خاص – المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات – ألمانيا وهولندا (ECCI)ـ وحدة الدراسات والتقارير”1″
مكافحة الإرهاب ـ البيئة الأمنية الألمانية، لماذا تتكرر هجمات الطعن بالسكاكين والدهس بالمركبات؟
شهدت ألمانيا خلال السنوات الأخيرة تزايدًا لافتًا في حوادث الطعن، والتي باتت تُشكل تهديدًا مباشرًا لأمن المواطنين في الأماكن العامة، سواء كانت دوافعها أيديولوجية متطرفة، أو ناتجة عن اضطرابات نفسية واجتماعية، أو حتى تعبيرًا عن نزعات عدائية فردية. ورغم أن هذه العمليات تتم غالبًا بأدوات بدائية كالسكاكين، إلا أن آثارها النفسية والسياسية تكون عميقة، كونها تحدث بشكل مفاجئ يصعب التنبؤ به أو منعه مسبقًا. تأتي هذه الظاهرة في سياق أوروبي عام يتسم بارتفاع منسوب التهديدات غير المتماثلة والتي تعتمد على أفراد يعملون بشكل مستقل، خارج الأطر التنظيمية المعروفة، ما يجعل من الصعب رصدهم استخباريًا أو توقع سلوكهم. وفي ألمانيا على وجه الخصوص، تتداخل عدة عوامل ساهمت في تصاعد هذا النمط من العنف، منها: فشل بعض سياسات الاندماج، الانتشار الرقمي للدعاية المتطرفة (سواء إسلاموية أو يمينية متطرفة)، تفشي العزلة النفسية لدى فئات مهمشة، بالإضافة إلى التحديات الأمنية في مراقبة الأفراد ذوي السجل الإجرامي أو النفسي. محاربة التطرف في ألمانيا ـ التطرف الإسلاموي لا يزال يُشكل تهديدًا متصاعدًا ومتطورًا
أسباب تكرار الحوادث في ألمانيا أكثر من بقية دول أوروبا؟
ـ قضايا الهجرة واللجوء: تُعتبر من أكثر المواضيع المثيرة للجدل في ألمانيا. تثير السياسات الحكومية توترات داخل المجتمع، مما قد يدفع بعض المتطرفين إلى تنفيذ هجمات عنيفة.
التغطية الإعلامية المكثفة: نظرًا لحجم الاقتصاد الألماني وأهميته الجيوسياسية، تحظى هذه الحوادث بتغطية إعلامية واسعة مقارنة بدول أوروبية أخرى.
ـ الكثافة السكانية العالية: المدن الكبيرة مثل برلين، ميونخ، ومانهايم تضم تجمعات كبيرة من الناس، ما يجعلها هدفًا أسهل للهجمات.
ـ تصاعد حوادث التطرف: سواء كانت ناتجة عن عوامل اجتماعية أو تأثيرات خارجية، فقد شهدت ألمانيا ارتفاعًا في الحوادث المرتبطة بالتطرف.
ـ صعوبة منع بعض الهجمات:على الرغم من الجهود الأمنية، فإن بعض الهجمات تُنفذ بأساليب يصعب التنبؤ بها، خاصة في الأماكن المزدحمة.
تواجه ألمانيا تحديات أمنية معقدة بسبب تصاعد حوادث الدهس والطعن، التي تتداخل فيها عوامل سياسية، اجتماعية، وأيديولوجية. التوترات الناتجة عن قضايا الهجرة واللجوء، إضافة إلى الطابع الحضري والكثافة السكانية العالية، تعد من أبرز الأسباب وراء تكرار هذه الحوادث مقارنة ببقية الدول الأوروبية. معالجة جذور هذه الظواهر أمر ضروري لتعزيز الاستقرار والسلام في المجتمع الألماني.
ماتشهده ألمانيا من حوادث وعمليات مهما كانت دوافعها، سياسية، عرقية، أيدلوجية وغيرها، فهو ليس بعيداُ من الوضع السياسي الألماني الهش والمعقد الى جانب التطورات الجيوساسية دولياً : الحروب والنزاعات الدولية والإقليمية.
