خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
مكافحة الإرهاب ـ هل أصبحت ألمانيا ساحة مفتوحة لعمليات حماس السرية؟
ألقى مكتبُ المدعي العام الاتحادي في برلين القبضَ على ثلاثة أشخاص يُشتبه في انتمائهم إلى حركة حماس. وبصفتهم ما يُسمّى بالعملاء الأجانب، زُعِم أنهم قاموا بشراء أسلحة وذخيرة للمنظمة من ألمانيا، وفقًا لما أعلنته النيابة العامة في كارلسروه. وأضافت: “كانت الأسلحة مُعدّة لاستخدامها من قِبل حماس في هجمات اغتيال تستهدف مؤسسات إسرائيلية أو يهودية في ألمانيا”. صرّح وزير الداخلية الاتحادي، ألكسندر دوبريندت: “نفترض أن هذا التهديد كان مُحددًا”، وأشار إلى خطط هجومية مُفصّلة. وصرّحت متحدثة باسم مكتب المدعي العام الاتحادي بأن عمليات تفتيش نُفّذت في لايبزيغ، حيث كان يقيم أحد المتهمين. كما سيُفتَّش مشتبهٌ به رابع، لم يُعتقل بعد، في أوبرهاوزن، شمال الراين-وستفاليا.
العثور على أسلحة وذخائر “بكميات كبيرة”
وفقًا للمعلومات، فإن المعتقلين هم مزدوجو الجنسية: مواطن ألماني يبلغ من العمر 36 عامًا، مولود في لبنان، ورجل لبناني يبلغ من العمر 43 عامًا، لم تكن جنسيته واضحة في البداية. كما يُشتبه في تورط مواطن ألماني من سوريا يبلغ من العمر 44 عامًا. ووفقًا للبيان، يُقال إن الرجال الثلاثة كانوا يقومون بشراء الأسلحة النارية والذخيرة خلال العام 2025 على أبعد تقدير.
خلال عملية الاعتقال، عثر رجال الأمن على أسلحة متنوعة، بما في ذلك بندقية هجومية من طراز AK-47 وعدة مسدسات، بالإضافة إلى كمية كبيرة من الذخيرة، وفقًا لمكتب المدعي العام الاتحادي. وستقدّم أعلى سلطة ادعاء في ألمانيا طلبات إصدار أوامر اعتقال إلى قاضي التحقيق في محكمة العدل الاتحادية.
فيما يتعلق باقتراح سحب الجنسية الألمانية من مزدوجي الجنسية، هناك مستويان مختلفان: في حالة المقاتلين الإرهابيين في الخارج، يتمثّل الهدف في ضمان عدم إمكانية وصولهم إلى النظام القضائي الألماني، ومنع عودتهم، وبالتالي تهديدهم في ألمانيا. أما الإرهابيون في الداخل، فيمكن مقاضاتهم ومعاقبتهم بموجب القانون الجنائي.
دوبريندت: ألمانيا أصبحت بوضوح “مساحة عمل” للإرهابيين
وفقًا لوزير الداخلية دوبريندت، تم إحباط تهديد إرهابي. كان المشتبه بهم تحت مراقبة السلطات لفترة من الوقت، وكانوا تحت المراقبة، وشارك في العملية المكتب الاتحادي لحماية الدستور. وأوضح قائلًا: “خلال العام 2025، دخل ألمانيا مشتبهٌ به بالإرهاب معروف لدينا، وله اتصالات بحماس”.لم يتضح تمامًا هوية الأفراد أو الجهات أو المؤسسات التي استهدفتها خطط الهجوم، لكن من المحتمل جدًا أن يتغير هذا الوضع مع تقدم التحقيقات.
قال دوبريندت: “إن ألمانيا تُعدّ بلا شك ساحة عمليات للإرهابيين”. وأضاف: “لذلك، يجب أن نكون دائمًا على أهبة الاستعداد لمواجهة هذا الأمر”. وصرّحت وزيرة العدل الاتحادية، ستيفاني هوبيغ، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD): “هناك أمر واحد واضح على أي حال: حياة اليهود في ألمانيا مُهدَّدة. الإرهابيون والمتطرفون المعادون للسامية يسعون إلى استهداف حياة اليهود، بما في ذلك هنا. وتقع على عاتق دولتنا مسؤولية مواجهة هذه التهديدات”.
هذه ليست المرة الأولى التي يعتقل فيها مكتب المدعي العام الاتحادي أشخاصًا يُشتبه بانتمائهم إلى حركة حماس. ففي ديسمبر من العام 2023، على سبيل المثال، اعتُقل ثلاثة رجال في برلين ورجل واحد في روتردام، هولندا. ووفقًا لبيانات سابقة، فقد عملوا كعملاء أجانب للمنظمة لسنوات، و”شغلوا مناصب مهمة داخل المنظمة، وكانت لهم صلات مباشرة بقادة جناحها العسكري”. ويُقال إنهم قاموا، من بين أمور أخرى، بتفتيش مستودعات أسلحة المنظمة. ولا تزال المحاكمة جارية في محكمة برلين الإقليمية العليا.
واقع حركة حماس في ألمانيا
نفت حماس أي صلة لها. وأكّدت الحركة في بيان: “إن الادعاء بأن المعتقلين على صلة بحماس عارٍ عن الصحة تمامًا، ويهدف إلى تشويه سمعة الحركة وتقويض تعاطف الشعب الألماني مع شعبنا الفلسطيني”. وتؤكّد الحركة التزامها “بقصر كفاحها ضد إسرائيل على فلسطين فقط”.
تشير تقارير الاستخبارات الألمانية، وعلى رأسها “تقرير المكتب الاتحادي لحماية الدستور” (BfV)، إلى أن حركة حماس لا تقتصر على نشاطها في مناطق النزاع في الشرق الأوسط، بل لها حضور غير مباشر داخل ألمانيا، يتمثل في دعم سياسي ومالي وأيديولوجي من قبل أفراد وجمعيات. ويقدَّر عدد مؤيدي الحركة داخل الأراضي الألمانية بما يتراوح بين 450 إلى 500 شخص، بحسب التقديرات. كما يمارسون أنشطة تندرج تحت بند “الدعم غير المباشر”، مثل جمع التبرعات، ونشر الخطاب السياسي المؤيد للحركة، والتأثير في الرأي العام ضمن بعض الجاليات المسلمة.
وتعتبر بعض المساجد والمراكز الإسلامية في ألمانيا منصات محتملة لنشر أيديولوجية حماس، سواء عبر الخطب أو الندوات أو الأنشطة المجتمعية التي تحمل رسائل تتماشى مع مواقف الحركة. وتُولي السلطات الألمانية اهتمامًا خاصًا بمراقبة هذه المؤسسات الدينية والثقافية، لا سيما في المدن الكبرى مثل برلين وهامبورغ وكولونيا، حيث تتمتع الجاليات الإسلامية بحضور واسع.
النتائج
تعكس القضية تصاعد التوترات الأمنية داخل ألمانيا في ظل ارتباط بعض الخلايا النائمة أو العناصر الفردية بتنظيمات مثل “حماس”، خصوصًا بعد حرب غزة في 2023 وازدياد النشاط الأمني المرتبط بمزدوجي الجنسية. الاعتقالات الأخيرة، المدعومة بأدلة ميدانية كالعثور على أسلحة وذخائر، تشير إلى تطور خطير في طبيعة التهديد، إذ لم تعد المسألة مقتصرة على خطاب تحريضي أو دعم مالي، بل وصلت إلى مرحلة الإعداد العملي لهجمات داخل الأراضي الألمانية.
يركز الخطاب الرسمي، سواء من وزير الداخلية أو وزيرة العدل، على تصعيد اللهجة الأمنية، خصوصًا تجاه “حماس” ككيان يُنظَر إليه بشكل متزايد كخطر داخلي، وليس فقط كتهديد خارجي. كما يُلاحظ ارتفاع وتيرة الربط بين هذه التهديدات وأمن الجالية اليهودية في ألمانيا، في ظل تزايد الهجمات المعادية للسامية. القضية تُعيد إلى الواجهة الجدل حول ازدواج الجنسية، وتحديدًا إمكانية سحب الجنسية الألمانية في حال الانتماء إلى منظمات إرهابية أو المشاركة في نشاطات تُهدّد الأمن القومي. كما أنها تدعم موقف الحكومة الداعي إلى تعزيز الصلاحيات الوقائية لأجهزة الأمن الداخلي، لا سيما مكتب حماية الدستور.
من جهة أخرى، يشير بيان “حماس” إلى اعتماد الحركة استراتيجية إعلامية لنفي المسؤولية والحفاظ على الدعم الشعبي الأوروبي، فمن المحتمل تشديد الإجراءات الأمنية، وأن تتوسع رقابة أجهزة الاستخبارات الألمانية على الجاليات ذات الخلفية الشرق أوسطية، خصوصًا في ظل تخوّف السلطات من إمكانية تنفيذ هجمات فردية أو خلايا غير مرصودة. قد يتم الدفع باتجاه مراجعة قانون الجنسية لتعزيز إمكانية سحب الجنسية في حالات “الإرهاب الداخلي”، وهو موضوع خلافي قد يصطدم بمواد دستورية، لكنه سيعود إلى دائرة النقاش بقوة.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110134
