمية، ولا سيما من خلال توسيع صادرات الغاز الطبيعي المسال نحو أوروبا. إلى جانب ذلك، تُعد أوكرانيا نفسها دولة غنية بالموارد الطبيعية، مثل المعادن النادرة والمنتجات الزراعية، مما يجعلها هدفاً محتملاً للاستثمارات الغربية طويلة الأمد في سياق إعادة الإعمار أو السيطرة على سلاسل الإمداد.

ـ إعادة رسم النفوذ في أوروبا الشرقية: أعادت الحرب تفعيل دور حلف الناتو في أوروبا الشرقية والبلقان، حيث دفعت الولايات المتحدة باتجاه تعزيز الوجود العسكري في دول مثل بولندا ودول البلطيق. كما أن دولاً غير منضوية تحت مظلة الناتو مثل جورجيا ومولدوفا باتت تشكل ساحات محتملة للاستثمار الجيوسياسي الأمريكي لتعزيز الردع ضد موسكو.

ـ استثمار الأزمة للضغط على الصين : تُستثمر الحرب الأوكرانية أيضاً كورقة ضغط على الصين، سواء عبر دفع الدول الأوروبية لإعادة تقييم علاقاتها الاقتصادية مع بكين، أو عبر استخدام الصراع كأداة مساومة غير مباشرة بشأن ملفات حساسة مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي. كما أن أمريكا قد تسعى لتشكيل جبهة غربية أكثر تماسكا في مواجهة التمدد الصيني.

ـ إعادة هيكلة التحالفات في الشرق الأوسط : ساهمت الحرب في إعادة ترتيب أولويات التحالفات في الشرق الأوسط، فمع العقوبات المفروضة على روسيا، برزت فرص لتوسيع التعاون الأمريكي مع دول الخليج العربي، خاصة في مجالات الطاقة. في الوقت ذاته، يمكن لواشنطن استثمار موقع إيران وعلاقتها بروسيا لدفعها نحو تنازلات في ملفها النووي أو لتقليص نفوذها في سوريا والعراق.

ـ ترسيخ الهيمنة على النظام المالي العالمي: فرض العقوبات على روسيا منح الولايات المتحدة فرصة جديدة لتعزيز مكانة الدولار كعملة عالمية مهيمنة، في مقابل محاولات صينية وروسية لخلق بدائل نقدية ونظم دفع مستقلة. هذا التوجه يعيد التأكيد على مركزية النظام المالي الغربي بقيادة واشنطن في ضبط إيقاع الاقتصاد العالمي.

ـ الترويج للمنظومة الديمقراطية : في السياق الإيديولوجي، تُستثمر الحرب كمنصة لتعزيز خطاب الديمقراطيات الغربية ضد الأنظمة الاستبدادية. وقد وظفت الولايات المتحدة هذا الصراع لتقديم نفسها كمدافع عن “القيم الليبرالية” في مواجهة النموذجين الروسي والصيني، في إطار منافسة استراتيجية طويلة الأمد على النفوذ العالمي.

ـ فرص اقتصادية في مرحلة ما بعد الحرب : إعادة إعمار أوكرانيا تمثل أحد أبرز الملفات الاقتصادية المستقبلية، حيث تشير التقديرات إلى الحاجة لمئات مليارات الدولارات لإصلاح البنية التحتية. وستسعى الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون إلى تأمين موقع الريادة في هذه العملية، اقتصادياً وتقنياً، ما يشكل فرصة استراتيجية لتعزيز الحضور الغربي طويل الأمد داخل أوكرانيا.

ـ تقاطع الحرب مع الملف النووي الإيراني: يوفر الصراع الأوكراني خلفية مناسبة لاستثمار أمريكي في الضغط على إيران، خصوصاً في ضوء العلاقات العسكرية المتنامية بين موسكو وطهران. وقد يُستخدم هذا الوضع كوسيلة لدفع إيران نحو مواقف أكثر مرونة في مفاوضات الاتفاق النووي أو في الحد من تعاونها الدفاعي مع روسيا.

