بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI ، حدة الدراسات والتقارير”1″
مكافحة الإرهاب ـ داعش في العراق، القدرات، المخاطر، والتدابير الأمنية
شهد العراق منذ عام 2014 صعود تنظيم “داعش” كأخطر تنظيم إرهابي تمكن من السيطرة على أجزاء واسعة من أراضيه، معلنًا ما سماه بـ”دولة الخلافة”. وعلى الرغم من الهزيمة العسكرية التي ألحقتها به القوات العراقية والتحالف الدولي في نهاية 2017، إلا أن التنظيم لم يُهزم أيديولوجيًا وأمنيًا بالكامل، إذ عاد ليُمارس نشاطه عبر خلايا سرية وهجمات متفرقة. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل واقع التنظيم الحالي، قدراته، وحجم تهديده، وتقديم مقترحات عملية للحكومة العراقية، خاصة جهاز مكافحة الإرهاب، للحد من خطورته.
حجم تنظيم داعش في العراق بعد 2017
رغم انهيار الهيكل الإداري والعسكري العلني للتنظيم، تشير التقديرات إلى أن عدد عناصر داعش في العراق يتراوح بين 1,000 إلى 2,000 عنصر، موزعين على شكل خلايا نائمة أو مجموعات صغيرة في مناطق نائية. يتواجد التنظيم بشكل خاص في مناطق: ديالى، كركوك، صلاح الدين، نينوى، والحدود مع سوريا. التنظيم يحتفظ بشبكة دعم لوجستي ومجتمعي محدودة، ويعتمد على التهريب والجباية المحلية لتأمين الموارد.
القدرات والإمكانيات العسكرية والتنظيمية الحالية
يعتمد داعش على تكتيكات العصابات: الاغتيالات، الكمائن، العبوات الناسفة، واستهداف القرى النائية. لا يمتلك التنظيم حاليًا قدرات للسيطرة على المدن أو خوض معارك مفتوحة، لكنه يحتفظ بمرونة حركية عبر الجبال والمناطق الوعرة. يستثمر الفوضى السياسية، والتوترات الطائفية، والخلافات بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، لإعادة التموضع.
حجم المخاطر الأمنية
لا يشكل داعش تهديدًا استراتيجيًا بقدر ما يمثل تهديدًا تكتيكيًا يعرقل الاستقرار ويستنزف الأجهزة الأمنية. خطر التنظيم يكمن في استهداف المدنيين، وتعطيل جهود إعادة الإعمار، وإثارة الفتن الطائفية. كما أن احتمال تمدد التنظيم عبر الحدود من سوريا يشكل خطرًا مستمرًا، في ظل هشاشة الوضع الأمني في الجانب السوري.
مصادر تمويل داعش في العراق ؟
لا يزال تنظيم “داعش” يحتفظ بقدرات مالية تمكنه من تنفيذ هجمات وتمويل خلاياه في العراق في عام 2025، ، رغم خسارته للأراضي التي كان يسيطر عليها. تعتمد مصادر تمويله على مجموعة من الأنشطة غير المشروعة والطرق السرية. أبرزها :
الابتزاز والإتاوات المحلية: يواصل التنظيم فرض إتاوات على السكان المحليين، خاصة في المناطق الريفية والنائية، من خلال التهديد بالعنف أو تقديم “حماية” مزعومة. كما يقوم بابتزاز أصحاب الأعمال والتجار للحصول على أموال.
التهريب والاتجار غير المشروع: ينخرط التنظيم في تهريب النفط، الآثار، والأسلحة، مستفيدًا من ضعف الرقابة على الحدود والمناطق الصحراوية. كما يشارك في الاتجار بالبشر والمخدرات لتمويل أنشطته.
التحويلات المالية السرية: يستخدم “داعش” شبكات الحوالة غير الرسمية لتحويل الأموال بين أفراده وخلاياه، مما يصعب تتبعها من قبل السلطات. كما يستغل العملات الرقمية لنقل الأموال بسرية.
دعم من مؤيدين خارجيين: يتلقى التنظيم تبرعات من مؤيدين له في الخارج، سواء عبر تحويلات مالية مباشرة أو من خلال جمعيات خيرية تعمل كواجهة لجمع الأموال.
هل تحول تنظيم داعش الى اللامركزية في العراق؟
إن تنظيم “داعش” لم يعد تنظيمًا مركزيًا كما كان خلال فترة سيطرته على “الخلافة” بين 2014 و2017، بل تحول إلى تنظيم لا مركزي يعتمد على الشبكات والخلايا المتفرقة.
ـ خسارة الأراضي ومراكز القيادة، بعد انهيار سيطرة التنظيم على المدن الكبرى كالموصل والرقة، فقد “داعش” بنيته الإدارية المركزية التي كانت تُدار عبر “ولايات” و”ديوانيات” مركزية.
ـ ضربات التحالف الدولي والقوات العراقية، العمليات العسكرية والقصف المكثف أسفر عن مقتل معظم قادة الصف الأول، مما أدى إلى فراغ في القيادة وصعوبة في اتخاذ قرارات موحدة.
ـ صعوبة التنقل والاتصال، أصبحت الحدود والأراضي الخالية من الرقابة أقل، وتم تفكيك أغلب شبكات الاتصالات التقليدية، ما أجبر التنظيم على الاعتماد على خلايا محلية تتصرف باستقلالية نسبية.
دلائل اللامركزية اليوم
ـ الخلايا النائمة، تعتمد معظم هجمات “داعش” في العراق الآن على خلايا صغيرة تنشط في مناطق محددة (مثل ديالى، صلاح الدين، كركوك، والأنبار)، وتنفذ عمليات بأسلوب حرب العصابات.
ـ غياب العمليات المتزامنة والواسعة النطاق لم يعد التنظيم قادرًا على تنفيذ هجمات معقدة ومنسقة على نطاق وطني، وهو ما يعكس غياب القيادة الموحدة والتنسيق المركزي.
ـ التركيز على التمويل الذاتي المحلي، الخلايا تجمع التمويل من مصادر محلية (إتاوات، تهريب، ابتزاز)، دون الاعتماد الكبير على تمويل مركزي من قيادة موحدة.
“داعش” اليوم قد فقد مركزيته ولكنه لم ينتهِ، بل تبنّى نموذجًا جديدًا يشبه “نشاط شبكي”، ما يجعله أكثر مرونة وخطورة على المدى الطويل، إذ يمكنه العودة متى ما توفرت بيئة مضطربة أو فراغ أمني.
ما علاقة داعش في العراق مع ولاية خراسان في افغانستان ؟
ـ توجد علاقة أيديولوجية وتنظيمية عامة بين “داعش في العراق” و”داعش ولاية خراسان” ، لكن العلاقة ليست هرمية تقليدية بل تُدار ضمن إطار لا مركزي لتنظيم داعش . دلائل العلاقة:الولاء لقيادة داعش المركزية ، فرع “ولاية خراسان” أعلن بيعته لأبي بكر البغدادي عام 2015. ولا يزال حتى اليوم يُعلن ولاءه لزعيم تنظيم “داعش”، “أبو حفص الهاشمي القرشي”، بحسب إعلام التنظيم مؤخرًا. لكن هذا الولاء لا يعني أن “ولاية خراسان” تتلقى أوامر مباشرة من قيادة داعش في العراق، بل تتحرك إلى حد كبير بشكل مستقل.
ـ يشترك كلا الفرعين في الإيديولوجيا السلفية الجهادية المتشددة.يريان نفسيهما جزءًا من “الخلافة العالمية”، ويروجان لخطاب العداء للدول الغربية، والشيعة، وطالبان.
ـ لا توجد قيادة مركزية بين الفرعين، ولكن يُحتمل وجود تواصل غير منتظم عبر: وسطاء ميدانيين.، أنظمة اتصالات آمنة عبر تطبيقات مشفرة أو الحوالات.، رموز مشتركة في إعلام التنظيم مثل “النبأ”، أو مقاطع الفيديو التي تشيد بعمليات كل فرع.
كلا الفرعين يستخدم منصة إعلامية مشتركة مثل وكالة “أعماق”، مما يُظهر تنسيقًا رمزيًا في الخطاب. أحيانًا يتبادلون يروّجون لعمليات بعضهم البعض، لإبراز “وحدة التنظيم عالميًا”.
ـ لا توجد أدلة قوية على تنسيق مباشر بين الفرعين في العمليات أو التمويل. كل فرع يعمل في بيئة جغرافية خاصة به، ويمول أنشطته بشكل مستقل. ومع ذلك، يشكل كلاهما جزءًا من استراتيجية “داعش العالمية” لإبراز البقاء والتمدد بعد سقوط الخلافة.
ـ “داعش العراق” يواجه القوات العراقية والحشد الشعبي، و “ولاية خراسان” تخوض صراعًا وجوديًا مع حركة طالبان، وتعتبرها “مرتدة” ومتواطئة مع أمريكا. هذا الاختلاف في “العدو” المحلي ينعكس في طبيعة العمليات والخطاب “الجهادي”.
ما علاقات داعش في العراق وسوريا؟
توجد علاقة قوية ووثيقة بين تنظيم داعش في العراق وتنظيم داعش في سوريا، وهي تختلف عن العلاقة بين “داعش العراق” و”داعش خراسان” (التي هي أضعف وأكثر رمزية). العلاقة بين فرعي العراق وسوريا هي في الأساس علاقة أصل ونشأة وهيكلية وتنظيمية وعملياتية:
ـ نشأ تنظيم داعش أساسًا في العراق باسم “الدولة الإسلامية في العراق” بعد 2006، ثم توسع إلى سوريا بعد 2011 عقب الثورة السورية. في عام 2013، أعلن أبو بكر البغدادي دمج “جبهة النصرة” في سوريا مع “الدولة الإسلامية في العراق“ لتشكيل ما أسماه: “الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش” وهو ما رفضه” الجولاني” ونتج عنه انشقاق النصرة وبقاء داعش كتنظيم ممتد في سوريا والعراق.
ـ وحدة القيادة المركزية كانت القيادة العليا أبو بكر البغدادي ثم خلفاؤه تشرف على كل “الولايات”، سواء في العراق أو سوريا، من موقع مشترك غالبًا على الحدود. معظم قرارات التعيين والإعفاء والعمليات الكبرى كانت تأتي من قيادة موحدة.
ـ التنقل والتمركز عبر الحدود، الحدود بين العراق وسوريا (الأنبار ـ دير الزور ـ الحسكة) كانت نقطة تمركز وعبور مهمة للتنظيم. بعد خسارة الرقة والموصل، انسحب قادة ومقاتلو التنظيم عبر الحدود لإعادة التمركز. كانت آخر معاقل التنظيم على الحدود في منطقة الباغوز بسوريا، حيث قاتل فيها مقاتلون من العراق وسوريا سويًا.
ـ التنسيق العملياتي والإعلامي،العمليات كانت تُخطط وتُنفذ أحيانًا عبر تنسيق مشترك بين الفرعين، مثل:
الهجمات على سجون في الحسكة وسنجار. العمليات على القوافل العسكرية المشتركة. الإعلام الرسمي (مثل وكالة “أعماق”، مجلة “النبأ”) يعرض أنشطة الفروع بسلاسة، ما يُظهر ارتباطًا تنظيميًا شديدًا.
ـ وحدة البنية الإدارية كان للتنظيم بنية موحدة تشمل “ديوان الأمن”، “ديوان القضاء”، “ديوان الزكاة”… تعمل في كلا الفرعين بنفس المنهج. حتى بعد سقوط “الخلافة”، بقي هذا النموذج الإداري قائمًا جزئيًا في جيوب التنظيم السرية.
التدابير والإجراءات الأمنية
ـ تعزيز قدرات جهاز مكافحة الإرهاب.
ـ دعم الجهاز بالموارد المالية والتقنية والاستخبارية.
ــ تحديث طرق التدريب والتجهيز لمواجهة تكتيكات العصابات.
تمكين الجهاز من التنسيق مع أجهزة الأمن الأخرى (الجيش، الشرطة الاتحادية، استخبارات الداخلية).
ـ التركيز على العمل الاستخباري الوقائي: اختراق الخلايا النائمة. تحليل البيانات ومراقبة الاتصالات. تطوير بنك معلومات موحد عن المطلوبين والخطرين.
ـ التنسيق الدولي والإقليمي: استمرار التنسيق مع التحالف الدولي. تفعيل الاتفاقيات مع سوريا ودول الجوار لضبط الحدود. إعادة إعمار المناطق المحررة ودمج العائلات النازحة. تنفيذ برامج نزع التطرف وإعادة التأهيل. وإصلاح الخطاب الديني ومكافحة الدعاية المتطرفة عبر الإنترنت.
تقييم وقراءة المستقبلية
ـ رغم الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش وسقوط مايسمى ب”دولة الخلافة”، إلا أن التنظيم لا يزال يحتفظ بقدرة محدودة على تنفيذ هجمات إرهابية، خاصة في المناطق الرخوة مثل جبال حمرين ومناطق التماس. يعتمد على تكتيكات حرب العصابات والخلايا النائمة مستغلاً الفراغات الأمنية والتوترات السياسية.
ـ من المرجح أن يواصل داعش نشاطه على شكل تمرد منخفض الحدة، مع محاولات مستمرة لإعادة التموضع. إلا أن عودته كتنظيم متمكن يسيطر على أراضٍ تبدو غير محتملة ما دام هناك تنسيق أمني فعال وضغط دائم. يتطلب تفكيك التنظيم نهائيًا اتباع نهج شامل يدمج بين الضغط العسكري، العمل الاستخباري، السياسات التنموية، والتعاون الإقليمي والدولي.
ـ يسعى “داعش” يسعى لتعزيز موارده المالية من خلال توسيع أنشطته الإجرامية واستغلال النزاعات المحلية ويعتمد على خلاياه النائمة في العراق لجمع الأموال وتنفيذ الهجمات.
ـ التنظيم اليوم يعتمد على “اللامركزية التشغيلية مع الولاء المركزي.” خلايا مستقلة تتحرك بتوجيه مناطقي وتنظيمي عام. تنظيم داعش في سوريا والعراق يُعتبر فرعًا موحدًا في نظر القيادة المركزية، وغالبًا ما يُشار إليهما إعلاميًا باسم “ولاية العراق والشام”.
ـ يمكن القول إن تنظيم “داعش في العراق” و”داعش في سوريا” هما وجهان لنفس التنظيم.” والعلاقة بينهما عضوية، تنظيمية، عسكرية، ومالية، وليست مجرد علاقة رمزية أو تنسيقية. ورغم الخسائر، لا يزالان يتبادلان الدعم والتمويل والخبرات والقيادات.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=103280
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI