بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI، وحدة الدراسات والتقارير “1”
مكافحة الإرهاب ـ جهود التحالف الدولي والحكومة السورية الانتقالية لمحاربة داعش
طالما استغل داعش الفراغات الأمنية، والانقسامات الطائفية، والمناطق الخارجة عن سيطرة الدولة. في الوقت الراهن، لا يزال التنظيم نشطًا في المناطق الوسطى والشرقية من سوريا، خصوصًا في البادية، حيث يشن هجمات على قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية. وقد انتقل التنظيم إلى مرحلة ما بعد الخلافة، متبنيًا تكتيكات حرب العصابات، والاغتيالات، والتخريب. قيادته لا تزال مرنة ومتحركة، بينما تستمر الاتصالات بين سوريا والعراق عبر قنوات سرية. كما أن للتنظيم نفوذًا في مراكز الاحتجاز مثل مخيم الهول، حيث تستمر عمليات التجنيد والتلقين، خاصة بين النساء والأطفال.
حجم وقوة التنظيم في سوريا
تشير التقديرات إلى أن عدد مقاتلي داعش النشطين في سوريا يتراوح بين 1000 و2000 عنصر، إضافة إلى آلاف المؤيدين المنتشرين ضمن شبكات قبلية أو في مخيمات اللاجئين. رغم فقدانه السيطرة الإقليمية، لا يزال التنظيم يحتفظ بقدرات عملياتية لافتة، لا سيما في المناطق الصحراوية قليلة السكان. التمويل يأتي من الابتزاز، والتجارة غير المشروعة خاصة النفط، والتهريب، وبعض التبرعات الخارجية. أما تسليح التنظيم، فرغم صعوبته، يعتمد على مخازن الأسلحة المتروكة، وعمليات الكمائن. التجنيد يتركز على الشباب المهمش، خصوصًا في دير الزور والرقة.
العلاقة بين داعش سوريا وداعش العراق
يحافظ الجناحان السوري والعراقي للتنظيم على علاقة عضوية وتكاملية، مبنية على التنسيق الأيديولوجي واللوجستي. رغم وجود قيادة موحدة، يُمنح كل فرع هامشًا من الاستقلال التكتيكي. تمر عبر الحدود شبكات تهريب للمقاتلين والأسلحة والأموال. وتحدث أحيانًا عمليات مشتركة، خاصة في وادي الفرات. غالبًا ما يتناوب القادة بين العراق وسوريا، مما يطمس الخط الفاصل بين الساحتين. لكن اختلاف السياقات المحلية قد يؤدي أحيانًا إلى تباين في الأولويات. مكافحة الإرهاب ـ داعش في العراق، القدرات، المخاطر، والتدابير الأمنية
التنافس بين داعش وباقي الجماعات “الجهادية”
يواجه داعش عداءً مستمرًا من قبل جماعات جهادية أخرى، أبرزها هيئة تحرير الشام التي تسيطر على أجزاء من إدلب، وتعتبر داعش تهديدًا مباشرًا. أما جماعة حراس الدين المرتبطة بالقاعدة، فتحافظ على علاقة متوترة وغير مستقرة مع داعش، تتخللها أحيانًا اشتباكات. الخلافات الأيديولوجية بين نهج “الجهاد” العالمي والمحلي تزيد من حدة الانقسامات. رغم عدوانيته وعزله النسبي، فإن إصرار داعش على «نقاء العقيدة» يمنحه مكانة رمزية بين التيارات السلفية “الجهادية”.
الأطراف الإقليمية والدولية التي قد تغذي داعش
رغم الإدانة العالمية لداعش، إلا أن التنظيم يستفيد بشكل غير مباشر من الفوضى الإقليمية ومن حسابات بعض الجهات الفاعلة. يلمح بعض المحللين إلى احتمال استغلال أجهزة استخباراتية للجماعات “الجهادية” كورقة ضغط، وإن كان إثبات ذلك صعبًا. التدخلات الإقليمية، كلها تخلق حالة من اللااستقرار يستفيد منها التنظيم. كما أن التردد الدولي، كخفض الوجود الأمريكي، يمنح داعش مجالًا لإعادة التموضع. المساحات الخارجة عن السيطرة، كالبادية، توفر ملاذًا للتنظيم وخلاياه.