أما الحديث عن استثمار واستغلال الجماعات المتطرفة بجميع خلفياتها اليمينية المتطرفة والإسلاموية، فهي تستغل المناسبات والتجمعات الواسعة في ألمانيا في مناطق مفتوحة مثل أعياد الميلاد ورأس السنة واحتفالات الكرنفالات وغيرها,
ـ بات ضرورة المراقبة المستمرة للوضع الأمني وتعزيز التدابيرالأمنية لمنع أي تصعيد محتمل. وأعتماد القواعد التقليدية في حماية المناطق المفتوحة والتجمعات منها ، وضع الموانع والحواجز الكونكريتية وكاميرات المراقبة والتفتيش والتواجد للشرطة واجهزة الأمن. أما الاستخبارات فتقع على عاتقها فرز الأشخاص الخطرين وادراجهم تحت المراقبة .
رغم ذلك هناك اجماع لدى خبراء الأمن والاستخبارات، بإن عمليات الطعن والدهس الفردية ان كانت ذات دوافع”إرهابية” او غير إرهابية، يمكن وصفها بإنها على غرار الذئاب المنفردة والتي لايمكن التكهن بها ولا يمكن الحد منها. الإخوان المسلمين في ألمانيا: حجم التنظيم، الأنشطة، والتمثيل المؤسساتي
أبرز حوادث الدهس والطعن في ألمانيا لعامي 2024 و2025
ـ هجوم سوق عيد الميلاد في ماغديبورغ – يناير 2024 : حادث دهس وقع خلال سوق عيد الميلاد في ماغديبورغ، أسفر عن مقتل 5 أشخاص وإصابة أكثر من 200 آخرين. يشتبه في أن الدافع قد يكون مرتبطًا بتوجهات متطرفة أو احتجاجات سياسية.
ـ حادث الدهس في مانهايم – مارس 2025 : سيارة، يُزعم أنها من نوع الدفع الرباعي، اندفعت في وسط المدينة عند منطقة بارادبلاتز. أدى الحادث إلى مقتل شخص واحد وإصابة عدة آخرين. لا تزال التحقيقات جارية، لكنه يُبرز تصاعد المخاوف الأمنية في المناطق الحضرية.
ـ حادث الدهس في ميونخ – فبراير 2025 :حادث دهس آخر في ميونخ أدى إلى إصابة 28 شخصًا على الأقل. استدعى الحادث تدخلًا عاجلًا لقوات الشرطة والإسعاف. يُعتقد أنه قد يكون جزءًا من سلسلة هجمات تستهدف التجمعات العامة.
ـ حادث الطعن في مانهايم – مايو 2024 : وقع الحادث خلال تظاهرة في مانهايم وأدى إلى إصابة عدد من الأشخاص، بينهم إصابات خطيرة. تم الإبلاغ عن حادث طعن آخر في المدينة أسفر عن مقتل شخص. يُشتبه في دوافع متطرفة أو احتجاجية تتعلق بالسياسات الداخلية.
ـ حادثة الطعن في أشافنبورغ – مايو 2024 : هجوم نفذه طالب لجوء أفغاني مرفوض، مما أدى إلى مقتل طفل في الثانية من عمره ورجل في الأربعين. أثار الحادث موجة من الغضب في الرأي العام. يندرج ضمن سلسلة حوادث مرتبطة بجدل سياسات اللجوء والهجرة في ألمانيا.
واقع عمليات الطعن بالسكين
ـ رغم ما تبذله ألمانيا من جهود أمنية متقدمة، لا تزال البلاد تواجه تحديًا مستمرًا يتمثل في عمليات الطعن الفردية، التي غالبًا ما تنفذ بدوافع أيديولوجية، نفسية أو اجتماعية. هذه العمليات، التي تتصف غالبًا بالعشوائية وسرعة التنفيذ، تثير تساؤلات حيوية حول مستقبل الأمن الداخلي، ومدى قدرة أجهزة الدولة، خصوصًا الشرطة والاستخبارات، على التعامل معها.
ـ تشير الاتجاهات العامة إلى أن عمليات الطعن، التي تُصنف ضمن أعمال “الذئاب المنفردة”، مرشحة للاستمرار في المستقبل القريب، بل وربما الزيادة في وتيرتها وتنوع خلفيات منفذيها. يعود ذلك إلى عدة عوامل متداخلة:
ـ تحول التهديدات: لم تعد التهديدات الإرهابية تعتمد على خلايا تنظيمية كبيرة، بل بات التركيز على التحريض الرقمي عبر الإنترنت وتشجيع الأفراد على تنفيذ عمليات انتحارية أو هجومية باستخدام وسائل بسيطة مثل السكاكين.
ـ فجوات الاندماج والتهميش: بعض الأفراد من خلفيات مهاجرة، خصوصًا الجيل الثاني والثالث، يعانون من العزلة والتمييز المجتمعي، مما يجعلهم عرضة للتأثر بالأفكار الراديكالية أو الإحباط الشخصي الذي يتحول إلى عنف.
ـ تصاعد النزعة الشعبوية وكراهية الأجانب: أدى نمو التيارات اليمينية إلى خلق أجواء استقطاب سياسي واجتماعي، ما يزيد من احتمالات قيام أفراد من أقصى اليمين أو من فئات مهمشة بأعمال طعن تستهدف مجموعات بعينها. مكافحة الإرهاب ـ الذئاب المنفردة سمة الإرهاب في أوروبا. ملف
هل يمكن منع عمليات الطعن؟
الوقاية الكاملة من هذه العمليات أمر صعب من الناحية الواقعية، نظرًا لعفويتها وطبيعتها المفاجئة. إلا أن إمكانية الحد منها تبقى قائمة عبر:
تعزيز قدرات الوقاية المجتمعية: من خلال برامج نزع التطرف، والدعم النفسي والاجتماعي للأفراد المعرضين للانعزال أو التأثر بالدعاية المتطرفة، سواء كانت إسلاموية أو يمينية.
تطوير تقنيات الإنذار المبكر: عبر تعزيز أدوات الرصد الرقمي والاستخباري، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد المؤشرات السلوكية على وسائل التواصل الاجتماعي.
رفع الجهوزية الشرطية في الأماكن العامة: من خلال نشر مزيد من الدوريات وزيادة الرقابة بالفيديو، خاصة في محطات النقل والمراكز التجارية والمناسبات العامة.
مسؤولية الاستخبارات أم الشرطة؟
يقع هذا النوع من العمليات عند تقاطع مسؤوليات كل من الشرطة والاستخبارات، إلا أن تحديد المسؤولية الفعلية يختلف باختلاف الحالة:
إذا كان منفذ العملية معروفًا لدى أجهزة الاستخبارات، خصوصًا إن كان له سجل تطرف أو تمت مراقبته سابقًا، فإن مسؤولية منعه تقع بشكل كبير على عاتق الاستخبارات، التي يُفترض أن تحلل التهديد وتمنعه قبل وقوعه.
أما إذا كان المنفذ غير معروف، ولم تظهر عليه مؤشرات سابقة، فإن التحدي الأمني هنا يتمثل في كونه “غير قابل للرصد الاستخباري المسبق”، وتنتقل المسؤولية إلى الشرطة، في مستوى سرعة الاستجابة والتحقيق اللاحق.
ومع ذلك، فإن تكرار مثل هذه الحوادث يمكن أن يُعد مؤشرًا على ثغرة منهجية في التعاون والتنسيق بين أجهزة الشرطة والاستخبارات، أكثر من كونه فشلًا فرديًا. وهذا يدعو إلى إعادة تقييم هيكل تبادل المعلومات بين الجهات الأمنية، وتحسين آليات التصنيف السريع للأشخاص المعرضين للتطرف.
تؤكد الوقائع الأمنية المتكررة أن عمليات الطعن، بوصفها أحد أشكال التهديد الفردي منخفض التقنية وعالي التأثير، تفرض تحديًا متصاعدًا على أجهزة الأمن في ألمانيا. هذا النوع من العمليات لا يمكن احتواؤه فقط عبر الوسائل التقليدية للشرطة أو عبر الرصد الاستخباري الكلاسيكي، بل يتطلب مقاربة أمنية هجينة، تدمج بين العمل الاستباقي الاستخباري والتدخل السريع للشرطة، إلى جانب أدوات تحليل السلوك الرقمي.
إن إحدى النقاط الجوهرية في المواجهة الأمنية لهذه الظاهرة، تتمثل في تعزيز تبادل المعلومات بين الشرطة والاستخبارات في الوقت الحقيقي، وتطوير قواعد بيانات موحدة تتيح رصد الأفراد ذوي النزعة للعنف، سواء من خلفيات دينية متطرفة أو تيارات يمينية متطرفة أو حالات نفسية غير مستقرة.
كما يجب أن ترافق الجهود الأمنية سياسات أمن مجتمعي، تركز على الكشف المبكر من خلال المدارس، مراكز الاندماج، والقطاع الصحي، لمنع تحول الأزمات الشخصية إلى دوافع عنف. ومن الضروري كذلك تطوير وحدات خاصة داخل الشرطة للتعامل مع الهجمات الفردية المفاجئة، وتدريب العناصر على تقنيات المواجهة السريعة في الأماكن العامة.
وباختصار، فإن مستقبل السيطرة على عمليات الطعن مرهون بمدى قدرة الدولة على بناء منظومة أمنية مرنة واستباقية، تتكامل فيها المعلومات، وتتوسع فيها أدوات الرصد، ويُعاد فيها تعريف مفهوم “التهديد” ليشمل طيفًا واسعًا من السلوكيات المؤهلة للعنف.
التوصيات الأمنية
في ضوء ما سبق، ولتعزيز فعالية المواجهة الأمنية لعمليات الطعن الفردية في ألمانيا، يُوصى بما يلي:
تعزيز التكامل الاستخباري والشرطي: إنشاء غرف عمليات مشتركة دائمة بين أجهزة الاستخبارات (BfV) والشرطة الفيدرالية والمحلية، لتسهيل تبادل المعلومات في الوقت الفعلي حول الأفراد المحتمل تورطهم في أعمال عنف فردية.
إطلاق وحدة وطنية متخصصة في الذئاب المنفردة: تكون مهمتها تحليل الحوادث السابقة، وتصميم نماذج تنبؤية وتقديم توصيات لمراقبة المؤشرات السلوكية للتهديدات الفردية.
توسيع برامج الوقاية المجتمعية: من خلال إشراك المدارس، مراكز الصحة النفسية، ومؤسسات المجتمع المدني في الإبلاغ المبكر عن الأفراد المعرضين للعزلة أو النزعة للعنف.
تطوير أنظمة الرصد الرقمي: باستخدام الذكاء الاصطناعي لمتابعة المحتوى المتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي، مع حماية الخصوصية الفردية وفقًا للقانون الألماني.
رفع الجاهزية الشرطية في الأماكن الحساسة: عبر زيادة عدد الدوريات المتنقلة، وتكثيف استخدام تقنيات المراقبة بالفيديو، وتدريب العناصر على تقنيات السيطرة على المهاجمين في الأماكن العامة.
إطلاق حملات توعية وطنية: تهدف إلى تثقيف الجمهور حول كيفية التعرف على السلوكيات المشبوهة والإبلاغ عنها، وتعزيز ثقة المواطن بالأجهزة الأمنية.
إن تبني هذه التوصيات من شأنه أن يُحدث نقلة نوعية في قدرة ألمانيا على الوقاية من هذا النوع من العمليات، وتقليل أثرها عند وقوعها، بما يضمن حماية المجتمع والحفاظ على الثقة العامة في الدولة ومؤسساتها الأمنية.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=103507
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI