خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
مازال ملف عائلات وأطفال داعش لايحظى كثيرا من الأهتمام على أجندات محاربة التطرف والإرهاب، وربما يعود ذلك إلى تراجع ملف التطرف والإرهاب، وانشغال العالم في النزاعات الدولية التي باتت هي الأخرى أكثر خطورة وتهديداً من الإرهاب والتطرف ذاته ولأسباب تتعلق باحتمالية نظام دولي جديد وتغيرات سياسية وموازين القوى حول العالم.
يقيم في مخيم الهول أكثر من 53 ألف شخص ودائما ما يُوصف بكونه “أخطر مخيم في العالم”. وعلى الرغم من أن ساكني المخيم لا يدعمون داعش جميعهم، إلا أنه يُطلق عليهم النازحين من مناطق سيطر عليها داعش سابقا في سوريا والعراق. ينحدر معظم سكان المخيم من العراق وسوريا، لكن هناك ما بين 10 آلاف إلى 11 ألف شخص من دول أجنبية بما في ذلك جنسيات أوروبية وأمريكية وكندية، فيما يشكل الأطفال والنساء غالبية سكان المخيم. وحسب تقديرات من منظمات إغاثة أن ما بين 60 و 64 بالمائة من سكان المخيم هم من الأطفال ومعظمهم دون سن الثانية عشر.
بعد سقوط نظام الأسد، تسود حالة من عدم اليقين في سوريا. هل يستطيع تنظيم “داعش ” استغلال الفراغ في السلطة لصالحه؟
حذرت الولايات المتحدة من احتمال استغلال تنظيم (داعش) للفراغ في السلطة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. وأكدت أن ذلك قد يؤدي إلى زعزعة استقرار سوريا وتعزيز الإرهاب الدولي. وللتصدي لهذا التهديد، كثفت الولايات المتحدة جهودها ضد التنظيم، حيث شنت هجومين استهدفا نحو 75 موقعاً تابعاً للجماعة المتطرفة.
خلال الحرب الأهلية السورية، سيطر داعش على مساحات واسعة من الأراضي كجزء من “الخلافة” التي أعلنها. ومع ذلك، تمكن تحالف دولي بقيادة قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، المدعومة من الولايات المتحدة، من إضعاف التنظيم بشكل كبير ودحره. في الوقت الحالي، يسيطر التنظيم فقط على مناطق نائية في الصحراء السورية. وفي الوقت نفسه، يُحتجز حوالي 40,000 من أفراد التنظيم وعائلاتهم في مخيمات اعتقال خاضعة لحراسة وحدات كردية.
أحد أهم المواقع التي تثير القلق هو سجن تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية في الحسكة بشمال شرق سوريا، حيث يُحتجز حوالي 9,000 من مقاتلي داعش. ووفقاً لتصريحات جنرال أمريكي لـ “فايننشال تايمز”، فإن تأمين هذا السجن يُعد هدفاً استراتيجياً رئيسياً للمستقبل. وأوضح الخبير في شؤون الجهادية آرون زيلين، من معهد واشنطن، أن الأكراد والأمريكيين يخشون منذ فترة طويلة من شن داعش هجوماً كبيراً على هذه السجون.
خارج هذه السجون، تشير تقديرات الجيش الأمريكي إلى وجود حوالي 2,500 من مقاتلي داعش ينشطون في سوريا والعراق، وخصوصاً في المناطق الصحراوية. وتشهد أنشطة التنظيم تصاعداً ملحوظاً؛ حيث سجل الجيش الأمريكي في النصف الأول من عام 2024 حوالي 153 هجوماً لداعش، وهو ضعف عدد الهجمات المسجلة خلال العام السابق بأكمله. وحذر خبراء من أن التهديد الحقيقي للتنظيم قد يكون أكبر مما يتم تقديره، نظراً لأن التنظيم لا يعلن رسمياً سوى عن عدد قليل من هجماته.
تُبرز التطورات الأخيرة تصاعد عمليات التنظيم، والتي تشمل كمائن منسقة، واغتيالات مستهدفة، وهجمات على منشآت نفط وغاز ونقاط تفتيش. وحذر متحدث باسم الجيش الأمريكي من أن التنظيم قد يستغل الفراغ في السلطة لتوسيع نفوذه. وصرح مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، بأن “على الولايات المتحدة وجميع الأطراف في المنطقة التصدي بقوة لهذا التهديد”.
تلعب القوات الأمريكية دوراً مهماً في التوسط بين قوات سوريا الديمقراطية، التي تدعمها الولايات المتحدة، والجيش الوطني السوري، المدعوم من تركيا. في الوقت نفسه، تتزايد المخاوف من أن يؤدي تغيير محتمل في الإدارة الأمريكية، وعودة دونالد ترامب إلى الرئاسة، إلى إغلاق القاعدة الأمريكية في المنطقة وسحب القوات.
أصبحت مراكز احتجاز مقاتلي داعش وذويهم في سوريا مشكلة دولية تتطلب حلاً دولياً. وبات مخيم الهول يشهد انتشارا ملحوظا في جرائم الاغتيالات والتصفية، كذلك شهد ارتفاعا ملحوظا في عمليات الاستقطاب والتجنيد، وسط تحذيرات دولية من أن يصبح المخيم قاعدة لعمليات داعش الإرهابية. تتزايد المخاوف على المدى البعيد من أن تخلق مخيمات الاحتجاز والسجون جيلًا جديدًا من المقاتلين الأجانب ويمهد الطريق لعودة داعش في المنطقة. أصبحت المخيمات أكثر عرضة لمحاولات داعش لتحرير المنتسبات من النساء واللاتي يمكن أن يشكلن نواة مثالية لخلايا إرهابية أكبر خارج المخيم.
هل يمكن ان يتحول المحتجزين من مقاتلي داعش لدى قسد” ورقة ضد “هيئة تحرير الشام” بعد سيطرة الشرع على دمشق ؟
استغلال قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لمقاتلي داعش المحتجزين في سجونها كأداة في الصراع ضد هيئة تحرير الشام أو أي جهة أخرى هو سيناريو يحمل تعقيدات كبيرة. يمكن مناقشة ذلك في سياق عدة عوامل:
المخاطر السياسية والدولية التداعيات الدولية: قسد تعتمد على الدعم الدولي، وخاصة من الولايات المتحدة، التي تُعارض أي استخدام لأفراد داعش المحتجزين كورقة ضغط أو أداة عسكرية. مثل هذا الإجراء قد يؤدي إلى تدهور العلاقة بين قسد وحلفائها الدوليين. إن استخدام مقاتلي داعش، المعروفين بارتكابهم انتهاكات جسيمة، يمكن أن يُضعف موقف قسد السياسي والأخلاقي ويؤدي إلى عزلة دولية. وإن إطلاق سراح مقاتلي داعش أو استخدامهم قد يؤدي إلى تداعيات أمنية خطيرة، مثل تمردهم أو إعادة تنظيم صفوفهم، مما يُهدد أمن المناطق الخاضعة لسيطرة قسد. التهديد الإقليمي، أي تسريب لعناصر داعش قد يعيد إشعال العنف في مناطق أخرى من سوريا أو حتى في دول الجوار.
رغم العداء بين قسد وهيئة تحرير الشام، من غير المرجح أن تختار قسد استخدام مقاتلي داعش ضد الهيئة، خاصة أن هيئة تحرير الشام ترفض داعش أيديولوجيًا ولديها عداوة متأصلة مع التنظيم. قد تُفضل قسد اللجوء إلى التعاون مع شركاء دوليين أو التحالف مع قوى محلية أخرى بدلاً من المخاطرة باستخدام عناصر داعش.
إن سيطرة أي جهة جديدة على دمشق قد تُحدث فراغًا أمنيًا في مناطق أخرى، مما يجعل كل الأطراف (قسد، هيئة تحرير الشام، وحتى تنظيم داعش) تُعيد تقييم استراتيجياتها. ربما تسعى قسد للاستفادة من الوضع لتعزيز مواقعها، ولكن عبر تعزيز تحالفاتها مع القوى الدولية أو التفاوض مع دمشق، وليس بالضرورة عبر أدوات محفوفة بالمخاطر مثل مقاتلي داعش.