أسلوب عمل تنظيم داعش في سوريا خصوصا في البادية ؟
البادية السورية تمتد من وسط سوريا حتى الحدود العراقية، وهي منطقة شاسعة، قليلة السكان، ذات تضاريس صعبة،جبال، صحارى، ممرات وعرة، مما يجعلها مثالية للتمويه والتحرك دون رصد. وبسبب كبر المساحة وقلة الكثافة السكانية، تفتقر الدولة السورية وقوات سوريا الديمقراطية إلى السيطرة المحكمة، مما يوفر فراغًا أمنيًا. تُستخدم البادية كمنطقة عبور آمنة بين سوريا والعراق لنقل السلاح والمقاتلين.
التكتيكات العسكرية لداعش في البادية
ـ الكمائن والهجمات الخاطفة: ينصب داعش كمائن على الطرق العسكرية والإمداد التي تستخدمها قوات النظام أو “قسد”. يعتمد على عنصر المفاجأة، حيث يهاجم ثم ينسحب بسرعة إلى مناطق وعرة أو كهوف يصعب تتبعها.
ـ الاغتيالات الفردية: يقوم عناصر التنظيم باغتيال عناصر محليين أو قادة ميدانيين موالين للنظام أو لـ “قسد” في القرى المتاخمة للبادية. تُنفذ عمليات القتل في الأسواق أو أثناء تنقل الأهداف، وغالبًا بأسلحة كاتمة للصوت. التخفي والتغلغل في المجتمعات المحلية، بعض عناصر التنظيم يندمجون في القرى كـ “مدنيين”، ويجمعون معلومات استخبارية. تُستخدم هذه المعلومات لاحقًا لتحديد أهداف الهجمات أو الضغط على العشائر المتعاونة مع النظام أو “قسد”.
ـ الألغام والعبوات الناسف: ينشر التنظيم ألغامًا أرضية وعبوات على الطرقات الرئيسية والفرعية في البادية . تستخدم هذه الوسائل لإعاقة تحركات القوات النظامية، وتكبيدها خسائر دون اشتباك مباشر.
ـ الهجمات الليلية: غالبًا ما ينفذ التنظيم هجماته بعد غروب الشمس، مستفيدًا من ضعف الرؤية الجوية والبرية، وضعف التنسيق بين القوات المنتشرة في الصحراء.
السيطرة المؤقتة على نقاط وبلدات: أحيانًا يسيطر التنظيم على حواجز أو قرى نائية لساعات أو أيام قليلة. الهدف ليس الاحتفاظ بالأرض، بل إرسال رسائل قوة، والحصول على غنائم ،سلاح، ذخيرة، مؤن. أما التمويل فيحصل التنظيم على الأموال من خلال الاتاوات من المهربين في البادية، سرقة المواشي والمحاصيل وتهريب النفط من الآبار الصغيرة. مكافحة الإرهاب ـ واقع تنظيم “داعش” 2025
جهود التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والحكومة السورية الانتقالية لمحاربة داعش
تواجه قوات محاربة داعش في البادية عدة تحديات أبرزها: ضعف الطيران والاستطلاع الليلي، نقص الخرائط الدقيقة للمخابئ والكهوف ، صعوبة ملاحقة مجموعات صغيرة، متحركة، وتعرف المنطقة جغرافيًا. هشاشة التنسيق بين النظام و”قسد” في هذه المنطقة. في عام 2025، شهدت جهود مكافحة تنظيم داعش في سوريا تطورات ملحوظة على المستويين الدولي والمحلي، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع رئاسة الحكومة الانتقالية. مكافحة الإرهاب ـ هل يستطيع “داعش” استغلال الفراغ السياسي والأمني في سوريا؟
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن تقليص عدد قواتها في سوريا من حوالي 2,000 إلى أقل من 1,000 جندي خلال الأشهر المقبلة، مع الحفاظ على القدرة على تنفيذ ضربات جوية ضد داعش. وفي إطار عملية “العزم الصلب نفذت القيادة المركزية الأمريكية عمليات جوية استهدفت مواقع لتنظيم داعش في وسط سوريا، مما أدى إلى مقتل عدد من عناصر التنظيم وتدمير شحنات أسلحة. حث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الحكومة السورية الانتقالية على الانضمام إلى التحالف الدولي ضد الجماعات المتطرفة، مشددًا على أهمية التعاون الدولي الشامل في هذا الصدد.
أعلنت الحكومة السورية الانتقالية استعدادها لتولي إدارة مخيمات معتقلي داعش التي كانت تحت إشراف قوات سوريا الديمقراطية، بهدف تعزيز السيطرة الأمنية وتقديم حلول مستدامة لقضية المعتقلين. أفادت السلطات السورية بإحباط مخطط لتنظيم داعش كان يستهدف تفجير مرقد السيدة زينب في ضواحي دمشق، مما يعكس جهود الأجهزة الأمنية في التصدي للتهديدات الإرهابية. وعقد الرئيس السوري أحمد الشرع لقاءً مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في قطر، حيث تم التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون لمواجهة داعش والعمل على استقرار المنطقة.
تقييم وقراءة مستقبلية
ـ من المستبعد جداً أن يعود داعش إلى مرحلة “الخلافة”، لكنه سيبقى تهديدًا مستمرًا كتنظيم مسلح غير مركزي. مستقبله يرتبط بمسارات الحكم في سوريا ما بعد الأسد، وبمدى جدية المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب. التنظيم يتطور نحو شكل شبكي لامركزي، يستلهم من “الجهاد” العالمي ويستغل المشاكل المحلية. إن لم تتم معالجة أوضاع المعتقلين والمخيمات، فإن الخطر سيبقى قائمًا. المطلوب هو استراتيجية متعددة الأبعاد تتطلب، تثبيت الاستقرار، المصالحة، التعاون الاستخباراتي، والاستثمار الطويل في المناطق السنية المهمشة.
ـ رغم هذه الجهود، لا يزال تنظيم داعش يشكل تهديدًا في مناطق مثل البادية السورية، مستفيدًا من الفراغ الأمني والصراعات الداخلية. إن نجاح الحكومة الانتقالية في تعزيز الأمن والاستقرار، بالتعاون مع التحالف الدولي، قد يسهم في تقويض قدرات داعش ومنع عودته كقوة فاعلة في سوريا.
ـ في ظل التغيرات السياسية التي شهدتها سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد، تبرز جهود التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والحكومة السورية الانتقالية، برئاسة أحمد الشرع، في التصدي لخطر تنظيم “داعش”، الذي لا يزال ينشط في مناطق عدة، أبرزها البادية السورية.
ـ التحالف الدولي يواصل جهوده في محاربة التنظيم رغم خفض عدد القوات الأمريكية في سوريا. فقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن تقليص وجودها العسكري إلى أقل من ألف جندي، مع الإبقاء على القدرة الجوية لتنفيذ عمليات دقيقة ضد أهداف التنظيم، ضمن إطار عملية “العزم الصلب”.
ـ باشرت الحكومة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع، باتخاذ خطوات عملية في إطار مكافحة الإرهاب، وذلك في أول اختبار أمني لها بعد تسلم السلطة. وأعلنت الحكومة استعدادها لتولي إدارة مخيمات عناصر داعش التي كانت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، بهدف تحسين الوضع الأمني ومعالجة ملف المحتجزين.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=103419
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI