خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
مكافحة الإرهاب في أوروبا وتراجع الهجمات وصعود أنشطة التجنيد
أفاد تقرير نُشر في 19 سبتمبر 2025 عن “EURONEWS” بأن الاتحاد الأوروبي شهد تراجعًا ملحوظًا في عدد الهجمات الإرهابية خلال عام 2024، وهو ما يُعدّ تحولًا لافتًا في مسار التهديدات الأمنية التي تواجه دول التكتل. فقد أظهرت البيانات الرسمية التي أصدرتها وكالة إنفاذ القانون الأوروبية “يوروبول” أن عدد الهجمات الإرهابية التي أُبلغ عنها في 14 دولة عضوًا في الاتحاد خلال عام 2024 بلغ 58 هجومًا، مقارنة بـ120 هجومًا تم تسجيلها في عام 2023، أي بانخفاض بنسبة 50% تقريبًا. ورغم هذا الانخفاض الإحصائي، فإن طبيعة التهديدات الإرهابية وتطورها النوعي، خاصة على صعيد تجنيد الشباب، لا تزال تثير قلقًا واسعًا في الأوساط الأمنية الأوروبية.
بحسب التقرير فإن الهجمات الإرهابية لم تكن موزعة بالتساوي بين الدول الأوروبية، إذ تصدرت كل من إيطاليا وفرنسا قائمة الدول التي شهدت أكبر عدد من هذه الحوادث، حيث سجلت إيطاليا 20 حادثًا إرهابيًا، تلتها فرنسا بـ14 هجومًا، ثم ألمانيا بـ6 هجمات، بينما سجلت كل من النمسا واليونان 3 هجمات لكل منهما. هذا التوزيع يشير إلى أن بعض الدول الأوروبية لا تزال تمثّل أهدافًا مفضلة للجماعات الإرهابية، إما بسبب موقعها الجغرافي، أو لتاريخها السياسي والأمني في التعامل مع قضايا التطرف.
نوعية العمليات تمثل قلق متزايد للسلطات الأمنية الأوروبية
رغم التراجع العددي في الهجمات، فإن نوعية تلك العمليات مثّلت مصدر قلق متزايد للسلطات الأمنية. فقد كشف التقرير أن نحو 50% من هذه الهجمات نُسبت إلى ما يُعرف بالإرهاب الإسلاموي، وهو ما يمثل زيادة ملحوظة مقارنة بعام 2023. وتسبب هذا النوع من الهجمات في وقوع أكبر عدد من الضحايا، حيث أسفر عن مقتل 5 أشخاص وإصابة 18 آخرين بجروح متفاوتة. وفي حين كانت أغلب الهجمات موجهة ضد المدنيين، فإن القطاع الصناعي شكّل هدفًا متكررًا للجماعات المتطرفة، مما يشير إلى رغبة هذه التنظيمات في التأثير على البنية التحتية الاقتصادية وضرب مراكز الإنتاج الحيوية في الدول الأوروبية.
استمرار التوجه الإرهابي نحو المناطق ذات الكثافة السكانية العالية
ووفقًا للتقرير، فقد نُفذت الغالبية العظمى من الهجمات (45 من أصل 58) داخل المدن، في مقابل 13 هجومًا فقط وقعت في المناطق الريفية. وهذا يعكس استمرار التوجه الإرهابي نحو المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية، حيث يكون تأثير الهجوم أكبر من حيث عدد الضحايا، والانطباع الإعلامي، والأثر السياسي. في الوقت نفسه، يسلّط هذا التوزيع الجغرافي الضوء على أهمية تعزيز التدابير الأمنية في المراكز الحضرية والميادين العامة، خاصة في ظل وجود دلالات على تطرف أفراد يعملون بشكل منفرد بعيدًا عن الهياكل التنظيمية التقليدية.
على صعيد الاعتقالات، شهد عام 2024 توقيف ما مجموعه 449 شخصًا في 20 دولة أوروبية، بتهم تتعلق بارتكاب أو التخطيط لهجمات إرهابية، وهو ما يمثل ارتفاعًا طفيفًا مقارنة بعامي 2023 (426 معتقلًا) و2022 (380 معتقلًا). وكانت غالبية هذه الاعتقالات قد جرت في دول مثل إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وهي بلدان ذات تاريخ طويل من المواجهة مع الجماعات الإرهابية، وتملك أجهزة أمنية ذات خبرات متقدمة في هذا المجال. ومن بين المعتقلين، كان 405 من الذكور، بينما لم يتجاوز عدد الإناث 43، وهو ما يشير إلى أن النسبة الكبيرة من المتورطين في الإرهاب لا تزال من الذكور، وإن كان هناك اتجاه متصاعد لتجنيد الفتيات في بعض التيارات المتطرفة، لا سيما عبر الإنترنت.
اللافت في التقرير كان تسليطه الضوء على دور الشباب والقاصرين في النشاط الإرهابي داخل الاتحاد الأوروبي. فقد كشفت الأرقام أن نحو 33% من المشتبه بهم الذين تم توقيفهم في عام 2024 تتراوح أعمارهم بين 12 و20 عامًا، وهي نسبة مقلقة للغاية. وكان أصغر معتقل بتهمة التخطيط لهجوم إرهابي يبلغ من العمر 12 عامًا فقط، ويتبنى أفكارًا متطرفة تنتمي إلى التيار اليميني المتطرف. كما أظهرت البيانات أن أغلب هؤلاء القُصّر كانوا على ارتباط بالإرهاب الإسلاموي، ثم يليه التطرف اليميني والتطرف العنيف.
الشباب المتطرفين خضعوا لعملية تطرف خاصة عبر الإنترنت
وفقًا لتقديرات “يوروبول”، فإن معظم هؤلاء الشباب المتطرفين خضعوا لعملية تطرف ذاتي، خاصة عبر الإنترنت، بعيدًا عن أي ارتباط مباشر بجماعة إرهابية منظمة. فقد تصرف العديد منهم بمفردهم أو ضمن مجموعات صغيرة من الأقران، ما يُصعّب على أجهزة الأمن تتبعهم أو كشفهم في مراحل مبكرة. وفي 133 حالة تم رصدها، لم يكن من بينهم سوى 12 فتاة، ما يعكس استمرار تنامي نسبة الذكور على ساحة التطرف الشبابي، لكنه في الوقت ذاته لا يستبعد احتمال ازدياد تجنيد الفتيات مستقبلًا.
تقول فيكي إيفانز، المنسقة الوطنية لبرنامج “بريفنت” المخصص لمكافحة الإرهاب عبر الوقاية المجتمعية: “التعامل مع قضايا السلامة على الإنترنت في هذا العالم الرقمي سريع التطور قد يبدو مهمة صعبة ومرهقة، لكننا نؤمن بأن تمكين الأطفال بالمعرفة والوعي هو خط الدفاع الأول ضد المخاطر”. أضافت إيفانز: “أن الهدف هو أن يتمكّن الأطفال من معرفة الخطوات السليمة التي يجب اتخاذها في حال مواجهتهم لأي محتوى غير لائق أو مشبوه على الإنترنت، سواء كان متعلقًا بالعنف أو التطرف أو الاستغلال”.
دوافع التطرف لدى الشباب
يشير التقرير إلى أن عوامل متعددة ساهمت في انخراط هؤلاء القُصّر في أنشطة إرهابية، من أبرزها الضعف النفسي، العزلة الاجتماعية، والانخراط المُفرط في المنصات الرقمية التي تنتشر فيها دعايات التطرف. فقد بات “الإدمان الرقمي” بيئة خصبة لانتشار الرسائل المتطرفة، خاصة في أوساط المراهقين الذين يفتقرون إلى الحصانة النفسية والثقافية الكافية لصدّ مثل هذه التأثيرات.
النتائج
يعكس التقرير تحسنًا نسبيًا في الوضع الأمني داخل الاتحاد الأوروبي من حيث انخفاض عدد الهجمات الإرهابية، لكنه في الوقت نفسه يُظهر تطورًا مقلقًا في طبيعة التهديدات. فارتفاع نسبة الهجمات المنسوبة للإرهاب الإسلاموي، وتحديدًا تلك التي تستهدف المدنيين، يشير إلى أن الخطر لم يتراجع بل تغيّر شكله. كما أن تصاعد أعداد المعتقلين، خاصة من فئة الشباب والقُصّر، يعكس تحولًا خطيرًا في استراتيجيات التجنيد التي باتت أكثر تركيزًا على الفئات العمرية الصغيرة.
يكشف تزايد حالات التطرف الذاتي عبر الإنترنت عن هشاشة البنية الرقمية الأوروبية أمام خطاب الكراهية والتطرف، وضعف استجابة الحكومات لوقف تنامي “الذئاب المنفردة” الذي يصعب كشفه قبل التنفيذ. كما أن استهداف المدن والمراكز الحضرية يؤكد أن الجماعات المتطرفة لا تزال تسعى للتأثير الرمزي والإعلامي الواسع.
مستقبلاً، يُتوقع أن يزداد الاعتماد على المنصات الرقمية المغلقة والتشفير في عمليات التجنيد والتواصل، مما سيزيد من صعوبة تعقب الشبكات الإرهابية. وسيكون على الاتحاد الأوروبي الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وأدوات التحليل السيبراني، بالتوازي مع تفعيل البرامج الوقائية الموجهة للشباب في المدارس والمنصات الرقمية.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109551
