بون ـ جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي والإرهاب و رئيس المركز الأوروبي ECCI
الهجمات الإرهابية التي يشنها أشخاص منفردون نادرة من الناحية الإحصائية ، ولكنها ، يمكنها أن تدمر المجتمعات المحلية وتؤجج المخاوف العامة. تثير هجمات الفاعلين المنفردين الأخيرة أيضا شبح الهجمات المقلَّدة ، وهي ظاهرة لاحظها علماء الاجرام ، عاده بين الشباب الذكور الذين يتأثرون بالدعاية المثيرة التي تحمل في طياتها فكرة القتل الجماعي، و الذين يحملون مزيجا من الأمراض العقلية الحادة ، والسجلات الجنائية ، أو لديهم تاريخ من السلوك العنيف.هجمات الذئاب المنفردة لا تزال نادرة نسبيا و أقل شيوعا من الهجمات الارهابية الجماعية. كما أن الأنشطة التي ينفذها الافراد لوحدهم تمثل تاريخيا أكثر صعوبة في الكشف عنها ومنعها في المقام الأول لأن الجناة يعملون بأنفسهم ولا يبلغون عن نواياهم مع متعاونين. تتميزعمليات الذئاب المنفردة بالبساطة، وتنفيذها من قبل فرد واحد، وهذ يبدو هذا منطقيا.
حادثة مدينة مانهايم الألمانية
أفاد شهود عيان يوم الثالث من مارس 2025 أن سيارة دهست حشدًا من الناس في مدينة مانهايم الألمانية جنوب غرب ألمانيا، التابعة لمقاطعة شتوتغارت. وقال متحدث باسم الشرطة إن التحقيق يُجرى على قدم وساق.وفقًا للشرطة، وقعت الحادثة في ساحة بارادبلاتز المركزية في وسط مدينة مانهايم. يبلغ عدد سكان المدينة حوالي 320 ألف نسمة، وهي ثاني أكبر مدينة في بادن فورتمبيرغ. تم القبض على السائق المشتبه به، بحسب الشرطة. وذكرت التقارير أن الرجل ألماني ويعالج في المستشفى. ولم يتم الاشتباه في أي مرتكبين آخرين. وفقًا للشرطة، هناك قتيل وعدة مصابين بجروح خطيرة. وذكرت صحيفة بيلد أن الحادث أسفر عن مقتل شخصين وإصابة 25 آخرين، منهم 15 في حالة خطيرة. لم تستبعد الشرطة وجود وضع خطير آخر. دعا المسؤولون السكان إلى تجنب منطقة وسط المدينة، والبقاء في منازلهم. مكافحة الإرهاب ـ مفهوم الذئاب المنفردة في سياق الإرهاب
تم إخلاء المنطقة الداخلية للمدينة إلى حد كبير، وكانت هناك استعدادات في المستشفى الجامعي لاستقبال الجرحى. وقد قام المستشفى على الفور بتنفيذ خطة الكوارث والطوارئ للتحضير لرعاية المصابين، كما تم نشر ما مجموعه ثمانية فرق متخصصة في علاج الصدمات، للبالغين والأطفال. تم القبض على السائق المشتبه به وهو يتلقى العلاج في المستشفى. وقال وزير داخلية الولاية شتروبل إن الرجل هو ألماني يبلغ من العمر 40 عامًا من راينلاند بالاتينات . وبحسب المعلومات الواردة من مجلة “شبيغل” وشبكة SWR، فإن الرجل المعتقل لم يلفت انتباه السلطات الأمنية الألمانية بعد فيما يتصل بالتطرف أو الإرهاب. لكن هناك علامات تشير إلى وجود مرض عقلي. مكافحة الإرهاب ـ الذئاب المنفردة في أوروبا، فهم الدوافع
ما لا نعرفه عن الحادث
تفترض الشرطة أن هناك شخصًا واحدًا على الأقل قد توفي، بينما أفادت مصادر أمنية عن مقتل شخصين. ولم تتمكن الشرطة حتى الآن من تقديم أي معلومات دقيقة حول عدد الأشخاص المصابين بجروح خطيرة ومدى خطورة إصاباتهم. لا توجد معلومات حول دوافع الحادث. لم تصدر أي تصريحات رسمية حول نوايا السائق حتى الآن.وقع الحادث في ساحة بارادبلاتز المركزية في مانهايم، وهي منطقة حيوية ومزدحمة، وهو حادث دهس جماعي أوقع قتلى وجرحى، ما استدعى استجابة طارئة واسعة النطاق. تم القبض على السائق المشتبه به، وهو ألماني الجنسية ويتلقى العلاج في المستشفى. لم يتم الإبلاغ عن متورطين آخرين حتى الآن. عدم وضوح الدافع.حتى الآن، لم يتم تحديد ما إذا كان الحادث هجومًا متعمدًا أم مجرد حادث سير. لا توجد تصريحات رسمية حول دوافع السائق، ولم تستبعد الشرطة وجود مخاطر إضافية.
قائمة حوادث الدهس والطعن في ألمانيا لعامي 2024 و2025
ـ هجوم سوق عيد الميلاد في ماغديبورغ – يناير 2024 : حادث دهس وقع خلال سوق عيد الميلاد في ماغديبورغ، أسفر عن مقتل 5 أشخاص وإصابة أكثر من 200 آخرين. يشتبه في أن الدافع قد يكون مرتبطًا بتوجهات متطرفة أو احتجاجات سياسية.
ـ حادث الدهس في مانهايم – مارس 2025 : سيارة، يُزعم أنها من نوع الدفع الرباعي، اندفعت في وسط المدينة عند منطقة بارادبلاتز. أدى الحادث إلى مقتل شخص واحد وإصابة عدة آخرين. لا تزال التحقيقات جارية، لكنه يُبرز تصاعد المخاوف الأمنية في المناطق الحضرية.
ـ حادث الدهس في ميونخ – فبراير 2025 :حادث دهس آخر في ميونخ أدى إلى إصابة 28 شخصًا على الأقل. استدعى الحادث تدخلًا عاجلًا لقوات الشرطة والإسعاف. يُعتقد أنه قد يكون جزءًا من سلسلة هجمات تستهدف التجمعات العامة.
ـ حادث الطعن في مانهايم – مايو 2024 : وقع الحادث خلال تظاهرة في مانهايم وأدى إلى إصابة عدد من الأشخاص، بينهم إصابات خطيرة. تم الإبلاغ عن حادث طعن آخر في المدينة أسفر عن مقتل شخص. يُشتبه في دوافع متطرفة أو احتجاجية تتعلق بالسياسات الداخلية.
ـ حادثة الطعن في أشافنبورغ – مايو 2024 : هجوم نفذه طالب لجوء أفغاني مرفوض، مما أدى إلى مقتل طفل في الثانية من عمره ورجل في الأربعين. أثار الحادث موجة من الغضب في الرأي العام. يندرج ضمن سلسلة حوادث مرتبطة بجدل سياسات اللجوء والهجرة في ألمانيا.
“الذئاب المنفردة”
قيام شخص ليس بالضرورة منظم الى التنظيمات المتطرفة، أي لا يخضع إلى تنظيم هرمي يتلقون منه التعليمات للقيام بعمليات إرهابية، بالتخطيط لعمليات إرهابية وتنفيذها ضمن إمكانياتهم الذاتية. وغالبا ما ينتمي هؤلاء المتطرفون إلى فئة الشخصيات السوية الاعتيادية التي لا تثير الشّكوك حول سلوكها وحركتها اليومية. ووفق هذا الطارئ التكتيكي، تتحول العمليات الإرهابية من عمليات واسعة تنفّذها تنظيمات ومجموعات منظمة إلى عمليات فردية ينفذها أفراد. ويمكن أن تتنزل هذه العمليات في إطار بحث المنظمات الإرهابية عن حلول لمواجهة مشكلة التمويل والنقص في القيادات الميدانية من الجيل الأول للقاعدة، الذين تقدّم بهم السن وخرجوا من الخدمة.الذئاب المنفردة و التطرف المجتمعي.. تصاعد التهديدات الإرهابية في أوروبا
أصبح من الواضح أن الجريمة في بعض الأحيان تكون مدفوعة بعوامل إسلامية أو متطرفة، وفي بعض الأحيان يمكن تفسيرها بالمرض العقلي الذي يعاني منه الجاني. وفي بعض الحالات قد يكون مزيجًا من الاثنين.
أسباب تكرار الحوادث في ألمانيا أكثر من بقية دول أوروبا؟
ـ قضايا الهجرة واللجوء: تُعتبر من أكثر المواضيع المثيرة للجدل في ألمانيا. تثير السياسات الحكومية توترات داخل المجتمع، مما قد يدفع بعض المتطرفين إلى تنفيذ هجمات عنيفة.
التغطية الإعلامية المكثفة: نظرًا لحجم الاقتصاد الألماني وأهميته الجيوسياسية، تحظى هذه الحوادث بتغطية إعلامية واسعة مقارنة بدول أوروبية أخرى.
ـ الكثافة السكانية العالية: المدن الكبيرة مثل برلين، ميونخ، ومانهايم تضم تجمعات كبيرة من الناس، ما يجعلها هدفًا أسهل للهجمات.
ـ تصاعد حوادث التطرف: سواء كانت ناتجة عن عوامل اجتماعية أو تأثيرات خارجية، فقد شهدت ألمانيا ارتفاعًا في الحوادث المرتبطة بالتطرف.
ـ صعوبة منع بعض الهجمات:على الرغم من الجهود الأمنية، فإن بعض الهجمات تُنفذ بأساليب يصعب التنبؤ بها، خاصة في الأماكن المزدحمة.
تواجه ألمانيا تحديات أمنية معقدة بسبب تصاعد حوادث الدهس والطعن، التي تتداخل فيها عوامل سياسية، اجتماعية، وأيديولوجية. التوترات الناتجة عن قضايا الهجرة واللجوء، إضافة إلى الطابع الحضري والكثافة السكانية العالية، تعد من أبرز الأسباب وراء تكرار هذه الحوادث مقارنة ببقية الدول الأوروبية. معالجة جذور هذه الظواهر أمر ضروري لتعزيز الاستقرار والسلام في المجتمع الألماني.
ماتشهده ألمانيا من حوادث وعمليات مهما كانت دوافعها، سياسية، عرقية، أيدلوجية وغيرها، فهو ليس بعيداُ من الوضع السياسي الألماني الهش والمعقد الى جانب التطورات الجيوساسية دولياً : الحروب والنزاعات الدولية والإقليمية.
أما الحديث عن استثمار واستغلال الجماعات المتطرفة بجميع خلفياتها اليمينية المتطرفة والإسلاموية، فهي تستغل المناسبات والتجمعات الواسعة في ألمانيا في مناطق مفتوحة مثل أعياد الميلاد ورأس السنة واحتفالات الكرنفالات وغيرها,
ـ من الواضح أن هناك ضغوطا كبيرة لوقف هذا العنف، إن توجيه أصابع الاتهام إلى السياسة وحدها لا يساعد. إن مكافحة التطرف والإرهاب أمر ضروري لإنشاء شبكة وطنية. يجب تدريب ضباط الشرطة وتجهيزهم للتعامل مع عمليات إطلاق النار الجماعي والهجمات الإرهابية (لقد تغير الكثير في هذا الصدد في السنوات الأخيرة، كما يتضح من التدخل السريع للشرطة بعد الهجمات). وفي الوقت نفسه، يتعين على ألمانيا الاستثمار في الوقاية من العنف: ينبغي أن يكون التدريب على مكافحة العنف للطلاب والشباب جزءاً دائماً من المناهج الدراسية.
ـ ويجب على مكاتب رعاية الشباب والمحاكم الأسرية والمدارس ومجموعات الدعم لضحايا العنف أن تتعاون بشكل وثيق على المستوى المحلي. لم يعد العنف موضوعا محرماً في الأسرة، وفي الحي، وفي العمل، وفي النوادي والمجتمعات المحلية.
ـ بات ضرورة المراقبة المستمرة للوضع الأمني وتعزيز التدابير الأمنية لمنع أي تصعيد محتمل. وأعتماد القواعد التقليدية في حماية المناطق المفتوحة والتجمعات منها ، وضع الموانع والحواجز الكونكريتية وكاميرات المراقبة والتفتيش والتواجد للشرطة واجهزة الأمن. أما الاستخبارات فتقع على عاتقها فرز الأشخاص الخطرين وادراجهم تحت المراقبة .
رغم ذلك هناك اجماع لدى خبراء الأمن والاستخبارات، بإن عمليات الطعن والدهس الفردية ان كانت ذات دوافع”إرهابية” او غير إرهابية، يمكن وصفها بإنها على غرار الذئاب المنفردة والتي لايمكن التكهن بها ولا يمكن الحد منها.
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=101653