ـ توسيع الحضور في آسيا الوسطى والقوقاز : مع انشغال روسيا في الجبهة الأوكرانية، تسعى الولايات المتحدة لتعزيز حضورها في آسيا الوسطى والقوقاز، وهي مناطق تقليدية تحت النفوذ الروسي. ومن خلال التعاون الأمني والاقتصادي، قد تتمكن واشنطن من تقليص المجال الحيوي لروسيا في تلك الأقاليم. أمن دولي ـ الأوروبيون يوجهون إنذارًا لبوتين بشأن وقف إطلاق النار

دور تركيا كوسيط محايد؟

 يرى خبراء أن تركيا بحكم موقعها الجيوسياسي وعلاقاتها المتوازنة تمثل الوسيط المثالي. أشار المؤرخ الهولندي هوبرت سميتس إلى أن إسطنبول أفضل من أي عاصمة أوروبية لعقد هذه المفاوضات. حذّر محللون من أن غياب الثقة المتبادلة واحتفاظ الطرفين بخيارات التصعيد قد يعطل فرص التوصل إلى اتفاق دائم. أشار المحلل التركي إنجين أوزير إلى غموض نوايا كييف.

ترحب الأمم المتحدة وأطراف أوروبية بارزة بالمفاوضات، مع تلويح بعقوبات في حال فشل روسيا في التجاوب مع شروط التهدئة. الدعم الدولي يبدو مشروطًا بتحقيق نتائج ملموسة.في حال النجاح، قد تفتح المفاوضات الباب أمام سلسلة من الإجراءات اللاحقة تشمل تبادل الأسرى، وتقديم ضمانات أمنية، وربما بحث وضع المناطق المحتلة. أما الفشل، فقد يؤدي إلى تصعيد دموي جديد يعمّق الانقسام الدولي.

يقول ستيف ويتكوف: متفائل بتحقيق اختراق سياسي، ويرى أن اتفاقات إسطنبول 2022 قد تشكّل أساسًا مرجعيًا. آخرون يعتقدون أن مفاوضات إسطنبول بحاجة لمزيد من الجولات لتحقيق نتائج ملموسة.أما أندريه كورتونو فيرىفي المفاوضات فرصة لفرض شروط تتعلق بحياد أوكرانيا ووقف الدعم الغربي. تعكس مفاوضات إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا محاولة دولية جديدة لإطفاء نيران الحرب، لكنها في الوقت ذاته مرتبطة بتعقيدات سياسية وأمنية شائكة. إن تشكيل آلية رقابة فعالة ومحايدة على وقف إطلاق النار سيكون معيارًا حاسمًا لنجاح أي اتفاق مستقبلي. تبقى الثقة، والإرادة السياسية، والضمانات الدولية هي العوامل الفاصلة التي قد تحدد مستقبل هذه الجولة من المفاوضات.

5 ـ أمن دولي ـ مفاوضات إسطنبول: احتمالات النجاح والفشل وتداعياتها المستقبلية ؟

تمثل مفاوضات إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا، رغم تعثرها، محطة مفصلية يمكن أن ترسم ملامح المرحلة المقبلة من الصراع. وقد انطوت تلك المفاوضات على احتمالات متعددة:

ـ تسوية مؤقتة أو هدنة مشروطة: قد تشكل المفاوضات مدخلاً لهدنة محددة بشروط ميدانية، تسمح للطرفين بإعادة التموضع.

ـ تقسيم جغرافي- سياسي، أحد السيناريوهات يتمثل في اعتراف غير مباشر بسيطرة روسيا على أجزاء من شرق وجنوب أوكرانيا، مقابل ضمانات سيادية واقتصادية لأوكرانيا.

ـ تفاهمات أمنية واستراتيجية: يشمل ذلك مقترحات لنزع السلاح الاستراتيجي أو التزام أوكراني بالحياد العسكري، بإشراف دولي.

تداعيات فشل المفاوضات:

ـ تصعيد عسكري: استمرار الحرب سيقود إلى هجمات أوسع على البنية التحتية الأوكرانية، وزيادة الكلفة البشرية والمادية.

ـ ضغوط اقتصادية عالمية: فشل التسوية سيُفاقم من أزمة الطاقة وسلاسل التوريد، ويزيد التضخم العالمي، خاصة في أوروبا.

