خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
مكافحة الإرهاب ـ الطائرات بدون طيار، كيف تُغيّر شكل التهديدات الإرهابية في أوروبا؟
أكدت السلطات البلجيكية، في التاسع من أكتوبر 2025، إنها اعتقلت ثلاثة شبّان بتهمة التخطيط لهجوم مستوحى من الفكر الإسلاموي باستخدام متفجرات محمولة على طائرات بدون طيار. تقول المدعية العامة الفيدرالية آن فرانسن: “إن الاعتقالات جرت في مدينة أنتويرب الشمالية كجزء من تحقيق في “محاولة القتل الإرهابي والمشاركة في أنشطة جماعة إرهابية”. تابعت فرانسن: “بعض العناصر تشير إلى أن المشتبه بهم كانوا يعتزمون تنفيذ هجوم إرهابي مستوحى من الإسلاموية ضد شخصيات سياسية”، حيث ذكرت تقارير أن رئيس الوزراء بارت دي ويفر كان من بين العديد من السياسيين المستهدفين0 وأضافت: “هناك مؤشرات على أن المشتبه بهم كانوا يهدفون إلى تصنيع طائرة بدون طيار قادرة على حمل حمولة”، ورفض مكتب المدعي العام تسمية الأهداف المقصودة.
الطائرات بدون طيار والإسلام السياسي تهديد خطير
أكد وزير الدفاع البلجيكي، ثيو فرانكن: “أن الطائرات بدون طيار مشكلة كبيرة، وكذلك الإسلام السياسي، لكننا نعرف ذلك منذ زمن”. وذكرت التقارير أن الشرطة قامت بتفتيش مسكن يقع على بعد بضع مئات الأمتار من منزل دي ويفر في المدينة. أوضحت فرانسن: “أثناء تفتيش منزل أحد المشتبه بهم، تم العثور على جهاز بدائي الصنع، يُحتمل أن يكون قابلًا للانفجار، لكنه لم يصبح جاهزًا للعمل بعد، إلى جانب حقيبة تحتوي على حبيبات معدنية”. أضافت فرانسن: “أن الشرطة عثرت في منزل مشتبه به ثانٍ على طابعة ثلاثية الأبعاد يُعتقد أنها كانت مخصصة لتصنيع مكونات مفيدة في تنفيذ هجوم”.
الابتكارات في هجمات الطائرات بدون طيار
أشارت دراسة صادرة عن المركز الدولي لمكافحة الإرهاب (ICCT) إلى تنوع واسع في أنواع الطائرات المسيرة التي تستخدمها الجماعات المتطرفة، مشيرة إلى أن هذه الجماعات لم تقتصر فقط على استخدام الطائرات الجاهزة تجاريًا، بل طورت شبكات معقدة من التوريد، وبنية تحتية تقنية داعمة، بالإضافة إلى اعتمادها على تقنيات متقدمة في التصنيع والتعديل. وتبعًا لذلك، تختلف طبيعة التهديدات التي تطرحها هذه الطائرات باختلاف الجماعة المنفذة، والموقع الجغرافي، ونوعية الأهداف.
وضربت الدراسة مثالًا بتنظيم داعش، الذي غالبًا ما يُشار إليه بوصفه أحد أبرز المستخدمين للطائرات المسيرة بين الجماعات الإرهابية غير الحكومية. فقد تمكن التنظيم من تطوير بنية تحتية شبه مكتملة لهذا الغرض، شملت تصنيع الطائرات، وتحويلها إلى أدوات هجومية ذات فاعلية، دون الحاجة إلى دعم مباشر من دول راعية. ولم يكتفِ باستخدامها كوسيلة عسكرية فحسب، بل استثمرها في حملاته الدعائية، لإبراز قوته التقنية وقدرته على تنفيذ هجمات نوعية. واستخدم داعش عددًا كبيرًا من الطائرات الرباعية المروحية الصغيرة، المعدّلة خصيصًا لإسقاط قنابل يدوية تقليدية أو معدلة، ما مكّنه من تنفيذ هجمات دقيقة ذات أثر نفسي وإعلامي واسع، خاصة في مناطق الصراعات
الجماعات المدعومة من إيران
أضافت الدراسة “اختلف تنظيم داعش عن الجماعات المدعومة من إيران والتي تستخدم الطائرات المسيرة، والتي كانت تميل إلى تفضيل الهجمات المباشرة بين الطيار والهدف، حيث تصطدم الطائرات المسيرة المحملة بشحنات متفجرة بالهدف أو بالقرب منه وتنفجر. وعادةً ما تُفضل الطائرات المسيرة القادرة على حمل حمولات أكبر وذات مدى أطول لهذا النوع من الهجمات وتتطلب مستويات متفاوتة من المهارات. ومع ذلك، حتى بين المجموعات المدعومة من إيران، كان هناك تباين كبير في نطاق الهجمات التي تستهدف الطيارين، وتعقيدها، والمعدات المستخدمة”.
غالبًا ما تُظهر الجماعات الإرهابية ابتكارًا ملحوظًا في تكتيكاتها ووسائل هجومها. وقد عكست الدراسة لبرامج الطائرات المسيرة للجماعات الإرهابية هذه القدرة الهائلة والرغبة في الابتكار. فالجماعات التي استخدمت الطائرات المسيرة بنجاح لم تكتفِ باقتناء طائرات مسيّرة أكثر وأفضل، بل يبدو أنها كرّست اهتمامًا كبيرًا للمراقبة والتعلم من نظيراتها. وبذلك، أظهرت قدرة على التكيف مع التغيرات في المواقف الدفاعية، واستجابت من خلال إجراءات تقنية وتكتيكية جديدة.
النتائج
تكشف حادثة اعتقال ثلاثة شبّان في بلجيكا بتهمة التخطيط لهجوم باستخدام طائرات مسيّرة عن تصاعد التهديدات الإرهابية التي تتخذ أشكالًا تكنولوجية متطورة. هذه الواقعة ليست مجرد حادثة معزولة، بل تمثل نمطًا جديدًا في أنماط التطرف الإسلاموي، حيث يتم دمج التكنولوجيا الرخيصة نسبيًا، مثل الطائرات بدون طيار، بوسائل تقليدية للتطرف العنيف، ما يوسّع من قدرات الفاعلين غير الحكوميين في تنفيذ هجمات دقيقة وموجهة.
يتضح من خلال تصريحات المدعية العامة فرانسن ووزير الدفاع فرانكن، القلق البلجيكي من الطائرات المسيّرة، ليس فقط كسلاح محتمل، بل كأداة ترمز إلى اختراق تكنولوجي مقلق في يد جماعات متطرفة. ويزيد هذا القلق حين يستهدف الهجوم شخصيات سياسية وحكومية بارزة، ما يعكس انتقالًا في استراتيجية الجماعات من استهداف مدنيين عشوائيين إلى استهداف مراكز السلطة بشكل مباشر.
باتت الجماعات الإرهابية تملك قدرات متقدمة في مجالات تطوير وتشغيل الطائرات المسيرة، مما يعكس تحولًا نوعيًا في تكتيكاتها. ويبدو أن الخبرات المكتسبة من التنظيمات كتنظيم “داعش”، والجماعات المدعومة من إيران، تنتقل إلى شبكات أصغر محليًا، مما يجعل من مواجهة هذا التهديد مسألة معقدة تتجاوز الأطر الأمنية التقليدية.
من المرجح أن يشهد الاتحاد الأوروبي موجة جديدة من التحديات الأمنية المرتبطة بالتقنيات منخفضة التكلفة وعالية الفعالية. فطابعات ثلاثية الأبعاد، ومكونات إلكترونية متوفرة تجاريًا، باتت تسهّل على الأفراد أو الخلايا الصغيرة تصنيع طائرات مسيرة أو متفجرات دون الحاجة إلى دعم خارجي مباشر. ويفرض هذا واقعًا أمنيًا جديدًا يستدعي تطوير تشريعات تقنية، وتعزيز التعاون الاستخباراتي الأوروبي، ومراقبة صارمة لشبكات التوريد الإلكترونية والرقمية.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110403
