مكافحة الإرهاب في فرنسا … برامج الوقاية من التطرف
إعداد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا
وحدة الدراسات والتقارير “4”
مكافحة الإرهاب – مازالت تعاني فرنسا من تهديدات الجماعات المتطرفة التي تنشط من الداخل، اكثر من المقاتلين الاجانب العائدين من سوريا والعراق،ربما شريحة العائدين يمكن رصدهم ومتابعتهم،لكن الجماعات المتطرفة في الداخل تتخذ العديد من الواجهات،مثل جمعيات خيرية ومساعدة اللاجئين وغيرها لتقديم الدعم اللوجستي الى تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة،وهذا مايعتبر تحديا ومعضلة امام اجهزة الاستخبارات الفرنسية.
ذكر موقع”العربية نت”فى 26 يونيه 2019 أن تقرير برلماني صدر مؤخراً،كشف تغلغل متطرفين في مؤسسات فرنسا وإدارات وأجهزة رسمية كالشرطة والجيش والنقل العام والمستشفيات وقطاع التعليم،وبحسب التقرير فإن القطاع العام يواجه خطر انزلاق بعض موظفيه نحو التشدد،ما يثير قلق الدولة،نظراً لحساسية الوضع في تلك المؤسسات.
كشفت الاستخبارات الداخلية الفرنسية إن نحو(18)ألف شخص مدرج على قوائم مراقبة فرنسية اشتباها في تطرفهم،وإن العدد في تزايد،وأن من بين الـ(18)ألف اسم مدرج على قوائم المراقبة هناك (4000)يخضعون لرقابة نشطة،ومن جهة أخرى أكدت السلطات تبنى”بضع عشرات”من قوات الأمن الفرنسية لآراء متطرفة،كما توفر الحكومة صلاحيات تمكنها من فحص الأفراد والضباط الموجودين فى العمل حاليا،للحد من انتشار ميولات متطرفة ذات نمط إرهابى فى صفوف بعضهم.
كما تسعى السلطات الفرنسية إلى مواجهة التطرف من خلال مبادرات وبرامج داخل أوساطهم الاجتماعية،وإنشاء مراكز خاصة لإعادة تأهيل الأشخاص المعرضين للتطرف،كذلك مراقبة وتقييم ظاهرة التطرف في السجون،و تنسيق وتعزيز العلاقة بين الباحثين والعاملين في مجال مكافحة التطرف.
برامج محاربة التطرف في فرنسا
أعلنت الحكومة الفرنسية فى 23 فبراير 2018 نقلا عن موقع الجزيرة خطة واسعة النطاق لمحاربة التطرف شعارها “الاستباق من أجل الحماية”، وتشمل الخطة عدة إجراءات أبرزها:
المؤسسات التعليمية :
تشديد المراقبة والمتابعة التربوية على المؤسسات التعليمية غير التعاقدية والتي تضم نحو( 74000 )تلميذًا.وعلى الدروس التي تعطى في إطار عائلي مع تعزيز التربية على وسائل الإعلام من أجل حماية طلاب المدارس مما يسمى نظريات المؤامرة، والحيلولة دون انتشار الدعاية الإرهابية.
اشار”سكاى نيوز”فى 18 ديسمبر 2018 قامت فرنسا بإغلاق مدرسة إسلامية”سرية”كانت تستقبل حوالى عشرين تلميذا في الأحياء الشمالية لمدينة مرسيليا (جنوب شرق فرنسا). وقال وزير التربية الوطنية الفرنسي،جان ميشال بلانكيه لشبكة”بي اف ام تي في” التلفزيونية:”هذه مدرسة سرية لا تتوافق مع القواعد التي حددناها منذ شهر يوليو الماضي” لتشديد نظام المدارس الخاصة التي تعمل من دون عقود لتجنب الانحرافات.
الإعلام التقليدي ومنصات التواصل الإجتماعى :
- كشف تقرير عن الحكومة الفرنسية عن اعتمادها استراتيجية جديدة من شأنها مكافحة التطرف على مواقع الإنترنت،وتشمل تعديل القانون الفرنسي،لإجبار شركات الإنترنت العملاقة على اكتشاف المحتوى غير القانوني والإبلاغ عنه وحذفه،كما عقدت السلطات الفرنسية اتفاقات مع عمالقة الانترنت لإيجاد خطاب مضاد يواجه الخطاب الدعائي الجهادي والتكفيري ويوقف عملية التجنيد الواسعة للشباب .
- أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية،يوم 06 يوليو 2019،مشروع قانون يلزم مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى مثل فيسبوك وتويتر،بإزالة المحتوى الذي يتضمن خطاب كراهية خلال 24ساعة.وسوف يرفع مشروع القانون الآن لمجلس الشيوخ،وسيتم تداوله عدة مرات بين المجلسين لحين الاتفاق على الصياغة.
وعلى صعيد متصل احتضنت فرنسا يوم 17 مايو 2019 قمة شاركت فيها شركات التكنولوجيا العملاقة وعدد كبير من الدول لإطلاق ما عرف إعلاميا بنداء”كرايس تشورش”لمحاربة المحتوى العنيف على شبكة الإنترنت وهذا يدخل في إطار استراتيجيته فرنسية شاملة لمحاربة الإرهاب والتطرّف الذي يشجع على خلق بيئة حاضنة للعنف والقطيعة.وذلك نقلا عن”مونت كارلو” 17 فى مايو 2019
داخل بيئة العمل
- تشديد الرقابة على الأجهزة الإدارية للدولة وإطلاق فريق لدراسة حالات العاملين والنظر في استبعاد المتطرفين الذين لهم تأثير محتمل على الجمهور.مع إمكانية فصل الموظف”المتطرف”من عمله أو نقله منه إذا كان موظفا في قطاع سيادي أو ذي طبيعة أمنية مع نشر كتيب إرشادي لرصد العلامات الأولية للتطرف لدى الموظفين.
وفى هذا الصدد نشر مركز مكافحة التطرف المفضي إلى العنف وغرفة”PWC” نقلا عن مرصد الازهر فى 29 مارس 2018 كتيب إرشادي لرصد العلامات الأولية للتطرف لدى الموظفين،ويقول “أوليفييه هاسيد”مدير بمؤسسة PWC ومسئول عن أنشطة مجلس الأمن وأمان المشروعات، “إنه غالبًا ما يتوفر الشعور بغياب الآليات الملائمة لمواجهة مثل تلك الإشكاليات،وعادةً ما يكون هناك نوع من الإنكار أنَّ ردود الأفعال غير مناسبة؛لذا كان من الأهمية بمكان التعرف على آليات اكتشاف الإشارات الأولية البسيطة بُغْيَةَ التوصلِ إلى الوقاية من الخطر”.
إعادة التأهيل والبحث فى حالات التطرف
- إنشاء ثلاثة مراكز خاصة في مدن ليل وليون ومرسيليا لإعادة تأهيل الأشخاص المعرضين للتطرف من ذوي السوابق الجنائية أو من هم تحت المراقبة القضائية لأسباب أمنية.بجانب تنظيم مؤتمرات ومنتديات للبحث في مجال علم النفسي المتصل بظاهرة التطرف مع إعداد برامج رياضية وتعليمية واجتماعية متخصصة للأطفال العائدين لاعادة اندماجهم فى المجتمع
- تشجيع البحث الأكاديمي بتخصيص منح للباحثين والسماح لهم بالاطلاع على البيانات الأمنية للأشخاص”المتطرفين”. فمع إعلان الحكومة الفرنسية قرارها في أبريل 2019 ، أوضح رئيس الوزراء إدوار فيليب أن فرنسا تريد”أن تفهم بشكل أفضل” ظاهرة التطرف الإسلامي”ليس للتبرير بل من أجل رصد أفضل (للظاهرة) ومنعها بشكل أفضل وببساطة من أجل حماية أفضل” منها.وذلك نقلا عن موقع”ميدل ايست”فى 24 ابريل 2019 .
أشارت دراسة تناولتها صحفية”العرب اللندنية”فى أغسطس 2018 أعدّها الباحثان جورجيا هولمير المختصة في شؤون الإرهاب والتطرّف والصراع في معهد السلام الأميركي،و”آدريان شتوني”وهو باحث في المعهد ذاته. إلى أن عملية إعادة تأهيل الأشخاص ودمجهم بالمجتمع تتطلب وقتاً وجهداً.ذلك لضرورة أن تكون البرامج متكررة ومستدامة،من أجل إزالة الأثر المتبقي للصدمات النفسية.
مراقبة وتقييم ظاهرة التطرف
- مراقبة وتقييم ظاهرة التطرف في السجون وتطوير نظام السجون الخاص بالمتطرفين لعزلهم عن باقي السجناء مع توظيف مرشدين من المسلمين في السجون، لمواجهة الاستقطاب الذي يمارس داخل السجون.
قال رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب يوم 23 فبراير 2018 فى مخطط قدمه لحكومته لمحاربة التطرف في السجون وداخل المدارس. إنه سيتم إنشاء فضاءات خاصة جديدة داخل السجون من أجل عزل السجناء المتطرفين عن باقي السجناء في خطوة تهدف إلى التصدي للفكر المتطرف والجماعات المتطرفة .
- برامج وتطبيقات لمواجهة التطرف
أوضحت تصريحات لرئيس الحكومة الفرنسى إدوار فيليب في مؤتمر صحافي فى 23 فبراير 2018 ان الحكومة الفرنسية تستخدم برنامج أكثر فعالية يتعمد”الاستدلال”على علامات التطرف منذ الصغر ومنذ الخطوات المدرسية الأولى،كما أنها ترى أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أكثر تأثيراً وخطورة،وتريد الحكومة تعاوناً أفضل من مشغلي شبكة الإنترنت التي سيطلب منها الجدية والفعالية في نزع المواد التي تتضمن تمجيداً للإرهاب والتطرف أو بث الأفكار والدعايات الإيديولوجية المرتبطة بهما.
طورت الحكومة أدوات وتطبيقات آلية تسمح بمسح المحتويات المشبوهة من الشبكة بالتوازي مع تطوير الخطاب المعتدل والمتسامح من قبل الهيئات والجمعيات المعنية،وتشجع الحكومة على الإبلاغ عن الذين تبدو منهم علامات التطرف أو عن المحتويات المتطرفة على الإنترنت،حيث تنص الخطة على تعزيز التعاون مع البلدان الأوروبية وبلدان الجوار وفتح الأبواب أمام الباحثين الراغبين في العمل على ظواهر التطرف ومكافحة الإرهاب.
اوضحت صحيفة “الشرق الاوسط”فى 24 يونيه 2019 أن فرنسا أطلقت أعمال أول نيابة عامة وطنية متخصصة بمكافحة الإرهاب،وتضم 26 قاضياً تحت إمرة مدعٍ عام،وستكون مكرّسة لشؤون الإرهاب والجرائم ضدّ الإنسانية.وقدّمت هذه البنية القضائية الجديدة على أنها “قوة قضائية ضاربة” ضدّ الإرهاب،ولتكون متوائمة مع طبيعة التهديد المعاصر. وطالب بها البعض في أعقاب موجة الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت فرنسا في 2015 و2016،غير أنّ منتقديها ينددون بإجراء شكلي في وقت يتراجع فيه عدد التحقيقات الجديدة.ومع إطلاق هذه النيابة العامة المتخصصة، يختفي قسم مكافحة الإرهاب في النيابة العامة بباريس،التي كانت مكلّفة منذ 33 عاماً بمكافحة الإرهاب والْمس بأمن الدولة على المستوى الوطني.
الخلاصة
ترغب الحكومة الفرنسية فى معالجة موضوع التطرف والراديكالية من الجذور الذي غالباً ما يفضي إلى النشاطات “الجهادية” والإرهابية. وفلسفة الحكومة يمكن اختصارها بـ “الوقاية خير من العلاج”،خصوصاً إذا كانت المعالجات التي جُربت في السنوات الماضية جاءت كلها فاشلة. وتتمثل حربها ضد التطرف في اتخاذ خطوات ملموسة لتضييق الخناق على أنشطة ورموز ورواد هذا الفكر المتطرف الذي لطالما استغل مبدأ حرية التعبير وحرية المعتقد لتوسيع نشاطاته الاستقطابية وًمحاولة توطين أفكاره المتشددة في عقول شباب يعيش فقرا روحيا وحرمانا اجتماعيا وهوية معذبة.فهناك سعى حكومى لتفعيل التدابير العقابية،ومنها طرد الموظفين العامين،وتطلب تعاوناً من السلطات المحلية البلدية،كما تريد تأهيلاً أفضل للموظفين العاملين فيها للتعرف على علامات التطرف،واستخدام الأنشطة الرياضية لمحاربته، والطلب من المحافظين والمسؤولين الأمنيين تشديد الرقابة على البقع الساخنة.
اما على مستوى المقاربة العامة فقد تبنت فرنسا خيارين أساسين. الاول على المستوى الداخلي وهي تستعد لإعادة هيكلة المنظومة التمثيلية لمسلمي فرنسا في إطار قانون العلمانية الذي يضمن حرية وممارسة المعتقدات تحرس حاليا على غلق الأبواب امام التيارات والشخصيات المتعاطفة مع العقيدة المتشددة المنتجة للعنف والقطيعة.الثاني يكمن في بلورة تحالفات دولة وإقليمية مع دول وقوى وضعت على أجندتها الحرب على الإرهاب وتنظر إلى أن الإسلام السياسي أصبح عمودها الفقري وموردها الأيديولوجي الأساسي. فانطلاقا من هذه القراءة يجب فك شفرة التحالفات الخارجية والإقليمية التي صاغتها فرنسا في عهد الرئيس ماكرون والتي يريد أن يفرضها على المستوى الأوروبي.
أما على المستوى الأمنى يفترض على السلطات الفرنسية تنسيق تبادل بيانات أجهزة الاستخبارات حول الأشخاص الذين يعدون خطيرين ، إيجاد إستراتيجية مشتركة تشمل سياسة امنية وقضائية مشتركة ،تعزيز التعاون بين السلطات المحلية البلدية وتأهيل العاملين بها للتعرف على علامات التطرف،تشديد الرقابة على الحدود الداخلية والخارجية الفرنسية ،اعادة هيكلة اجهزة الاستخبارات وتوفير الموارد البشرية اللازمة لها، وتطوير البرامج الخاصة بالاعداد والتدريب،التصدى لخطابات الكراهية التى تزيد من تنامى ظاهرة اليمين المتطرف،وطرح تدابير تشريعية صارمة لحذف المحتوى المتطرف على منصات التواصل الإجتماعى،و الاستمرار فى تطبيق استراتيجيات و تصميم خطط عمل وقائية مستحدثة لمكافحة التطرف.
رابط مختصرhttps://www.europarabct.com/?p=53548
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
هوامش
تقرير فرنسي يثير ضجة.. التطرف يصل مؤسسات الدولة
فرنسا تلاحق”التطرف”بالمدارس والسجون والإنترنت
فرنسا تغلق مدرسة إسلامية سرية لمنع”نشر التطرف”
فرنسا عازمة على محاربة التطرّف
فرنسا تفتح ملفات المتطرفين أمام الباحثين لفهم الظاهرة
التعامل مع عائدي داعش.. تدابير صارمة وأخرى ناعمة ودمج بين الوصفتين
فرنسا: إصدار كتيب إرشادي لرصد العلامات الأولية للتطرف لدى الموظفين
فرنسا تنشئ نيابة عامة لمكافحة الإرهاب والجرائم ضدّ الإنسانية