ـ تعزيز الانقسام الجيوسياسي: سيُفضي إلى مزيد من الاستقطاب بين روسيا والمحور الغربي، وربما دفع موسكو أكثر نحو تحالف استراتيجي مع الصين وإيران.

ـ تنامي التحالفات غير الغربية: من المرجح أن تؤدي استدامة الحرب إلى تشكيل محور مضاد بقيادة روسيا والصين ودول أخرى معارضة للغرب.

سيناريو نجاح المفاوضات:

ـ استقرار نسبي في أوروبا: من شأن أي اتفاق وقف إطلاق نار أن يخفف التوتر ويقلص الضغوط الاقتصادية على دول الجوار.

ـ دور متزايد للوساطات الدولية: نجاح المفاوضات قد يعزز من فرص منظمات مثل الأمم المتحدة أو   OSCE  للعب دور رقابي على تطبيق الاتفاقات.

ـ فتح الباب لإعادة الإعمار: التسوية قد تمثل بداية لجهود واسعة في إعادة إعمار أوكرانيا، تشكل فيها الشركات الغربية رأس الحربة.

ـ تشكل الحرب في أوكرانيا ساحة معقدة للتقاطع بين مصالح القوى الكبرى. فبينما تسعى روسيا لتحقيق مكاسب جيوسياسية مباشرة، تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها تحويل الأزمة إلى منصة لتوسيع نفوذهم الاقتصادي والعسكري، وإعادة هندسة النظام الدولي. إن نجاح أو فشل مفاوضات إسطنبول لا يُحدد فقط مسار الحرب، بل قد يرسم ملامح نظام عالمي جديد قيد التشكل.

مفاوضات إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا، آفاق وقف إطلاق النار وتحديات المراقبة الدولية

في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير 2022، واستمرار التوترات الإقليمية والدولية، تبرز مفاوضات إسطنبول المقررة في 15 مايو 2025 كمحاولة جديدة لكسر الجمود وإعادة طرح ملف التسوية السياسية. يدور التساؤل الجوهري اليوم حول جدوى هذه المفاوضات، ومدى إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، والجهة التي قد تضطلع بمهمة مراقبته، حال تم الاتفاق.

من سيراقب وقف إطلاق النار في حال تم التوصل إليه؟

ـ الأمم المتحدة : من المتوقع أن تضطلع بعثة الأمم المتحدة بدور رئيسي في مراقبة أي اتفاق، عبر إرسال فرق من المراقبين الدوليين، مدنيين وعسكريين، لمتابعة الوضع ميدانيًا. كما يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يُصدر قرارًا ملزمًا يدعم نشر قوات حفظ السلام إذا تطلب الأمر.

ـ منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) : تمتلك OSCE خبرة ميدانية في أوكرانيا، وقد تساهم في مراقبة خطوط التماس، ومنع الانتهاكات. في حال توسعت مهامها، فإنها قد تصبح الذراع الفنية الأساسية في مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار.

ـ حلف شمال الأطلسي ـ الناتو : ورغم أن الناتو ليس طرفًا مباشرًا في الصراع، فإنه قد يقدم مساعدات تقنية، واستشارية، وربما رقابية عبر قنوات غير قتالية، من أجل تعزيز ضمانات أمنية لأوكرانيا.

ـ الاتحاد الأوروبي: يلعب الاتحاد الأوروبي دورًا داعمًا سياسيًا واقتصاديًا، ويمكن أن يشارك في رقابة دبلوماسية، ويقدم دعمًا لوجستيًا وتمويليًا للبعثات الرقابية، خصوصًا تلك التابعة للأمم المتحدة أو OSCE.

ـ روسيا وأوكرانيا: من المرجح أن تتضمن آلية المراقبة فرقًا مشتركة بين الطرفين، تحت إشراف دولي صارم، لضمان الالتزام بحدود الاتفاق ووقف الانتهاكات المحتملة.

ـ منظمات إنسانية ومراقبون مستقلون: قد تسهم منظمات مثل الصليب الأحمر الدولي، أو منظمات حقوق الإنسان، في الرقابة على الجوانب الإنسانية، وضمان احترام حقوق المدنيين في المناطق المتضررة من الحرب.

التوصيات

توسيع نطاق الوساطات الدولية لضمان نزاهة المفاوضات

على الرغم من الدور المحوري لتركيا في التوسط بين الأطراف المتنازعة، من المهم أن يتم إشراك أطراف دولية إضافية في عملية الوساطة. يمكن للدور الأوروبي، خاصة فرنسا وألمانيا، أن يكون حاسمًا في توفير الضمانات الدبلوماسية التي تضمن نزاهة المفاوضات.إنشاء آلية رقابة ثلاثية تضم ممثلين عن الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي قد يكون خطوة حيوية لضمان تطبيق أي اتفاقيات يتم التوصل إليها.

استثمار الفرص لتحسين العلاقات بين تركيا وروسيا

يمكن لتركيا أن تلعب دورًا محوريًا في تيسير التفاوض بين الأطراف، من خلال استمرار دعمها لأوكرانيا في بعض المجالات، وفي نفس الوقت الحفاظ على قناة اتصال فعالة مع روسيا. على الغرب أن يعي أهمية دور تركيا كوسيط، ويشجعها على استمرار ذلك.

متابعة تنفيذ اتفاقيات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى

يجب أن تتم مراقبة اتفاقيات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بشكل دقيق. من الضروري أن يكون هناك إقرار دولي بآلية متابعة مستقلة لضمان الالتزام التام بشروط أي هدنة يتم الاتفاق عليها. ينبغي التركيز على تعزيز بناء الثقة بين الطرفين عبر تقديم مساعدات إنسانية في المناطق المتأثرة بالصراع.

الاستعداد لسيناريوهات الفشل والتصعيد

يجب على المجتمع الدولي أن يكون مستعدًا لسيناريوهات فشل المفاوضات أو تصعيد الأزمة، حيث قد يؤدي فشل التوصل إلى اتفاق إلى استمرار الصراع بشكل مطول.

الدعوة إلى مراجعة استراتيجيات التحالفات الغربية في المستقبل

من المهم أن يستمر الغرب في توجيه استراتيجية موحدة تجاه موسكو، والعمل على توسيع التحالفات مع دول أخرى في المنطقة مثل بولندا ودول البلطيق التي تأثرت بشكل مباشر من الحرب. تحسين التعاون داخل حلف الناتو في مجالات متعددة مثل الدفاع السيبراني، الاستعلامات العسكرية، والتخطيط المشترك لمواجهة التهديدات الروسية في المستقبل. هذه التوصيات يمكن أن تشكل إطارًا للتوجهات المستقبلية من أجل ضمان نجاح مفاوضات السلام في إسطنبول، وتقليل التصعيد، مع تقديم الحلول الدائمة لسلام مستدام في المنطقة.

**

النتائج

ـ تسعى أوروبا للتحول من مجرد “شريك داعم” إلى “صانع قرار” في مفاوضات أوكرانيا، وهي تحاول استباق أي مفاوضات أميركية ـ روسية قد تتجاهلها. وهناك تغير فعلي في التوازن داخل المعسكر الغربي، حيث تحاول أوروبا تأكيد استقلاليتها السياسية والعسكرية مع ترقب عودة ترامب.  إن تحقق مسار وقف إطلاق النار، سيكون اختبارًا أوليًا لمدى قدرة أوروبا على إدارة تسوية سياسية ذات مصداقية، وقد يشكل نواة لتحالف أوروبي- أوكراني جديد في حال تقهقرت أميركا عن دورها التقليدي.

ـ أن المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا ما زالت بعيدة عن تحقيق تقدم ملموس، نتيجة لانعدام الثقة بين الطرفين وتصلب المواقف الاستراتيجية، خصوصًا في ظل استمرار العمليات العسكرية والتصعيد المتبادل. كما أن مستقبل أي عملية سياسية سيتوقف على موازين القوى الميدانية، ومواقف القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن حسابات الكرملين الداخلية. وحتى إشعار آخر، يبدو أن المفاوضات ليست أداة لإنهاء الحرب، بل وسيلة لتأجيلها أو إعادة تموضع أطرافها، ما يفرض على المجتمع الدولي مقاربة أكثر واقعية ومرونة تجاه حل سياسي مستدام.

