خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
مكافحة الإرهاب ـ شبكة “ATLAS Network”: المهام والأهداف
تواصل شبكة “أطلس ATLAS Network” في وقتٍ تتزايد فيه التحديات الأمنية العابرة للحدود، وتتّسع فيه أنماط الإرهاب والجريمة المنظمة في أوروبا، توسيع نطاق تدريباتها المشتركة لوحدات التدخل الخاصة في دول الاتحاد الأوروبي. ويأتي تمرين “ترايدنت” البحري، الذي استضافته السويد في أكتوبر 2025، نموذجًا عمليًا لهذا التعاون، إذ جمع أكثر من 200 ضابط من عشر دول أوروبية في تدريب يحاكي سيناريوهات واقعية لمكافحة الإرهاب في البحر والبر، ضمن جهود متكاملة لتعزيز الجاهزية الأوروبية للأزمات.
شبكة “أطلس ATLAS Network”، النشأة والمهام والدعم
تضم شبكة “أطلس” وحدات التدخل الخاصة التابعة لأجهزة إنفاذ القانون في دول الاتحاد الأوروبي والدول الشريكة، وتعمل هذه الوحدات النخبوية على الاستجابة للأزمات التي تؤثر على الأمن الأوروبي. ومنذ نوفمبر 2018، يستضيف “اليوروبول” مكتب دعم الشبكة ضمن المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب، ما يضمن تقديم دعم دائم داخليًا، وربط الشبكة مباشرة بشبكات وهيئات إنفاذ القانون الأخرى في الاتحاد الأوروبي. يقدّم “اليوروبول” دعمًا ماليًا ولوجستيًا لعشرات التدريبات التي تُجرى سنويًا ضمن الشبكة، حيث تجمع “أطلس” أعضائها سنويًا للمشاركة في مجموعة متنوعة من التدريبات. ويجب أن تكون وحدات التدخل الخاصة مستعدة لأي سيناريو تقريبًا، لذا يغطي التدريب جميع جوانب مهارات الاستجابة للطوارئ.
تُجري شبكة “أطلس” العديد من التمارين والدورات التدريبية وورش العمل في المناطق الحضرية والريفية والبحرية، مُغطيةً تخصصات متعددة. وقد يتراوح هذا التدريب بين استخدام الأسلحة النارية، مثل بنادق القنص، وبين مهارات ميدانية كالإسعافات الأولية والتفاوض. كما تُشارك الشبكة في تدريبات واسعة النطاق تُتيح لأعضائها الاستجابة الفورية لسيناريوهات الأزمات المتطورة. وتستمر هذه التدريبات متعددة التخصصات عادةً لعدة أيام، وتتضمن أنشطة عابرة للحدود تعكس طبيعة العمل الشاق الذي تقوم به وحدات التدخل الخاصة. ومن أمثلة هذه التدريبات تمرين “عاصفة النار” الذي أُجري عام 2023 بدعم من وحدات مجموعة المراقبة الأوروبية، حيث شهد السيناريو استجابة وحدات التدخل الخاصة التابعة لشبكة “أطلس” لجماعة إرهابية وهمية أثناء تنقّل أعضائها عبر أوروبا وتخطيطهم لأنشطة إرهابية.
“ترايدنت” TRIDENT، سيناريوهات تدريب واقعية
اجتمع أكثر من 200 ضابط من عشر دول أوروبية في أكتوبر 2025 للمشاركة في تدريب بحري مشترك تحت الاسم الرمزي “ترايدنت” (TRIDENT). نُظِّم هذا التدريب ضمن إطار شبكة “أطلس” (ATLAS)، التي تحظى بدعم مالي من “اليوروبول” (Europol)، وقادته وحدة التدخل الخاصة التابعة لشرطة السويد (Nationella Insatsstyrkan)، بدعم من خفر السواحل السويدي (Kustbevakningen) والقوات المسلحة السويدية (Försvarsmakten)، حيث بذلت جميعها جهدًا كبيرًا لتوفير سيناريوهات تدريب واقعية للمشاركين. ويُعد تدريب “ترايدنت” من تنفيذ فريق الخبراء البحري في شبكة “أطلس”. أوضحت بيترا لوند، مفوضة الشرطة الوطنية السويدية: “أصبحت التدريبات من هذا النوع أكثر أهمية بالنظر إلى الوضع العالمي الراهن. لقد رأينا القوة التي نكتسبها عندما نعمل معًا، وهذه القوة الجماعية مثيرة للإعجاب حقًا”.
الاستعداد لمكافحة الإرهاب في البر والبحر
تمحور سيناريو التدريب حول نشر وحدات التدخل الخاصة والقدرات البحرية ليلًا ونهارًا، لمحاكاة عمليات إرهابية وحالات احتجاز رهائن على متن سفن سياحية وعبّارات. وعلى مدار أيام التدريب، واجه المشاركون تحديات جديدة يوميًا في البحر وعلى عدد من جزر الأرخبيل، ما أعدّهم تدريجيًا للتدريب النهائي في ظروف تحاكي الواقع تمامًا. أحضرت الفرق المشاركة معداتها الخاصة من زوارق سريعة وبنادق قنص ومعدات غوص قتالية ومروحيات، بينما قدّمت السلطات السويدية مروحيات وسفنًا لدعم التدريبات. ومع كل سيناريو جديد، أجرى المشاركون تحضيرات تكتيكية وتقنية، واضعين خياراتهم العملياتية تحت ضغط الوقت. كما تعاونت الفرق مع نظرائها من الدول المجاورة، ما دفعهم للعمل بلغة موحّدة وتبادل الخبرات في التكتيكات والمعدات.
ويُعد هذا النوع من تدريبات “أطلس”، مثل تدريب “ترايدنت”، ذا قيمة كبيرة في بناء الثقة وتبادل الخبرات، الأمر الذي يعزز القدرات التكتيكية والتقنية لوحدات التدخل الخاصة الأوروبية. أكد مارتن لانغر، قائد وحدة التدخل الخاصة السويدية ورئيس شبكة “أطلس”: “في زمن تتزايد فيه الصراعات العالمية والجريمة المنظمة والإرهاب، تظل شبكة أطلس متماسكة تحت شعارنا جميعنا معًا لحمايتكم. إن حماية قيم أوروبا المتمثلة في الديمقراطية والحرية تتطلب تعاونًا قويًا قائمًا على الثقة المتبادلة، وهذه الثقة تُبنى من خلال الخبرات المشتركة، خصوصًا في العمليات عالية الخطورة وبيئات التدريب الصعبة. وعلى مدى نحو 25 عامًا، نفذت شبكة أطلس ما يقرب من 50 نشاطًا مشتركًا سنويًا، مما ساهم في تعزيز الأمن الجماعي والقدرات التشغيلية لأوروبا. أشكر وحدات التدخل الخاصة التابعة لأطلس على التزامها وتفانيها”.
التدريب النهائي تحت المراقبة
بلغت تدريبات “ترايدنت” ذروتها في سيناريو واسع النطاق عبر جزر الأرخبيل، حيث واجهت الفرق عدة تحديات متزامنة، شملت اعتراض سفينة تنقل أسلحة إلى خلية إرهابية، وتأمين مواقع يسيطر عليها إرهابيون يحتجزون رهائن، بعضهم يحتاج إلى رعاية طبية عاجلة. وقد اختبر هذا السيناريو المتعدد التهديدات قدرة المشاركين على الاستجابة السريعة والتكيّف الميداني طوال فترة التدريب. دعت وحدة Nationella Insatsstyrkan، بقيادة مارتن لانغر (Mårten Langer)، عددًا من الممثلين الرسميين لمتابعة المرحلة الختامية من التدريب. وشهد الحدث حضور وزير العدل السويدي غونار سترومر (Gunnar Strömmer)، ورئيسة الشرطة السويدية بيترا لوند (Petra Lundh)، ورئيسة خفر السواحل السويدي لينا ليندغرين شيلين (Lena Lindgren Schelin)، وممثلين عن القوات المسلحة السويدية، إلى جانب موظفين مدنيين من هيئات حكومية أخرى. كما حضر من “اليوروبول” كلٌّ من جان فيليب لوكوف (Jean-Philippe Lecouffe)، نائب المدير التنفيذي، وآنا شوبرغ (Anna Sjöberg)، رئيسة المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب.
أكد جان فيليب لوكوف، نائب المدير التنفيذي لليوروبول ومديرية العمليات: “تُعد وحدات التدخل الخاصة درعنا الحاسم في لحظات الخطر القصوى، وتعتمد فعاليتها ليس فقط على المهارة الفردية، بل على التعاون السلس فيما بينها. ومن خلال التدريبات المشتركة والعابرة للحدود مثل ترايدنت، نضيف عنصر التعلم المتبادل الذي يتيح تبادل الخبرات، ويعزز الثقة، ويرفع من مستوى الجاهزية. وفي نهاية المطاف، فإن أي وحدة في أي دولة عضو ستكون قادرة على التحرك بسرعة وثقة وتنسيق لحماية أمننا الأوروبي المشترك”.
النتائج
يُظهر التدريب المشترك “ترايدنت” (TRIDENT) أن أوروبا تتجه نحو مرحلة جديدة من التنسيق الأمني العابر للحدود، خاصة في ظل تصاعد التهديدات غير التقليدية مثل الإرهاب البحري، وتهريب البشر، والجريمة المنظمة عبر الممرات المائية. فمشاركة أكثر من 200 ضابط من 10 دول أوروبية تعكس ليس فقط الإرادة السياسية لتعزيز التعاون الأمني، بل الوعي الجماعي بضرورة توحيد الاستجابات العملياتية لمواجهة المخاطر المتحولة.
يعكس التدريب تطورًا نوعيًا في بنية التعاون الأوروبي في مجال الأمن الداخلي، حيث تتحول التدريبات من مجرد تبادل للخبرات إلى محاكاة ميدانية لعمليات أمنية واقعية. هذا يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يسعى لتشكيل “شبكة أمنية تكاملية”، قادرة على العمل الميداني المشترك، وليس فقط التنسيق المعلوماتي. كما يبرز الدور المتنامي لوحدات التدخل الخاصة، مثل تلك التابعة للشرطة السويدية، في قيادة المهام المشتركة، وهو ما يعكس تحول السويد إلى محور أمني في شمال أوروبا بعد انضمامها إلى الناتو.
من المتوقع أن تُترجم نتائج تدريب “ترايدنت” إلى بروتوكولات موحدة للتعامل مع الأزمات البحرية، وأن تُدمج هذه الخبرات ضمن آلية التعاون بين اليوروبول وفرونتكس (وكالة حرس الحدود الأوروبية). وستساهم مثل هذه التمارين في بناء قدرات أمنية أوروبية مستقلة نسبيًا، مما يقلل الاعتماد على الدعم الأمريكي في إدارة الأزمات داخل الحدود الأوروبية.
يبقى التحدي الأكبر في مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على تحويل هذه التمارين إلى سياسة دائمة، تُبنى على مشاركة المعلومات الحساسة وتوزيع الأدوار الميدانية بمرونة. فالتعاون الأمني، رغم تقدمه، لا يزال محكومًا بالسيادة الوطنية، التي قد تعرقل تكوين بنية أمنية أوروبية موحدة. مستقبلًا، قد نشهد تأسيس قوة أوروبية خاصة للأمن الداخلي تُنسّق عبر “شبكة أطلس”، تكون جاهزة للتدخل في حالات الطوارئ العابرة للحدود. وسيُعدّ هذا إنجازًا رمزيًا واستراتيجيًا، يعكس تحوّل أوروبا من مجرد كيان إداري إلى فاعل أمني متكامل، قادر على حماية فضائه الداخلي بقدراته الذاتية.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=111251