ـ يظهر تباين واضح بين نظرة دونالد ترامب ومواقف أغلب الدول الأوروبية في ملف الحرب الأوكرانية، خصوصًا في ما يتعلق بالمفاوضات مع روسيا. ترامب عبّر مرارًا عن رغبته في إنهاء الحرب “خلال 24 ساعة” إذا عاد إلى البيت الأبيض، وهو تصريح يعكس نهجًا براغماتيًا وانعزاليًا يميل إلى التسوية السريعة، حتى لو كانت على حساب المطالب الأوكرانية أو المواقف الأوروبية الصلبة. في المقابل، تتبنى أوروبا (خصوصًا فرنسا، ألمانيا، وبولندا) موقفًا حذرًا يقوم على دعم أوكرانيا ميدانيًا وسياسيًا، مع اشتراط أي مفاوضات بوجود ضمانات لسيادة أوكرانيا وعدم مكافأة روسيا على العدوان. هذا الفرق في الرؤية يعمّق الهوة السياسية بين ضفتي الأطلسي، ويزيد من خشية الأوروبيين من أن تؤدي عودة ترامب إلى تبني مسار مفاوضات متسرعة أو أحادية مع موسكو تتجاهل الموقف الأوروبي والمصالح الأوكرانية.

ـ أن رغبة ترامب المحتملة في تقليص الدور الأمريكي في الحرب قد تُترجم إلى ضغط على أوروبا لتتحمل عبء أكبر، سياسيًا وماليًا، ما يعيد النقاش القديم حول تقاسم الأعباء واستقلالية القرار الأوروبي.

ـ  يعي  ترامب تمامًا أن روسيا والولايات المتحدة قد يكون لديهما مصالح مشتركة في بعض الملفات، ما يعني أن وقف إطلاق النار قد يكون الخطوة الأولى نحو إجراء مفاوضات مستقبلية أو تفاهمات استراتيجية قد تصب في صالح الولايات المتحدة على المدى الطويل. ترامب، في بعض الأحيان، يظهر عدم ارتياح للهيمنة الأوروبية على مفاوضات الحرب، ويتجه نحو تعزيز القرار الأمريكي المستقل. لكن دعمه لمبادرة وقف إطلاق النار قد يُفهم في سياق موازنته لرغبة الأوروبيين في إنهاء الحرب والضغط على روسيا، وفي نفس الوقت التأكيد على أن الولايات المتحدة قادرة على توجيه المسار الدبلوماسي.

ـ الضمانات الأمنية الأوروبية لأوكرانيا موجودة لكنها غير ملزمة بالكامل حتى الآن، وتتمثل في دعم عسكري واستخباراتي طويل الأمد واتفاقات ثنائية، بينما يُترك الباب مفتوحًا لانضمام أوكرانيا إلى الناتو مستقبلًا كأقوى شكل من الضمانات.

ـ يبدو هناك فجوة  واسعة بين شروط روسيا ومواقف أوكرانيا والغرب، مما يجعل أي مفاوضات حالية أو قريبة تبدو غير واقعية بدون تغيّر في التوازنات السياسية أو الميدانية. الغرب يدعم أوكرانيا عسكريًا وسياسيًا، لكنه يراقب أي بوادر لتعب دولي أو تغير موقف واشنطن بعد الانتخابات المقبلة.

ـ ترى روسيا أن الوقت يعمل لصالحها ميدانيًا، حيث تتحدث عن “تقدم واثق” للقوات الروسية. وهناك حالة ترقب في الكرملين حيال مواقف الغرب، خاصة بعد إشارات من بعض الدول حول إمكانية التفاوض، وتغير المزاج العام في واشنطن وأوروبا مع اقتراب الانتخابات الأميركية.

ـ رغم إن هناك مؤشرات إيجابية على إمكانية عقد المفاوضات في 15 مايو 2025، فإن استمرار العمليات العسكرية الروسية، مثل الهجمات بالطائرات المسيرة على كييف، يثير تساؤلات حول جدية موسكو في التفاوض. لذا فإن نجاح هذه الجولة من المفاوضات يعتمد بشكل كبير على استعداد روسيا لوقف العمليات العسكرية، واستجابة أوكرانيا والغرب لهذه المبادرة.

ـ أوروبا من لاعب هامشي إلى شريك تفاوضي رئيسي، إن دعم ترامب المفاجئ لمبادرة الهدنة الأوروبية لمدة 30 يومًا أعاد الاعتبار للدور الأوروبي في الملف الأوكراني. تجد الدول الأوروبية الكبرى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا الى جانب بولندا وربما إيطاليا الآن مساحة أكبر للتحرك الدبلوماسي، خاصة عبر مبادرات مستقلة أو من خلال مجموعة الاتصال الجديدة. إن التحول في موقف ترامب يمنح أوروبا نافذة استراتيجية نادرة لتعزيز دورها كمفاوض ووسيط، لا مجرد تابع لسياسات البيت الأبيض. نجاحها مرهون بوحدة موقفها الداخلي وقدرتها على التنسيق مع كل من كييف وواشنطن.

ـ يبدو إن الغرب ليس بالضرورة جاهزًا لقبول الشروط الروسية بالكامل، ولكن مع تزايد التحديات العسكرية والاقتصادية، قد يصبح أكثر استعدادًا للاستماع إلى موقف موسكو في إطار المفاوضات.

**

ـ تبدو مفاوضات إسطنبول سوى فصل جديد في لعبة النفوذ والاستنزاف السياسي بين موسكو وكييف، ومن خلفهما القوى الدولية. فالتوقيت، والمكان، وحتى طبيعة الملفات المطروحة، تشير إلى أن هذه الجولة التفاوضية لا تنطلق من إرادة حقيقية للوصول إلى تسوية، بل من اعتبارات تكتيكية، يسعى كل طرف من خلالها لتحسين شروطه على الأرض أو في المحافل الدولية.

ـ روسيا تدخل هذه المفاوضات وهي تدرك جيدًا أن أي تنازل يُفسَّر غربًا على أنه تراجع استراتيجي، بينما تحاول أوكرانيا الاستثمار في الضغط الدولي والعسكري، دون أن تملك في الواقع أوراقًا كافية لفرض شروطها. أما تركيا، فتلعب مرة أخرى دور الوسيط، مدفوعة بطموحاتها الجيوسياسية، لكنها تعلم أن حدود تأثيرها مقيدة بالمعادلات الأميركية والروسية.

ـ وبينما يتحدث البعض عن «نافذة سلام»، فإن الوقائع الميدانية والسياسية توحي بأن هذه النافذة، إن وُجدت، ما زالت موصدة. فالحرب لم تُنهك الأطراف كفاية لتدفعها إلى تقديم تنازلات مؤلمة، كما أن انعدام الثقة، وغياب آلية دولية ضامنة، يجعل أي اتفاق هشًّا بطبيعته.في المحصلة، مفاوضات إسطنبول ليست بداية نهاية الحرب، بل ربما نهاية وهم أن الحل قريب.

ـ وما لم تتغير موازين القوى ميدانيًا أو يحدث اختراق استثنائي في المواقف الدولية، ستبقى هذه المفاوضات مجرد استراحة في صراع طويل الأمد، تُستخدم فيها الدبلوماسية كغطاء لاستمرار الحرب بأدوات مختلفة.

ـ وفي حال استمرار الأوضاع على هذا المنوال، فإننا قد نكون أمام مرحلة جديدة من «الحرب الباردة» الأوروبية، التي تتمثل في صراع مستمر عبر المفاوضات والضغوط الاقتصادية والعسكرية، دون التوصل إلى حسم حقيقي. السيناريو الأكثر احتمالًا قد يتضمن جمودًا ميدانيًا طويلًا، مع استمرار التصعيد العسكري بآليات غير تقليدية، مثل الهجمات السيبرانية والضغط الاقتصادي، إضافة إلى تنامي أزمات إنسانية تهدد الاستقرار الإقليمي.

رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=104251

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI

 

 

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...